أحدث الأخبار مع #ماسلو


اليمن الآن
منذ 10 ساعات
- ترفيه
- اليمن الآن
الخبز والحرية من وحي موقفي مع السباحة
اغلقت كابينة التبديل ووضعت شنطتي على العارض الخشبي وخلعت ملابسي الخارجية والداخلية. فتحت الشنطة لكي البس سروال السباحة (المايوه) كالعادة كل يوم أحد. فتشت في الحقبة التي فيها أشياء كثيرة منها: المظلة، وقنينة الماء، وسترة المرور، والمنشفة ، والصابون، وبدلة المطر، وكوفية شتوية وشال الرقبة الواقي من الرياح وفاكهة وأشياء أخرى اعتدت حملها في حقيبة السفر اليومية. قلبت كل الأشياء بحثُا عن شورت السباحة الكحلي فلم أجده. كنت واقفًا في الكابينه المغلقة كما خلقني ربي في حيرة من أمري. أضرب أخماسا في أسداس، كانت رغبتي شديدة بممارسة السباحة في مسبح المدينة الأولمبي ولكن ماذا افعل؟ نسيت الميوه. فكرت في أي حيلة فلم أجد وسيلة تمكنني من دخول المسبح فما كان مني إلى ارتداء ملابس على مضض مع لعن كثير للشيطان الرجيم طبعا الذي كان سهّاني عن وضع الشورت في الحقيبة بسبب العجلة من أمري، تذكرت المثال شعبي في العجلة الندامة وفي التأني الندامة! أو ما كانت تقوله لي أمي الحبيبة رحمة الله عليها: العجلة من الشيطان يابني! وأنا أعاود ارتداء هدومي لكي أعود إلى غرفتي خطرت في ذهني فكرة فلسفية تتصل بقيمة ومعنى ما نحمله أشياء ونمارسه من نشاطات في حياتنا اليومية. هنا كان الشورت هو سيد الموقف! بدونه لا يمكنني السباحة. فما قيمة الأشياء الكثيرة التي أحملها في الحقيبة وأنا ذاهب إلى المسبح بدون سروال السباحة فاستنتجت بان ثمة حاجة أساسية وجوهرية في كل فعل أو نشاط بدونها يستحيل ممارسة ذلك الفعل والنشاط مثلا بدون العقل لا قيمة ولا معنى للجسد المنتصب القامة. وبدون الصحة والعافية يصعب على الكائن القيام بإعماله وبدون تأمين الخبز والحرية تفقد السياسة معناها وبدون قدرة العريس على القيامة بوظيفته الزوجية لا معنى ولا قيمتى لكل الاشياء والاحتفالات الصاخبة وبدون إن يفهم التلاميذ الحروف الابجدية والأرقام الحسابية فلا قيمة ولا معنى للمدراس والمدرسين والكتب والأقلام والحقائب والملابس المدرسية. وبدون تلبية الحاجات الأساسية للحياة كما وضعها ماسلو في هرمه الشهير فلا قيمة ومعنى للحياة الاجتماعية وهكذا دواليك وإليكم رأي الذكاء الاصطناعي في هذا الموضوع: في قلب الوجود الإنساني، تتشابك حاجتان أساسيتان: الخبز كرمز للبقاء المادي، والحرية كتجسيد للكرامة الروحية. لكن ماذا يحدث عندما يُحرم الإنسان منهما معًا؟ عنوان 'لا خبز ولا حرية' يلخص مأساة مجتمعات تُسلب فيها الأولويات الأساسية للحياة، ويفتح الباب لتأمل فلسفي سياسي حول طبيعة السلطة، العدالة، والوجود الإنساني. الخبز: أساس البقاء الخبز، في معناه الرمزي، يمثل الحاجات الأساسية التي تُمكّن الإنسان من البقاء: الطعام، المأوى، الأمان. في الفلسفة السياسية، يُعتبر توفير هذه الاحتياجات جوهر العقد الاجتماعي. توماس هوبز، على سبيل المثال، رأى أن الإنسان يتنازل عن جزء من حريته للسلطة مقابل الحماية والأمان. لكن ماذا عندما تفشل السلطة في توفير هذا الأمان؟ عندما يُحرم الناس من الخبز، يتحول العقد الاجتماعي إلى وهم، وتُصبح السلطة مجرد أداة للقمع بدلاً من ضامن للحياة. في مجتمعاتنا الحديثة، نرى هذا الفشل في دول تعاني من الفقر المدقع أو الحروب أو الفساد. الخبز ليس مجرد طعام، بل هو رمز للعدالة الاقتصادية. عندما تُحرم فئات واسعة من الشعب منه، تنهار الثقة في النظام السياسي، وتتحول السياسة إلى صراع من أجل البقاء بدلاً من حوار من أجل التقدم. الحرية: جوهر الكرامة إذا كان الخبز يمثل البقاء المادي، فإن الحرية تمثل البقاء الروحي. جون ستيوارت ميل، في دفاعه عن الحرية الفردية، رأى أنها ليست مجرد حق، بل شرط أساسي لتطور الإنسان والمجتمع. الحرية هي القدرة على التفكير، التعبير، واتخاذ القرارات دون خوف. لكن في مجتمعات 'لا خبز ولا حرية'، تُصبح الحرية رفاهية لا يستطيع الناس تحملها. الجوع يُذل، والخوف يُسكت. في الأنظمة الاستبدادية، تُستخدم الحرية كورقة مساومة: إما أن تتخلى عن صوتك مقابل لقمة عيش، أو تُعاقب بالحرمان من الاثنين. هنا، تظهر مفارقة قاسية: الخبز، الذي يُفترض أنه أساس الحياة، يُصبح أداة للعبودية. السلطة التي تتحكم بالخبز تتحكم بالحرية، وتُحيل الإنسان إلى كائن محروم من إنسانيته. الترابط بين الخبز والحرية في الفكر السياسي، هناك من يجادل بأن الخبز يسبق الحرية في الأولوية. أبراهام ماسلو، في هرمه الشهير، وضع الحاجات الفسيولوجية في القاعدة، مُشيرًا إلى أن الإنسان لا يستطيع التفكير في الحرية أو الإبداع إذا كان جائعًا. لكن هذه النظرة تتجاهل حقيقة أن الحرية قد تكون السبيل الوحيد لضمان الخبز. التاريخ يعلمنا أن الشعوب التي ثارت ضد الظلم لم تطالب بالخبز وحده، بل بالكرامة التي تتجسد في الحرية. الثورات العربية في 2011، على سبيل المثال، لم تكن مجرد صرخة ضد الفقر، بل ضد أنظمة سلبَت الشعوب خبزها وحريتها معًا. في المقابل، هناك من يرى أن الحرية هي الأولوية، لأنها تمنح الإنسان القدرة على المطالبة بحقوقه المادية. أمايا أرسطو، في نظريتها حول 'القدرات'، ترى أن العدالة لا تتحقق بتوفير الموارد فحسب، بل بتمكين الأفراد من عيش حياة كريمة يختارونها بأنفسهم. بدون حرية، يُصبح الخبز مجرد صدقة، لا حقًا. المأساة السياسية في مجتمعات 'لا خبز ولا حرية'، تظهر مأساة سياسية تتمثل في انهيار الثقة بين الحاكم والمحكوم. السلطة التي تفشل في توفير الخبز تفقد شرعيتها، لكنها غالبًا ما تلجأ إلى القمع للحفاظ على وجودها، مما يحرم الناس من الحرية أيضًا. هذا الواقع يُنتج دوامة من العنف والاستبداد، حيث يُصبح الإنسان عدوًا لنفسه وللمجتمع. هنا، يبرز سؤال فلسفي عميق: هل يمكن للإنسان أن يعيش بدون خبز أو حرية؟ الإجابة قد تكون سلبية، لأن الإنسان ليس مجرد كائن بيولوجي يحتاج إلى الطعام، ولا مجرد فكرة مجردة تتوق إلى الحرية. الإنسان هو تركيبة من الجسد والروح، والحرمان من أحدهما يُفقده توازنه. الخروج من المأزق للخروج من مأزق 'لا خبز ولا حرية'، يجب إعادة صياغة العقد السياسي على أسس العدالة والمساواة. الخبز ليس مجرد سلعة، بل حق يجب أن تكفله الدولة عبر سياسات اقتصادية عادلة. والحرية ليست ترفًا، بل أداة تمكّن الأفراد من بناء مجتمعات مزدهرة. الفيلسوف السياسي جان جاك روسو دعا إلى إرادة عامة تُحقق المصلحة المشتركة، وهذا يتطلب توازنًا بين تلبية الحاجات المادية وصون الحريات. في النهاية، 'لا خبز ولا حرية' ليست مجرد وصف للواقع، بل تحذير من مصير المجتمعات التي تتجاهل جوهر الإنسان. الخبز يُبقي الجسد حيًا، لكن الحرية هي التي تجعل الحياة تستحق العيش. وإذا أردنا بناء عالم أفضل، يجب أن ندرك أن الخبز والحرية ليسا خيارين متضادين، بل وجهان لعملة واحدة: الكرامة الإنسانية.


