#أحدث الأخبار مع #محمدسلماوي؛الدستورمنذ 7 ساعاتترفيهالدستور"ارتداء الجورب في الثمانين".. أحدث قصص "سلماوي" خلال احتفاء الثقافة بثمانينيتهارتجل الكاتب الكبير محمد سلماوي؛ خلال تكريم المجلس الأعلى للثقافة بمسيرته ظهر اليوم، أحدث قصصه القصيرة بعنوان "ارتداء الجروب في الثمانين.. حديث مع نفسي". وننشر أحدث إبداعات "سلماوي".. "ارتداء الجورب في الثمانين" حدثتني نفسي المتمردة بأنها متعجبة من تلك التهاني الحارة والمتكررة التي يتفضل بها الأصدقاء والأحباب بمناسبة بلوغي الثمانين، بينما هي لم تصبها الشيخوخة من قريب أو بعيد. قلت لها: كيف لا تشعرين بالشيخوخة، وقد وهن الجسد وصعبت حركته، حتى إن بعض الحركات التي كنت أقوم بها بتلقائية أصبحت اليوم تحتاج مناورات بهلوانية لإتمامها؟. فردت نفسي قائلة: وما لي أنا بالجسد؟ قد يكون الجسد الذي تتحدث عنه قد وهن أو مرض، لكني أنا كما أنا، فليهنئك الناس بوصولك للثمانين، رغم أنك في رأيي لا تستحق تهنئة على شيء لا فضل لك فيه، لكني أؤكد لك أنني لم أتغير منذ أتيت إلى هذه الدنيا في يوم السبت ٢٦ مايو عام ١٩٤٥.. وبالمناسبة جسدك الذي تتحدث عنه لم يكن يومها يريد المجيء، ربما لمعرفته بما سيصيبه في سن الثمانين، وأذكر أن الطبيب المولد علي (باشا) إبراهيم اضطر لأن يجذبه عنوة بالجفت الطبي الذي ترك أثرا صغيرا في رقبتك، إذا دققت النظر في المرآة فستراه. أما أنا فكنت أتوق لدخول هذا العالم الجميل الذي كان على أعتاب مرحلة مشرقة من تاريخه. كانت الحرب العالمية التي دامت ست سنوات قد انتهت لتوها، وأنشئت منظمة الأمم المتحدة كعنوان لنظام عالمي جديد، يخبو فيه صوت المدافع، ويعلو صوت الحق والعدل والثقافة وحقوق الإنسان، ففي نفس سنة مولدك اختار شارل ديجول الأديب أندريه مالرو وزيرا في أول حكومة لفرنسا المحررة، وانتخب شاعر الحرية بابلو نيرودا نائبًا في البرلمان التشيلي، وقامت مصر مع أشقائها العرب بإنشاء جامعة الدول العربية لإعلاء صوت الأمة العربية على الساحة الدولية، وترك أديب نوبل الكبير نجيب محفوظ التاريخ القديم الذي شغله في رواياته الأولى، ونشر في ذلك العام أول رواياته الواقعية "القاهرة الجديدة"، وما إن بدأت أعي ما حولي حتى قامت مصر بثورتها المجيدة التي حققت حلم الجلاء بعد أكثر من سبعين عامًا من الاحتلال، وسعت لتحقيق العدالة الاجتماعية لجموع الشعب التي عانت من الظلم طويلا، وأممت قناة السويس، وشيدت أضخم مشروع هندسي في القرن العشرين، والذي حماها ثلاث مرات من الجفاف الذي أصاب جيرانها في أفريقيا، ورفعت لواء القومية العربية عاليا خفاقا، وناصرت حقوق الشعوب العربية في التحرر والتنمية، وصار صوتها هو المعبر عن آمال شعوب العالم الثالث في الحياة الكريمة، وفي ظل تلك الثورة، وما أحدثته من تغيير، فتح يوسف إدريس للقصة القصيرة آفاقًا جديدة بمجموعته الأولى "أرخص ليالي"، وكتبت لطيفة الزيات "الباب المفتوح"، وقدم لنا توفيق الحكيم "السلطان الحائر"؛ فقد كانت القوى الناعمة هي أمضى أسلحة مصر على طريق المجد الذي كانت تتطلع إليه. ثم قالت لي نفسي، وكأنها توبخني: يجب أن تعرف أنك كنت محظوظًا بكل هذا، ومحظوظًا أيضا لأني بجهدي أوجدت لك مكانًا في الكتيبة الثقافية التي صنعت مجد مصر الحديثة بالفكر والفن والأدب والموسيقى والسينما والفن التشكيلي. لقد مكنتك من الحصول أنت وأعمالك الأدبية على النجاح الذي كنت تتطلع إليه، والذي بسببه نلت الكثير من الجوائز والأوسمة؛ المحلية والدولية، فبعد كل ذلك يكون حديثك اليوم عن وهن الجسد في الثمانين، لا تكفر بالنعمة يا رجل. قلت: لا تسيئي فهمي، أنا سعيد جدًّا بكل هذا، وأشعر بامتنان كبير لكل ما منحتني الحياة طوال عقودي الثمانية، وأكثر ما أعتز به هو