#أحدث الأخبار مع #مورجنثاوصحيفة الخليج٠٨-٠٥-٢٠٢٥سياسةصحيفة الخليجعالم من دون قواعد ولا قيم ولا قانونكنتُ طالباً أدرس العلوم السياسية خلال أهم مرحلة في مراحلها الانتقالية، عندما كان أغلب الأساتذة ما زالوا من دارسي القانون وأقلهم من خريجي معاهد وأقسام التاريخ السياسي، تلقت هذه المدرسة أول صدمة خلال مناقشات ومحاضرات الإعداد لعالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، إذ ظهر ميل واضح نحو جعل «القوة» شريكاً للقواعد والقيم التي اعتمد عليها المخططون لنظام دولي جديد (مدرسة مورجنثاو)، خطط المخططون لنظام يقوم أساساً على قواعد مهمة تولى صياغتها خبراء أمريكيون بينهم عسكريون قادوا جيوش الحلفاء خلال الحرب، نظام دولي يعتمد أيضاً القانون الدولي وبخاصة نصوص الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي عقدت خلال مختلف مراحل تطور العلاقات بين الدول الغربية الكبرى، يعتمده شريكاً مؤسساً. تلقت هذه المدرسة وأقصد المدرسة الجديدة للعلوم السياسية، صدمتها الثانية عندما راح بعض العلماء يتبحرون في فهم سلوك الأفراد عند اتخاذ قراراتهم ونحو فهم أعمق لمفهوم الدولة باعتبارها كياناً حياً يتأثر بمختلف مكونات البيئة المحيطة ويؤثر فيها، تطرفوا فأخذوا من العلوم الطبيعية بعض نظرياتها في نشأة الأشياء وتطورها وعلاقاتها بما حولها، هكذا استحقت العلوم السياسية، بعد كفاح طويل، أن يجري تصنيفها ضمن فئة العلوم، وتغليب هذه الفئة في المكانة على الفئتين الأقدم أي على القانون والتاريخ الدبلوماسي وبخاصة عندما راحوا يتعاملون مع التاريخ الدبلوماسي كمعمل يجرون فيه تجاربهم النظرية. أردت، بهذه المقدمة المطولة بعض الشيء، أن أقترب من فهم «المآلات» التي يمكن أن ينزلق إليها العالم الذي نعيش فيه الآن. ما نعرف وأظن أننا فهمناه «مآلاً» انحدر إليه العالم أو سقط فيه، هو أننا نتخلى في هذه اللحظة وبسرعة عن قيم وقواعد التزمها أو اعتمد عليها النظام الدولي منذ نشأته في أواخر الحرب العالمية الثانية، نتخلى عنها مذ بدأ الرئيس ترامب وعديد السياسيين في مناطق أخرى يفعلون. كنت كطالب ثم كممارس شاهداً على بعض هؤلاء وهم يتخلون مثلاً عن قيم مثل سيادة الدولة والسمعة الحسنة والثقة المتبادلة والديموقراطية وحقوق الإنسان وحرية التعبير وحرية التجارة والمساواة وغيرها من القيم التي نمت مع نمو العلاقات بين الدول وبين الشعوب، أو كرد فعل لتجاوزات الدول والحروب المدمرة والتدخل في شؤون الدول الأخرى وتجارب التعامل مع النظم الفاشية. جرى التخلي عن الكثير من القيم عن طريق إجراءات ومراسيم، من هذه الإجراءات على سبيل المثال وليس أكثر إعلان الرئيس الأمريكي الطلب إلى كل من مصر وبنما إعفاء الولايات المتحدة من رسوم عبور سفنها في كلتي القناتين، قناة السويس وقناة بنما، منها أيضاً سحب الاعتراف، أو وقف دفع الأنصبة في الأنروا ومنظمة الصحة العالمية ومنظمة التجارة الدولية ورفض إجراءات وأحكام محكمة العدل الدولية والاستمرار في شل عمل مجلس الأمن الدولي للتعمية عن حرب الإبادة المشتعلة ضد شعب فلسطين وعن بعض نوايا الرئيس الأمريكي ومنها نية ضم غرينلاند وكندا إلى الولايات المتحدة. يتساءل العالم، أو على الأقل، الدول التي دخلت فيما أسميه دائرة الشك في مستقبل الهيمنة الأمريكية، من هذه الدول الصين طبعاً وروسيا والهند ومعظم الدول الأعضاء في الحلف الأطلسي، يتساءل هذا العالم عن المدى الذي يمكن أن يذهب إليه الرئيس ترامب وجماعته