عمان اليومية
٠٢-٠٥-٢٠٢٥
- ترفيه
- عمان اليومية
الملامح الإبداعية لـ «قمر 14 وقصص أخرى» لأصيل سلامة من رفح
الملامح الإبداعية لـ «قمر 14 وقصص أخرى» لأصيل سلامة من رفح «اليوم هو أول يوم أشرب فيه كوب ماء بارد منذ حوالي 7 أشهر، شعرت أن الماء يسلم على كل خلية في جسدي» من «نص ماء» صفحة 18. هي إذن قيمة الأشياء العادية المتوفرة بما وهب الله الأرض حين يسلبها الغزاة فيعطش البشر. وهي علاقة الإنسان مع مكانه وممتلكاته كما في نص «أول أيام النزوح» صفحة 92: «أما أنا فكنت أرتكز في المقعد الخلفي على جرة الغاز وبين يديّ جهاز الضغط الخاص بأبي، وطقم عزيز على أمي». وهي وجود من يبيع الورد في غزة: «ورد يا حلوة» كما في صفحة 28، وهو الحنين في «ليلة العيد» صفحة 25، والصفحة التالية في نص «صباح العيد»، وهي اللقاءات مع من نزحوا ونزحن، في نص «مفاجأة» صفحة 30، وهي تذكر لجوء عام 1948، كما في نص «البيت» صفحة 89 وهو الحنان على الأطفال في أكثر من نص منثور في المجموعة. هو وهي، هما وهن، في تلك الأرض التي أريد لها الموت فازدادت حياة، تذكرنا بمشاهد تمسك جذور الزيتون في الأرض حين يخلعها الطغاة. 87 نصا، تقريبا نص في كل صفحة، للأديبة الشابة أصيل سلامة من رفح في قطاع غزة، أثبتت فيها الكاتبة على إرادة الوجود، وكيف قلب الفلسطينيون هرم ماسلو حين انتصروا لوجودهم المعنوي، فليس بالخبز وحده يحيا الإنسان. وتفسير شكل النصوص التي بين أيدينا وهويتها، مرتبط بتفسير المضمون والحالة الشعورية وحالة الحياة في الحرب بشكل عام من جهة، وبين بدايات الكتاب والكاتبات. والظن إذن من وضع كلمة قصص في اسم المجموعة، هو الطموح باتجاه القص وربما التفرغ له. نصوص كثيرة بالعشرات توزعت بين أجناس أدبية كالقصة، واليوميات، والنص الأدبي الفكري، والخاطرة. ويبدو أن الكاتبة متجهة في كليتها نحو القصة، مختارة القصة القصيرة جدا. وللكاتبة الشابة أن تبدع ما شاءت وهي في الطريق إلى اكتسابها الشكل الذي تجد نفسها فيه، والذي يعبر عن مضامينها. ولعلنا نجد أن في هذه المجموعة ما يؤكد إيثارها لشكل القصة، خاصة أننا قرأنا عددا منها اتسمت بالإبداع فعلا. لذلك ليس من الضرورة أن نقف عند شكل النصوص، بقدر الوقوف عند ما هو إبداعي. ملامح إبداعية: أولى هذه الملامح، سرد الكاتبة لحدثين زمنيين أو مكانين أو هما معا، تبدأ بنصها بوصف ما، ثم تصدمنا في نهاية عدد من النصوص. منها: نص «حياة» صفحة 12، وصف لما خلف الأسوار، مكررة ظرف «خلف» ثلاث مرات، لتصوير الحياة العادية، ثم لتصدمنا في آخر عبارة: «داخل هذه الأسوار طفل يدقّ مسامير طفولته وتدا لخيمة قد نزح إليها قبل أشهر معدودات». ومنها نص «ليل» صفحة 24: «النهار يحرق كل طاقتها فتتوسل الليل كي يحنو عليها علها ترتاح فيه... أما هي التي ظلت تتقلب في الفراش فلم يكن لها من مفرّ سوى انتظار النهار»، في مفارقة قاسية، حيث تهرب من النهار القاسي لعلها ترتاح في الليل الذي حينما يأتي بقسوته فإنها تلوذ بالنهار