logo
#

أحدث الأخبار مع #منظمةالأممالمت

"فوضى عالمية"؟... لا تنظروا بعيداً
"فوضى عالمية"؟... لا تنظروا بعيداً

العربي الجديد

timeمنذ يوم واحد

  • سياسة
  • العربي الجديد

"فوضى عالمية"؟... لا تنظروا بعيداً

عندما أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين في كلمتها في القمة السادسة للمجتمع السياسي الأوروبي في تيرانا (عاصمة ألبانيا) أن "النظام العالمي تحول اليوم إلى فوضى عالمية"، فإنها لم تكن تنعى فقط النظام الذي قام على أنقاض الحرب العالمية الثانية بهيئاته ومؤسّساته المتعدّدة التي ضمنت حدّاً أدنى من التوازن العالمي، رغم تحفظاتٍ لا تعد ولا تُحصى، بل لعلها تبشر أيضاً ببديل لم يتبلور بعد. وكان من غريب المصادفات تزامن حديثها هذا مع تعليق مهام المدّعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان "مؤقتاً" بسبب التحقيق معه في اتهامات "أخلاقية"! هذه المحكمة التي تمثل إحدى أهم مؤسّسات النظام العالمي المتداعي، والتي أصدرت مذكّرات اعتقال بحقّ رئيس الحكومة الإسرائيلية المتطرّفة بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، بعدما تبين للمحكمة والعالم جرائم وحشية تاريخية ارتكباها في غزّة التي لا تزال تنزف. ليس هذا النظام سوى مجموعة من المبادئ والقواعد والقوانين تجسّدت في مؤسّسات تحمل أسماء وعناوين، وتصبح هذه المؤسسات مجرد بنايات بلا هيبة أو مضمون، بمجرد فقدان القوانين والقواعد صلبها، قيمتها، بعدم الامتثال لها ودَوسها، وقد بدأ هذا التعدّي في التجلي في العقود القليلة الماضية، وتطلبت الكثير من الجهد تبريراً وتزويراً للحقائق، وهي عملية مضنية كان لا بد لها أن تعلن إفلاسها في النهاية، تصديقاً لمقولة أن "حبل الكذب قصير مهما طال"... وبلغت عملية سقوط أعمدة النظام الدولي ذروتها، وبلا مبالغة، منذ اليوم الأول من الحرب على غزّة، التي شاءت الأقدار أن تكون شاهداً تاريخياً على تدمير ذاتي، يجدر التساؤل اليوم عما إن كان متعمّداً أو أن الفاعلين الرئيسيين في هذا العالم، ومن يحرّكهم، لم يكن أمامهم طريق أخرى سالكة سواه، بحرق الأشرعة حتى لا يمكنهم العودة إلى ما كان وما يتيح محاسبتهم. "يونيسف"، وكل ما ترمز إليه من أمل وبراءة وتطلع إلى المستقبل، لم يعد لصوتها صدى وسط دويّ القصف وعويل المكلومين عندما ارتفعت ملايين الشعارت في آلاف الشوارع والساحات حول العالم تحذّر من مغبة انتهاك الحقوق الإنسانية والقوانين الدولية والمبادئ التي جعلت الناس (ولو نظرياً) متساوين في الكرامة والحقّ في الحياة والدفاع عن النفس... كانت آلة القتل منشغلة في حصد ما أمكنها من الأرواح بأقصى سرعة ممكنة في غفلة من الزمن، ومن حالة تضامن إنساني كوني نادر... ولما اصطدمت الآلة بمقاومة لم تتحسّب لها، كان رهان القضاء على عنفوانها، من العمى بحيث لم تكن تلك الشعارات تعني له شيئاً آخر غير الرعب من الإهانة والمحاسبة معاً، فتضاعفت الشهية لحصد المزيد وبأبشع الوسائل، ومع هذا التحوّل تغير مضمون الشعارات الأولى إلى ما يحاكي الازدراء والتمرّد والتحريم على متصدّري منصّات السياسة الدولية الحديث، بعد الذي حدث ويحدث، عن "الحقوق" و"الحريات" واحترام "القانون" و"القواعد"، والتوقف عن ممارسة نفاق يورّطهم ويكشف تواطؤاً وعجزاً أحياناً... حتى باتت خطبهم وتصريحاتهم تكاد تخلو تماماً من أي إحالة على مرجعية قانونية أو أخلاقية/ مبدئية، بعدما أدركوا حجم الورطة التي وقعوا فيها، ففاقد الشيء لا يعطيه، وناكره لا يستشهد