أحدث الأخبار مع #مارغريتتاتشر،


نافذة على العالم
منذ 6 أيام
- سياسة
- نافذة على العالم
أخبار العالم : من تاتشر إلى أحمد الشرع: كيف يغيّر السياسيون صورتهم؟ ولماذا؟
الخميس 15 مايو 2025 07:00 مساءً نافذة على العالم - صدر الصورة، Bandar Al-Jaloud/Saudi Royal Court/Handout/Anadolu via Getty Images التعليق على الصورة، وصف ترامب الشرع بأنه "شاب جذاب وقوي" Article information Author, سناء الخوري Role, بي بي سي نيوز عربي - بيروت 22 ديسمبر/ كانون الأول 2024 آخر تحديث قبل 2 ساعة وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا، أحمد الشرع، بأنه "شاب جذّاب" و"رجل قوي" يتمتع بـ"ماضٍ قوي جداً"، وذلك عقب لقائهما في الرياض يوم أمس. وأثار التصريح جدلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي وفي وسائل الإعلام، نظراً لأن الشرع كان يُعرف سابقاً باسم "أبو محمد الجولاني"، زعيم "هيئة تحرير الشام"، إحدى أقوى الجماعات الجهادية التي برزت خلال النزاع السوري، قبل أن ينهار حكم الرئيس بشار الأسد ويتولى الشرع السلطة أواخر عام 2024. وخلال الأشهر الماضية، تحوّل الشرع إلى وجه بارز للمرحلة الانتقالية في سوريا، بعد أن وضع خطابه الجهادي خلفه، وبدأ بالظهور بمظهر مدني. ومنذ الأيام الأولى لتولّيه المنصب، أجرى الشرع مقابلات مع وسائل إعلام دولية، واستقبل وفوداً رسمية في القصر الجمهوري بدمشق، كما ظهر في عدد من الأماكن العامة، وزار المسجد الأموي وسط تغطية إعلامية واسعة. في الواقع، لم يكن تحوُّل الجولاني من "زعيم جهاديّ إلى سياسيّ معارض" أمراً حديثاً، "بل تطوّر بعناية على مرّ السنين، وكان واضحاً لا في تصريحاته العامة ومقابلاته الدولية فحسب، بل أيضاً في مظهره المتغيّر"، تكتب زميلتنا المُختصّة بشؤون الجماعات الجهادية في "وحدة المتابعة الإعلامية في بي بي سي" مينا اللامي، في مقال نشرته بي بي سي. قد تُشكّل التحوّلات التدريجية في صورة الجولاني، حالة نموذجيّة للدراسة من قبل المختصّين في التسويق السياسي، والباحثين في أسس صناعة الصورة العامة أو "العلامة التجارية الفارقة" للسياسيين. صدر الصورة، Getty Images التعليق على الصورة، المرشحة لرئاسة الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر، عام 1979، وخلفها شعار "كلنا رابحون مع المحافظين" على مواقع التواصل، يتسابق المعلّقون على قياس التغييرات في طول لحية الشرع وهندامه وطريقة كلامه؛ لكنّ هذا التحوّل ليس ظاهرة جديدة أو فريدة من نوعها، كما يخبرنا أستاذ التسويق في جامعة نوتنغهام كريستوفر بيش. يأخذُنا بيش إلى تجربة مماثلة خاضتها مارغريت تاتشر، رئيسة وزراء بريطانيا في الفترة بين 1979 و1990. "ففي السبعينيات، مع بداية صعود تاتشر سُلّم القيادة في حزب المحافظين، كانت تحتاج إلى تغيير صورتها كي تبدو مقنعة كرأس للدولة، ورئيسة وزراء محتملة"، يقول. استعانت تاتشر حينها بخبراء في العلاقات العامة والتسويق، لحياكة صورة محبوكة بعناية، تُمثّلها كشخصية تُلبّي متطلّبات القيادة؛ توحي بالثقة، وبالقدرة على الإمساك بزمام الحكم. باتت تختار ملابس تشي بالصلابة والودّ في آن واحد، وعدّلت نبرة صوتها الرفيعة، لتصير هادئة وثابتة، حتى أنّها غيّرت تسريحة شعرها. وهكذا تشكّلت علامة "المرأة الحديدية"، وباتت صاحبة التأثير الأعمق على الحكم والسياسة في بريطانيا، لنحو عقدين من الزمن. على مثال زيلينسكي صدر الصورة، AFP التعليق على الصورة، زيلينسكي خلال تصوير مسلسل "خادم الشعب" عام 2019 كي لا نعود بالزمن كثيراً إلى الوراء، يمكننا أن نجد مثالاً راهناً في التسويق