منذ 12 ساعات
الصيف والغناء في الذاكرة الجمعية العربية
رنا حداد
ارتبط الصيف والغناء في الذاكرة الجمعية العربية، وما يميز هذه الأغاني، أنها لا تصف الصيف فقط، بل تصنعه. أصبحت هذه الألحان جزءًا من الذاكرة الجمعية، تُشغَّل تلقائيًا مع أول موجة حر، أو مع صوت المروحة القديمة. هي أكثر من موسيقى؛ هي مرافقة للمزاج والهوى والحركة. فمنذ أن بدأت الإذاعة تبث أولى أنغامها، ارتبط الصيف بالموسيقى. موسم الشمس والبحر والذكريات لا يكتمل إلا بصوت مغنٍ يُرافق المشوار، أو لحن يُنعش المزاج في عز الظهيرة. فهل هناك صيفٌ بلا أغنية؟ وهل يمكننا أن نتذكر طفولتنا، أو سفراتنا، أو وجودنا على الشاطىء من دون أن ترافقنا «نسم علينا الهوى» أو «دقّوا الشماسي»؟
اليوم عندما نعيد الاستماع إلى هذه الأغاني، نكتشف أنها لم تكن مجرد نغمات صيفية خفيفة، بل أرشيف عاطفي وثقافي يوثق طريقتنا في العيش، في الحب، في الهروب من الحر، وفي مقاومة الشوب بالضحكة والمشوار والهوى.
صوت الصيف.. فيروز تقولها أولًا
من أوائل الأصوات التي ارتبطت في الوجدان العربي بفصل الصيف، تأتي فيروز، حيث غنت:
«صيف يا صيف»: أنشودة للموسم وللحنين، تدغدغ الذكريات وتوقظ أحلام المراهقة.
«نسم علينا الهوى»: وكأنها نسمة بحر فعلًا، تأتي على مهل لتنعشنا في عزّ الشوب، وتعيدنا إلى طرقات بيت الدين وسهرات بيروت.
عبد الحليم: صوت الشمس والشط
لم يكن عبد الحليم حافظ مجرد مطرب رومانسي، بل كان أيضًا صوت الشاطئ والمصايف:
«دقوا الشماسي عالبلاج»: أغنية صيفية خفيفة، تُشبه زجاجات العصير وألعاب البحر.
«الهوى هوايا» و**»زي الهوى»** و**»جانا الهوى»**: ثلاثية من الأغاني التي جعلت من «الهوى» رمزًا للحرية والحب والمشاوير الطويلة في حرّ يوليو.
أم كلثوم.. حين تغني الشمس
حتى سيدة الطرب أم كلثوم دخلت عالم الصيف بطريقتها الخاصة:
«شمس الأصيل»: ليس مجرد وصف لغروب الصيف، بل لوحة صوتية متكاملة، تدمج الشعر بالموسيقى، وتؤرخ لمشهدٍ لا يُملّ مهما تكرّر.
ليلى نظمي: ضحكة الصيف
بعفوية طاغية وجرعة مرحة، قدّمت ليلى نظمي عددًا من الأغاني التي لا تزال تملأ الإذاعات في عزّ الشوب:
«الدنيا حر.. أنا أخرج أتهوى»: أغنية ساخرة لكنها حقيقية، ترسم صورة الصبيّة التي تبحث عن نسمة هواء وسط المدينة.
«وما شربتش الشاي؟ أشرب إزوزة»: تعبير مصري أصيل عن عادات الصيف، حيث الماء الغازي هو البديل السريع للشاي الثقيل.
شادية وصباح.. من الشمس إلى العلية
شادية تغني:
«قولوا لعين الشمس ما تحماشي»: محاولة ساخرة لإيقاف حرّ الشمس، وكأنها تعاتب الطقس وتناجيه.
أما صباح فتصوّر الصيف بمنتهى الأناقة والطرب:
«روحي يا صيفية، تعي يا صيفية»: دعوة للفرح، واحتفال بالنور، وكأنها عروس تنتظر قدوم الصيف.
«مشوار رايحين مشوار»: وتستكمل الصورة بأغنية تشبه تفاصيل الرحلة الصيفية، من البيت إلى البحر إلى السهرة.
عفاف راضي وسلوى وسميرة.. نكهة الصيف من الريف إلى الجبل
«هوا يا هوا» لـ عفاف راضي: تعبير شاعري عن رغبة في الهروب من الحر، والبحث عن نفس جديد.
«بين الدوالي والكرم العالي» لـ سلوى: صيفية ريفية ناعمة، تعبق برائحة العنب والتين والكروم.
«حيا الله باليالي الصيف» لـ سميرة توفيق: صدى سهرة جبلية، ملوّنة بالود، والغزل، والعلية المضاءة بقناديل الحب.