أحدث الأخبار مع #مارسيلبروست


العربي الجديد
منذ 6 أيام
- ترفيه
- العربي الجديد
"بروست والفنون".. خيانة روح صاحب "البحث عن الزمن المفقود"
يشكّل اسم مارسيل بروست أحد الأعمدة الأساسية في أدب القرن العشرين، لا لِما كتبه فحسب، بل لما أثاره ولا يزال يثيره من تساؤلات حول حدود الفن، وأشكال الذاكرة، وتعقيدات الهوية، ومرايا السرد، وتقاطعات الحياة الشخصية مع الكتابة. ولعل أبرز ما يميّز مشروعه الروائي الضخم "البحث عن الزمن المفقود" هو أنه ليس مجرد محاولة لإعادة تجسيد حياة أو سرد أحداث، بل سعي عنيد ومتشعب لتحويل الحياة إلى فن، والقبض على الزمن لا في تدفقه، بل في لحظاته الثابتة، المحفوظة في الذاكرة أو المنبعثة من أعماق الحواس. في معرض "بروست والفنون" ، المقام حالياً في متحف "تيسن-بورنيميزا" في مدريد والممتد حتى الثامن من يونيو/حزيران المقبل، يحضر الكاتب الفرنسي مارسيل بروست، لا بشخصه فقط، بل عبر الأسئلة الملتبسة التي طالما أرّقته: كيف يمكن للفنّ أن يعبّر عن الحياة؟ وهل يُمكن للعمل الفني أن يكون أكثر صدقاً من التجربة الحيّة ذاتها؟ لوحات ومنحوتات تجسّد التأثيرات الفنية في رؤيته الروائية يأتي هذا المعرض بعد عقود من محاولات تفكيك لغز روايته الأشهر "البحث عن الزمن المفقود"؛ العمل الذي ظل عصياً على التصنيف والتأويل الحاسم. وما يُميز هذا المعرض هو مواجهته الصريحة للتوتر الدائم بين الفن والسيرة، وهو التوتر ذاته الذي حذّر منه بروست مراراً، رافضاً اختزال العمل الفني في سيرة صاحبه أو في خلفياته الواقعية. يقود المعرض زواره في رحلة عبر الأزمنة والأمزجة، من خلال لوحات ومنحوتات وأزياء ومخطوطات، تُجسد التأثيرات الفنية التي شكّلت رؤية بروست للعالم، وتلك التي أعاد هو تشكيلها في أدبه بأسلوب دقيق ومتشابك. من الانطباعيين ككلود مونيه ورينوار، إلى الباروك الكلاسيكي في أعمال فيرمير ورمبراندت، تتناغم العناصر البصرية لتعيد تشكيل باريس أواخر القرن التاسع عشر: المدينة التي ألهمت الكاتب وأصبحت بطلة متخفية في معظم أعماله. جانب من المعرض (Getty) في القاعات الأولى، يعرض المعرض بدايات بروست الأدبية، كأعماله المبكرة "الملذات والأيام" (1896)، التي تكشف عن شغفه المبكر بالفنون، خصوصاً الموسيقى والمسرح والرسم، إضافة إلى زياراته المتكررة لمتحف اللوفر. هذا الولع بالفن ظل يتردد صداه في روايته الكبرى، حيث تتجلى البُنى الجمالية في ملامح الشخصيات، والمواقف، والمشاهد السردية. ويضيء المعرض أيضاً على جانب بالغ الأهمية في عالم بروست: المسرح والموضة. إذ تُعرض لوحة شهيرة لسارة برنار، رسمها جورج كليرين، والتي ألهمت شخصية "بيرما" في الرواية. كما تحضر مختارات من مكتبة بروست الشخصية، وأعمال فنية مستعارة من أبرز المتاحف العالمية، منها: متحف اللوفر، متحف أورسيه، المتحف الوطني للفنون في واشنطن، متحف ستيدل في فرانكفورت، الموريت هاوس في لاهاي. لكن المعرض لا يكتفي باستعراض العلاقة بين بروست والفن، بل يسعى للكشف عن عمق تلك العلاقة: كيف لم يكن الفن عنده ترفاً بصرياً، بل وسيلة جوهرية لفهم الزمن، واستعادة الذاكرة، وتأمل الحب، والانهيار الداخلي للذات. كان يرى في الضوء المسقط على زهرة، أو في ملامح وجه شاحب داخل لوحة، مفتاحاً لفهم أعمق للحياة. آداب التحديثات الحية نحلةٌ في معرض الدوحة للكتاب ورغم هذه الرؤية الطموحة، يقع المعرض في بعض التناقضات. فمن جهة، يُبرز الذوق المحافظ لبروست ويعيد رسم المناخ البصري الحقيقي لعصره. ومن جهة أخرى، يُقحم أعمالاً طليعية لفنانين مثل كوبكا ودوفي وليجيه، تبدو بعيدة تماماً عن الروح البروسية، وتشكل نشازاً بصرياً ومفاهيمياً في سياق المعرض. ويُضاف إلى ذلك التوتر بين رفض بروست للقراءة البيوغرافية الصريحة، وبين ما يبدو محاولةَ المعرض لربط شخصياته الروائية بأشخاص حقيقيين من حياته، أو تحويل فضاءات الرواية الرمزية إلى أماكن مُجسدة ومعروفة، وهو ما يتعارض مع البنية الإيحائية والتمويهية التي أرادها الكاتب لعمله. هكذا، يبدو المعرض في منطقة وسطى: لا ينجح تماماً في خلق تجربة غامرة ومتكاملة، ولا يظل وفياً لجوهر بروست الأدبي. ومع ذلك، يبقى فريداً من حيث إنه يفتح باب التأمل مجدداً في العلاقة بين الفن والذات، وفي كيف يمكن للزمن، كما رآه بروست، أن يُستعاد لا بالحنين، بل بالبصيرة.