السياسي، حقّق نجاحاً، في علامة الرئيس الأوكراني فلودومير زيلينسكي. عُرف زيلينسكي في البداية، ككاتب وممثّل كوميدي، وحظي بشهرة في مسلسل بعنوان "خادم الشعب"، يحكي قصة مواطن عادي يصبح رئيساً. ومع صعود نجمه في عالم السياسة، استخدم زيلنسكي خلفيته تلك، لتقديم نفسه كنموذج مغاير عن النخب السياسية التقليدية في أوكرانيا. بعد الغزو الروسي لبلاده، وبفضل خطاباته، وقمصانه الزيتية الرياضيّة الصيفية والشتوية، أصبح رمزاً للصمود في وجه العدوان، ومُمثّلاً للروح المعنوية للشعب الأوكراني. يقول أستاذ التسويق في جامعة لسيسيتر البريطانية البروفيسور بول باينز إن معرفة زيلينسكي العميقة بوسائل الإعلام، وكيفية عملها، وعلاقاته القوية بأقطابها، نظراً لخلفيته كممثل وامتلاكه شركة إنتاج، كلها عوامل ساعدته في إضفاء مصداقية على صورته العامة، وجعلت منه علامة فارقة. يقول باينز: "قد يبدو الأمر غريباً، أن نرى ممثّلاً يُجسّد دور رئيس في مسلسل تلفزيوني، يصبح رئيساً حقيقيّاً لبلاده، لكن هذا الأمر من سمات عصر ما بعد الحداثة. امتلك زيلينسكي القدرات المطلوبة، وأظهر صفات بطولية واضحة، وعمل بجدّ كبير لكسب تأييد الجماهير حول العالم، فتحدّث في برلمانات دول عدّة، خصوصاً تلك التي تُعَدّ من أكبر المانحين، مثل ألمانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة. وعلى الصعيد الداخلي، اتخذ خطوات لتعزيز معنويات شعبه وتحفيزه على القتال والدفاع عن وطنه". صدر الصورة، AFP التعليق على الصورة، أحمد الشرع، المعروف سابقاً بلقب الجولاني، يلتقط صورة سيلفي ما هو علم التسويق السياسي؟ يختلف السياق التاريخي لصعود تاتشر عن السياق الأوكراني أو السوري، فلكلّ بلد سياقه السياسي وأزماته الخاصة... ولكنّ الترويج لشخصيات القادة علمٌ قائم بذاته، ويمكن أن يحدث فرقاً حقيقياً في صعود تلك الشخصيات أو أفولها، بحسب المختصّين. ببساطة، يستعير التسويق السياسي قواعد ومبادئ التسويق التجاري ذاتها، ويطبّقها في عالم السياسة، عوضاً عن تطبيقها على ترويج السلع، أو العلامات الفاخرة، أو الرحلات السياحية، أو المنتجات الرياضية. ويُعنى التسويق السياسي ببناء صورة عامّة أو "علامة تجارية فارقة"، تصير أشبه ببصمة للأحزاب والشخصيات والحركات السياسية، ويلعب بالتالي دوراً في مدى شعبيتها، ونظرة الجماهير لها، وإرثها. يقول الأكاديمي كريستوفر بيش إن جذور الترويج السياسي، قديمة جداً، تعود بحسب تعبيره إلى "اليونانيين القدماء الذين كانوا يسوّقون برامجهم وتعهداتهم السياسية على ألواح منحوتة، ويجولون فيها بين المدن والقرى". على مرّ القرون، "تطوّر التسويق السياسي، خصوصاً بوجود الإعلام الحديث، واستخدام الملصقات، والراديو، والتلفزيون، للتواصل مع الناخبين، وصولاً إلى الإعلام الرقمي الذي غيّر بالكامل طريقة تواصل السياسيين مع الجمهور". ويتابع: "التسويق السياسي اليوم صناعة بملايين الدولارات، يستهدف الجماهير بدقّة، وله تأثير واسع. صناعة صورة عامة أو علامة فارقة في عالم السياسية، تعني صقل سردية متماسكة، تعكس قيم الشخصية أو الحزب، وتقدر على خلق رابط عاطفي مع المناصرين". ويرتبط نجاح خطط التسويق السياسي، بالعمل بناءً على دراسات واستطلاعات رأي دقيقة، لفهم مزاج الجمهور. ويشير بيش إلى مجموعة مبادئ أساسية يحرص المسوّقون السياسيون المحترفون على تطبيقها لجعل العلامة السياسية فعّالة وناجحة. يقول: "من الركائز الأساسية: التميّز عن المنافسين، والقدرة على تقديم رؤية وقيم واضحة. هناك أيضاً الأصالة والثقة، وضرورة أن يكون الجمهور قادراً على التماهي مع القائد، وأن يكون