منذ يوم واحد
الضربة الأشد استهداف العلماء
كان العلماء النوويين مستهدفين منذ بداية العصر النووي. وهناك بيانات عن ما يقرب من نحو 100 حالة مما تسمى "استهداف العلماء" منذ عام 1944 حتى عام 2025. ويعتبر "الاستهداف" على أنه الحالات التي تم فيها القبض على العلماء أو تهديدهم أو إصابتهم أو قتلهم في محاولة من الدول لمنع أعدائها من الحصول على أسلحة أو معرفة نووية. بمرور الوقت، استهدفت أربع دول على الأقل علماء يعملون في تسعة برامج نووية وطنية.
يثير قتل العلماء والمهندسين النوويين العديد من الأسئلة السياسية المهمة، ما الذي يدفع الدول إلى اتخاذ مثل هذه الإجراءات المتطرفة؟ ما هي الآثار المحتملة على برامج انتشار البرامج النووية؟
مثل معظم الأسئلة المتعلقة بمواضيع الأمن النووي، فإن الإجابات ليست سهلة ولا قاطعة. ومثل العديد من الأسئلة المتعلقة بانتشار الأسلحة النووية، فإن جذور هذه الأسئلة تعود إلى فجر العصر الذري.
ألمانيا 1944
بدأ تاريخ استهداف علماء الذرة عام 1944، بمؤامرة أميركية لقتل كبير علماء الفيزياء الألمان فيرنر هايزنبرغ، والذي اتهم بأنه يعمل على صنع قنبلة ذرية لألمانيا النازية، لكن العملية لم تنفذ.
بدأ الاستهداف خلال الحرب العالمية الثانية عندما تسابقت قوات الحلفاء والاتحاد السوفياتي للقبض على العلماء النازيين، وإضعاف قدرة ألمانيا النازية على صنع قنبلة نووية، واستخدام خبراتهم لتعزيز البرامج النووية الأميركية والسوفياتية.
ومن المعلوم أن الولايات المتحدة وإسرائيل نفذتا معظم استهدافات العلماء النوويين، لكن بريطانيا والاتحاد السوفيتي كانتا أيضاً وراء مثل هكذا استهدافات.
مع مرور الوقت ومع بدء الحرب الباردة، استهدف علماء في البرازيل والهند وباكستان بهدف الحد من الطموحات النووية لهذه الدول.
استهدافات الموساد
أكثر العلماء النوويين استهدافا من قبل الموساد الإسرائيلي منذ عام 1950 حتى يومنا هذا، كانوا العلماء العاملين في البرامج النووية المصرية والإيرانية والعراقية. ففي إيران، ومنذ عام 2007 وقبل العملية الإسرائيلية الحالية، قُتل 10 علماء مشاركين في البرنامج النووي الإيراني في هجمات متفرقة.
كما استهدف الموساد مواطنون من دول أخرى. في عام 1980، فجر جهاز المخابرات الإسرائيلي، منزل المهندس الإيطالي ماريو فيوريلي وشركته "SNIA Techint"، في ما وُصف بأنه تحذير للعلماء والشركات الأوروبية من المشاركة في المشروع النووي العراقي.
وفي عام 1962، قام الموساد بعملية داموقليس، حيث اغتال هاينز كروغ، رئيس شركة ألمانية متورطة في مشتريات تتعلق بجهود مصر لتطوير الصواريخ. في عام 1990، قُتل جيرالد بول، مهندس كندي وخبير في المدفعية بعيدة المدى، كان يقدم المشورة لكل من إيران والعراق، بالرصاص خارج شقته في بروكسل؛ واستبعدت السلطات السرقة كدافع للجريمة عندما عثرت على 20 ألف دولار في جيبه.
علماء عرب اغتالتهم إسرائيل
شهد الصراع العربي-الإسرائيلي العديد من الاستهدافات للعلماء والبرامج النووية، خصوصاً في مصر، العراق وسوريا. وفيما يلي لائحة بالعلماء العرب الذين استهدفوا من قب الموساد الإسرائيلي:
- عالم الفيزياء المصري علي مصطفى مشرفة 1950.
- عالمة الذرة المصرية سميرة موسى 1952.
- العلم النووي المصري يحيى المشد 1980.
- عالم الفيزياء النووية الفلسطيني نبيل فليفل 1984.
- عالم الذرة المصري سعيد السيد بدير 1989.
- عالم الفيزياء اللبناني رمال حسن رمال 1991.
- عالم الذرة العراقي إبراهيم الظاهر 2004.
- عالم الهندسة الكهربائية الفلسطيني فادى البطش 2018.
- عالم الذرة المصري سمير نجيب 2020.
وتجدر الإشارة الى اغتيال خمسة علماء للطاقة النووية في سوريا، في تشرين الأول/أكتوبر 2014. فقد تعرضت حافلة في منطقة برزة بدمشق والتي كانت تقع تحت سيطرة الحكومة السورية آنذاك، إلى إطلاق نار كثيف أدى إلى مصرع خمسة أشخاص لم تتضح هويتهم، عرف فيما بعد بأنهم علماء ذرة سوريين.
