logo
#

أحدث الأخبار مع #محسنابراهيم

50 عاماً على الحرب... لو كانوا يعلمون!
50 عاماً على الحرب... لو كانوا يعلمون!

MTV

time١٢-٠٤-٢٠٢٥

  • سياسة
  • MTV

50 عاماً على الحرب... لو كانوا يعلمون!

بعد خمسين عاماً على تاريخ 13 نيسان هناك من يقف على حافة التاريخ كي يجري جردة حساب ونقداً ذاتياً حول مسؤولية الحرب التي اندلعت ذلك اليوم ودمّرت الدولة والبلد والنظام والعلاقات المؤسِّسة للكيان. اكتشف مشاركون في الحرب ومساهمون في تفجيرها أنّهم كانوا ضالّين، وأنّهم دمّروا الوطن في ساعة تقدير خاطئ وعجزوا عن بناء النظام البديل، وأنّهم كانوا يدمّرون أنفسهم أيضاً ويُسقِطون الهيكل على رؤوس الجميع. اعتقدوا أنّهم سينتصرون في صراع يظهر اليوم بعد كل هذه التجارب أن لا خروج منه، وأنّ الكل كان مهزوماً. لم يكن محسن ابراهيم، أمين عام منظمة العمل الشيوعي، وأمين سر الحركة الوطنية، وأقرب المقربين إلى رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات وإلى رئيس الحركة الوطنية كمال جنبلاط، هو الوحيد الذي أجرى مراجعة نقدية متأخِّرة لمسألة الدخول في الحرب. في المهرجان التأبيني الحاشد الذي أقيم في ذكرى أربعين أمين عام الحزب الشيوعي السابق، الشهيد جورج حاوي، في قاعة الأونيسكو في 7 آب 2005 قال ابراهيم: "هل تراني في هذا التقديم التكريمي لما كان عليه دور الحركة الوطنية اللبنانية وبرنامجها، وقد ساقني إليه واجب تكريم جورج حاوي بصفته أحد بُناتها الكبار، هل تراني أردت الإفلات من مسؤولية النقد الصريح لما كان من أخطاء هذه الحركة الوطنية وبعضه كان قاتلاً؟ كلا بالتأكيد، فليس هذا نهجي ولا هو نهج رفيق دربي أبي أنيس. وإذا كان ثبت الأخطاء هنا يطول فإنني أكتفي بإيراد اثنين منها كان ضررهما عظيماً على الحركة الوطنية اللبنانية وعلى البلد في آن. الخطأ الأول: أننا في معرض دعم نضال الشعب الفلسطيني ذهبنا بعيداً في تحميل لبنان من الأعباء المسلحة للقضية الفلسطينية فوق ما يحتمل، طاقة وعدالة وإنصافاً. والخطأ الثاني: أننا استسهلنا ركوب سفينة الحرب الأهلية تحت وهم اختصار الطريق إلى التغيير الديمقراطي. فكان ما كان ـ تحت وطأة هذين الخطأين ـ من تداعيات سلبية خطيرة طاولت بُنية البلد ووجهت ضربة كبرى إلى الحركة الوطنية وفي القلب منها يسارها الذي كان واعداً في يوم من الأيام". جورج حاوي سبق ابراهيم كان جورج حاوي قد سبق محسن ابراهيم إلى عملية نقد ذاتي متقدّم ولم يكتفِ بالنظريات بل ذهب إلى النواحي العملية عندما قرّر إسقاط خطوط التماس ولقاء خصوم الزمن القاتل في الحرب. ومن هذه الزاوية كانت لقاءاته مع قائد "القوات اللبنانية" سمير جعجع. تلك اللقاءات التي أعدّ لها المسؤول العسكري للحزب الياس عطالله، كانت مبنية على أساس ثابت أكثر من لقاء كمال جنبلاط وبشير الجميل في 28 أيار 1976، ولكنها أيضاً لم تصل إلى نتائج تخدم إعادة بناء الدولة بسبب جوهري يتمثل بسيطرة "حزب الله" مع النظام السوري على الحياة