الأقل قسوة. وفي نص «عروس» صفحة 33: «تلك العروس قضت ليالي ترطب قدميها كي تغري فارسها بنعومة مثيرة، ولم تكن تعلم أن ساقها ستكون أول فرائس الحرب المشؤومة» ص33. وتتكرر المفارقة الموجعة مرة أخرى حين تفاجئ الحرب العروس. وفي نص «ضياع» صفحة 32، «وبعد الوصول إلى البيت اكتشفت أن بيجامتها قد سقطت منها»، حيث يعمق ضياع ما اشترته حالة الاستلاب. كذلك في نص «جدران» صفحة 46: «وتستوقفها عناقات الجدران، وفي لحظة لا جدران ولا هي ولا هو ولا جدران». كذلك في نص «زنزانة» صفحة 42، يختتمه «جثة هامدة بملابس ملونة، هكذا صار بعد أن خرج من زنزانة الحبس الانفرادي بعد ثلاثين عاما». وفي قصة «أسير» صفحة 43، «وفي اليوم الموعود صباحا جاءه نذير يبلغه أنه قد فقد آخر فرد كان ينتظره: أمه». وهما نصان بعيدان عن الموضوع العام الموجود في النصوص، وهو موضوع الحرب. أما الملمح الثاني فكان في فواتح الفصول، حيث اختارت الكاتبة الشابة ثلاث عبارات تعبر عن التحولات في الحرب: في بداية الفصل الأوّل، كتبت «في الصباح، كانت الحافلة تأخذني من بيتي في الجنوب إلى الجامعة في الشمال». وفي بداية الفصل الثاني كتبت: «في المساء كانت الحافلة تعيدني من باب الجامعة في الشمال إلى بيتي في الجنوب». في الفصل الثالث، كتبت: «لم تعد هناك حافلة ولا جامعة ولا رفيقات دراسة. أنا الآن في خيمة من خيام النازحين». لقد تعلقت العبارتان الأولى والثانية بالحال من قبل حيث التنقل بين شمال القطاع وجنوبه، فيما تعلقت الثالثة بما صار من تقطيع للبلاد، وتدمير للجامعة وتفرّق الطالبات. أما الملمح الثالث، ولعله الأكثر إبداعا الذي كشف لنا موهبة الكاتبة أصيل سلامة، فهو العمق في الرؤية الإنسانية للشخصيات بعيدا عن التنميط، حيث قدمت شخصيات حقيقية، بما فيها من نوازع إنسانية طبيعية. مثال ذلك نص «حرص» صفحة 73، «أمسكت يد ابنتها بخوف وحرص شديدين لتحذرها من الشباب؛ فكم أوقعوا البنات في شباكهم وأضمرت في نفسها: «حتى أنا»..» كما ظهر العمق هنا من خلال مفارقة ذات بعد نقدي ساخر كما في نقد الصحفي المتكرش في نص «جوع» صفحة 55، «أطعمني أولا وبعد ذلك أجيبك». وفي نص «معلمتي» صفحة 59: «معلمتي التي كانت تكتب دوما في خانة حكمة اليوم: بلادي وإن جارت علي عزيزة... قرأت اليوم اسمها في أول صفحات سجل المهاجرين». أما الملمح الرابع، فيتعلق بالكتابة من حيث هي كتابة إبداعية ممتعة وجميلة، ولعلنا هنا نختار بضع نماذج، كما في نص «ماء» صفحة 31، حيث يشكل وصف الطفلة التي تلعب بالماء، وصفا في اللاوعي لرغبة الساردة بالانطلاق. أما في نص «فستان» صفحة 50 عن المرأة الخمسينية التي «انتزعته من بين الفساتين، وقالت بتصميم كما لو أن الفستان سيعيد لها شبابها: سأرتديه الآن»، فهو نص يعبّر فعلا عما داخل النفوس التي تحاول استعادة الفرح ولو على سبيل الحلم. كذلك كان نص «رغبة» صفحة 66، نصا جميلا في التعبير، بما يحقق الحاجة الإنسانية بصدق. وفي نص «سحاب» صفحة 41 نص إبداعي فعلا، عن