به. تشهد أروقة مجلس الأمن على حجم الضغوط والمساومات، وحتى التهديدات قبل وفي أثناء وبعد الجلسات التي دعت إليها دول لا تزال تتشبث بتلابيب القانون الدولي الممزّقة، لإدانة إسرائيل أو محاولة ردعها، ولم ترتدع، بل عكست الهجوم وانخرطت في حملة تشويه للهيئة الأممية الأهم واتهامها بتسرّب "غير الحضاريين" إليها، وبدا، في لحظة عبثية، أن منظمة الأمم المتحدة باتت تقاتل من أجل بقائها أكثر من أي شيء آخر. وسرت على المنظمات الإنسانية المنضوية تحت هيئة الأمم المتحدة، وخصوصاً التي لا تزال تعمل بشقّ الأنفس في الأراضي الفلسطينية وقطاع غزّة تحديداً، ما سرى على مجلس الأمن وأجهزته، فقد حوصرت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في الحيّز الضيق الذي تتحرّك فيه، قبل أن تتهم بالضلوع في مساعدة حركة حماس وإبقائها على قيد الحياة ومدّها بالأوكسجين، لتستمر في مواجهة قوات الاحتلال التي قلبت تربة القطاع بحثاً ومطاردة وتخريباً... ثم مرّت إلى استهداف ما بقي من مدارسها وملاجئ الإيواء التي توفرها، بالقصف والتدمير تحت أنظار الجميع، ومن دون أدنى قدر من الحياء أو الاعتبار لمموّليها، ومنهم حلفاء لإسرائيل نفسها... "يونيسف"، وكل ما ترمز إليه من أمل وبراءة وتطلع إلى المستقبل، لم يعد لصوتها صدى وسط دويّ القصف وعويل المكلومين، وصخب الفوضى التي تحيط بهم، حتى بات مجرّد دعوتها إلى تلقيح الأطفال الناجين، ضد الأوبئة التي بدأت بالانتشار، أمراً يدعو إلى الشفقة في مربع كل ما فيه يحيل على موتٍ قادم أو مؤجّل. كل طرق الفوضى التي يشهدها العالم بالفعل، تفرعت بوتيرة متسارعة عن فوهة بركان غزّة الذي أثارته إسرائيل لم تنجُ الصحافة بترسانة القوانين التي تحمي المنتسبين إليها، خصوصاً في أثناء الصراعات وفي زمن الحرب، من أجندة خفية لدى حكومة إسرائيل المتطرفة بتمييع مفهوم "الخطوط الحمراء" أو "غير المعتاد" و"غير المقبول" أخلاقياً وقانونياً، أمام كل ما من شأنه عرقلة خطتها الجهنمية التي تمضي فيها، وكان العالم كله لم يعد له وجود، فقتلت ما لا يقل عن 107 صحافيين بين 2023 و2025... وكانت الاتهامات لأغلبهم جاهزة، وتبرير "الموت كاحتمال ضمن مخاطر المهنة"، جاهزاً لبعضهم الآخر. وامتدّت أيدي إسرائيل الطويلة إلى ما هو أبعد، إلى نواب أوروبيين هاجموا من منابر برلمانات دولهم وحشية إسرائيل وحذروا من الخطر الذي تشكله ممارساتها المنفلتة، على استقرار مجتمعاتهم أولاً، وعلى العالم بأسره والنظم التي لا تزال تحول دون انهياره، فطاردت بعضهم، وأخرجت لآخرين من جعبتها اتهامات بالفساد ومعاداة السامية وتهماً أخرى معلبة، متجاهلة حقّ مواطنيهم في معرفة الحقيقة، كما تتيحها ديمقراطية دولهم، أو الحصانة التي يتمتّعون بها في ظروف معينة، وأمعنت في ذلك أملاً في إخراس ما تبقى من أصوات حرّة وشجاعة... وعبر أذرعها الأطول وبعد موسم عاصف من المظاهرات والفعاليات الأكاديمية والطلابية احتضنتها رحاب جامعات أوروبية وأميركية عريقة، انتظرت إسرائيل قليلاً حتى ذهبت إدارة جو بايدن، وسرعان ما بدأ موسم قطف الرؤوس: عمداء جامعات وطلاب فُصلوا أو رُحِّلوا أو هُدّدوا بذلك إلى أن "يعدلوا سلوكهم" ثم يصمتوا... في انتهاك غير مسبوق لحقّ التظاهر والتجمّع والتعبير عن الرأي، وهو حقّ مكتسب عند تلك الأمم، مجرّد النقاش حوله يبدو أمراً عجيباً ومستهجناً... وبعد ما جرى، تدفع فئات فيها خطوة إلى الوراء. على الأرض في قطاع غزّة، لم يعد هناك هامش في لائحة انتهاكات إسرائيل القانون