وكذلك خلال الغزو الأميركي للعراق، تم تصفية المئات من العلماء والأكاديميين العراقيين. وذلك باعتمادها على وكلاء محليين وفروا الغطاء لها.
لماذا يُستهدف العلماء النوويين؟
قد يؤدي استهداف العلماء إلى إزالة الخبرات العلمية الحيوية وفرض تكاليف تزيد من صعوبة بناء برامج أو أسلحة نووية. هناك اعتقاد لدى بعض المحللين بأن استهداف هؤلاء الخبراء قد يقوض جهود الدولة، ويثنيها عن مواصلة تطوير برامجها النووية.
لذلك، تعتقد الدول التي تستهدف العلماء، أن ذلك وسيلة فعالة لتقويض برنامج نووي لعدوها. وهذا ما وصف الجيش الإسرائيلي هجماته على المنشآت النووية الإيرانية، بأنها "ضربة قوية لقدرة النظام على حيازة أسلحة دمار شامل".
على الرغم من تركيز إسرائيل على العلماء باعتبارهم مصادر للمعرفة الحيوية، قد يكون هناك مئات غيرهم ما زالوا يعملون من ضمن البرامج المستهدفة، مما يثير تساؤلات حول فعالية استهدافهم.
بغض النظر عما إذا كان استهداف العلماء أداة فعالة لتقويض أو ثني الدول عن برنامجها النووي، فإنه موجود منذ بداية العصر النووي، ومن المرجح أن يستمر كجزء من أدوات السياسة الخارجية للدول التي تهدف إلى منع انتشار التجربة النووية. في حالة الصراع الإسرائيلي الحالي مع إيران واستهدافها للعلماء النوويين، فمن المتوقع أن تستمر هذه التكتيكات.
اغتيالات ذات طابع مؤسساتي
قد تكون إسرائيل الدولة الوحيدة في العالم التي صبغت عمليات الاغتيال للعلماء بصبغة مؤسساتية. وكان وزير الدفاع الإسرائيلي موشي دايان أعلن عندما أُنشأت إسرائيل شعبتين: الأولى تابعة للجيش الإسرائيلي، والأخرى للموساد، بغرض جمع المعلومات وتقصي الحقائق ومتابعة نشاط العلماء العرب المختصين بالذرة في جميع أنحاء العالم.
وكانت رئيسة وزراء إسرائيل غولدا مائير قد استحدثت جهازاً خاصاً بعمليات الاغتيال أطلق عليه "المجموعة إكس" وألحقت به وحدة مختصة بالاغتيالات من جهاز الموساد.
استهداف البرنامج الإيراني
يُعتقد أن ما لا يقل عن 14عالماً نووياً هم من بين القتلى في عملية "الأسد الناهض" التي شنتها إسرائيل في 13 حزيران/يونيو 2025، بهدف تدمير أو إضعاف برنامج إيران النووي وقدراتها العسكرية.
ويهدف استهداف العلماء بهذه الطريقة المتعمدة إلى تعطيل قاعدة المعرفة الإيرانية واستمرارية خبرتها النووية. ومن بين الذين اغتيلوا محمد مهدي طهرانشى، عالم الفيزياء النظرية ورئيس جامعة آزاد الإسلامية الإيرانية، وفريدون عباسي دافاني، مهندس نووي قاد منظمة الطاقة الذرية الإيرانية.
وكان هؤلاء الخبراء في الفيزياء والهندسة مجتمعين، خلفاء محتملين لمحسن فخري زاده، الذي يُعتبر على نطاق واسع مهندس البرنامج النووي الإيراني، والذي اغتيل في هجوم وقع في تشرين الثاني/نوفمبر 2020، والذي يلقي الكثيرون باللوم فيه على إسرائيل.
تختلف حملة الاغتيالات الأخيرة ضد العلماء الإيرانيين عن العديد من الحوادث السابقة في بعض النواحي الرئيسية. استهدف الهجوم الإسرائيلي الأخير العديد من خبراء الطاقة النووية الإيرانيين، وجرى بالتزامن مع حملة عسكرية جوية لتدمير المنشآت النووية والدفاعات الجوية والبنية التحتية للطاقة في إيران. كما أن إسرائيل، على عكس العمليات السرية السابقة، أعلنت على الفور مسؤوليتها عن الاغتيالات.
لكن استهداف العلماء قد لا يكون فعالاً في إنهاء برنامج نووي. ففي حين أن القضاء على الخبرات الفردية قد يؤخر الحصول على الأسلحة النووية، تماماً كما تدمير المنشآت النووية. فإن الاستهداف وحده من غير المرجح أن يدمر برنامجاً بالكامل، بل قد يزيد من رغبة البلد في الحصول على أسلحة نووية.