#أحدث الأخبار مع #معرضالدوحةللكتابصحيفة الشرق١٥-٠٥-٢٠٢٥ترفيهصحيفة الشرقلماذا بات معرض الدوحة قبلة الناشرين؟48 A+ A- لم يعد معرض الدوحة للكتاب مجرد فعالية ثقافية تُقام كل عام، بل تحول في العقد الأخير إلى ما يشبه قبلة للناشرين العرب والعالميين، وملتقى سنوي يتجاوز الطابع التجاري إلى فضاء للتفاعل الفكري، والتلاقح الثقافي، والاستشراف الحضاري. ولعل هذا التحول لم يأتِ اعتباطاً، ولا من فراغ، بل هو ثمرة رؤية ثقافية متماسكة تتقاطع فيها السياسة الثقافية لدولة قطر مع دينامية المجتمع العربي في لحظة فارقة من تاريخه المعاصر. وما إن تُذكر كلمة الدوحة في الأوساط الثقافية حتى تُستحضر فوراً الورش والمؤتمرات وساحات النقاش المفتوح، وتوقيعات الكتب، والندوات التي تجمع بين المفكرين والأدباء والإعلاميين من شتى البقاع. السؤال إذًا: ما الذي ميز معرض الدوحة وجعله ظاهرة استثنائية في هذا الزمن المتخم بالاضطرابات؟ أولاً، لا يمكن فهم صعود المعرض من دون إدراك سياسة قطر الثقافية. فالدولة، تبنت رؤية واضحة مفادها أن الثقافة ليست ترفاً، بل مكوّن أصيل من مكونات قوتها الناعمة. فاستثمرت في البنية التحتية، وأنشأت مكتبة وطنية عصرية، ودعمت مؤسسات الترجمة والنشر، وساهمت في تشجيع القراءة عبر المبادرات المجتمعية. وفي هذا السياق، جاء معرض الدوحة للكتاب بوصفه ثمرة هذا التصور ورأس رمحه. ثانياً، تتميز النسخة القطرية من معارض الكتب بطابعها المهني من جهة، والانفتاحي من جهة أخرى. وهنا تكمن المفارقة: في الوقت الذي تتراجع فيه مساحات التعبير والنشر في كثير من الدول، نجد في الدوحة مساحة من الحرية المحسوبة تجعل من التنوع ميزة لا عبئاً، ومن الحوار ضرورة لا تهديداً. ثالثاً، لعب الحضور النوعي للزائرين والمشاركين دوراً مركزياً في جذب الناشرين. فالجمهور في الدوحة ليس جمهوراً استهلاكياً، بل جمهور نوعي وهذا ما يعكسه الإقبال الواسع على الكتب الفكرية والتاريخية والتراثية، وليس فقط على الروايات والكتب الخفيفة. رابعاً، يتميز المعرض بسلاسة تنظيمه ودقته. فالخدمات المقدمة للناشرين والزائرين متكاملة: من تسهيل الدخول والإقامة، إلى التغطية الإعلامية الاحترافية، إلى جدولة دقيقة للفعاليات. وهذه التفاصيل، وإن بدت إدارية بحتة، تشكل فارقاً نوعياً يدركه كل ناشر محترف سبق له المشاركة في معارض أخرى أقل تنظيماً. خامساً، لا يمكن إغفال دور الجغرافيا السياسية للدوحة. فبينما تشهد المشرق والمغرب العربيان اضطرابات أمنية واقتصادية، تبقى الدوحة بيئة مستقرة ومؤهلة لاستضافة الفعاليات الكبرى. كما أنها تشكل نقطة التقاء للشرق والغرب، للعرب وغير العرب، بما يجعلها مؤهلة للقيام بدور الملتقى الثقافي بامتياز. لكن اللافت في تجربة معرض الدوحة، أنه لم يسعَ فقط لجذب دور النشر التقليدية، بل بدأ يفتح أبوابه للناشرين الجدد، ومنصات النشر الإلكتروني، وتطبيقات الكتب الصوتية، وفرق الترجمة والتأليف الجماعي، بل وحتى المؤثرين الرقميين الذين باتوا جزءاً من مشهد القراءة في زمن ما بعد الورق. ومع كل دورة جديدة، لا تكتفي الدوحة بإعادة إنتاج النجاح السابق، بل تضيف إليه بُعداً جديداً: مرة في الشعار، ومرة في تكريم شخصيات عربية رائدة، ومرة في تخصيص جناح للطفل. وهذا ما يجعل من المعرض مناسبة لقراءة الذات الثقافية ومراجعتها، لا مجرد بازار للكتب. معرض الدوحة للكتاب هو أحد أبرز وجوه النهضة الثقافية الحديثة في الخليج والعالم العربي. وهو لا يمثل نجاحاً قطرياً فحسب، بل يشكل نموذجاً يُحتذى به لكل من يريد أن يُعيد للكتاب مكانته، وللمثقفين دورهم، وللأفكار وهجها. مساحة إعلانية
