أحدث الأخبار مع #ماكسفيبر


العربي الجديد
منذ 19 ساعات
- سياسة
- العربي الجديد
مسعد بولس أو شيء من أخلاق الترامبية
أحد الإرباكات التي قد تواجه معارضاً لدونالد ترامب في رفضه كل ما يمثله هذا الرجل بقيمه ونهجه أن ما يُدان عليه الرئيس الأميركي الحالي أخلاقياً هو مصدر فخر له. بعض المذمّات التي يراها فضائل إعلاؤه المصلحة المالية فوق أي اعتبار آخر، وتقديسه الثروة والبزنس وجعلهما مرادفاً للسياسة وللاحترام والشطارة، ثم تفضيله الاقتصاد غير المنتج كالتطوير العقاري على حساب القطاعات المنتجة، كذلك عدم اكتراثه سوى بكم يبلغ رصيد البشر في البنك بما أن هذا هو معيار النجاح، بينما الفقر مقياس الفشل، من دون أي ارتباطٍ بين هذه العاهات الفكرية ونظرية ماكس فيبر طبعاً. والترامبية نهج له رموزه ومقلّدوه. أحد المقلّدين يُدعى مسعد بولس، والد مايكل، زوج تيفاني دونالد ترامب. مسعد بولس لبناني ــ أميركي من مشاهير الولاية الثانية للترامبية، وقد كشفت صحيفة بوليتيكو الأميركية الإلكترونية في مطلع شهر مايو/ أيار الحالي أن تخفيضاً جرى لمكانته في الدائرة الضيقة للرئيس، رغم أنه لا يزال مستشاراً لترامب للشؤون العربية والشرق الأوسط، ومستشاره لأفريقيا. أسباب عديدة تقف خلف القرار، بحسب "بوليتيكو"، منها أنه "كثير الكلام" أو "ثرثار تلفزيوني" في شؤون لا تقع ضمن اختصاصاته، كإدلائه بمواقف لا تسرّ الرباط بشأن الصحراء الغربية في مقابلة مع قناة العربية الشهر الماضي. كذلك ترصد الصحيفة الإلكترونية ارتباطات بولس الواسعة بشخصيات سياسية لبنانية (وهو لبناني من قرية كفرعقا، قضاء الكورة، شمالاً، غادرها في شبابه إلى تكساس)، منها حليف حزب الله سليمان فرنجية، الذي لا تبعد منطقته زغرتا عن مسقط رأس مسعد بولس إلا بضعة كيلومترات، فضلاً عن الأهم بالنسبة إلى موضوع هذه السطور، وهو تضخيمه حجم أعماله وثروته إعلامياً، بعد الضجة الكبيرة التي أثارها سبق صحافي لـ"نيويورك تايمز" في ديسمبر/ كانون الأول 2024 ومفاده أن الرجل اخترع لنفسه صورة الملياردير أو على الأقل لم يصحح الصورة الشائعة عنه مليارديراً، بينما هو ليس كذلك، وقد ساعده في ذلك بعض الإعلام الأميركي. ومسعد بولس لم ينفِ في حديثه لصحافي في أكتوبر/ تشرين الأول 2024 أن تكون القيمة المالية لشركته تساوي مليارات الدولارات، وقد وصفه ترامب بـ"الرائد المحترم للغاية في عالم الأعمال وصاحب الخبرة المكثفة على الساحة الدولية"، كذلك أسبغ عليه الوصف الترامبي الأعلى على الإطلاق: صانع الصفقات. أما الحقيقة، فهي أن مسعد بولس هو المدير التنفيذي لشركة اسمها SCOA Nigeria PLC تبيع شاحنات في نيجيريا قيمتها المالية الحالية 865 ألف دولار فقط، وقد حققت ربحاً يقلّ عن 66 ألف دولار عام 2023، يملكها والد زوجته، لبناني آخر يحمل كنية فضّول. يبدو مسعد بولس في دنيا الأعمال شيئاً قريباً من سيرة دونالد ترامب الفاشل مهنياً، على عكس الصورة الشائعة عنه عبقرياً في الصفقات، فقصة الرئيس الأميركي مطوّراً عقارياً تكاد تكون مسلسلاً لا ينتهي من الإخفاقات وإعلانات الإفلاس. أما بولس، فمحاولاته تراوح بين امتلاكه مطعماً في نيجيريا وشركات بناء غير نشطة في السوق، وصاحب فكرة "تانترا"، وهو شراب طاقة تخبر شركته المصنعة أنه يزود شاربه أو شاربته بطاقة جنسية. القصة ليست في فشل مسعد بولس في عالم الأعمال، فربما يكون هذا أفضل ما يُقال بحقه، ولا طبعاً في أنه ليس مليارديراً، بل في أنه أوحى للإعلام طيلة سنوات أنه كذلك، ولم يصحح الشائعات الكاذبة التي صوّرته إمبراطوراً مالياً ربما لينال منصبه في إدارة ترامب مثلما يوحي السبق الصحافي لـ"نيويورك تايمز" بما أنه هكذا تتم تسمية شخصيات فريق الرئيس، كما تكتب الصحيفة. هذا شيء من أخلاق الترامبية وتقديسها الثراء والجاه وسمعة الملياردير حتى ولو لم تكن مليارديراً. ومع بزوغ كل فجر، يتأكد العالم كم أن الترامبية ظاهرة مَرَضية بحاجة لأطباء نفسيين لفهمها ومعالجتها أكثر مما هي حالة سياسية أو سوسيولوجية تتطلب علماء اجتماع وسياسة وعلاقات دولية.


