#أحدث الأخبار مع #منيفالرومصراويمنذ 3 أيامترفيهمصراويحكاية منيف في أرض النفط (1 – 3)تكمن أهمية عبدالرحمن منيف الأساسية، إلى جانب ما تميز به أدبه الروائي، في أنه كان إنسانًا حرًا. كان في كل سلوكه الشخصي والسياسي حريصًا على استقلاليته، ولذلك لم يخضع لضغط هنا وإغراء هناك، ولم يقاتل بغير سلاح النقد من موقعه الديمقراطي المستقل. سنقرأ الآن سيرة هذا الأديب لنكتشف في مسيرته كيف حاول كشف العداء على روح الهوية وعبق التاريخ واغتصاب الأرض والجنسية باسم القانون. وما هي قصة طرده من العراق؟ ولماذا نُزِعت منه الجنسية السعودية وحُظِرت كتبه؟ ستقرأون الآن عن وطني بلا وطن. دعني، عزيزي القارئ، أقص عليك القصة من البداية لنتعرف على الظروف الاجتماعية التي نشأ، بها منيف. والد منيف كان سعودي الجنسية، ويتاجر في القوافل التي ترحل كثيرًا إلى الشرق الأوسط، وبنى المنازل في سورية والأردن إلى جانب منازله في السعودية. وكانت أمه عراقية من بغداد. تزامنت ولادة منيف مع الرخصة التي منحت للولايات المتحدة الأمريكية للتنقيب عن النفط وفق معاهدة مع السعودية. هذه الواقعة كان لها التأثير الكبير؛ لأن مجيء الأمريكيين أعلن القضاء على العالم الذي كان يخوّل للتجار مثل أبيه التجول بحرية في البلاد العربية، فلا تمنعه الحدود ولا تقلقه السياسة. وقد توفي والده بعد أيام من ولادته، وبقيت الأسرة في الأردن. حيث ترعرع فيها على يد جدته لأمه العراقية، وأخذ إخوته بتجارة أبيه لتقديم المساعدة للأسرة، وكان منيف حينها ولدًا صغيرًا، حيث ذهب للكتّاب للدراسة الدينية على عادة الأطفال العرب، قبل أن يلتحق بمدرسة ابتدائية بجوار مقر "غالب باشا" الرئيس الذي كان يدير أمور السلطة الهاشمية. فالأوضاع السياسية فيها خلفت آثارها على منيف، ومن الذكريات الأولى اغتيال السيد غازي ملك العراق سنة 1939م، والتعاطف الشعبي مع المساعي ضد الاستعمار البريطاني في الأردن خلال الحرب العالمية الثانية. وقد شاهد منيف بعينه الحرب الفتاكة بين العرب وإسرائيل سنة 1948م، والمصائب المفزعة التي حلت بالشعب الفلسطيني على أيدي القوات الصهيونية. فهذه الوقائع والأحداث خلفت أثرًا عميقًا في عقليته وذهنه، وخلال العطلة الصيفية كان يقضي أيام إجازته في المملكة العربية السعودية مع أسرة أبيه فيها. عبدالرحمن منيف كتب عن أسمى الأشياء: الحرية والكرامة والتحضر، فضلًا عن إعلائه من شأن الصمود والثبات على المبدأ، وتقديسه لحقوق الإنسان، وتقديره لقيمة الكلمة ومعنى الكلمة. حيث مثلت كل رواية من رواياته لوحة إنسانية اجتماعية، وعكست في جزئيتها فكرًا متوقدًا، وخيالًا مترعًا، ونفسًا ملحميًا. وتحدث في رواياته عن كل شيء، حيث نسج الحدث من خيوط التاريخ، وأسبغ عليه حلة الخيال. كان يتطلع إلى لب الأشياء وإلى ينابيعها لمغالبة ما يحيط بالوطن والشعب والأمة من العواطف. حاول أن يوضح الصورة التي يمر بها الشعب العربي، عسى أن يخفف الصدمة عن الكثيرين، وعسى أن يتعاون الجلاد مع الضحية في سبيل رؤية جديدة يمكن أن تكون لبنة في بناء جديد يتعايش مع متطلبات العصر الذي نعيش فيه. ولعل أدب وكتابات منيف بجرأته وصدقه وشجاعته تعين على وقف الانحدار الذي يشهده الواقع العربي في كل الميادين. أراد منيف من الرواية ألا تعيد ما قاله التاريخ، بل لابد أن ترتبط الرواية بالتاريخ للتعبير عما لا يقوله التاريخ. فنجح عبدالرحمن منيف في تقديم عمل أدبي استهدف استعراض المجتمع الذي شهد التحول الدائم بعد اكتشاف النفط، وأصبحت الجزيرة العربية ساحة للألعوبة السياسية، وأدى ذلك إلى تحويلها إلى أرض الانتهازية والنجاح والاستغلال، وتدخلت القوات الاستعمارية المشتركة المصالح والأهداف في إدارة الشؤون فيها. فجاء مشروع منيف الروائي استجابة لتحديات شتى، ظل يمتزج فيها الشخصي بالعام والأدبي بالسياسي، وبقى الروائي يبرز من داخل المثقف الواعي، المدافع عن رسالة يؤمن بها. فجاءت رسالته: كيف يمكن أن نحول الكلمة من جديد إلى طلقة، إلى قوة محاربة؟ وفي الثانية يقول إن الدفاع عن القيم الإنسانية الإيجابية ينبغي أن يبقى الهم الكبير الذي يقضي المرء عمره كله من أجله. ولكن من يكون عبدالرحمن منيف؟ عزيزي القارئ، هو عبد الرحمن بن إبراهيم بن علي المنيف، وُلِدَ سنة 1933م في مدينة عمان – الأردن، ودرس بالكتّاب ثم المدرسة العبدلية الابتدائية فالثانوية بعمان حتى سنة 1952م. ولعدم وجود جامعات أردنية آنذاك (نهاية الأربعينات وبداية الخمسينات)، فالجامعات الأردنية لم تُؤسّس إلا سنة 1962م، وهو ما اضطره إلى الذهاب للدراسة بجامعة بغداد سنة 1952م. التحق بكلية الحقوق، وقد وجد نفسه في بيئة سياسية، وكانت رحاب الجامعة تموج بوجود الأحزاب السياسية بجميع أنواعها، من الشيوعيين إلى المحافظين المؤيدين للاستعمار البريطاني. فجنح منيف إلى الحزب الشيوعي، وأصبح أول أعضاء حزب "البعث الشيوعي"، وامتاز بكونه أحد الأعضاء المثقفين المعتمدين. وجنسيته السعودية جعلت منه شخصية بارزة في حركة مؤيدة للتطلعات العربية، وتمتع منذ البداية بمكانة ممتازة في منظمة تنبت بذورها في أرض العرب. إلا أن الأمور لم تسِر كما تمنى منيف، فتعرض للطرد من العراق وعدم إكمال دراسته، بالإضافة إلى أن السعودية نزعت عنه الجنسية، وهو ما سنراه في الجزء الثاني من موضوعنا في الأسبوع المقبل إن قدر الله لنا البقاء واللقاء.
مصراويمنذ 3 أيامترفيهمصراويحكاية منيف في أرض النفط (1 – 3)تكمن أهمية عبدالرحمن منيف الأساسية، إلى جانب ما تميز به أدبه الروائي، في أنه كان إنسانًا حرًا. كان في كل سلوكه الشخصي والسياسي حريصًا على استقلاليته، ولذلك لم يخضع لضغط هنا وإغراء هناك، ولم يقاتل بغير سلاح النقد من موقعه الديمقراطي المستقل. سنقرأ الآن سيرة هذا الأديب لنكتشف في مسيرته كيف حاول كشف العداء على روح الهوية وعبق التاريخ واغتصاب الأرض والجنسية باسم القانون. وما هي قصة طرده من العراق؟ ولماذا نُزِعت منه الجنسية السعودية وحُظِرت كتبه؟ ستقرأون الآن عن وطني بلا وطن. دعني، عزيزي القارئ، أقص عليك القصة من البداية لنتعرف على الظروف الاجتماعية التي نشأ، بها منيف. والد منيف كان سعودي الجنسية، ويتاجر في القوافل التي ترحل كثيرًا إلى الشرق الأوسط، وبنى المنازل في سورية والأردن إلى جانب منازله في السعودية. وكانت أمه عراقية من بغداد. تزامنت ولادة منيف مع الرخصة التي منحت للولايات المتحدة الأمريكية للتنقيب عن النفط وفق معاهدة مع السعودية. هذه الواقعة كان لها التأثير الكبير؛ لأن مجيء الأمريكيين أعلن القضاء على العالم الذي كان يخوّل للتجار مثل أبيه التجول بحرية في البلاد العربية، فلا تمنعه الحدود ولا تقلقه السياسة. وقد توفي والده بعد أيام من ولادته، وبقيت الأسرة في الأردن. حيث ترعرع فيها على يد جدته لأمه العراقية، وأخذ إخوته بتجارة أبيه لتقديم المساعدة للأسرة، وكان منيف حينها ولدًا صغيرًا، حيث ذهب للكتّاب للدراسة الدينية على عادة الأطفال العرب، قبل أن يلتحق بمدرسة ابتدائية بجوار مقر "غالب باشا" الرئيس الذي كان يدير أمور السلطة الهاشمية. فالأوضاع السياسية فيها خلفت آثارها على