السياسية في لبنان وملاحقة "القوات" وحل الحزب واعتقال جعجع. محسن ابراهيم في تجربته السياسية بعد عام 1982 بقي ملتصقاً بياسر عرفات وهندس معه طريق الوصول إلى اتفاقات أوسلو، ولم يسامح أبداً النظام السوري، ولم يقبل الانتفاع من خيراته في لبنان بعد العام 1990. وفي المقابل بقي هذا النظام يعتبره عدواً داخل الدار. لم يقبل محسن ابراهيم فكرة اغتيال جورج حاوي. وإن كان قابلاً بانفتاحه على القوى التي كان يعتبرها انعزالية وأساس اليمين اللبناني المتحالف مع الغرب. اكتشف مع حاوي أن اللقاء مع هذه القوى يبقى أقصر الطرق نحو استعادة الدولة التي عمل الجميع على هدمها. ابراهيم كان متأخراً على النقد الذاتي الذي أجراه حاوي خصوصاً بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، لأنه لم يكن يراهن على بقاء النظام السوري وسيطرته على لبنان. ولذلك لم يكن على محسن ابراهيم أن يقبل فكرة اغتيال جورج حاوي الذي أطلق معه "جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية". فتاريخ الرجل لم يشفع له ولم يؤمّن له الأمان. لم يكن بالنسبة إلى "حزب الله" المقياس هو المقاومة ضد العدو الإسرائيلي، بل الولاء لـ "الحزب" ولسيطرته على لبنان. هكذا بالمنطق الذي اغتال فيه النظام السوري كمال جنبلاط اغتال "حزب الله" جورج حاوي. لقاء بشير وجنبلاط لم يحقق اللقاء أي هدف. كان على جنبلاط أن يلتقي بشير قبل لقائه حافظ الأسد في 28 آذار 1976. وكان على بشير أن يقبل بالتعاطي مع جنبلاط لمنع دخول الجيش السوري. حاول جنبلاط الانتقام من الموارنة وإسقاط النظام بالحصول على موافقة حافظ الأسد. واعتقد بشير أن خلاف الأسد مع جنبلاط وعرفات يفيده ويخدم "الجبهة اللبنانية". أتى لقاء جنبلاط وبشير لأسباب إنسانية أولاً بعد مقتل ليندا جنبلاط شقيقة كمال في بدارو، ولم يكن مبنياً على أهداف سياسية. لم يكن من الممكن التأسيس على مثل هذا اللقاء العارض. قبله كان استفاد جنبلاط من الدعم السوري لاحتلال الدامور. بعده استفاد بشير من خلاف جنبلاط والأسد لإسقاط مخيم تل الزعتر. فرح المسيحيون لاغتيال كمال جنبلاط. انتقم الدروز من المسيحيين بعد اغتيال كمال جنبلاط. دفع المسيحيون والدروز ثمن الاتفاق مع النظام السوري كما دفعوا ثمن الخلاف معه. لم يكن كمال جنبلاط يمثل نفسه في تلك المرحلة بل كان يمثل الحركة الوطنية والتوجه العام اليساري الإسلامي الذي كان يعتبر أن "دولة الموارنة" يجب أن تسقط وأن تقوم محلّها دولة أخرى تتحالف مع الفلسطينيين وتحرّر فلسطين. النظرة الدونية للجيش هي النظرة الدونية تجاه الدولة اللبنانية وتحميل المسيحيين مسؤولية قيامها بحيث بقي العاملون على هدمها يعتبرون أنّها لم يكن يجب أن تكون، وأنّه يجب هدمها. هكذا بدأت عملية تدمير هذه الدولة عام 1958 واستؤنفت العملية منذ عام 1965 بعد إباحة لبنان أمام السلاح الفلسطيني. اتفاقية القاهرة كانت نتيجة طبيعية لما حاولت هذه القوى أن تفرضه على "دولة الموارنة". اليوم بعد خمسين