الأخير متصلاً بهموم الناس". بحسب الأستاذ بيش، فإن حملتي باراك أوباما لانتخابات الرئاسة الأمريكية عامي 2008 و2012 تُعدّان حالتين نموذجيتين في تطبيق تلك المبادئ التسويقية بنجاح. اعتمد أوباما إطلالات مختلفة – ربطة عنق وملابس رسمية أمام شرائح من الجمهور، وأكمام مرفوعة بدون ربطة عنق أمام شرائح أخرى – لإظهار مرونة أكبر. يقول بيش: "أراد أوباما الظهور أحياناً بشكل رسمي كرجل دولة، وأحياناً أخرى ببساطة وودّية ليكون أكثر قرباً من الناخبين". صدر الصورة، AFP التعليق على الصورة، لقبت المستشارة الألمانية السابقة باسم "موتي ميركل" أو "ماما ميركل" كذلك يشير بيش إلى مثال دونالد ترامب "الذي نجح خلال الانتخابات الأخيرة بتقديم نفسه على أنه المستضعف، رغم أنه شغل منصب الرئيس لأربع سنوات سابقاً. كان من اللافت كيف استمرّ بتصوير نفسه كمرشّح ضدّ المؤسسة الحاكمة، مستخدماً الدعاوى القضائية المرفوعة ضدّه، والجدل المحيط بحملته، كوسيلة لتعزيز صورته كشخصية تعارض وتناضل ضدّ المنظومة السياسية الأمريكية القائمة". هناك أمثلة معاصرة مشابهة، مثل رئيسة الوزراء النيوزلندية السابقة جاسيندا أردرن التي عزّزت صورتها كقائدة متعاطفة ولطيفة وقريبة، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي لقبت بـ "ماما ميركل" في إشارة إلى أنها توحي بالطمأنينة. هناك أيضاً رجب طيب أردوغان الذي يربط صورته العامة بعظمة التاريخ الإمبراطوري العثماني، مع مخاطبة الحسّ القومي التركي، والدفاع الدائم عن القيم التركية التقليدية. كما نجد شخصيات أخرى أثرت صورتها العامة بشكل سلبيّ على مكانتها السياسية، ومن بينها، كما يقول بيش، رئيس الوزراء البريطاني السابق ريشي سوناك الذي بدت صورته العامّة "كشخصيّة بعيدة المنال، ونخبوية، ومنفصلة عن عامة الشعب". هالة القائد "الذي لا يقهر" في الانتخابات الديمقراطية، ترتبط صناعة التسويق السياسي وخلق علامة brand للقادة والزعماء، بأهمية جذب الناخبين، وتحقيق نتائج أفضل في استطلاعات الرأي، وزيادة الشعبية، للفوز بالأصوات. ولكن، حتى في السياقات الشمولية أو القائمة على شخصية قائد واحد، هناك أيضاً حاجة لتسويق صورة عامّة دقيقة، "لخلق هالة حول شخصية مُسيطرة، لا تُقهر، وتحظى بالولاء"، بحب البروفيسور بول باينز. في هذا السياق، يتحدّث بيش عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: "ظهوره بزيّ الجودو أو على صهوة حصان بلا قميص، يرسل رسالة قوة وصلابة. إنها صور مدروسة لتدعيم علامة القائد القوي، حتى وإن لم يكن الهدف إقناع الناخبين بقدر ما هو ترسيخ الهيمنة". الأمر ذاته ينطبق على زعماء آخرين يركّزون على الرمزية والمشهدية، مثل العروض العسكرية والاحتفالات الضخمة، لتعزيز الهوية القومية وإشعار المواطنين بأن القائد قوي ولا يهزم. على هذا المنوال، يصدّر الإعلام الكوري الشمالي صورة كيم جونغ أون كـ "منقذ الأمة وحاميها". ويقول باينز إن كلا الزعيمين يستخدمان "صوراً مختارة بعناية لتعزيز هيمنتهما وترسيخ ما يشبه الرابط الأبوي بينهما وبين الشعب". صدر الصورة، AFP/Getty Images التعليق على الصورة، بوتين عام 2009، وكيم جونغ أون عام 2017 ماذا عن الجماعات المتطرّفة؟ في الثمانينيات، غالباً ما صورت وسائل الإعلام والحكومات الغربية المجاهدين الأفغان — المقاتلين الإسلاميين ضد الغزو السوفيتي — على أنهم مناضلون من أجل الحرية. لكن هذا التصور تغيّر جذرياً منذ التسعينيات. يدرس البروفيسور بول باينز، "تغيير العلامة التجارية" لدى جماعات مثل "القاعدة"، وتنظيم "الدولة الإسلامية"، و"الشباب"، و"بوكو حرام"، وغيرها من الجماعات التي تتبنّى أيديولوجيات متشدّدة. ويقول باينز لبي بي سي إن "القاعدة كانت أول علامة تجارية brand إرهابية عالمية"، إذ تجاوزت نطاقها الإقليمي، وسعت لصنع هوية عابرة للحدود، وعلامة قائمة على العنف والترهيب، والعداء للغرب والولايات المتحدّة والحداثة، وقد أسهمت في جذب بعض العناصر، لكنها في المقابل أثارت نفور فئات واسعة". ويلفت باينز إلى أن ذلك "لا يقتصر على الجماعات الإسلامية المتشدّدة، فاستخدام التطرّف في الدعاية السياسية يجد مكانته في أوساط اليمين المتشدّد في أوروبا والولايات المتحدة". يقول باينز إن قادة القاعدة بن لادن والظواهري غيّرا أسلوبهما من البدايات حين كانت الفيديوهات أقرب إلى الخُطب الوعظية. "إذا نظرت إلى تسجيل فيديو للقاعدة من عام 1998، سترين أنه أشبه بخطبة. يقف بن لادن وكأنه شيخ أو إمام يخاطب تلاميذه. وهذا النهج تغيّر، فخلال 10 سنوات بدأت تسجيلات القاعدة تستخدم رسومات حاسوبية، وصارت أقل رداءة من حيث جودة الصورة، وتحسّنت قيمة الإنتاج كثيراً." لاحقاً وبحلول عام 2012، اعتمد "تنظيم الدولة" أو "داعش" ما يسمّى "إدارة التوحش" وهو مصطلح إلى بثّ الرعب بواسطة تسيجلات الإعدامات العلنية والحرق وقطع الرؤوس. يؤكد باينز أنّ الجماعات الإرهابية تواجه معضلة فريدة بين الدفع بأجنداتها من خلال العنف وبين الحفاظ على دعم شعبي ضروري لاستمرارها، وهو ما يدفع شخصيات مثل الجولاني إلى إعادة النظر في تلك الأساليب، وتشكيل صورة أكثر قابلية. يقول بيش: "في بعض الحالات، يمكن توظيف مبادئ التسويق السياسي لإعادة صياغة الصورة، عبر الاعتراف بالأخطاء السابقة، ووضع رؤية جديدة للمستقبل، والعمل على كسب ثقة الداخل والخارج". في التاريخ أمثلة عدّة، منها كيف أعاد نابليون بناء صورته بعد نفيه الأول وعودته إلى فرنسا واستعادته الحكم لفترة قصيرة عرفت "بالمئة يوم". وفي التاريخ الحديث، نجد كيف بيل كلينتون بتجاوز فضيحته مع مونيكا لوينسكي بالتركيز على إنجازاته الاقتصادية والاجتماعية. صدر الصورة، Reuters التعليق على الصورة، أحمد الشرع في الجامع الأموي في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024 التغيير والأمل في الواقع، يمكن لكلمة "تغيير" بحدّ ذاتها، أن تصبح علامة سياسية قوية، تجتذب الساعين إلى بديل. ويقول بيش: "كان 'التغيير' الشعار الأساسي لكير ستارمر (زعيم حزب العمال ورئيس الوزراء) في الانتخابات البريطانية الأخيرة. لقد خاض حملته كلّها على فكرة التغيير... فبعد 13 أو 14 عاماً (من حكم المحافظين)، كان الناس حقّاً يتطلعون إلى تغيير ما." من جانبه يوضح باينز أنّ التسويق السياسي يعتمد كثيراً على الرسائل العاطفية. يقول: "غالباً ما نتناول في التسويق السياسي مفهوم 'الأمل' مقابل 'الخوف'. هناك الكثير من الحملات التي ترتكز على الخوف، وأخرى على الأمل. وفي نهاية المطاف، إذا كنت تسعى إلى قبول ثوري بقائد ما أو إلى تحوّل جذري، فالأمل هو الرسالة الأنجع. أما الأنظمة السلطوية فعادةً ما تلجأ إلى توظيف الخوف". بهذا المعنى، يحاول أحمد الشرع أن يقطع مع ماضيه الإشكالي، والظهور بصورة "قائد وطني متمرّد" يسعى لتحرير البلاد. ويعلّق باينز: "إنه يقدّم نفسه الآن كما لو كان 'المخلّص'، ويحاول استبدال البذلة الجهادية بثوب القيادة الوطنية المقبولة دولياً". من منظور التسويق السياسي، يرى باينز أن عملية إعادة التشكيل هذه ليست عشوائية، بل تستند إلى فهم ما يريده الجمهور. يقول: "يلجأ السياسيون إلى استطلاعات الرأي ومجموعات التركيز لتحديد الرسائل الأكثر قبولاً لدى الناس، ثم يكرّرون تلك الرسائل على أمل أن تُصدّق."