موقع كتابات
٠٨-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- موقع كتابات
الشرف الوظيفي: المعنى الغائب في زمن الازدراء العام
في اللغة، الشرف مشتق من الرفعة، ومنه شَرُف الشيء، أي علا وارتفع قدره. وفي منظومة القيم، هو أحد أركان الضمير الأخلاقي، وميزان الكرامة الفردية والجمعية. غير أنّ هذا المفهوم، الذي كان يومًا دُرّة المعاني في الثقافات والمجتمعات، تعرّض لاختزال مخلّ ومهين على أيدي سلطات سياسية مارست فنّ التجهيل، حتى بات 'الشرف' يُختزل في أجساد النساء، بينما أُسقطت عنه كل معاني النزاهة، والاستقامة، والمسؤولية العامة. ولعلّ الشرف الوظيفي هو أبرز ضحايا هذا التشويه المتعمّد. إنّ الشرف الوظيفي ليس رتبة معنوية تُمنح، بل سلوك يُمارس، وموقف يُتّخذ، وضمير يُستحضر في غياب الرقيب. لا ينحصر في فئة دون أخرى، بل يشمل المعلّم كما يشمل القاضي، ويُطالب به الشرطي كما يُنتظر من الطبيب، وهو في جوهره تجلٍّ أخلاقي للوفاء بالعهد الاجتماعي، ولبذل الوظيفة في خدمة المجتمع لا في استغلاله. في النظرية السلوكية النفسية، يُبنى السلوك الشريف على التوازن بين الأنا الداخلية والرقابة الذاتية. هو ناتج نضج أخلاقي، لا مجرد التزام بالقانون. فالقانون قد يُخالف، لكن الشرف، إذا استقرّ في وجدان الفرد، يمنعه من التورط حتى في غياب النصوص. أما في الفقه الإسلامي، فقد اقترن العمل بالنية، والإتقان بالأمانة، فجاء قوله ﷺ: 'إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه'. والإتقان هنا ليس مهارة فحسب، بل صورة من صور الشرف: أن تؤدي الأمانة كأنك ترى الله، وأن تحترم الوظيفة كأنها عبادة. لكن كيف يمكن للفرد أن يصون شرفه الوظيفي في ظلّ سلطة أفسدت معنى الشرف ذاته؟ حين تكون الوزارات بوابات للولاء الحزبي، والمؤسسات أسواقًا للبيع والشراء، والمناصب تتبدّل تبعًا لمزاج الفساد، يصبح الدفاع عن الشرف الوظيفي فعلاً بطوليًا، ومقامرةً وجودية. لقد عملت السلطة السياسية في العراق المعاصر، عن سابق إصرار، على تدمير البنية الأخلاقية للوظيفة العامة. فرّغت الكفاءات، وصادرت المعايير، وروّجت للولاء على حساب النزاهة. وحين احتجّ الناس، لم تسمع سوى تهم التخوين والعمالة. وفي هذا السياق، لم يعد 'الشريف' في الوظيفة يُكافأ، بل يُعاقب؛ يُهمّش، يُقصى، يُسحق بين فكّي منظومة لا تعترف إلا بالتابعين. في المجتمعات التي تفقد المعنى، يغدو الشرف الوظيفي نكتة يتهامس بها الناس. في العيادات، يُتوقع من الطبيب أن يطلب الرشوة، ومن الموظف أن 'يُكرّم'، ومن الشرطي أن 'يغضّ الطرف'. هذا التواطؤ الشعبي لا يعفي السلطة، لكنه يشير إلى انهيار المنظومة القيمية بأكملها، حيث لم تعد الأمانة تُلهم، بل تُستغرب، وحيث يُهان الشريف لأنه مختلف، لا لأنه مخطئ. والأخطر من ذلك، أن الثقافة المجتمعية باتت تُصفّق للذكي الذي 'يدبّر حاله'، لا للنزيه الذي 'يصبر على رزقه'. اختلطت الفطنة بالتحايل، والحيلة بالمكر، وذُبح الضمير على مذبحة الواقعية السياسية. في الفكر العالمي، من ماكس فيبر إلى هانا أرندت، كانت الوظيفة العامة مرآة لأزمة الضمير الحديث. حذّر فيبر من 'تحوّل البيروقراطي إلى عبد للإجراءات'، بينما وصفت أرندت تفاهة الشر في موظف لا يُفكر. هكذا يكون غياب الشرف الوظيفي، لا في الفساد الكبير وحده، بل في التفريط اليومي بالتفكير، بالمسؤولية، وبالواجب. ولعلّ أعظم مقاومة للشطط السياسي ليست في الصراخ، بل في الصمت الشريف: في المعلم الذي يعلّم رغم ضآلة راتبه، في الموظف الذي لا يبيع توقيعه، في