منذ 12 ساعات
تداعيات الصراع بين إيران وإسرائيل على ألمانيا: النووي والطاقة والهجرة
شكّل التصعيد الإسرائيلي ضد إيران، وقصف مواقع نووية وعسكرية ومصانع صواريخ، واغتيال عدد من كبار الضباط والعلماء النوويين، وردّ طهران بصواريخ بعيدة المدى، مصدر قلق متزايد لألمانيا، وسط مخاوف من تحوّل الصراع إلى حرب إقليمية شاملة، قد تكون تداعياتها السلبية سريعة وقاسية على الاقتصاد والأمن والمجتمع في البلاد.
صدمة على الاقتصاد
وأدّى اندلاع الحرب في الشرق الأوسط إلى ارتفاع أسعار الوقود في ألمانيا، بعدما زادت عالمياً بنسبة 9% خلال الأيام الأولى من المواجهات. وتخشى برلين من أن يؤدي أي تصعيد إضافي بين إيران وإسرائيل إلى أزمة اقتصادية حادة، خاصة إذا ما تحققت التوقعات بارتفاع أسعار الطاقة بنسبة تتراوح بين 30 و50%، في حال إغلاق مضيق هرمز، الذي يمرّ عبره نحو 21% من إمدادات النفط العالمية.
وفي هذه الحالة، ستواجه الشركات والمستهلكون في ألمانيا أعباء متزايدة نتيجة ارتفاع أسعار الغاز وزيت التدفئة والغذاء والكهرباء. وبوصفها دولة مصدّرة، فإن ألمانيا ستكون عرضة لمخاطر أكبر، بسبب تعطل سلاسل الإنتاج، وتهديد حركة الشحن والتجارة العالمية، إضافة إلى التضخم الناتج عن الارتفاعات الكبيرة في تكاليف التأمين والنقل.
موجات لجوء محتملة
في ظل تركيز الأنظار على التصعيد العسكري، يحذّر خبراء من موجات لجوء جديدة قد تتجه نحو ألمانيا وبلدان وسط أوروبا، إذا تدهور الوضع الإنساني في الشرق الأوسط، وانهارت هياكل الدول المتأثرة بالحرب، خصوصاً مع خطر تسرّب مواد إشعاعية في حال تعرّض منشآت نووية إيرانية للقصف.
وتُعدّ إيران نفسها دولة مستقبلة لأعداد ضخمة من اللاجئين، إذ تؤوي نحو 4 ملايين أفغاني. وكانت السلطات الإيرانية قد حدّدت يوم 6 تموز/ يوليو موعداً نهائياً لترحيلهم. وفي هذا السياق، أكد المكتب الاتحادي للهجرة واللجوء أن الحرب وانعدام الاستقرار السياسي قد يدفعان بموجات جديدة من الهجرة الجماعية من المنطقة بأسرها.
وقد اعتبر وزراء الداخلية في الولايات الألمانية أن مستوى التهديد كبير، مشدّدين على أن الصراع يُشكّل أولوية أمنية قصوى، ويستدعي من الأجهزة المختصة اليقظة القصوى. كما أشار مراقبون إلى أن الحكومة الألمانية، وإلى جانب انشغالها بالملف الاقتصادي وسعيها إلى تنسيق ديبلوماسي مع فرنسا وبريطانيا، مطالَبة بتعزيز الأمن الوطني، وضبط الحدود، واتخاذ تدابير احترازية ضد التهديدات الإرهابية المحتملة، في ظل خطر التصعيد النووي بين إيران وإسرائيل.
وقد أقرّ مجلس الأمن القومي المصغّر في برلين جملة إجراءات فورية لحماية المواطنين الألمان في الشرق الأوسط، وتأمين المؤسسات اليهودية والإسرائيلية داخل البلاد.
خطر نووي متصاعد
في ما يخص خطر انتشار السلاح النووي، أشار "المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية" إلى أن إيران تقوم بتخصيب اليورانيوم بنسبة 60%، وتمتلك أكثر من 7000 كيلوغرام منه، وهي كمية قابلة للتخصيب خلال فترة قصيرة بما يكفي لصنع 5 إلى 6 قنابل نووية. كما حذّرت أجهزة استخبارات غربية من أن الصواريخ الباليستية الإيرانية، من طراز "شهاب 3" (مداه 2000 كلم) و"سجيل" (مداه 2500 كلم) والمزوّدة برؤوس حربية بزنة 1500 كلغ، قد تهدد أجزاء من جنوب شرق وغرب أوروبا.
ورغم تأكيد البعض أن إيران ضعُفت نتيجة الضربات القاسية التي تلقّاها حلفاؤها، كـ"حماس" في غزة و"حزب الله" في لبنان، وبعد خروج سوريا من محورها إثر الإطاحة ببشار الأسد، إلا أن الباحث الأوروبي كاي مورشلات يقول لـ"النهار" إن من غير الواضح بعد ما إذا كانت الضربات الإسرائيلية ستشلّ طهران أو تردعها فعلياً عن المضي في برنامجها النووي، خاصة أنها تمتلك القدرات والخبرة الفنية اللازمة. ويشير إلى أن أي هجوم موسّع قد يدفع إيران إلى الانسحاب الكامل من معاهدة حظر الانتشار النووي.
ويلفت إلى أن انتهاء صلاحية قرار الأمم المتحدة المتعلّق بالبرنامج النووي الإيراني في تشرين الأول/ أكتوبر 2025، سيعني عملياً أن هذا البرنامج لم يعد خاضعاً للرقابة الدولية، وهو ما يشكّل معضلة كبرى لأوروبا، وألمانيا بشكل خاص. ويخلص إلى أن احتواء التصعيد لم يعد بيد الأوروبيين، بل مرهون بتفاهمات بين الولايات المتحدة وتركيا وروسيا وبعض دول الخليج.
بين التضامن واللوم
ورغم تضامن الحكومة الألمانية مع إسرائيل وتبريرها للضربة على أنها "استباقية دفاعاً عن النفس"، فإن أصواتاً سياسية أخرى عبّرت عن القلق من التصعيد، وطالبت بضبط النفس. فقد قال زعيم حزب اليسار يان فان آكين، في حديث صحافي، إن "من حق الدول الدفاع عن نفسها، لكن ما قامت به إسرائيل لا يُعدّ دفاعاً عن النفس، بل هجوماً يخالف القانون الدولي".
وأضاف: "مع وجود المفتشين الدوليين في إيران، نعلم أن طهران لا تمتلك حالياً يورانيوم مخصّباً بنسبة 90%، وهي النسبة اللازمة لصنع قنبلة نووية. لكن الهجوم الإسرائيلي دمّر أدوات الرقابة، ما قد يسمح لإيران بالإسراع في تصنيع سلاح نووي".
وأشار إلى أن "التزام ألمانيا تجاه إسرائيل لا ينبغي أن يمنعها من انتقاد السياسات المخالفة للقانون الدولي، سواء في غزة أو ضد إيران، بل يجب عليها اتخاذ خطوات جريئة، مثل الاعتراف بدولة فلسطين، ووقف شحنات الأسلحة إلى إسرائيل".