صحيفة الشرق١٥-٠٥-٢٠٢٥ترفيهصحيفة الشرقلماذا بات معرض الدوحة قبلة الناشرين؟48 A+ A- لم يعد معرض الدوحة للكتاب مجرد فعالية ثقافية تُقام كل عام، بل تحول في العقد الأخير إلى ما يشبه قبلة للناشرين العرب والعالميين، وملتقى سنوي يتجاوز الطابع التجاري إلى فضاء للتفاعل الفكري، والتلاقح الثقافي، والاستشراف الحضاري. ولعل هذا التحول لم يأتِ اعتباطاً، ولا من فراغ، بل هو ثمرة رؤية ثقافية متماسكة تتقاطع فيها السياسة الثقافية لدولة قطر مع دينامية المجتمع العربي في لحظة فارقة من تاريخه المعاصر. وما إن تُذكر كلمة الدوحة في الأوساط الثقافية حتى تُستحضر فوراً الورش والمؤتمرات وساحات النقاش المفتوح، وتوقيعات الكتب، والندوات التي تجمع بين المفكرين والأدباء والإعلاميين من شتى البقاع. السؤال إذًا: ما الذي ميز معرض الدوحة وجعله ظاهرة استثنائية في هذا الزمن المتخم بالاضطرابات؟ أولاً، لا يمكن فهم صعود المعرض من دون إدراك سياسة قطر الثقافية. فالدولة، تبنت رؤية واضحة مفادها أن الثقافة ليست ترفاً، بل مكوّن أصيل من مكونات قوتها الناعمة. فاستثمرت في البنية التحتية، وأنشأت مكتبة وطنية عصرية، ودعمت مؤسسات الترجمة والنشر، وساهمت في تشجيع القراءة عبر المبادرات المجتمعية. وفي هذا السياق، جاء معرض الدوحة للكتاب بوصفه ثمرة هذا التصور ورأس رمحه. ثانياً، تتميز النسخة القطرية من معارض الكتب بطابعها المهني من جهة، والانفتاحي من جهة أخرى. وهنا تكمن المفارقة: في الوقت الذي تتراجع فيه مساحات التعبير والنشر في كثير من الدول، نجد في الدوحة مساحة من الحرية المحسوبة تجعل من التنوع ميزة لا عبئاً، ومن الحوار ضرورة لا تهديداً. ثالثاً، لعب الحضور النوعي للزائرين والمشاركين دوراً مركزياً في جذب الناشرين. فالجمهور في الدوحة ليس جمهوراً استهلاكياً، بل جمهور نوعي وهذا ما يعكسه الإقبال الواسع على الكتب الفكرية والتاريخية والتراثية، وليس فقط على الروايات والكتب الخفيفة. رابعاً، يتميز المعرض بسلاسة تنظيمه ودقته. فالخدمات المقدمة للناشرين والزائرين متكاملة: من تسهيل الدخول والإقامة، إلى التغطية الإعلامية الاحترافية، إلى جدولة دقيقة للفعاليات. وهذه التفاصيل، وإن بدت إدارية بحتة، تشكل فارقاً نوعياً يدركه كل ناشر محترف سبق له المشاركة في معارض أخرى أقل تنظيماً. خامساً، لا يمكن إغفال دور الجغرافيا السياسية للدوحة. فبينما تشهد المشرق والمغرب العربيان اضطرابات أمنية واقتصادية، تبقى الدوحة بيئة مستقرة ومؤهلة لاستضافة الفعاليات الكبرى. كما أنها تشكل نقطة التقاء للشرق والغرب، للعرب وغير العرب، بما يجعلها مؤهلة للقيام بدور الملتقى الثقافي بامتياز. لكن اللافت في تجربة معرض الدوحة، أنه لم يسعَ فقط لجذب دور النشر التقليدية، بل بدأ يفتح أبوابه للناشرين الجدد، ومنصات النشر الإلكتروني، وتطبيقات الكتب الصوتية، وفرق الترجمة والتأليف الجماعي، بل وحتى المؤثرين الرقميين الذين باتوا جزءاً من مشهد القراءة في زمن ما بعد الورق. ومع كل دورة جديدة، لا تكتفي الدوحة بإعادة إنتاج النجاح السابق، بل تضيف إليه بُعداً جديداً: مرة في الشعار، ومرة في تكريم شخصيات عربية رائدة، ومرة في تخصيص جناح للطفل. وهذا ما يجعل من المعرض مناسبة لقراءة الذات الثقافية ومراجعتها، لا مجرد بازار للكتب. معرض الدوحة للكتاب هو أحد أبرز وجوه النهضة الثقافية الحديثة في الخليج والعالم العربي. وهو لا يمثل نجاحاً قطرياً فحسب، بل يشكل نموذجاً يُحتذى به لكل من يريد أن يُعيد للكتاب مكانته، وللمثقفين دورهم، وللأفكار وهجها. مساحة إعلانية