إيطاليا تلغراف
٢٨-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- إيطاليا تلغراف
مصادرة الكتب واندثار الصحف.. يا له من زمان!
إيطاليا تلغراف طلحة جبريل كنا نسمع في زمن مضى في بعض دول المنطقة الممتدة من الماء إلى الماء عن'مصادرة الصحف'. لم تعد هذه الظاهرة في بعض الدول، منها المغرب على سبيل المثال. هذا أمر إيجابي، لكن الثابت أن الصحف لا تُمنع بل تندثر. يبلغ عدد اليوميات الورقية في المغرب 17 يومية باللغتين العربية والفرنسية، جميعها توزع 15 ألف نسخة، أي بمعدل أقل من تسعمائة نسخة لكل صحيفة. قبل فترة اندثرت بعض الصحف اليومية، وعلى الرغم من ذلك لم يعبر أحد عن أسفه لذلك الاندثار. أتذكر جيداً عندما أُغلقت صحيفة 'إيفينينغ نيوز'البريطانية، كاد ذلك يؤدي إلى سقوط حكومة مارغريت تاتشر، وما أدراك ما تاتشر! حيث وُجهت لها انتقادات شديدة لأنها لم تتدخل لإنقاذ صحيفة عريقة من الإفلاس. ننتقل إلى موضوع آخر. في مناسبة 'المعرض الدولي للكتاب' الذي نُظم في الرباط واختُتم أمس الأحد، جرى تداول معلومة لست متيقناً منها بأنه مُنع عرض بعض الكتب في بعض الأروقة.لا أظن أن كاتباً يمكن أن يقبل فكرة منع كتاب، حتى ولو كان المنع بقرار قضائي. ننتقل إلى واقعتين فقط للتذكير. كان كتاب 'الخبز الحافي للصديق الراحل محمد شكري قد مُنع في الثمانينيات بقرار لم يعرف أحد من الذي أصدره، حتى انتقل الموضوع إلى البرلمان، وتبين وقتها أن الجهة التي منعت الكتاب هي 'وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية'. الواقعة الثانية كانت قرار منع تدريس رواية الطيب صالح 'موسم الهجرة إلى الشمال' في بداية التسعينيات في السودان، أي بلد الكاتب نفسه'.أجريت وقتها حواراً مع الطيب صالح، بعد ذلك القرار، ضمنته تقريراً بشأن الموضوع وبثته 'وكالة يونايتد بريس إنترناشونال' ( يو بي آي) التي كنت أدير مكتبها في الرباط. أقتطف لكم جزءاً منه:' 'عزا الكاتب والروائي السوداني الطيب صالح قرار الحكومة السودانية بمنع تداول روايته 'موسم الهجرة إلى الشمال' وحظر تدريسها في الجامعات، إلى أسباب سياسية، ووصف القرار بأنه 'بليد' لأنه يفترض أن الجامعات هي التي تختار ما يدرسه طلابها وليس الحكومات'.وأضاف: 'أنا حزين جداً على بلدي لأن هذا القرار يعكس مدى التخبط الذي يعيشه' وأضاف : صدر القرار عن حكومة لا تفهم قيمة الأدب، لأن رواية 'موسم الهجرة إلى الشمال' نُشرت عام 1966، وتُرجمت إلى 20 لغة، فكيف استيقظت الحكومة فجأة لتكتشف أنها رواية مُخلة بالآداب وتسخر من القيم السودانية'. إيطاليا تلغراف


الشروق
٢٦-٠٤-٢٠٢٥
- رياضة
- الشروق
يمكننا أن نعيش بلا كرة
