#أحدث الأخبار مع #معتزعبدالله،Independent عربيةمنذ 6 أيامترفيهIndependent عربية"تذكرة مغترب" مسرحية الوداع بين مطارينتغوص المسرحية (جمعية الثقافة والفنون في الدمام) في العالم النفسي لشخصية المهاجر، وتجترح مساحة لبوح لا ينجرف نحو الشكوى، بقدر ما يحاول تقديم المسرح الذاتي عبر عرض الممثل الواحد (معتز عبدالله)، ومن خلال فضاء مفتوح ومتواصل مع الجمهور (القرية التراثية في إمارة الفجيرة)، ويبتعد من شرط الفرجة في مسرح العلبة الإيطالية. "لا نستطيع أن نزرع أي شيء في المطارات سوى الوداعات"، عبارة ترددها الشخصية التي ترتدي زي عامل النظافة، إذ يبدأ العرض من خلال طواف العامل على المتفرجين، فيأخذ كأساً فارغاً من هنا ومنديلاً متسخاً من هناك، مخبراً الجمهور بأن العرض انتهى وعليه مغادرة المكان، إذ تخاطب الشخصية المتفرجين منذ اللحظات الأولى للعرض بالقول "فعلاً العرض انتهى، تستطيعون مغادرة الصالة". عبارة أخرى يردفها الممثل محدقاً في عيون المشاهدين ومتفرساً بها. خطاب لا يلبث أن يتخذ شكل مكاشفة عميقة مع الجمهور الذي تحلق على صورة صندوق مغلق في مساحة خضراء. هناك وعبر 40 دقيقة هو زمن العرض يتوخى المغترب بزيه البرتقالي وجوهاً وأماكن وأزمنة لم تعد موجودة إلا في ذاكرته، لكن حتى الذاكرة هنا لا تسعف صاحبها، مما يجعل السرد يتخذ مسارات متعددة. مرة في الخطف خلفاً، ومرات في استدعاء لحظة اتخاذ القرار بمغادرة البلاد وهجرها. المواجهة مع الجمهور في "تذكرة مغترب" (خدمة المسرحية) ويتخذ الأداء في "تذكرة مغترب" نوعاً من تعدد الأصوات، واستحضار شخصيات غائبة مثل الطفل والأم والمدير والمخرج والمؤلف. شخوص يستدعيها الممثل السعودي مرة عبر مناجاة داخلية، ومرات عبر نداءات تتخذ نبرة خطابية لا تلبث وأن تعود لترتيب الأحداث. ومن هنا يجول العرض في عوالم متباينة ويقتفي خريطة مطارات لا تحتفظ بذكريات أو عواطف مسافريها، بل تمعن في رمزيتها، كأماكن يواظب موظفوها وعمالها على محو أي أثر لمهاجر بحقائب ثقيلة. ليست الحقائب هنا تقليدية، بل هي حقائب الأجساد المثقلة بالحنين إلى البلاد، وإلى ماضٍ لا يمضي بسهولة حتى بعد دوران محركات الطائرة وإقلاعها عن أرض الوطن الأم. مراحل زمنية من هنا يتخذ السرد منعطفات متنوعة في تقليب الأحداث، واستحضار مراحل من قصة المغترب بين طفولته وشبابه وكهولته، وصولاً إلى مستويات رمزية لا تتخذ مسار حبكة تقليدية من مقدمة وذروة وحل، فالمونودراما هنا لا يقتفي ممثلها دور الحكواتي ولا الراوي العليم، وإنما يحاول المؤدي تقديم ما شبه إطلالات على العالم الداخلي للمغترب، أياً كان هذا المغترب وأياً تكن جنسيته. سيكولوجيا الاغتراب لا الغربة هي هنا ما اعتمد عليها الكاتب إبراهيم الحارثي في تقديم معالجته الفنية، ليتولى مخرج العرض الابتعاد هو أيضاً من المسرحة أو ما يسمى "المسرح المسرحي". فالأداء طبيعي وأقرب إلى لحظة يتداخل فيها فضاء الفرجة مع فضاء اللعب، وعليه لا مبالغات في حركة الجسد أو نبرة الصوت، في حين اعتمد الممثل على علاقة مباشرة مع المتفرج، فينظر في عينيه ويتعامل معه كمسافر