عاماً يأتي من يحمّل مسؤولية اندلاع الحرب في لبنان للموارنة لأنّهم قبلوا باتفاقية القاهرة وتنازلوا عن السيادة اللبنانية. كما يأتي من يحمّل الدولة التي أسقط سيادتها وقسّم جيشها مسؤولية الفراغ الأمني في الجنوب منذ العام 1965. نظرية تخوين الجيش اللبناني تستمر اليوم في استراتيجية "حزب الله". وهذا ما ظهر في الهتافات ضد الجيش وهو ينتشر في منطقة حوش السيد علي. بعد خمسين عاماً يأتي من ينظر لتحميل المسؤولية في عدم التصدي لإسرائيل لتلك الدولة ولذلك الجيش الذي صادروا دوره وقسموه في تغطية غير مقنعة لتبرير سلاح "حزب الله". بينما لم يكن الجنوب ولبنان بأمان إلا عندما كان الجيش يسيطر على الحدود وعلى الأمن في كل لبنان. خطيئة "الحزب" ما حصل من رهان على السلاح الفسطيني تكرر في الرهان على سلاح "حزب الله". بعد هزيمة "الحزب" العسكرية واغتيال أمينه العام السيد حسن نصرالله، خرج من يقول إن "الحزب" حمّل لبنان أكثر من طاقته واعتقد أنه بسلاحه يمكن أن يسيطر على القرار اللبناني. ولكنّه كان يأخذ لبنان إلى الانفجار أكثر من مرة منذ العام 1990. وقد تكرّرت محاولاته في مناسبات مختلفة لعل أهمّها اغتيال الرئيس رفيق الحريري. "لو كنت أعلم" قالها نصرالله بعد حرب تموز 2006، وربّما كرّرها أكثر من مرة منذ أعلن حرب مساندة غزة في 8 تشرين الأول 2023 بعد عملية طوفان الأقصى. ولم يكن اغتياله في 27 أيلول 2024 نهاية الأزمة لأخذ العبر من التجارب السابقة، بل لا يزال "الحزب" يعمل على تعميق الهوة وعلى المضي في خياراته القاتلة والانتحارية والمدمِّرة للدولة. إذا كانت الحركة الوطنية تعاونت مع منظمة التحرير الفلسطينية لهدم الدولة القائمة قبل 1975 لبناء دولتها محلها، فإن "حزب الله" بعقيدته لا يعترف بمثل هذه الدولة ويعتبر أنّها نقيضة لوجوده، سواء أكانت "دولة الموارنة" أم "دولة كمال جنبلاط". ولذلك لا يزال يعمل على هدمها وبناء دولته على أنقاضها. وحتى لو كان يعلم أنّها مهمة صعبة أو مستحيلة، فهو يعمل على أن يجعل بناء "الدولة" مستحيلاً. مسؤولية المسيحيين معظم الكتب والكتابات عن الحرب كانت من الجانب المسيحي. كثيرون حمّلوا مسؤولية الحرب للمسيحيين لأنهم لم يحسنوا الإمساك بالدولة قبل الحرب وتنازلوا عن السيادة. وأنهم تنازلوا بإرادتهم وليس تحت ضغط "الشارع الثوري". هل كان التنازل عن الصلاحيات أو عما كان يسمى امتيازات مسيحية في السلطة سيلغي الحرب؟ الجواب سلبي لأن الحرب مستمرة على الوجود والحضور المسيحي بعد التنازلات في "الطائف". اعتبر الطرف الآخر أن "الطائف" خطوة لاستكمال تحطيم الحضور المسيحي بدل أن يكون استقراراً سياسياً يقوم على التوازن والتوافق في صلاحيات السلطات من أجل إقامة دولة ومؤسسات بعيداً من تصفية الحسابات. كأن الذين فجروا الحرب لهدم دولة لبنان الكبير ضاعوا في متاهات الخطيئة والندم. كأنهم يقولون بعد الخراب الكبير وبعد العجز عن بناء الدولة البديلة: "أخطأنا سامحونا نريد الدولة التي دمّرناها".