الدولي لإضافة مزيد مما تقدّم عليه كل يوم، لتجعل من القواعد الأهم التي تهدف إلى الحد من همجية الحروب، مجرّد نصوص نظرية تلوكها تقارير حقوقية وقانونية للتوثيق فحسب... وبين قنابل بزنة ألفي رطل في مساحات عالية الكثافة السكانية، قتلت بواسطتها من الغزّيين ما يزيد على أربعة أضعاف من قتلتهم في 23 عاماً، وبين تدمير للممتلكات والمنشآت العامة جعل أكثر من 70% من القطاع غير صالح للعيش، وصولاً إلى التهجير القسري، وابتزاز الدول المجاورة ودول أبعد بهذه الملف الحارق، تجد إسرائيل حيّزاً في استراتيجيتها المعقدة، لاستخدام الجوار مظهراً آخر من مظاهر القوة والعربدة التي تستعرضها، فيصبح اختراق الحدود مع لبنان تارة وسورية تارة أخرى، أمراً معتاداً، تجد له مبرّرات وعناوين لا تنضب، تنضوي تحت "استباق تحرّكات عدائية" أو بتعلة عجز إحدى الدولتين عن توفير الأمن في تلك المناطق، فتقوم إسرائيل بـ"الواجب" نيابة عنها... وفي الأثناء، تفقد الحدود والسيادة والاتفاقيات معناها وتصبح هلامية مطّاطة كأشياء كثيرة أخرى آلت إلى المصير نفسه في ثنايا هذه الحرب... وهكذا، لم يعد مستغرباً تصاعد أصوات تعبّر عن شهية مفتوحة للاستيلاء على مدن وجزر وأراضٍ هنا وهناك. أطلقت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فان ديرلاين تصريحها اللافت عن تحوّل النظام العالمي اليوم إلى فوضى عالمية، ودقت ناقوس الخطر عندما أطلقت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فان ديرلاين تصريحها اللافت عن تحوّل النظام العالمي اليوم إلى فوضى عالمية، ودقت ناقوس الخطر، هل استحضرت بعضاً من هذه الصور غير المسبوقة، التي سقطت خلالها أعمدة كثيرة كانت لا تزال تبقي النظام العالمي ثابتاً نسبياً؟ أم أن زاوية النظر لديها لم تتجاوز حرب أوكرانيا، والحرب الهندية ــ الباكستانية الخاطفة، التي تجاوز الذعر الذي أثارته حدود قارة آسيا الشاسعة إلى أنحاء العالم بأكمله؟ الثابت أن كل طرق الفوضى التي يشهدها العالم بالفعل، تفرعت بوتيرة متسارعة عن فوهة بركان غزّة الذي أثارته إسرائيل، ولا أحد غيرها. الخوف الناجم عن فكرة أن القوانين وقواعد العلاقات الدولية وضوابط الحرب لم تعد تحمي من يستظل بها، يدفع الدول والمجموعات البشرية والأفراد إلى تخيل أسوأ السيناريوهات والاستعداد لها واستعداء الجميع للجميع. لا يزال بإمكان إسرائيل أن تعتمد بعض الوقت على دعم حلفائها الغربيين، وهي تسقط يومياً حجراً آخر في نظام دولي تشبثوا به إلى آخر رمق، فيما يتجه قادة أوروبا إلى إيجاد بديل تدريجي لحلف الناتو، استرشاداً بمؤشرات صادرة عن إدارة ترامب الجديدة، ويتحدثون عن خطط إعادة تسليح الاتحاد الأوروبي بحجم إنفاق يتوقع مراقبون أن يؤدّي إلى عدم استقرار اجتماعي، ويجاهر كثيرون اليوم بالحاجة الملحّة إلى طيّ صفحة هيئة الأمم المتحدة التي أسقطت حرب غزة بقايا ورقة التوت التي غطت عجزها، وإنشاء هيكل على أنقاضها يمثل فقط من ستنطبق عليه شروط الفرز، ولا ينبئ المشهد برمته بأن البديل سيكون أفضل تمثيلاً أو أكثر عدالة... وحتى لا يجد العرب أنفسهم على الهامش في حركة التحوّل هذه، وبعدما تأكدت قدرة بعضهم منهم على التأثير في صياغة القرار الإقليمي والدولي، عليهم أن يحجزوا مقعداً لهم وبشكل مبكّر واستباقي، حتى لا يبكوا يوماً على أطلال الأمم المتحدة ونظام عالمي آفل، ويؤكّدوا مقولة عشق العرب للبكاء على الماضي كيفما كان هذا الماضي.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store