القاضي الذي لا يساوم على الحكم. إنّ الشرف الوظيفي ليس رفاهًا فكريًا، بل شرطًا أخلاقيًا لاستمرار الدولة. وهو في العراق، ليس مجرد مطلب، بل صرخة وجود. في وطن استُبيحت فيه القيم، وصار الشرف يُعرّف سياسيًا لا أخلاقيًا، تصبح استعادة المعنى مهمة وطنية، ومواجهة الفساد التزامًا روحيًا لا إداريًا فقط. إننا لا نحتاج إلى حملات دعائية عن 'مكافحة الفساد'، بل إلى بعث جديد للضمير. إلى ثورة صامتة في دواخلنا، عنوانها: أن أكون شريفًا، ولو في حضرة الخيانة.


الميادين
٠٧-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- الميادين
ما أهداف احتكار السلاح وقرار الحرب والسلم؟ (1)
بينما تسارع دول "المنظومة الدولية" إلى تهديد وجود الكرة الأرضية، يرتكب الاستعمار الجديد جرائم الإبادة، ويسعى إلى نزع سلاح الردع من الجنوب العالمي، مستهدفاً في منطقتنا تسييد "اسرائيل الكبرى". التصويب الأميركي الدولي المحلّي على سلاح المقاومة لا يقتصر على نزع سلاح الحزب! لا صلة مباشرة بين مسألة احتكار الدولة للسلاح الشرعي وبين مسألة احتكار الدولة قرار الحرب والسلم. فهما مقولتان في حقلين مختلفين على وجهي نقيض: الأولى تعني الصراع الداخلي المسلّح بين قوى وشرائح المجتمع، والثانية تخصّ ثوابت الدول القويّة بالحرب لتوسّع النفوذ والمصالح، وثوابت الدول الضعيفة بالدفاع الوطني والردع بالسلاح للوصول إلى حماية السلم والمصالح الوطنية. إقتناص ماكس فيبر وتوماس هوبس بموازاة انهيار منظومة القطبين وحركات التحرّر في عالم الجنوب، بدأت منظومة ريغان ــ تاتشر (1980 ــ 1990) "الدولية" العمل على استثمار التحوّلات في النظام الدولي للسيطرة الجيوسياسية على شرقي القارة ووضع اليد على جنوبها. بهدف إخضاع الجنوب العالمي، اقتنص خبراء التلاعب بالعقول إثر الحرب الباردة، عالم الاجتماع ماكس فيبر (1864 ــ 1920) الذي انشغل بمسائل الحرب الأهلية في بريطانيا (حرب الممالك الثلاثة ــ 1640 و1670) وبالحروب الأهلية في فرنسا (ثورة 1790 والثورات المكمّلة 1830 و1848 وعامية باريس 1871) وخرج منها بقراءة سوسيولوجية لوقف ما رآه "العنف غير الشرعي" في الثورات الفرنسية على الرغم من تغييرها وجه التاريخ، وكذلك "عنف" ممالك ويلز وإيرلندا واسكتلندا ضد التاج البريطاني. اعتبر في رؤيته المعادية للثورات الاجتماعية التاريخية والمعادية للاصلاح السياسي، حق الحكومة الرسمية (الدولة) في النظام الاقطاعي القديم "احتكار العنف"، ومنعه عن ثوّار تغيير النظام وعن الديموقراطيين الرافضين لتسلّط الملَكية والاقطاع والكنيسة....، (محاضرتا ماكس فيبر في جامعة ميونيخ عامي 1917 و1919 نُشرتا في كتاب باللغة الفرنسية تحت عنوان "العالِم (الحكيم) والسياسي" عام 1959 مع نقديم ريمون آرون). قراءة سوسيولوجية منافية للتاريخ الاجتماعي والسياسي في تاريخ الصراع الاجتماعي والسياسي لم يكن الخلاف في داخل الدول الأوروبية طيلة القرنين السابع عشر والثامن عشر، على مبدأ احتكار الدولة سلاح العنف الشرعي. إنما كان الصراع على سلاح تغيير السلطة الملَكية ونظام الحكم الاقطاعي ــ الكنَسي القديم. وفي هذا الإطار رسّخ النشيد الوطني الفرنسي حتى اليوم شعار الثورة الفرنسية "إلى السلاح أيها المواطنون" من أجل تشييد الجمهورية وتغيير النظام الاقطاعي. وعلى عكس الولايات المتحدة، لم يهدف العنف السياسي والاجتماعي في أوروبا إلى "حق الشعب في اقتناء وحمل السلاح ضرورة لدولة حرّة" كما نصّ الدستور الاميركي عام 1791 وما زال معمولاً به حتى الساعة. لكن الدول