الرفيق والقاضي والمثقف بين مشهديات لبنانية مختلفة
الرفيق والقاضي والمثقف بين مشهديات لبنانية مختلفة

النهار

time٠٦-٠٢-٢٠٢٥

  • سياسة
  • النهار

الرفيق والقاضي والمثقف بين مشهديات لبنانية مختلفة

دكتور طلال خوجة لم نكن نلتقي بشكل خاص أنا والرفيق نواف عندما جمعتنا منظمة يسارية أسسها محسن ابراهيم وأحمد بيضون ووضاح شرارة وفواز طرابلسي وآخرون. تكونت منظمة العمل الشيوعي في لبنان من اندماج تنظيمات اشتراكية وقومية تفاعلت فكرياً وسياسياً وثورياً بعد هزيمة الرمز القومي العربي عبد الناصر في حرب 1967 التي شنتها إسرائيل على دول الطوق، فاحتلت ما تبقى من فلسطين بما فيها القدس الشرقية، فضلاً عن الجولان السورية وسيناء المصرية، التي استردتها مصر بعد حروب مكلفة ومفاوضات مضنية ومعاهدة سلام، كانت الأولى بين إسرائيل ودولة عربية. كان التأثير الثوري الفلسطيني غالباً على المنظمة الشيوعية الجديدة، علما أن محسن ابراهيم الذي رأسها حتى رحيله، كان صديقاً لعبد الناصر ودافع عنه في مجلة الحرية في أعقاب الهزيمة. لم أكن أنتمي للمجموعات البيروتية في المنظمة التي احتضنت نخباً ثقافية واجتماعية وطلابية من بينها نواف سلام. شخصياً كنت أتأرجح بين الفرع الطرابلسي الشمالي، الذي ترأسه ابن الأسواق الشعبية عبد الفتاح سوق ونهلا الشهال المولودة لعائلة شيوعية من أب شركسي طرابلسي ومن أم كلدانية من البصرة، وبين الفرع الجامعي في كلية العلوم في الجامعة اللبنانية الذي ترأسه الوائلي المشاغب نصير بك الأسعد المطرود من الجامعة اليسوعية والذي ضم خليطاً متنوعاً عابراً للطوائف والمناطق. جذبت المنظمة الشيوعية الجديدة آنذاك الكثير من النخب الشبابية والثقافية المحبطة قومياً والثائرة لبنانياً وفلسطينياً، كما احتضنت مجموعات عمالية وفلاحية، ما أثار مواجهات فكرية وسياسية وأحيانا صدامات ميدانية بالأيدي في الجامعات مع الحزب الشيوعي اللبناني الذي كان البعض منا ينتقد تبعيته للسوفيات ساخراً بالقول إن "أعضاءه يحملون الشماسي في لبنان عندما تمطر في موسكو"، بينما كان رفاق الحزب ينعتون المنظمة بالطفولة اليسارية ويسخرون من احتضانها حكومة الظل المكونة من الثلاثي سمير فرنجية ونواف سلام ونصير الأسعد، اذ إن الأول هو ابن أخ رئيس الجمهورية والثاني ابن أخ رئيس الحكومة والثالث هو من صلب عائلة رئيس مجلس النواب. التقيت د.نواف في "الكواليتي إن" في طرابلس حين كلفت بإدارة حوار حول مشروع قانون الانتخابات المعد من قبل لجنة فؤاد بطرس، بين نخب طرابلسية ووفد من اللجنة تقدمه د.نواف المتعدد المواهب والشهادات في السياسة والحقوق والتاريخ. كانت حرب 2006 التي استجرّها "حزب الله" على لبنان عندما قام بعملية عسكرية نوعية، رغم تعهدات نصرالله بالانضباط، بعد يوم من فشل مفاوضات فيينا بين راعيه الإيراني والوكالة الدولية، بالكاد قد توقفت بالقرار الدولي الذائع الصيت 1701. وهو القرار الذي تواطأ عملياً الحزب وإسرائيل على عدم تنفيذه كاملاً. إلا أن الهدوء الذي رافق وقف إطلاق النار لعقدين شكّل فرصة ذهبية لإعمار وتطوير الجنوب، ساهمت فيها قوات اليونيفيل الدولية متعددة الانتماء. وكان السيد نصرالله قد أعلن النصر الإلهي بخطاب مليء بالصواريخ من كل العيارات رغم مشهد الموت والدمار الرهيب، ما جعلني افتتح الجلسة بمقدمة صغيرة بعنوان التصويت من فوهة الصواريخ. وبالفعل فقد تحول وهج هذه الصواريخ إلى مفاتيح تصويت من العيار الثقيل في البرلمان والحكم والحكومة، بعد مسلسل الاغتيالات والاعتصامات و 7 أيار والدوحة وone way ticket، وصولاً إلى القبض على مفاصل البلد جميعه، بالتواطؤ مع عبدة