محبة الناس لي، والتي أشعر بها اليوم أكثر من أي وقت مضى، كما أني لا أنكر فضلك علي، لكن صدقيني بأنني لم أعد كما كنت، فالوقت يمضي والقدرات الجسدية تضعف، ولا أكتمك سرًّا بأنني أصبحت أجد صعوبة في القيام بأبسط الأشياء، وعلى سبيل المثال، فإني بسبب تيبس المفاصل أعاني كل صباح، وأنا أحاول ارتداء جوربي. ردت نفسي غاضبة: أأحدثك عن إنجازات حياتك، فتحدثني عن صعوبة ارتداء جوربك؟! قلت: معذرة، فهذا حديث بيني وبين نفسي، أبوح لك فيه بما لا أقوله لغيرك، هو حديث الثمانين، ولو كنت في العشرين ما تحدثت به، لا لك ولا لغيرك. قالت نفسي: لا أود سماع هذا الحديث، إن كنت أنت في الثمانين، فأنا ما زلت في العشرين، بل أنا ما زلت تلك النفس التي ولدت في الساعة السابعة من مساء ذلك اليوم الذي ذكرته لك من عام ١٩٤٥. لقد توسعت مداركي على مدى الأيام، وازدادت معارفي بمرور السنين، لكني ما زلت كما أنا، أبصرك كل صباح بالحياة ومباهجها، وأذكرك بحبك للبشر، وإيمانك بقضاياهم، ورغم شكواك من وهن الجسد سأواصل إلهامك بالأعمال الأدبية التي تسعد بها الناس، لكن لا شأن لي بثمانينيتك هذه، فأنا ليس لدي تيبس في المفاصل، ولا أشكو من صعوبة ارتداء الجوارب. قلت: كفاك سخرية ولا تضيفي للمآسي التي تحيط بي مزيدا من المعاناة، إن العالم الذي عرفته ينهار من حولي، يكفيني ما أرى من تفكك في الوطن العربي، ووهن يفوق وهن جسدي، في الوقت الذي تتواصل الفصول الوحشية لحرب الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، بينما قادة العالم يلهون كالبهلوانات في البيت الأبيض والميدان الأحمر وكل المقار السوداء في العواصم الأوروبية؛ فينقلب الحق باطلا، والباطل حقا. ثم قلت: أنا سعيد بتهاني الناس لي، ومعتز بمحبتهم الصادقة، فتهانيهم ومحبتهم، وليس حديثك الساخر، هي التي تواسيني الآن في ثمانينيتي، فاصمتي ولا تقولي المزيد".
الدستورمنذ 7 ساعاتترفيهالدستور"ارتداء الجورب في الثمانين".. أحدث قصص "سلماوي" خلال احتفاء الثقافة بثمانينيتهارتجل الكاتب الكبير محمد سلماوي؛ خلال تكريم المجلس الأعلى للثقافة بمسيرته ظهر اليوم، أحدث قصصه القصيرة بعنوان "ارتداء الجروب في الثمانين.. حديث مع نفسي". وننشر أحدث إبداعات "سلماوي".. "ارتداء الجورب في الثمانين" حدثتني نفسي المتمردة بأنها متعجبة من تلك التهاني الحارة والمتكررة التي يتفضل بها الأصدقاء والأحباب بمناسبة بلوغي الثمانين، بينما هي لم تصبها الشيخوخة من قريب أو بعيد. قلت لها: كيف لا تشعرين بالشيخوخة، وقد وهن الجسد وصعبت حركته، حتى إن بعض الحركات التي كنت أقوم بها بتلقائية أصبحت اليوم تحتاج مناورات بهلوانية لإتمامها؟. فردت نفسي قائلة: وما لي أنا بالجسد؟ قد يكون الجسد الذي تتحدث عنه قد وهن أو مرض، لكني أنا كما أنا، فليهنئك الناس بوصولك للثمانين، رغم أنك في رأيي لا تستحق تهنئة على شيء لا فضل لك فيه، لكني أؤكد لك أنني لم أتغير منذ أتيت إلى هذه الدنيا في يوم السبت ٢٦ مايو عام ١٩٤٥.. وبالمناسبة جسدك الذي تتحدث عنه لم يكن يومها يريد المجيء، ربما لمعرفته بما سيصيبه في سن الثمانين، وأذكر أن الطبيب المولد علي (باشا) إبراهيم اضطر لأن يجذبه عنوة بالجفت الطبي الذي ترك أثرا صغيرا في رقبتك، إذا دققت النظر في المرآة فستراه. أما أنا فكنت أتوق لدخول هذا العالم الجميل الذي كان على أعتاب مرحلة مشرقة من تاريخه. كانت الحرب العالمية التي دامت ست سنوات قد انتهت لتوها، وأنشئت منظمة الأمم المتحدة كعنوان لنظام عالمي جديد، يخبو فيه صوت المدافع، ويعلو صوت الحق والعدل والثقافة وحقوق الإنسان، ففي نفس سنة مولدك اختار شارل ديجول الأديب أندريه مالرو وزيرا في أول حكومة لفرنسا المحررة، وانتخب شاعر الحرية بابلو نيرودا نائبًا