الأوروبية (الدولة ــ الأمة) التي لجأت إلى الحرب فيما بينها، عمدت الى احتكار العنف والسلاح أثناء توسّعها فيما بينها وأثناء الغزو الاستعماري في الجنوب، ثم ضد تحرّر المستعمرات في أفريقيا وأميركا اللاتينية وإيرلندا والباسك وكاتالونيا وكاليدونيا... إلخ، واستخدمت في المستعمرات مقولة "احتكار الدولة العنف الشرعي ضد الارهاب والخارجين عن القانون". ولا يزال الأكثر فاشية وعنصرية يستخدمها اليوم لتبرير السلاح الحكومي في قمع الانتفاضات المطلبية واعتصامات الجامعات دعماً لغزة، وحتى المظاهرات الساخنة في البلدان الأوروبية، كما برّر إريك زمور وجماعة "الإحلال الكبير" عنف سلاح الشرطة ضد السترات الصفر، وضد قمع الفلاحين في سان سولين وضد انتفاضة الضواحي. في لبنان لا توجد مطالب بحمل السلاح بحسب الدستور الأميركي، ولا توجد مقاومة السلطة الشرعية بالسلاح منذ اتفاق الطائف. كما أن مقاومة حزب الله لم تمسّ شرعية السلطة من قريب أو بعيد ولا تقارب تغيير نظام الحكم بالسلاح أو حتى بالمعارضة السياسية. وبهذا المعنى يقرّ الحزب حق الدولة في "احتكار العنف الشرعي" الداخلي، وهذا ما يميّز حالة لبنان عن حالات سوريا واليمن وليبيا وتركيا والسودان والصومال وأفريقيا ...، حيث الصراع المسلّح هو على شرعية السلطة وعلى شرعية نظام الحكم. لكن الخلاف في لبنان هو على سلاح الدفاع الوطني بين الدول، وعلى سياسات الردع في بناء الدولة. فالتصويب الأميركي الدولي المحلّي على سلاح المقاومة لا يقتصر على نزع سلاح الحزب فحسب، بل يستهدف إزالة كل سلاح الدفاع اللبناني الحالي والممكن لاحقاً، وبناء "لا دولة" منزوعة من سلاح الدفاع والردع. الدفاع الحربي في عالم الجنوب لحماية السلم والمصالح الوطنية. برزت مسألة الحرب والسلم ملازمة لحروب مقاطعات "الامبراطورية الرومانية المقدّسة" وآل هابسبورغ في القرن السابع عشر، عندما غيّر "صلح وستفاليا" (1648 ــ 1657) كل الجغرافيا السياسية الأوروبية، وقلبَ الحروب الدينية (وهي بالحقيقة حروب الفلاحين والاقطاع والكنائس المختلفة) إلى حروب بين ممالك وإقطاعيي الدول الأوروبية، فاحتكرت كل مملكة سلاح الحرب بتعطيل سلاح مقاطعات الأمراطورية. يعود اليوم دعاة نزع سلاح الدفاع والردع من دول الجنوب إلى ذاك التاريخ في أوروبا، استناداً إلى الانتروبولوجي الانكليزي توماس هوبس (1588 ــ 1679) الذي كان مثل ماكس فيبر مشغولاً بالحرب الأهلية الانجليزية ومؤمناً بدولة الملَكية المطلقة. وقد يكون هوبس بين آوائل الذين فلسفوا مفهوم بناء الدولة الملكية ــ الاقطاعية في أوروبا من رحم الأمبراطورية الرومانية المقدّسة. واعتُبر مفهومه تأسيساً لولادة الدولة ــ الأمة قبل الثورة الصناعية والدولة القومية. لكنه رأى الحروب الأوروبية حينها نتيجة الطبيعة البشرية المجبولة على العنف بحيث يولد الانسان ذئباً للإنسان، وتؤدي طبيعته "إلى حرب الكل ضد الكل". ولتقريب تصوّره استعان بأسطورة الوحش البحري التوراتية "اللفيتان ــ سفر يونس"، في دعوته إلى منقذ "في داخل الحوت" يتجسّد بتصنيع حكومة (دولة) فوق الطبيعة البشرية، قائمة على الأخلاق المسيحية لكي تتكفّل بتهذيب الذئبية البشرية مقابل الطاعة العمياء لسيادة الحكومة ــ الدولة. عندها يتوقف بنظره العنف (الحرب) وتستقرّ ديمومة السلام بين العبد الطيّع وبين صاحب السيادة المطلقة مقابل قيام السيّد بواجباته الأخلاقية. انبعاث الهوبسية بحلّة عصرية العديد من فلاسفة وعلماء الاجتماع في أوروبا، تناولوا في عصر التنوير والعصر الحديث مسألة العنف والسلاح