أحدث الأخبار مع #لوسيانجولدمان

الوطن

ماهي البنيوية التوليدية

لوسيان جولدمان (1970 - 1913) واحد من أهم أتباع جورج لوكاش ( 1885-1971) فيما يطلق عليه اسم المدرسة الهيجلية الجديدة في النقد الاجتماعي للأدب. لكن أهم ما يميز لوسيان جولدمان عن لوكاش هو التوغل في التحليل البنيوى لمنجزات الخلق الثقافي، من زاوية تشكيلها ودلالاتها: ومن هذه الزاوية فهو يمثل تطويرا جدليا لمفهوم الأبنية العقلية الهيجلية التى استغلها لوكاش في أعماله المبكرة، وبخاصة في كتابيه عن (نظرية الرواية ) (1916) و (التاريخ والوعى الطبق 1923). ويهتم جولدمان بدراسة بنية العمل الأدبي دراسة تكشف عن الدرجة التي يجسد بها هذا العمل بنية الفكر عند طبقة، أو مجموعة اجتماعية، ينتمي إليها مبدع العمل. وتحاول دراساته، من هذه الزاوية، أن تتجاوز الآلية التي وقع فيها التحليل الاجتماعي التقليدي للأدب، وذلك من خلال التركيز على بنية فكرية، تتمثل في (رؤية للعالم)، تتوسط ما بين الأساس الاجتماعي الطبقي، الذي صدر عنه، والأنساق الأدبية والفنية والفكرية التي تحكمها هذه الرؤية. وهو يتعامل مع هذه البنية المتوسطة - رؤية العالم - باعتبارها (كلية متجانسة) تكمن وراء الخلق الثقافي وتحكمه، مثلما تتجلى فيه وتتكشف بواسطته، فهي - من هذه الناحية - أشبه بالبنية العميقة التي تتحكم في مجموعة الأبنية المتغايرة من حيث المحتوى، والمتجاوبة من حيث قوانين العلائق الوظيفية التي تحكمها، والتي ترتد - في النهاية - إلى هذه البنية العميقة. ولكن ما هي (رؤية العالم ) هذه؟ وعلى أي نحو تتجلى في الأعمال الأدبية، أو تصوغها الأعمال الأدبية؟ وكيف يمكن أن تدرس الأعمال الأدبية من حيث علاقتها بها؟ وهل يمكن أن تدرس هذه الأعمال في عزلة عنها؟ وإذا كان مفهوم «رؤية العالم»، على هذا النحو، يرتبط بمفهوم «الذات المجاوزة للفرد»؛ فإنه يؤكد عدة أمور هامة. منها أن هذه الرؤية تتجلى في الأعمال الفنية والأدبية والفكرية للطبقة. ولعل لفظة (تتجلى) في هذا السياق لفظة مراوغة، تعكر ما يقصده جولدمان. ومن الأدق أن نقول إن (رؤية العالم) تعبر عن نفسها بأشكال مختلفة، وتولد مجموعة من الأعمال، تختلف ظاهريا اختلاف الفلسفة عن الأدب، ولكنها تتجاوب بنيويا من حيث تعبيرها عن هذه الرؤية وتولدها عنها. ومن هذه الزاوية تتحدد قيمة الفلاسفة والفنانين والأدباء الكبار، بل قيمة كبار القادة السياسيين، في جانب منها، على أساس أنهم المعبرون عن بنية رؤية العالم عند الطبقة، أو المجموعة الاجتماعية، التي ينتمون إليها. وتتمثل ميزتهم على غيرهم في أنهم يصوغون هذه الرؤية في أقصى درجات تلاحمها البنيوي، بل إن هذه الصياغة هي التي تميز واحدا منهم عن غيره. ويترتب على ذلك أن الأعمال الأدبية - شأنها في ذلك شأن الإبداعات الفنية والنظريات الفلسفية والمشروعات السياسية - أعمال فردية وجماعية في آن. وهي جماعية لأن الوعي الطبقي للمجموعة الاجتماعية هو الذي ينطوي على مكونات «رؤية العالم». وهي فردية لأن الأديب الأصيل هو القادر على أخذ هذه المكونات ونظمها في عمل ينطوي على أقصى درجة من التلاحم والوحدة، فيحقق لرؤية العالم نفسها أقصى درجة من التماسك والوحدة. وكأن الفنانين والأدباء والفلاسفة وكبار القادة السياسيين - من هذه الزاوية - هم الذين يرفعون «رؤية العالم من مستوى (الوعي الضعيف ) إلى مستوى الوعي الكامل عند الطبقة، أو المجموعة الاجتماعية، التي ينتمون إليها. إن أعمالهم، على هذا النحو، تنطوي على تلاحم داخلي ينبع من التلاحم الخارجي في «رؤية العالم» ويقوي منه. وبقدر ما يؤكد هذا الفهم الطبيعة التوليدية للأبنية الداخلية لهذه الأعمال فإنه يؤكد استحالة فهم هذه الأبنية دون ربطها بالبنية الشاملة التي تولدت منها. ولهذا كله يطلق جولدمان على منهجه النقدي مصطلح «البنيوية التوليدية» وهو مصطلح يكشف عن بعدين مهمين - غير منفصلين - في المنهج. أما البعد الأول فيتمثل في (بنيوية) المنهج: على مستوى النموذج التصوري الذي يحكم إجراءات المنهج وممارساته أو تطبيقاته؛ وعلى مستوى الواقع التجريبي للمادة، من حيث النظر إليها في علاقاتها التي تحكم شتاتها الظاهر، وتحول هذا الشتات إلى كلية، أو بنية من المقولات المتلاحمة. إن الواقع التجريبي، من هذا المنظور، ليس مجرد ركام من الظواهر أو الأحداث، وإنما هو مجموعة من الأبنية. ولا سبيل إلى فهمه لو نظرنا إليه متجاهلين منطقه البنيوي. 1981* * ناقد وأكاديمي مصري ( 1944 - 2021).