في البرلمان التشيلي، وقامت مصر مع أشقائها العرب بإنشاء جامعة الدول العربية لإعلاء صوت الأمة العربية على الساحة الدولية، وترك أديب نوبل الكبير نجيب محفوظ التاريخ القديم الذي شغله في رواياته الأولى، ونشر في ذلك العام أول رواياته الواقعية "القاهرة الجديدة"، وما إن بدأت أعي ما حولي حتى قامت مصر بثورتها المجيدة التي حققت حلم الجلاء بعد أكثر من سبعين عامًا من الاحتلال، وسعت لتحقيق العدالة الاجتماعية لجموع الشعب التي عانت من الظلم طويلا، وأممت قناة السويس، وشيدت أضخم مشروع هندسي في القرن العشرين، والذي حماها ثلاث مرات من الجفاف الذي أصاب جيرانها في أفريقيا، ورفعت لواء القومية العربية عاليا خفاقا، وناصرت حقوق الشعوب العربية في التحرر والتنمية، وصار صوتها هو المعبر عن آمال شعوب العالم الثالث في الحياة الكريمة، وفي ظل تلك الثورة، وما أحدثته من تغيير، فتح يوسف إدريس للقصة القصيرة آفاقًا جديدة بمجموعته الأولى "أرخص ليالي"، وكتبت لطيفة الزيات "الباب المفتوح"، وقدم لنا توفيق الحكيم "السلطان الحائر"؛ فقد كانت القوى الناعمة هي أمضى أسلحة مصر على طريق المجد الذي كانت تتطلع إليه. ثم قالت لي نفسي، وكأنها توبخني: يجب أن تعرف أنك كنت محظوظًا بكل هذا، ومحظوظًا أيضا لأني بجهدي أوجدت لك مكانًا في الكتيبة الثقافية التي صنعت مجد مصر الحديثة بالفكر والفن والأدب والموسيقى والسينما والفن التشكيلي. لقد مكنتك من الحصول أنت وأعمالك الأدبية على النجاح الذي كنت تتطلع إليه، والذي بسببه نلت الكثير من الجوائز والأوسمة؛ المحلية والدولية، فبعد كل ذلك يكون حديثك اليوم عن وهن الجسد في الثمانين، لا تكفر بالنعمة يا رجل. قلت: لا تسيئي فهمي، أنا سعيد جدًّا بكل هذا، وأشعر بامتنان كبير لكل ما منحتني الحياة طوال عقودي الثمانية، وأكثر ما أعتز به هو محبة الناس لي، والتي أشعر بها اليوم أكثر من أي وقت مضى، كما أني لا أنكر فضلك علي، لكن صدقيني بأنني لم أعد كما كنت، فالوقت يمضي والقدرات الجسدية تضعف، ولا أكتمك سرًّا بأنني أصبحت أجد صعوبة في القيام بأبسط الأشياء، وعلى سبيل المثال، فإني بسبب تيبس المفاصل أعاني كل صباح، وأنا أحاول ارتداء جوربي. ردت نفسي غاضبة: أأحدثك عن إنجازات حياتك، فتحدثني عن صعوبة ارتداء جوربك؟! قلت: معذرة، فهذا حديث بيني وبين نفسي، أبوح لك فيه بما لا أقوله لغيرك، هو حديث الثمانين، ولو كنت في العشرين ما تحدثت به، لا لك ولا لغيرك. قالت نفسي: لا أود سماع هذا الحديث، إن كنت أنت في الثمانين، فأنا ما زلت في العشرين، بل أنا ما زلت تلك النفس التي ولدت في الساعة السابعة من مساء ذلك اليوم الذي ذكرته لك من عام ١٩٤٥. لقد توسعت مداركي على مدى الأيام، وازدادت معارفي بمرور السنين، لكني ما زلت كما أنا، أبصرك كل صباح بالحياة ومباهجها، وأذكرك بحبك للبشر، وإيمانك بقضاياهم، ورغم شكواك من وهن الجسد سأواصل إلهامك بالأعمال الأدبية التي تسعد بها الناس، لكن لا شأن لي بثمانينيتك هذه، فأنا ليس لدي تيبس في المفاصل، ولا أشكو من صعوبة ارتداء الجوارب. قلت: كفاك سخرية ولا تضيفي للمآسي التي تحيط بي مزيدا من المعاناة، إن العالم الذي عرفته ينهار من حولي، يكفيني ما أرى من تفكك في الوطن العربي، ووهن يفوق وهن جسدي، في الوقت الذي تتواصل الفصول الوحشية لحرب الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، بينما قادة العالم يلهون كالبهلوانات في البيت الأبيض والميدان الأحمر وكل المقار السوداء في العواصم الأوروبية؛ فينقلب الحق باطلا، والباطل حقا. ثم قلت: أنا سعيد بتهاني الناس لي، ومعتز بمحبتهم الصادقة، فتهانيهم ومحبتهم، وليس حديثك الساخر، هي التي تواسيني الآن في ثمانينيتي، فاصمتي ولا تقولي المزيد".