الرياض
١٠-٠٥-٢٠٢٥
- ترفيه
- الرياض
سياقاتلحظة مادلين العابرة
تخيل نفسك تحتسي شايا مع كعكة إسفنجية صغيرة لتنغمس فجأة في طفولتك. هذا ما حدث بالضبط في حلقة مادلين الشهيرة في رواية (البحث عن الزمن المفقود) لمارسيل بروست، هزة حسية تسحب الراوي إلى الوراء عبر سنوات بعيدة كما لو كانت أمس. أخذ مشهد مادلين باعتباره تعبيرا عن النوستالجيا، أو مرض الحنين، لكنه في الحقيقة صورة دقيقة لما يعرف بالذاكرة اللاإرادية، حيث يفتح الطعم أو الرائحة العادية لحظات منسية منذ فترة طويلة، أطلق عليها بروست نفسه الاسترجاع اللاإرادي. في لحظة واحدة، تنفجر نهارات الطفولة، ليعيش ماضيه مرة أخرى في انتباه غير عادي، عندها يتبين كيف للماضي الذي تتفرع جذوره فينا يقفر فجأة ليقتحم لحظتنا المعاصرة. يؤكد العلم الحديث أن رؤية بروست حقيقية وليست وهما أدبيا. يظهر علم الأعصاب أن جزيئات الرائحة تطلق شرارتها مباشرة إلى مراكز الذاكرة العاطفية لدينا عبر منطقة الشم عابرة بسرعة إلى الجهاز الحوفي في المناطق المخصصة للعاطفة والذاكرة. لا عجب أن نفحة شيء مألوف يمكن أن تشعرك فجأة بحياة تغمرك بالعاطفة. يرى علماء النفس أن الذكريات التي تتكون بسبب الروائح تكون أثرى عاطفيا من التي تسببها الحواس الأخرى. في تجربة تلو الأخرى، سوف تجرف الرائحة في وقت مبكر ذكريات أكثف من الصورة أو الكلمة. يبدو الأمر كما لو أن أدمغتنا تؤرشف الذاكرة لتجهز عند الطلب محفزة بالروائح من حولنا. لقد تنبّه الكُتّاب والفلاسفة منذ زمن بعيد إلى ما تختزنه لحظة المادلين من عمق. فرواية بروست، في جوهرها، ليست مجرد سرد لحياة شخصية، بل تأمل طويل في الزمن كما يُستعاد لا كما يُقاس. كان بروست يرى أن الذكريات التي تفاجئنا دون قصد، كذكرى الطفولة التي فجّرها طعم المادلين، دليل على أن الماضي لا يختفي، بل يظل حيًّا في أعماقنا، ينتظر لحظة عابرة كي يظهر من جديد. المفكر الفرنسي بول ريكور رأى في الذاكرة نسيجًا حيًّا يشكّل هوية الإنسان، فالذات كما يرى لا تُبنى على ما نتذكره عن قصد فقط، بل على تلك اللحظات التي تنبع من أعماق اللاوعي، كأنها تكشف لنا عن ذواتنا العميقة. في نهاية المطاف، يضعنا مشهد المادلين أمام فهم مختلف: ليست الذاكرة أرشيفا نستدعيه متى شئنا، بل قوة حية، تتسلل إلى وعينا دون إذن، وتعيد تشكيل حاضرنا بلحظة واحدة. إنها، كما رآها بروست، دليل على أن الزمن عميق لا يسير إلى الأمام فقط، بل يجري فينا، يحمل ماضينا إلى حاضرنا، ويذكّرنا أننا نعيش أكثر مما نظن. في النهاية، يذكرنا مشهد مادلين لبروست أن الوقت شخصي به تتفرد ذواتنا. يمكن لأبواب الماضي الموصدة حولنا أن تفتح فجأة لتدعونا للدخول. في تلك اللحظات، يخرج الطفل بداخلنا من الماضي، ويعيد حياكة أيامنا التي نعيش لحظتها الضائعة.