السلطة ومفاسدها ورؤساء القبائل اللبنانية من كل الطوائف والمناطق والفئات، وخصوصاً التيار العوني الذي لهث وراء المغانم بأي ثمن. وباستذكار حرب 2006 أتذكر "الرفيق إيلي" الذي شارك في المقاومة الوطنية ضد الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب عندما قال لي في الأيام الأولى للحرب: نحن بطبيعة الحال ضد العدو الاسرائيلي، ومع ذلك الله يساعدنا على تحمل "انتصار حزبه" وراعيته إيران وعموم الممانعين. وإيلي كان طبعا على حق لأن تسييل الانتصار المزعوم كان في الاستقواء على اللبنانيين وبدء إخضاعهم لسطوة السلاح وتصفية نتائج انتفاضة 14 آذار التي فجرها زلزال اغتيال الحريري. وللمفارقة فإنه لم يكن ممكناً انتخاب الجنرال الآدمي جوزف عون الذي حفظ مؤسسة الجيش الوطنية في أعقد الظروف وتكليف القاضي المثقف نواف سلام، لولا هزيمة الحزب وإيران في الحرب الوحشية الأخيرة التي استجرها هذا الحزب أيضاً، حين بادر بحرب الإسناد المدارة إيرانياً واستغلتها إسرائيل للإعداد والتوقيت المناسبين، مدعومة من الولايات المتحدة والغرب عموماً. علماً أن السيد نصرالله صم آذانه عن كل المناشدات الداخلية والعربية والدولية بوقف إسناده العقيم لغزة المنكوبة بالحرب الهمجية الصهيونية التي كانت قد استجرتها عملية طوفان الأقصى الحماسية. فبين مشهد السيد نصرالله يعلن النصر الإلهي مزهواً في 2006 ومشهد جثمانه المنتظر الدفن الشعبي في 2025 بعد الاغتيال المفجع والدمار الرهيب، تقع المفارقة الكبيرة. وما يزيد هذه المفارقة سوريالية رغم واقعيتها السياسية هو السيرة الوطنية والعروبية والأكاديمية للرئيس المكلف، حيث واجه من منصات مختلفة المشاريع الصهيونية في الاحتلال والاستيطان والتطهير والإبادة. المسافة بين المشهدين قطعتها تحولات هائلة في المنطقة والعالم، حيث الصراع الدولي بين الحيتان والتماسيح على مقدرات الكوكب وصولاً للفضاء على أشده. فقد أعاد الناخبون الأميركيون دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وهو كان قد أرسل جماعته من المتطرفين لاقتحام "الكابيتول هيل" في 2021/١/6 في محاولة فاشلة لقلب نتائج الانتخابات. والرئيس ترامب قال في نفس المكان بعد أربع سنوات في حفل تنصيبه، إن الله أنقذه من الاغتيال لأداء مهمة جعل أميركا عظيمة من جديد (maga)، وكان محاطاً بثلاثي قوة المال والتكنولوجيا الناعمة وجنون العظمة، في دلالة واضحة على أهداف وعناوين وأدوات الصراع مع الصين وروسيا وغيرهما من القوى الصاعدة وصولاً إلى تطويع أوروبا نفسها معقل الحضارة الغربية، عازفاً على أوتار الشعبوية الحديثة المصقولة بالذكاء الاصطناعي والحركة الإنجيلية/ اليهودية، والمصحوبة بعقلية تاجر العقارات، وفي هذا يتقاطع ترامب مع خصمه تاجر السجاد الإيراني. علماً أن ترامب الثاني اختار الفارّ من العدالة الدولية بيبي نتنياهو كأول مسؤول "أجنبي" يستحضر إلى البيت الأبيض، في تأكيد على أهمية وأسبقية الدولة العبرية في الشرق الأوسط الجديد/القديم، وعلى اعتبارها الشرطي الأساسي المدجج بالسلاح الفتاك والاقتصاد النوعي والإيديولوجيا القومية والدينية. الاقتصاد يتغير والسياسة تتغير والأفكار تتغير وأدوات التغيير تتغير، والنجاة من أن نبتلع من الحيتان أو نمزق في أفواه التماسيح مهمة راهنة لا تحتمل التأجيل، وإن كانت تتطلب التبصر واتباع قانون ثنائية الصلابة والمرونة. يضمر هذا الكلام أن الفرصة المتاحة أمام الثنائي عون/سلام محفوفة بالمخاطر ومزروعة بالألغام. فالتركة ثقيلة، وحزب الله مازال يزمجر، رغم معرفته بأن مرحلة فائض القوة قد انتهت إلى غير رجعة، خصوصاً بعد فرار حليفه المجرم بشار الاسد وبداية العودة السورية إلى الحضن العربي. كما أن زعماء باقي القبائل اللبنانية مازالوا يبحثون عن ترف المكاسب والمغانم ويغلفونها بحقوق الطوائف والجماعات، وعينهم على الانتخابات المقبلة. والثنائي عون/سلام يحاولان إمساك العصا من الوسط وإنجاز حكومة تلتزم بالمواصفات الواردة في خطابي القسم والتكليف دون مواجهات مؤذية. الواقع أن كثراً من نخب وكوادر انتفاضتي 14 آذار و17 تشرين يتمنون على د.