وعارضوا تصوّرات هوبس على وجه الخصوص، بالنظر إلى أن الحرب لا مفرّ منها بين الدول المبنيّة بطبيعة وجودها على توسّع النفوذ والمصالح، أوعلى منع التوسّع في الدفاع الوطني، وليس بسبب الطبيعة البشرية للشعوب. لكن الخلاصة التي وصل اليها هوبس مرتع خصب يقتنصه خبراء ومثقفو دعاة الاستعمار الجديد، لاستخراج إيديولوجية وبنية فوقية كاملة تتحكم بخضوع شعوب ودول الجنوب، لتسليم ثرواتها ومقدراتها إلى الأسياد الجدد كفعل حضاري عن طيب خاطر. ترتكز هذه الايديولوجية على ترويج ثقافة سياسية مفادها أن عالم الجنوب ليس شعوباً ومجتمعات عريقة الحضارة، بل جماعات عصبية ومكوّنات دينية وعرقية غريزية مجبولة بطبيعتها البشرية على العنف البربري. إقناع النُخب وناشطي الجنوب أن دولهم فاشلة أو مارقة بسبب طبيعة شعوبهم. لذا ينبغي تطبّعهم على فرض الرضوخ إلى أسياد "الشرعية الدولية"، مقابل تهذيب ذئبية طبيعتهم البشرية وتربيتهم على أخلاقيات "منظومة القيَم" الحضارية. وبين هذه القيَم ما يرُوج من تعابير ارتقاء الأفراد الأحرار إلى مصاف"المواطَنَة"، وإلى شروط صقل الطبيعة البرّية بأخلاقيات الرضوخ ونبذ العنف والكراهية والتسامح والحوكمة الرشيدة ... إلخ. فلسفة دحض الهوبسية قديماً وحديثاً إيمانويل كانط أحد فلاسفة التنوير المرموقين (1724 ــ 1804) دحَض مقولة هوبس بنقل الحرب والسلم من الماورائيات القائمة على النظر في الطبيعة البشرية وأخلاقيات العبد والسيّد، إلى تاريخ وأسباب طبائع الدول. فرأى الحرب علاقة صراع بين دولة مقابل دولة، متوافقاً مع باروخ سبينوزا (1632 ــ 1677) بأنه "لا يوجد أكبر من مأساة السلم تحت الخوف الذي يؤدي إلى العبودية". رأى احتكار الدولة قرار الحرب والسلم يعنى قرار حرب دائمة بين الدول، لا حلّ لها سوى إنشاء حكم عالمي يقوم على مبادىء الحق، ضمانة للسلم الدائم بين الدول. (مبادىء الحق والقانون، والسلام الدائم، 1795 ــ 1796). مونتسكيو وجان جاك روسو (1712 ــ 1778) تعمّقا أكثر من ذلك في أسباب الحرب بين الدول فيقول رسّو "إن الحرب ملازمة لوجود الدولة والمجتمع، ولا دولة ومجتمع من دون حرب". رأى أن حالة الحرب هي بالضرورة نتيجة وجود دولاً سيّدة وأخرى عبيدة ولا يمكن إنهاءها بسلام قانوني عالمي، بل "إن الحرب العادلة مبدئية وضرورة لسلام الدولة والمجتمع وضرورة لوجودهما".(رسّو، الحرب وحالة الحرب، الأعمال الكاملة، الجزء الثالث، غاليمار، 1964، ص 1899) واستمرّ الفلاسفة المعاصرون وعلماء الاجتماع بدحض المقولة الهوبسية كلٌ من زاوية رؤيته وفلسفته. لكنهم أجمعوا على أن الدول هي في حالة حرب دائمة، يحدّ من اندلاعها توازن الرعب والقدرة على الدفاع الوطني. ميشال فوكو( 1926 ــ 1948) يرى الحرب حقيقة تاريخية تفرض الدفاع عن المجتمع وحرية الأفراد (نشأة السيادة، محاضرة 4 شباط ـ فبراير، 1976). ريمون آرون الأكثر محافظَة بين الديموقراطيين (1905 ــ 1983) يرى أن الدولة ــ الأمة نشأت بالعنف المسلّح، فينبغي على كل إنسان حمايتها وأن يكون جندياً للدفاع عن حرّيته. "فالسلم بين الدول وهم والحرب من ثوابت التاريخ البشري، ولا مفرّ منها". (الحرب والسلم بين الأمم، كالمان ليفي، باريس، 1962). ولم يكن بين الفلاسفة وعلماء الاجتماع المرموقين، أو بين رجال الدولة الكبار، أيّ من دعاة حرب للحرب. لكن أغلبهم جدّ السعي لاستخلاص دروس وقائع التاريخ الأوروبي تحديداً. فسارعلى هدى حكمة الفيلسوف ورجل الدولة الروماني "جيل سيزار" الذي قال قبل الميلاد بمئة عام " من يسعى إلى السلم يحضّر الحرب".