هو الآخر في مطار لا يعرف المسافرون فيه بعضهم بعضاً. من جو العرض المونودرامي (خدمة المسرحية) حاول العرض السعودي الذي قدم في مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما، والذي سيجول على مهرجانات أخرى، تصدير شكل خاص لمسرحية الممثل الواحد، وذلك كان واضحاً من الاتكاء على أسلوب سهل ممتنع. تبدى ذلك أيضاً في الاستغناء عن الإضاءة البؤرية (مكي العوى)، فالعرض لا أسرار فيه ولا كواليس، بل اتكأ على بعض المؤثرات الصوتية (نزار علوي) وعلى اللعب مع قطع ديكور وأكسسوارات (هاشم العلوي) بسيطة من مثل دمية أو حقيبة أو مكنسة وحاوية قمامة. هذا التقشف أسهم في إفراد مساحة لأداء الممثل، وجعل من المونولوغ الداخلي للشخصية أداة تعبيرها الوحيدة، لا سيما أن الحوار مع الشخصيات الغائبة أخذ منحى شعرياً، من مثل عبارة ترد على لسان بطل العرض "كنت عود قصب لم تتقنه يد الحرفي، كنت ناياً". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) يسوق عرض "تذكرة مغترب" عدداً من الأسئلة الوجودية عن ماهية الزمان والمكان بالنسبة إلى الإنسان المغترب، فيتداخل الزمني بالمكاني بين الطفولة والأبوة، فالطفل اللاهي العابث هو ذاته الأب الذي لم يشهد ولادة طفله الصغير، وهو ذاته الذي قضى أجمل أعوام عمره بين مطارات لا تعترف إلا بتأشيرات الخروج والدمغات الرسمية على أوراق جواز مهترئ. إنه زمن المطار الذي يجسده العرض كزمن هلامي لا حياة فيها ولا وقيمة للعواطف الإنسانية. حتى الحب يبدو فكرة من زمن آخر، فالزوجة والأم والحبيبة تأخذ شكل مقصورة في طائرة، أو رقماً لرحلة جوية نسمع موظفة المطار تنادي على مسافريها في أروقة باردة وموحشة. ينتهي العرض السعودي (جائزة أفضل نص في ملتقى الدمام) إلى تجسيد الغياب كشخصية من شخصيات العمل، لكنه أكثر من غياب لأكثر من شخصية، وهذا ما يمنح التجربة أبعاداً رمزية مضاعفة، لا سيما في تجارب مسرح المونودراما، والتي تعتمد على تقنية المخاطب الغائب، والتي عوض عنها المخرج في المتفرج، فلا مسافة فعلية بين الغائب والمخاطب، كما لا مسافة بين المؤدي والجمهور. ثنائية الغياب والحضور هذه دفعت الممثل إلى الانغماس الكلي في الدور، ومحاولة التغلب على شرط العرض في فضاء مفتوح مع الجمهور، فلم يكن من السهل السيطرة على توجه الأداء ضمن هذا المعطى، بل رتب تحديات كبيرة على مستوى اللعبة المسرحية، ومحاولة تعويض فضاء الصالة المغلقة بمواجهة مباشرة مع المتلقي. اللافت في "تذكرة مغترب" هو لحظات الصمت التي عمل عليها المخرج علي الغراب، وهي وقفات يطوف فيها الممثل مجدداً بين كراسي الجمهور، معيداً استفساراته عن جدوى الحنين ومرض النوستالجيا الذي يكابده، فلقد علق هو الآخر في صالة انتظار إحدى المطارات، إذ يعود الممثل ليتساءل "ربما تشيرون علي أن أرحل دون أي أغراض". خاتمة مفتوحة لرجل فقد أي صلة بالماضي إلا عبر ومضات خاطفة عن طفولة بعيدة ما زالت تتراءى له كصور متداخلة ومشوشة، وعليه يبني العرض السعودي مقولته عن فداحة الغربة، مستذكراً قول الشاعر العربي امرؤ القيس "أجارتنا إنا غريبان ها هنا، وكل غريب للغريب نسيب".