منيف، ومن الذكريات الأولى اغتيال السيد غازي ملك العراق سنة 1939م، والتعاطف الشعبي مع المساعي ضد الاستعمار البريطاني في الأردن خلال الحرب العالمية الثانية. وقد شاهد منيف بعينه الحرب الفتاكة بين العرب وإسرائيل سنة 1948م، والمصائب المفزعة التي حلت بالشعب الفلسطيني على أيدي القوات الصهيونية. فهذه الوقائع والأحداث خلفت أثرًا عميقًا في عقليته وذهنه، وخلال العطلة الصيفية كان يقضي أيام إجازته في المملكة العربية السعودية مع أسرة أبيه فيها. عبدالرحمن منيف كتب عن أسمى الأشياء: الحرية والكرامة والتحضر، فضلًا عن إعلائه من شأن الصمود والثبات على المبدأ، وتقديسه لحقوق الإنسان، وتقديره لقيمة الكلمة ومعنى الكلمة. حيث مثلت كل رواية من رواياته لوحة إنسانية اجتماعية، وعكست في جزئيتها فكرًا متوقدًا، وخيالًا مترعًا، ونفسًا ملحميًا. وتحدث في رواياته عن كل شيء، حيث نسج الحدث من خيوط التاريخ، وأسبغ عليه حلة الخيال. كان يتطلع إلى لب الأشياء وإلى ينابيعها لمغالبة ما يحيط بالوطن والشعب والأمة من العواطف. حاول أن يوضح الصورة التي يمر بها الشعب العربي، عسى أن يخفف الصدمة عن الكثيرين، وعسى أن يتعاون الجلاد مع الضحية في سبيل رؤية جديدة يمكن أن تكون لبنة في بناء جديد يتعايش مع متطلبات العصر الذي نعيش فيه. ولعل أدب وكتابات منيف بجرأته وصدقه وشجاعته تعين على وقف الانحدار الذي يشهده الواقع العربي في كل الميادين. أراد منيف من الرواية ألا تعيد ما قاله التاريخ، بل لابد أن ترتبط الرواية بالتاريخ للتعبير عما لا يقوله التاريخ. فنجح عبدالرحمن منيف في تقديم عمل أدبي استهدف استعراض المجتمع الذي شهد التحول الدائم بعد اكتشاف النفط، وأصبحت الجزيرة العربية ساحة للألعوبة السياسية، وأدى ذلك إلى تحويلها إلى أرض الانتهازية والنجاح والاستغلال، وتدخلت القوات الاستعمارية المشتركة المصالح والأهداف في إدارة الشؤون فيها. فجاء مشروع منيف الروائي استجابة لتحديات شتى، ظل يمتزج فيها الشخصي بالعام والأدبي بالسياسي، وبقى الروائي يبرز من داخل المثقف الواعي، المدافع عن رسالة يؤمن بها. فجاءت رسالته: كيف يمكن أن نحول الكلمة من جديد إلى طلقة، إلى قوة محاربة؟ وفي الثانية يقول إن الدفاع عن القيم الإنسانية الإيجابية ينبغي أن يبقى الهم الكبير الذي يقضي المرء عمره كله من أجله. ولكن من يكون عبدالرحمن منيف؟ عزيزي القارئ، هو عبد الرحمن بن إبراهيم بن علي المنيف، وُلِدَ سنة 1933م في مدينة عمان – الأردن، ودرس بالكتّاب ثم المدرسة العبدلية الابتدائية فالثانوية بعمان حتى سنة 1952م. ولعدم وجود جامعات أردنية آنذاك (نهاية الأربعينات وبداية الخمسينات)، فالجامعات الأردنية لم تُؤسّس إلا سنة 1962م، وهو ما اضطره إلى الذهاب للدراسة بجامعة بغداد سنة 1952م. التحق بكلية الحقوق، وقد وجد نفسه في بيئة سياسية، وكانت رحاب الجامعة تموج بوجود الأحزاب السياسية بجميع أنواعها، من الشيوعيين إلى المحافظين المؤيدين للاستعمار البريطاني. فجنح منيف إلى الحزب الشيوعي، وأصبح أول أعضاء حزب "البعث الشيوعي"، وامتاز بكونه أحد الأعضاء المثقفين المعتمدين. وجنسيته السعودية جعلت منه شخصية بارزة في حركة مؤيدة للتطلعات العربية، وتمتع منذ البداية بمكانة ممتازة في منظمة تنبت بذورها في أرض العرب. إلا أن الأمور لم تسِر كما تمنى منيف، فتعرض للطرد من العراق وعدم إكمال دراسته، بالإضافة إلى أن السعودية نزعت عنه الجنسية، وهو ما سنراه في الجزء الثاني من موضوعنا في الأسبوع المقبل إن قدر الله لنا البقاء واللقاء.