بلبريس
١٤-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- بلبريس
ميمونة الحاج داهي: هكذا يُدار تفكيك العدالة والتنمية من الداخل والخارج
بلبريس - ليلى صبحي في تدوينة تحليلية مثيرة نشرتها على صفحتها بموقع "فايسبوك"، سلطت الباحثة والفاعلة السياسية ميمونة الحاج داهي الضوء على ما وصفته بـ"حروب الوعي السياسي" التي يشهدها المغرب في الآونة الأخيرة، في سياق إعادة تشكيل الصورة الذهنية لحزب العدالة والتنمية في وجدان الرأي العام. ورأت داهي أن ما يجري ليس مجرد سجال نقدي أو تقييم موضوعي لتجربة الحزب في تدبير الشأن العام، بل هو "حملة هجومية مركبة" تتخذ طابعًا إعلاميًا وسياسيًا متداخلاً، هدفها إضعاف صورة الحزب وتشويه رصيده الأخلاقي والسياسي، في إطار ما يشبه "إعادة هندسة للخريطة السياسية عبر الشيطنة الناعمة". واعتبرت أن هذه الحملة لا تندرج ضمن منطق التعددية في الرأي أو التنافس الديمقراطي المشروع، بل تعكس استراتيجيات تستهدف "إفراغ الساحة من أي منافس سياسي فعلي"، من خلال إنهاك صورة العدالة والتنمية والتشكيك في شرعيته، دون تقديم بدائل حقيقية، بل فقط من خلال خطاب سلبي يُقدّم "الآخر" كفاشل من أجل تلميع صورة "البديل". وأشارت داهي إلى أن هذا النمط من الاستهداف يعكس ما سماه المفكر بيير بورديو بـ"العنف الرمزي"، حيث يتم تدمير الخصم لا بالوسائل المباشرة، بل عن طريق المساس برمزيته ومصداقيته لدى الجماهير، في عملية منظمة تستثمر التراكمات النفسية السلبية للمواطنين، وتُدار أحيانًا من داخل الحزب ذاته، عبر ما وصفته بـ"النقد الذاتي المستدرج". وفي إشارة إلى تصريحات بعض الوجوه السابقة في الحزب، اعتبرت أن هذا النقد الداخلي لا يرقى إلى المراجعة الجادة، بل يشكل محاولة لاختراق الحزب من الداخل وتحويله إلى ذات تنقض نفسها بنفسها، في مسار يهدف إلى تقويض بنيته التنظيمية والرمزية. واستحضرت داهي في تحليلها تصنيف ماكس فيبر لأخلاقيات العمل السياسي بين "أخلاق الاقتناع" و"أخلاق المسؤولية"، معتبرة أن النقد الموضوعي لتجربة العدالة والتنمية يجب أن ينطلق من تقييم واقعي لنتائج تدبيره، بعيدًا عن الاختزال والتبسيط، لا سيما أن الحكم عليه يجب أن يشمل عناصر التجربة ومسؤولياتها وسياقها العام. وتطرقت التدوينة أيضًا إلى دور وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، التي اعتبرتها أصبحت "أدوات للتعبئة النفسية السريعة" بدل أن تكون فضاءً للنقاش العمومي الرصين. وأكدت أن هذه الوسائط تُستخدم لتضخيم الرسائل المشفرة، وإعادة صياغة الصور والانطباعات، في ما يشبه "حربًا ناعمة على الوعي الجماعي". وحذرت المتحدثة من خطورة تحويل السياسة إلى ساحة لتصفية الحسابات الشخصية، أو إلى مسرح لإعادة توزيع النفوذ عبر تسفيه الخصوم، معتبرة أن هذا النهج يؤدي إلى زعزعة ثقة المواطنين في العمل السياسي، ويعزز مظاهر العزوف واللامبالاة، ما يُفضي إلى هشاشة في المشروعية السياسية. واختتمت ميمونة الحاج داهي تدوينتها بتشديدها على أن الخطر الحقيقي لا يكمن في فشل حزب معين، بل في نجاح "عقلية الإقصاء" التي تبني شرعيتها على أنقاض صورة الآخر، ما ينتهي إلى إنتاج سلطة بلا جذور، وفقدان للرؤية الديمقراطية الناضجة. وأكدت أن وحده المشروع السياسي الصادق، القائم على الإقناع والوضوح، قادر على إعادة بناء الثقة العامة، وإعادة الاعتبار للفعل السياسي كأفق وطني مشترك، وليس مجرد سلعة انتخابية عابرة.