Independent عربيةمنذ 6 أيامترفيهIndependent عربية"تذكرة مغترب" مسرحية الوداع بين مطارينتغوص المسرحية (جمعية الثقافة والفنون في الدمام) في العالم النفسي لشخصية المهاجر، وتجترح مساحة لبوح لا ينجرف نحو الشكوى، بقدر ما يحاول تقديم المسرح الذاتي عبر عرض الممثل الواحد (معتز عبدالله)، ومن خلال فضاء مفتوح ومتواصل مع الجمهور (القرية التراثية في إمارة الفجيرة)، ويبتعد من شرط الفرجة في مسرح العلبة الإيطالية. "لا نستطيع أن نزرع أي شيء في المطارات سوى الوداعات"، عبارة ترددها الشخصية التي ترتدي زي عامل النظافة، إذ يبدأ العرض من خلال طواف العامل على المتفرجين، فيأخذ كأساً فارغاً من هنا ومنديلاً متسخاً من هناك، مخبراً الجمهور بأن العرض انتهى وعليه مغادرة المكان، إذ تخاطب الشخصية المتفرجين منذ اللحظات الأولى للعرض بالقول "فعلاً العرض انتهى، تستطيعون مغادرة الصالة". عبارة أخرى يردفها الممثل محدقاً في عيون المشاهدين ومتفرساً بها. خطاب لا يلبث أن يتخذ شكل مكاشفة عميقة مع الجمهور الذي تحلق على صورة صندوق مغلق في مساحة خضراء. هناك وعبر 40 دقيقة هو زمن العرض يتوخى المغترب بزيه البرتقالي وجوهاً وأماكن وأزمنة لم تعد موجودة إلا في ذاكرته، لكن حتى الذاكرة هنا لا تسعف صاحبها، مما يجعل السرد يتخذ مسارات متعددة. مرة في الخطف خلفاً، ومرات في استدعاء لحظة اتخاذ القرار بمغادرة البلاد وهجرها. المواجهة مع الجمهور في "تذكرة مغترب" (خدمة المسرحية) ويتخذ الأداء في "تذكرة مغترب" نوعاً من تعدد الأصوات، واستحضار شخصيات غائبة مثل الطفل والأم والمدير والمخرج والمؤلف. شخوص يستدعيها الممثل السعودي مرة عبر مناجاة داخلية، ومرات عبر نداءات تتخذ نبرة خطابية لا تلبث وأن تعود لترتيب الأحداث. ومن هنا يجول العرض في عوالم متباينة ويقتفي خريطة مطارات لا تحتفظ بذكريات أو عواطف مسافريها، بل تمعن في رمزيتها، كأماكن يواظب موظفوها وعمالها على محو أي أثر لمهاجر بحقائب ثقيلة. ليست الحقائب هنا تقليدية، بل هي حقائب الأجساد المثقلة بالحنين إلى البلاد، وإلى ماضٍ لا يمضي بسهولة حتى بعد دوران محركات الطائرة وإقلاعها عن أرض الوطن الأم. مراحل زمنية من هنا يتخذ السرد منعطفات متنوعة في تقليب الأحداث، واستحضار مراحل من قصة المغترب بين طفولته وشبابه وكهولته، وصولاً إلى مستويات رمزية لا تتخذ مسار حبكة تقليدية من مقدمة وذروة وحل، فالمونودراما هنا لا يقتفي ممثلها دور الحكواتي ولا الراوي العليم، وإنما يحاول المؤدي تقديم ما شبه إطلالات على العالم الداخلي للمغترب، أياً كان هذا المغترب وأياً تكن جنسيته. سيكولوجيا الاغتراب لا الغربة هي هنا ما اعتمد عليها الكاتب إبراهيم الحارثي في تقديم معالجته الفنية، ليتولى مخرج العرض الابتعاد هو أيضاً من المسرحة أو ما يسمى "المسرح المسرحي". فالأداء طبيعي وأقرب إلى لحظة يتداخل فيها فضاء الفرجة مع فضاء اللعب، وعليه لا مبالغات في حركة الجسد أو نبرة الصوت، في حين اعتمد الممثل على علاقة مباشرة مع المتفرج، فينظر في عينيه ويتعامل معه كمسافر هو الآخر في