ضحكة مساعدة الزبائن من امرأة سمينة، ليتوقفن، ولكن يعدن جبرا عنهن «وفجأة انفتق السحاب معلنا سخرية لا يمكن كتمانها»، حيث يكشف جوانب من حياة النساء. آخر هذه الملامح، والتي تم نثرها خلال المجموعة، هي شخصية «الجد»، الذي تتواصل معه واقعيا وأدبيا، الذي يبدو مثل ملاكها الحارس والملهم، والذي ظهرت في صوره مشاعر إنسانية متنوعة. لقد شكل ورود الجد هنا ظاهرة ما، كأنها تروي له، وتستحضره فيما تكتبه وتعيشه. في الشكل، نلاحظ أن الناظم بين عدد من النصوص، خاصة في الجزء الأول والثاني بدرجة أقل والثالث بما هو محدود، هو هذه الحرب، وهذا يعني أنه كان عليها اختيار هوية للمجموعة بشكل عام، دون أن تدخل فيها نصوص بعيدة عن المضمون حتى ولو كانت نصوصا إبداعية كما سيتلو الحديث. ثمة لغة غير متكلفة، بعيدة عن الإغراق في الجماليات التي تسطو على السرد بدون داع، في الوقت الذي لمحنا الأسلوب الأدبي الجميل من خلال البيان والمحسنات البديعية التي جاء ورودها سلسا غير متكلف. وأخيرا، فلعل الكاتبة تقرأ ما كتبنا في الملمح الثالث من ملامح الإبداع لديها، وهو ما يلفت نظر النقاد، وهو المرتبط بعمقها في الرؤية الإنسانية للشخصيات بعيدا عن الصور الجاهزة، حيث تستطيع هنا الإضافة للأدب، بما تقدمه من شخصيات حقيقية بصدق فني وإنساني. لذلك فسيكون عليها في كتابها القادم الحرص في اختيار النصوص، فقد حفلت المجموعة بعدد كبير من النصوص التي جعلت هناك تفاوتا في المستوى، ما يؤثر سلبا على مجمل العمل. *وقعت نصوص قمر 14 في 103 صفحات من القطع المتوسط، عن مكتبة كل شيء/ حيفا 2024، تصميم شربل إلياس.


بوابة ماسبيرو
٢٠-٠٤-٢٠٢٥
- ترفيه
- بوابة ماسبيرو
محمد سمير ندا: حلم الفوز بـالبـوكـر لم يبدأ بعد
الكاتب والناقد محمد سمير ندا، الذى تنافس روايته "صلاة القلق" على جائزة البوكر العربية للرواية، بعدما وصلت للقائمة القصيرة، يكتب ويقرأ بروح فنان، وربما هذا ما يفسر حديثه الذى يقول فيه: "أعشق الصمت، وأرى الفنّ الفعل الوحيد الذى يحقّ له أن يجرح الصمت، سواء فى الموسيقى أو فى الكتابة، وأنا أصغى إلى نقرات الأصابع على الكيبورد.. الكتابة تشترط الهدوء، ولعل انتزاع بضع لحظات من الهدوء اليومَ، فى ظلّ الإيقاع المتسارع للحياة -الذى لا يمنح المرء مهلةً لترتيب أفكاره أو للفوز ببعض السكينة والسكون - هو التحدى الأعظم تمامًا كالقراءة، لأننى أعدّ نفسى بالأساس قارئًا يهوى الكتابة، لذلك فطقوس الكتابة لدى (وكذلك القراءة)؛ مرتبطة بما يتوافّر لى من العزلة والهدوء لا أكثر، وهو ما أحاول انتزاعه من صخب الحياة اليومية، ولو لفترات قصيرة بعضها لا يتعدى الدقائق العشر، ولكنى أصرّ على الحصول عليها.".. عن الرواية والجائزة كان لنا معه هذا الحوار. ما ظروف كتابة رواية "صلاة القلق" وهل توقعت وصولها للقائمة القصيرة؟ الرواية بدأت كتابتها فى عام 2018 تقريبًا، وقد أنفقت فى كتابتها حوالى أربع سنوات، بدأت فكرتها كقصيدة بالعامية، ثم تحولت إلى رواية قصيرة، لكننى وجدت أنها قابلة للتحول إلى رواية، فواصلت الكتابة والتعديل والمحو والحذف والتشذيب، حتى انتهت فى صورتها الحالية، وحاولت نشرها طيلة عام ونصف تقريبًا، وكدت أفقد الأمل، حتى شاء الله أن تنشر مع ناشر آمن بالنص وتحمس له بخصوص التوقعات فى البوكر، أنا بالأساس لم أتوقع الوصول إلى القائمة الطويلة،لا أعرف السبب، ولكنى ببساطة لم أكن أعرف كل الروايات المرشّحة، ولم أعرف من ستكون لجنة التحكيم، ولأننى بطبعى متشائم، نحيّت الفكرة بعيدًا عن رأسى، ولكن بعد الترشّح للقائمة الطويلة، وقبل الإعلان عن القائمة القصيرة بيومين فقط، بدأت أحلم بالأمر، ولكن هذا لا ينفى حجم التوتر ثم المفاجأة فى لحظة الإعلان هل البوكر حلم؟ الشعور بالتقدير هو الحلم، وهو ما يأتى على قمة هرم "ماسلو" للاحتياجات الإنسانية، أى تقدير الذات، سواء من خلال الآخرين أو من خلال تقدير الذات لنفسها، وهو مرتبط بنسبة كبيرة بتقدير الآخرين أيضًا.. هكذا كل جائزة تحقق للكاتب أى درجة من الشعور بالتحقق أو التقدير، هى غاية وأمنية مشروعة، خصوصًا لدينا نحن معشر الكتاب العرب، إذ أن الكاتب منا يعانى كثيرًا حتى يحصل على التقدير، وقد يأتيه التقدير بعد رحيله عن الدنيا، لأنه لا يقدر على التفرغ للكتابة مهما حاول وسعى، وربما لا يأتيه أبدًا فيطويه النسيان! هــل الـجــائـــزة شهـــادة علـــى جودة العمل الأدبى؟ لنكن واقعيين، من الحتمى أن الأعمال المتواجدة فى القائمتين الطويلة، فالقصيرة، تتميز بعنصر أو مجموعة من العناصر حسب رؤية اللجنة، موضوع مختلف، خيال صرف، تجريب، تخييل تاريخى، وخلافه، ولكن؛ لنتفق هنا أن القائمة تعبر عن ذائقة أعضاء لجنة التحكيم، بالتالى فأنا لم أفكر يومًا أن روايتى أفضل من أى رواية أخرى لم تترشح للقائمة الطويلة، ولكنى فقط أشعر بالسعادة لأن روايتى استوفت من عناصر الجودة ما يؤهلها للمنافسة، ولكن هذه الجودة لها شقين، شق رئيسى بتعلق باستيفاء الضوابط والشروط الأساسية التى تضعها لجنة التحكيم كمعايير أساسية للفرز والاختيار، وشق الذائقة، وهو ما يحرك البوصلة فى النهاية بين عمل وآخر. وهكذا، ربما لو كان لدينا خمسة محكمين آخرين، لاختاروا قائمة طويلة أخرى مختلفة عما اختارته لجنة هذا العام، وكانت الاختيارات لتكون أيضًا متميّزة، ما أحاول أن أقوله، هو أن ثمة عنصر آخر أعتقد أنه التوفيق الذى أنعم الله علىّ به. كنت مهتمًا سابقا بالاطلاع على أدب هذه الجائزة وما تفرزه من أسماء على مستوى الوطن العربى، ما شعورك بعدما صرت المرشح المصرى للبوكر هذا العام؟ الأمر بصراحة مربك ومحير، ولكنه لطيف الأثر، فأنا أتابع الجائزة من بدايتها فى عام 2008 تقريبًا، وعرفت من خلالها عشرات الكتاب العرب والمصريين، كما كنت كثيرًا ما ألعب لعبة التوقعات قبل الإعلان عن القائمة الطويلة، الآن أنا موجود فى اللعبة التى استمتعت بها، ولكنى لست بقادرٍ على لعبها الآن، أن يتغير وضعك على خارطة الجائزة من متابع مهتم إلى أحد المرشحين للفوز، لهو أمر جلل، لكنى أحاول التعامل مع الأمر بهدوء، وحتى هذه اللحظة لم يبدأ حلمى بالفوز، لكنه سيبدأ قبل الإعلان بيومين أو ثلاثة، وحتى يحين ذلك، فأنا أستمتع بما يجرى، وأقرأ وأواصل الكتابة، فقط. هل كل عمل يختار لغته وعلاقتك باللغة وكيف تبنى لغة أعمالك؟ المفترض أن أقول إن العمل يختار لغته، ولكنى فى الواقع أحاول خلق البيئة التى تناسب استخدام اللغة التى أحب أن أداعبها، حتى تفيض بما ينتشى به القلم، ويصل إلى القارئ. لا بد للغة أن تكون مناسبة للحكاية، ولكنى أبدأ اللعبة بطريقة معكوسة، إذ أصمم حكاية تتسق مع اللغة التى أود استخدامها، وليس العكس، لا أعرف لو كان هذه صحيحًا أم لا، ولا أثق لو كنت سأستمر على ذات المنوال فى المقبل من الكتابات، هذا فقط ما أعتقده الآن وأمارسه، ولكن، لنرى ما سيحدث فى المستقبل، فأنا ألعب، وأول قواعد اللعبة التى وضعتها لنفسى، هو أنه لا توجد قواعد! كيف تعمل على تحسين لغة الكتابة وهل اللغة لها ثمة ارتباط بروح الكاتب؟ القراءة ثم القراءة، ثم القراءة.. حبى للغة أمر جينى يرتبط بوالدى وكتابته، ولكن القراءة فقط هى ما يصقل اللغة، ويغذى معجم الكلام فى رأسى، لا يمكن أن أقرأ لأبى فقط حتى أنوع وأطور لغتى وصورى الكلامية، من الحتمى أن أقرأ كل صنوف الأدب، ومن مختلف البلدان العربية، الشعر باب سحرى يفضى إلى أرض الخيال الحقيقى، والرواية رافد هام من روافد الخيال، وكلاهما لا بد أن ينهض على قوة اللغة، فاللغة هى العمود الفقرى لكل أدب حقيقى حسب رأيى المتواضع. اسمك امتداد لاسم والدك الكاتب الراحل سمير ندا. ماذا تقول له بعد هذا التتويج؟ أقول له ليتك كنت هنا الآن إلى جوارى، فأنا أمر بمرحلة قاسية من الوحدة والعزلة، كان حضوره سيبدد كل هذه المشاعر، وليحسّن حالتى المزاجية ويخرجنى من دوامة الاكتئاب والشعور بالغربة، كما سأقول له إن الجدوى من الكتابة قد تتحقق فى حياة الكاتب، ولكن الكتابة الجيدة تعيش أطول من كاتبيها، لهذا فكُتبه لم تزل حية، وكتب عشرات الكتاب من زملائه ورفاقه ما زالت تقُرأ حتى اليوم، ولعل هذه هى الجدوى التى شكّك فى وجودها، فآثر الانطواء والانعزال. عشت فى العراق. ووالدك عاش ظروفا سياسية وإنسانية خاصة.. كيف ساعدك الواقع فى صوغ تاريخ روايتك وطرح أسئلة مرحلتها التاريخية؟ اعتقدت أننى تحرّرت من ظل أبى بعد روايتى الثانية "بوح الجدران"، وربما يكون ذلك صحيحًا بشكل جزئى، ولكن يبدو أن همومه لم تزل تسكننى، النكسة والانكسار تركا شرخًا فى صدور ملايين، وكان أبى واحدًا منهم، هذه الحقبة التاريخية لم تزل جاذبة بالنسبة لى، ولكنى فى هذا النص، أعنى صلاة القلق، حاولت تناولها بشكل مختلف، يعتمد على لعبة تجريبية فانتازية، تحاول خلق نوع من الدستوبيا فى زمان سابق، من دون اللجوء إلى حيلة التاريخ البديل، عملا على إيصال الأفكار الرئيسية فى النص، وأهمها تغييب العقول، والسيطرة على الوعى الجمعى من خلال الإيهام، وأفكار أخرى أترك للقارئ حرية التقاطها من طرقات نجع المناسى.