في مرض كرة القدم في الجزائر، لا يكفي أن تعرف الأعراض وتقوم بالتحاليل والأشعة، وتستخلص التشخيص وتعطي الدواء، بل عليك أن تفكّر أيضا في بتر العضو المريض نهائيا، وكفى الله المؤمنين شر القتال. والسؤال المطروح حاليا هو: ماذا لو حوّلت قضية كرة القدم إلى مقصلة الانتخابات، لأجل التصويت ببقائها في حياتنا أو توقيفها بعض سنوات، لأن الجميع صار يعتبرها جزءا من حياته، لا يمكنه أن يعيش من دونها؟ لو كان فيروس العنف أمرا عارضا، لانتظرنا مرور هذا العابر، لنعود إلى اللعب، كما هو قانون هذه اللعبة التي قذفت عقول الناس بدلا عن الكرة، ولكننا وجدنا أنفسنا في حلقات مسلسل عنف لا ينتهي، وصل حد إزهاق الأرواح. وبدلا من أن يبقى اللعب مجرد قذف لجلد منفوخ، تحوّل إلى قذف للقيم وروح الأخوّة، وبدلا من أن تكون بعض 'بلاتوهات' التحليل الكروي، تنويرا للرّأي العامّ، وإفهامه حقيقة اللعبة الجماعية، تحوّلت إلى مقاهي مشجعّين متهوّرين، ثبَت تورّط بعضهم في ما يمكن اعتباره من دون مبالغة جهوية مقيتة، تعتبر هذا أحسن من ذاك وأحقّ منه بالألقاب، ليس لأنه يلعب بطريقة سليمة، وإنما لأنه ينتمي إلى هذه المنطقة أو تلك، فاختلط المدرّب برئيس النادي، واللاعب بالمناصر، والمحلل بالصّحافي، واجتمعوا على إنزال الأداء إلى الحضيض، والنتيجة عجزُ الكرة الجزائرية المحلية عن رفع المستوى، أو إلى سقف ما يُصرف عليها من أموال طائلة ولو بتحقيق بعض الألقاب الإفريقية الغائبة منذ أكثر من عقد من الزمن. في نهاية مارس 1985، شهد ملعب هايسل ببلجيكا، نهائي رابطة أبطال أوربا بين جوفنتوس الذي كان يضمّ أحسن لاعبي المعمورة، وليفربول الإنجليزي الذي كانت جماهيره 'الهوليغانز' تتنقل معه مثل السيول الجارفة، وقبل بداية المباراة وقعت مشادة، استعمل فيها الإنجليز الأسلحة البيضاء، وهلك في الملعب العشرات من أنصار الفريق الإيطالي، وعمّ الذهول والارتباك عالم الكرة، خاصة أن الجُناة ينتمون إلى البلد الذي وُلدت فيه اللعبة، وبدأت العقوبات تنزل على فريق ليفربول، وكل الفرق الإنجليزية من الاتحاد الأوروبي ومن الاتحاد العالمي لكرة القدم، ومع كل عقاب ينزل، تقوم رئيسة وزراء بريطانيا، في ذلك الوقت، مارغريت تاتشر، بمضاعفته بمباركة جمهور الكرة الإنجليزي وإصراره على أن يبتر العضو المريض بالكامل، حتى أوقفت نهائيا مشاركة الإنجليز مع نظرائهم في أوروبا. وبيّن سبر آراء أن قرابة ثمانين بالمائة من الإنجليز مع قرار منع ممارسة اللعبة، لمدة لا تقلّ عن عشر سنوات، حتى تقتلع جذور العنف نهائيا، ونسي العالم إنجلترا، إلا من خلال مشاركات عابرة لمنتخب البلاد، وسافر عددٌ من نجوم الكرة في بريطانيا، للعب في دول أخرى، منها إيطاليا 'الضحية'. وتمرّ الآن أربعون سنة، بالتمام والكمال، وتصبح إنجلترا البلد الوحيد أو على الأقل، الأول، الذي أزال الحواجز الإسمنتية أو الحديدية أو من أي نوع كان، بين لاعبي الفرق والجمهور، تماما كما في المسارح، لتعود اللعبة مجرد لعبة، بعد أن جرفها الطوفان. سؤال يطرح في كل مرة، عندما تنحرف لعبة الكرة عن جادة الصواب: هل يمكن أن نعيش من دون كرة لبعض الوقت، من أجل مستقبل اللعبة؟