مطار لا يعرف المسافرون فيه بعضهم بعضاً. من جو العرض المونودرامي (خدمة المسرحية) حاول العرض السعودي الذي قدم في مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما، والذي سيجول على مهرجانات أخرى، تصدير شكل خاص لمسرحية الممثل الواحد، وذلك كان واضحاً من الاتكاء على أسلوب سهل ممتنع. تبدى ذلك أيضاً في الاستغناء عن الإضاءة البؤرية (مكي العوى)، فالعرض لا أسرار فيه ولا كواليس، بل اتكأ على بعض المؤثرات الصوتية (نزار علوي) وعلى اللعب مع قطع ديكور وأكسسوارات (هاشم العلوي) بسيطة من مثل دمية أو حقيبة أو مكنسة وحاوية قمامة. هذا التقشف أسهم في إفراد مساحة لأداء الممثل، وجعل من المونولوغ الداخلي للشخصية أداة تعبيرها الوحيدة، لا سيما أن الحوار مع الشخصيات الغائبة أخذ منحى شعرياً، من مثل عبارة ترد على لسان بطل العرض "كنت عود قصب لم تتقنه يد الحرفي، كنت ناياً". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) يسوق عرض "تذكرة مغترب" عدداً من الأسئلة الوجودية عن ماهية الزمان والمكان بالنسبة إلى الإنسان المغترب، فيتداخل الزمني بالمكاني بين الطفولة والأبوة، فالطفل اللاهي العابث هو ذاته الأب الذي لم يشهد ولادة طفله الصغير، وهو ذاته الذي قضى أجمل أعوام عمره بين مطارات لا تعترف إلا بتأشيرات الخروج والدمغات الرسمية على أوراق جواز مهترئ. إنه زمن المطار الذي يجسده العرض كزمن هلامي لا حياة فيها ولا وقيمة للعواطف الإنسانية. حتى الحب يبدو فكرة من زمن آخر، فالزوجة والأم والحبيبة تأخذ شكل مقصورة في طائرة، أو رقماً لرحلة جوية نسمع موظفة المطار تنادي على مسافريها في أروقة باردة وموحشة. ينتهي العرض السعودي (جائزة أفضل نص في ملتقى الدمام) إلى تجسيد الغياب كشخصية من شخصيات العمل، لكنه أكثر من غياب لأكثر من شخصية، وهذا ما يمنح التجربة أبعاداً رمزية مضاعفة، لا سيما في تجارب مسرح المونودراما، والتي تعتمد على تقنية المخاطب الغائب، والتي عوض عنها المخرج في المتفرج، فلا مسافة فعلية بين الغائب والمخاطب، كما لا مسافة بين المؤدي والجمهور. ثنائية الغياب والحضور هذه دفعت الممثل إلى الانغماس الكلي في الدور، ومحاولة التغلب على شرط العرض في فضاء مفتوح مع الجمهور، فلم يكن من السهل السيطرة على توجه الأداء ضمن هذا المعطى، بل رتب تحديات كبيرة على مستوى اللعبة المسرحية، ومحاولة تعويض فضاء الصالة المغلقة بمواجهة مباشرة مع المتلقي. اللافت في "تذكرة مغترب" هو لحظات الصمت التي عمل عليها المخرج علي الغراب، وهي وقفات يطوف فيها الممثل مجدداً بين كراسي الجمهور، معيداً استفساراته عن جدوى الحنين ومرض النوستالجيا الذي يكابده، فلقد علق هو الآخر في صالة انتظار إحدى المطارات، إذ يعود الممثل ليتساءل "ربما تشيرون علي أن أرحل دون أي أغراض". خاتمة مفتوحة لرجل فقد أي صلة بالماضي إلا عبر ومضات خاطفة عن طفولة بعيدة ما زالت تتراءى له كصور متداخلة ومشوشة، وعليه يبني العرض السعودي مقولته عن فداحة الغربة، مستذكراً قول الشاعر العربي امرؤ القيس "أجارتنا إنا غريبان ها هنا، وكل غريب للغريب نسيب".