العربي الجديد
٠٣-٠٥-٢٠٢٥
- ترفيه
- العربي الجديد
تحدي السرعة روائياً
في ما يشبه الحملة، شنَّ عددٌ من الكتّاب والصحافيّين العرب هجوماً في العقود الماضية على الرواية العربية التي زادت صفحاتها على الثلاثمئة أو الأربعمئة صفحة، بالزعم أنّها رواية كبيرة الحجم لم تعد تناسب العصر. ذلك أن عصر السرعة يتطلّب رواية بحجم أقل كي تتلاءم مع زمن سريع مُتلاطم لا ينتظر أحداً كي يقرأ رواية طويلة كبيرة الحجم. وفضلاً عن أنّ ذلك النقد قد تجاهل موضوعتي المضمون والبناء الفنّي لصالح الحجم أو الوزن، فإنّه تجاهل حقائق الواقع من بابين: الأول هو أن المجتمع العربي لا يعيش عصر السرعة، بالمعنى الذي تشير إليه تعريفات العصر التي تركّز على اختراع الطاقة البخارية، والنفاثة، وتطوير وسائط النقل، الذي بدأ في الحقيقة منذ القرن التاسع عشر، لا من عصرنا الحالي. والثاني أنّ الغرب نفسه لم يلتزم الوصفة. اللافت أنّ الغرب الأوروبي نفسه لم يجد مشكلة في مواجهة كتابة الرواية بأحجام مختلفة، ولم يضع الرواية في مواجهة مع العصر بسبب حجمها، بل يمكن القول إن الرواية في الغرب قد سجّلت نقاطاً كبيرة في صراعها مع عصر السرعة بأشكال مختلفة، قد يكون من بينها تحدي الحجم ذاته. بل إن الفرنسي مارسيل بروست كتب "البحث عن الزمن المفقود" (هل هو زمن السرعة؟)، وهي رواية في ستة أجزاء، في العشرينيات من القرن العشرين، وكتب الإيرلندي جيمس جويس رواية "يوليسيس" في مليون كلمة. وقِس على ذلك مئات الروايات التي كسرت عنصر الزمن ولم تتقيّد بالعصر. ولدى الروائي الألماني المعاصر لنا ستن نادولني رواية عنوانها "اكتشاف البطء" (دار أطلس، 2022)، وفيها حكاية عن مقاومة السرعة والبقاء في الحياة وفقاً لمنطق آخر يختلف مع الوقائع التي يريد العصر أن يرسّخها في أذهاننا، وهي تروي قصّة البحار الإنكليزي جون فرانكلين، مستكشف القطب الشمالي، دون أن تروي سيرته تماماً، إذ يستخدم الروائي السيرة لتعزيز منطق الرواية المناهض لقيم السرعة التي اعتمدت على هجاء البطء، ويسخّر النص نفسه، الذي يبدأ بداية بطيئة، ثم يوالي البطء في صفحاته التي تصل إلى أربعمئة وسبعين صفحة من السرعة. لماذا يروّج عصر السرعة لرواية تمتدح البطء؟ تقول المعلومة إنّ الرواية باعت ملايين النسخ وتُرجمت إلى عشرات اللغات. والسؤال هو: لماذا يروّج عصر السرعة لرواية تمتدح البطء؟ هل يكون في وسع البطء أن يعيد التوازن إلى عالم مجنون تحكمه السرعة؟ أمّا في عالمنا العربي، فلا تزال ثلاثية نجيب محفوظ، وهي رواية ضخمة تستأثر باهتمام القرّاء والنقاد. كذلك لا تزال رواية "مدن الملح" لعبد الرحمن منيف، تتحدّى عصر السرعة، إذ صدرت في خمسة أجزاء، وبيعت منها عشرات آلاف النسخ، وطبعت طبعات عديدة بحيث لا تجاريها سوى روايات محفوظ. بل إن إيقاع الرواية بطيء للغاية، وخصوصاً في جزأيها الأولين، "التيه" و"الأخدود"، حيث تبدأ المواجهة بين زمن الشخصيات التي تعيش الحياة المعتادة، والزمن الجديد، حيث بدأ اكتشاف النفط، وأخذ إيقاع الحياة يتغيّر. والاستنتاج المحتمل هنا هو أن المشكلة ليست في الرواية ولا في العصر، بل في عقل الناقد الذي يعتقد أنّ على الكتابة دائماً أن تكون ظلّاً للعصر. * روائي من سورية موقف التحديثات الحية بارغاس يوسا.. معادلة الرواية