جو 24
٠١-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- جو 24
خواطر على هامش العيد! #عاجل
جو 24 : كتب: كمال ميرزا الحمد لله على نعمة اختلاف الأنظمة العربيّة في رؤية هلال العيد! أخيراً سمعنا أصوات بعض الغيورين على الدين وحياضه، هؤلاء الذين ألفيناهم خلال الخمسة عشر شهراً الماضية يلتزمون الصمت حدّ الخَرَس عندما يتعلّق الأمر بغزّة وأهل غزّة، ويركنون إلى توكّل كاذب على الله هو في حقيقته تواكل، مكتفين بدعاء ينافقون به أنفسهم أكثر ممّا أنّهم يرتجون الإجابة، ويركنون إلى وجوب طاعة أولياء الأمر ليبرروا السكوت والخنوع والخذلان والتواطؤ والخيانة! قطرة دم طفل غزّاوي واحد أهم من جميع أهلّتكم منذ بدء الخليقة! فقط لو تغضبون لغزّة وأهلها وتتفصّدون حميّة من أجلها معشار حميّتكم لهلال العيد! كان الناس قد تنادَوا العام الماضي للتخفّف من مظاهر العيد تضامناً مع الأهل في غزّة وعموم فلسطين، واقتصار ضيافة العيد على القهوة السادة والتمر. يا ترى هل ما يزال هذا التضامن قائماً وسارياً هذا العيد أم أنّ "الترند" قد بهت وانتهى؟! المؤسف أنّني لا أجرؤ على طرح هذا السؤال حتى على أقرب المقرّبين منّي لكي لا أكتشف أنّني "ما بمون" وتلافياً لـ "تسقيع وجهي"! أهل غزّة لا يحتاجون مثل هذه اللفتات، وآخر همّهم مثل هذه اللفتات في غمرة كلّ هذا الخذلان والتنصّل والتآمر الذي يتعرّضون له. نحن الذين بحاجة لمثل هذه اللفتات من باب تذكير أنفسنا، وللتشبّث ببقايا إنسانيّتنا، وعلى أمل زرع بذرة ما أو عِبرة ما في نفوس أطفالنا قد تُزهر في المستقبل بطرق لا نتصوّرها حين نقول لهم: لا شوكولا في العيد ولا معمول في العيد تضامناً مع إخوانكم أطفال غزّة! أتى العيد على البعض في الوطن العربي وقد أصبحوا وزراء بعد أن كانوا مطاريد! مبارك! في ضوء "الأخلاق البروتستانتيّة" على طريقة "ماكس فيبر" التي يتميّز بها نمط تديّن هؤلاء الإسلاميّين، أعلم أنّهم سيعتبرون مناصبهم الجديدة مؤشراً على رضا الله تعالى وتوفيقه (وليس ابتلاءً أو مدّاً لهم مثلاً)، وضرباً من تعجيل الثواب لهم في الدنيا إضافة إلى ما يدّخره الله لهم من نعيم في الآخرة! من هنا إلى أن يلقى أصحاب المعالي الجدد ربّهم، سؤال لخبراء أنظمة الموارد البشريّة والضمان الاجتماعي في الوطن العربيّ: عندما يُعيَّن وزير جديد في حكومة "ثوريّة" عربيّة (وضع ثوريّة بين مائة قوس)، ولغايات احتساب سنوات الخبرة من أجل العلاوات، وسنين الخدمة من أجل التقاعد.. هل تُحتسَب المدّة التي قضاها واحدهم وهو يعمل كـ "مُرتزَق" متفرّغ بدوام كامل؟! وهل يحتاج إلى شهادات خبرة مصدّقة حسب الأصول لهذه الغاية؟! ومن أين يمكن استصدار مثل هذه الشهادات وتصديقها: الجهة التي خطّطتْ ونظّمتْ وأشرفتْ.. الجهة التي جنّدتْ.. الجهة التي موّلت.. الجهة التي سلّحت.. الجهة التي درّبتْ.. الجهة التي مرّرتْ.. الجهة التي سهّلتْ.. الجهة التي آوتْ.. أم جميع هذه الجهات؟! في غمرة التركيز على ما يحدث في غزّة والضفّة وجبهات الإسناد، إنْ مع وإنْ ضد، مرّ خبر الشهداء من أبناء قرية "كويا" جنوب سوريّة مروراً سريعاً، ولم ينل هؤلاء الأبطال حقّهم من الحفاوة والتقدير حين هبّوا للتصدّي لمحاولة العدو الصهيونيّ التوغّل في قريتهم! ألا يستحقّ هؤلاء الشهداء الأبطال ـ كأضعف الإيمان ـ أن يكونوا موضوعاً لدعاء نبتهل به إلى الله تعالى؟ ـ اللهم طهّر بوصلتنا من الزيغ والانحراف كطهارة بوصلة شهداء "كويا"! يا ترى هل كان حجاب المرأة وعفافها هو الموضوع الأثير لجميع خطباء العيد في العالم العربيّ والإسلاميّ المُحتفِل بفطره؟ أم كانت هناك تنويعات؟ هل تطرّق الخطباء للمرأة الفلسطينيّة التي يباغتها القصف الصهيو - أمريكيّ قبل أن تتمكن من ستر عورتها كما ينبغي؟ أو التي تُكشف عورتها وتتبعثر للأسف حين تمزّقها القذيفة إلى أشلاء؟ وماذا عن المرأة الفلسطينيّة التي لا تستطيع أن تخلع حجابها لساعة من ليل أو نهار لأنّها محشورة وسط أكداس النازحين في الخيام؟ هل من رخصة ما هنا على غرار الرُخَص "المبحبحة" التي اعتاد هؤلاء العلماء والفقهاء قطعها لولاة الأمر وأصحاب القرار؟! وماذا عن عفاف الرجال؟ أليس التخاذل عن نصرة إخوتنا الذين يُستباحون ويُبادون هو قمة العُري والسفور وكشف العورة وهتك الحياء والعِرض؟! من حكمة الله تعالى ورحمته أنّ خطبة العيد هي بعد الصلاة وليس قبلها. أظنّ أنّ الأمر ضربٌ من "العيديّة"؛ فإذا كان المصلّون مضطرون لتحمّل خطباء وزارات الأوقاف/ الداخليّة طوال السنة، فقد منحهم الله فرصة في العيد ليفرّوا بأنفسهم بعد الصلاة مباشرة دون الاضطرار لسماع الخطيب! قد يجادل البعض أنّ الأجر هكذا لا يكتمل. حسناً، نصف أجر خير من الاستماع لأمثال هؤلاء! قبل أيام تداول الناس عبر "السوشال ميديا" وصية لطفل غزّاوي شهيد كتبها بخطّ يده: ((أنا عمر الجماصي، عليّا دين "واحد شيكل" من ولد اسمه عبد الكريم النيرب... عبد الكريم ساكن بشارع أبو نافذ... وأنا يا أحبابي أحبكم، وأتمنى أن لا تتركوا الصلاة.. وأن تحافظوا على قراءة القرآن والاستغفار)). لولا أنّ كلمة الله عزّ وجلّ قد سبقت بأنّ الرسالات قد خُتمتْ، والوحي قد انقطع، لما اندهشتُ لو أنّ سيدنا "جبريل" قد تنزّل من الملأ الأعلى، ووقف بين السماء والأرض، وهتف بالثَقَلَيْن مُبلِّغَاً: ((ألا لا يقضيّن أحدكم دَيْن عمر الجماصي.. ألا إنّه دَيْنٌ الله وليّهُ ووليُّ صاحبه في الدنيا والآخرة))! قد نكون أُمْة "الترليونات" التي تُنثر جُزافاً، لكنّنا عند الله لا نساوي شيكل عمر الجماصي! كلّ عام وغزّة ومخيمات الضفة وجبهات إسنادهما بخير... فقط! أمّا نحن البقيّة، فمجرد أنّنا ما نزال على قيد الحياة، ومجرد أنّ الأرض لم تُخسَف بنا بعد، والسماء لم تهوِ علينا لتخاذلنا وتقاعسنا عن نصرة إخواننا.. فهذه أكبر منيّة ورحمة وفضل من الله تعالى! قصة قصيرة: ناح "عزرائيل" حتى أوشكت دموعه أن تفيض وتُغرق أهل الأرض؛ الطفلة الغزّاوية ذات العامين والضفيرتين والسنّين اللبنيّين التي قبض روحها توّاً كانت تمدّ يدها مبتسمةً لتعطيه حلوى العيد! تابعو الأردن 24 على