نواف أن يشكل حكومة مستقلة عن الأحزاب الطائفية، مستنداً إلى قوة الدفع العربية والدولية والمحتضنة من أكثرية اللبنانيين من خارج القطعان وذئابها. ورغم قوة الدفع وقوة الأمل، إلا أن الرئيس نواف يعرف التركيبة اللبنانية المعقدة، ويدرك أننا لسنا أمام ثورة ديمقراطية جارفة في المجتمع اللبناني. ويدرك أيضاً خطر المناورة الميثاقية، ما يستدعي الحذر من تقديم هدايا مجانية للثنائي الشيعي وللحزب الذي جلب الويلات للبنان وللبيئة الشيعية خصوصاً. أمام الحكومة العتيدة تحديات في تنفيد القرار 1701 بكافة مندرجاته، وفي البدء بالإصلاحات، وفي حل أزمة المودعين والقطاع المصرفي، وفي الإعداد لإعادة الإعمار، وفي إنجاز الانتخابات، بقانون مختلف عن القانون المذهبي المشوّه. الحكومة بحاجة لثقة اللبنانيين والمجتمعين العربي والدولي وليس ثقة الكتل النيابية فقط. ورغم عناصر التغيير التي ستحتويها بالتأكيد، فهي لن تكون على مستوى طموح اللبنانيين الذين عليهم أن يشمروا عن سواعدهم في معركة إعادة بناء الدولة بعد كل هذا الخراب في جميع مرافقها الخاصة والعامة وفي بناها الفوقية والتحتية وفي مؤسساتها التي نخرها الفساد. واللبنانيون الذين لطالما شبهوا بلدهم بطائر الفينيق، أعادوا مؤخراً اكتشاف اتفاق الطائف والدستور اللبناني الذي هو سلاحهم الرئيسي في بناء دولة حرة سيدة عادلة وتساوي بين أبنائها. وحتى العلمانيون ودعاة الدولة المدنية الصافية وهم كثر وبينهم أصحاب السوابق اليسارية، يعرفون أن تطبيق الدستور الحالي بكافة بنوده يشكل الممر الإجباري للعبور اللاحق نحو المواطنة الحديثة والخروج من أسر الطائفية. علما أن لغة الطائفية والكراهية الدينية والعرقية عادت لتطل من أكثر من مكان في العالم، مستعيدة لغة هانتنغتون وصدام الحضارات. ومع أن الحكومة لن تكون نهاية المطاف في معركة اللبنانيين طويلة النفس نحو بناء الدولة العادلة والحرة والمتناغمة مع نظام المصالح العربية، إلا أن تكوينها سيكون له تأثير كبير في مقاربة التحديات والمهام المنتظرة وفي طبيعة المواجهة الديمقراطية السلمية التي سيخوضها اللبنانيون من كل الضفاف المدنية والسياسية في معركة استعادة الدولة. لا ندعو لاسحضار تجارب حزبية باتت من الماضي حتى في عقر دارها الأوروبي الأساسي، وإن كنا نأمل الاستفادة من دروسها الفكرية والسياسية ورالبرامجية. ومع ذلك فنحن نحث جميع القوى الناشطة على تطوير التشكيلات المدنية والسياسية العابرة للطوائف والمناطق وإيجاد القواسم المشتركة بينها لتأسيس تيارات سياسية واسعة مرنة، وليس مجموعات ومنابر فقط قليلة الفعالية على أهميتها. كما نحض القوى والفعاليات الناشطة التي يجمعها سلاح الدستور وتنطلق من اعتبارات ديمقراطية وتحمل مقاربات فكرية وسياسية متقاطعة، على التواضع والحوار وعلى وقف المناوشات العبثية، خصوصاً على الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي، فلا يجب إضعاف الفرصة التي أوصلت الى تكليف شخص من عيار نواف سلام بجدل حول جنس الملائكة، خصوصاً أن الشياطين تحاول تجويف هذه الفرصة، فهل نتعظ ونهدأ؟

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store