وبالجماعة أقصد عدداً من الشركات والشخصيات المهيمنة على قطاعات التكنولوجيا وعلى المنظمة الصهيونية العالمية وعلى مجمع الأسلحة الأمريكي وأما المدى فأقصد به كلاً من المسافة الزمنية والقدرة الفعلية بالإضافة إلى درجة العنف التي يمكن أن يذهب إليها شركاء نظام الهيمنة لتعزيز مكانته وإمكاناته ووقف انحدار القطب الأعظم. أخشى أن أكرر عن قصد أنني سبق وتوقعت خلال حملته الانتخابية أن يأتي ترامب إلى البيت الأبيض في شكل عاصفة تسونامي بنية «اكتساح» كل ما يقف في طريق تحقيق حلم، أن يحول العالم كما يراه إلى غابة عنف، إلى مرحلة «سلم أمريكي» ثانية. آخرون توقعوا زلزالاً أو كوارث أو حروباً لا تنتهي في مناطق متعددة وبخاصة في الشرق الأوسط. إن الظروف الدولية والإقليمية الراهنة لا نتوقع تدخلاً حازماً من جانب دولة عظمى آخر يضر مستقبلاً بالمصالح الاستراتيجية بهذه الدولة أو تلك، بمعنى آخر لن تتكرر ظاهرة رسالة موسكو في حرب السويس إلى دول العدوان الثلاثي، ولن تتكرر بنفس الشكل ظاهرة الإنذار الذي وجهته مصر الناصرية لتركيا وأمريكا اللتين خططتا لتتدخل في شؤون سوريا في أعقاب حرب السويس. أغلب الظن أن الكل يعلم أن الرئيس ترامب بما يفعله داخلياً وخارجياً إنما يسرع عملية جر بلاده إلى موقع في النظام الدولي الجديد أقل تميزاً. كما لم يعد خافياً أن لإسرائيل مشروعها الخاص بشرق أوسط يكون لها فيه حق الريادة والهيمنة في نظام إقليمي متعدد الحضارات ومركزه القدس، نظام يحل محل النظام الإقليمي العربي ويفصل كلياً ونهائياً مجموعة دول المغرب العربي عن المشرق العربي وفصل هذه وتلك عن مصر، أغلب الظن أن كلاً من تركيا وإيران لن تقبل سلمياً الخضوع لريادة إسرائيلية. كذلك تدرك إسرائيل الأهمية الاستراتيجية لسوريا في أي نظام إقليمي يقوم في الشرق الأوسط، تدرك أيضاً القيمة الكبرى للهيمنة على الممرات المائية الاستراتيجية في الإقليم.
صحيفة الخليج٠٨-٠٥-٢٠٢٥سياسةصحيفة الخليجعالم من دون قواعد ولا قيم ولا قانونكنتُ طالباً أدرس العلوم السياسية خلال أهم مرحلة في مراحلها الانتقالية، عندما كان أغلب الأساتذة ما زالوا من دارسي القانون وأقلهم من خريجي معاهد وأقسام التاريخ السياسي، تلقت هذه المدرسة أول صدمة خلال مناقشات ومحاضرات الإعداد لعالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، إذ ظهر ميل واضح نحو جعل «القوة» شريكاً للقواعد والقيم التي اعتمد عليها المخططون لنظام دولي جديد (مدرسة مورجنثاو)، خطط المخططون لنظام يقوم أساساً على قواعد مهمة تولى صياغتها خبراء أمريكيون بينهم عسكريون قادوا جيوش الحلفاء خلال الحرب، نظام دولي يعتمد أيضاً القانون الدولي وبخاصة نصوص الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي عقدت خلال مختلف مراحل تطور العلاقات بين الدول الغربية الكبرى، يعتمده شريكاً مؤسساً. تلقت هذه المدرسة وأقصد المدرسة الجديدة للعلوم السياسية، صدمتها الثانية عندما راح بعض العلماء يتبحرون في فهم سلوك الأفراد عند اتخاذ قراراتهم ونحو فهم أعمق لمفهوم الدولة باعتبارها كياناً حياً يتأثر بمختلف مكونات البيئة المحيطة ويؤثر فيها، تطرفوا فأخذوا من العلوم الطبيعية بعض نظرياتها في نشأة الأشياء وتطورها وعلاقاتها بما حولها، هكذا استحقت العلوم السياسية، بعد كفاح طويل، أن يجري تصنيفها ضمن فئة العلوم، وتغليب هذه الفئة في المكانة على الفئتين الأقدم أي على القانون والتاريخ الدبلوماسي وبخاصة عندما راحوا يتعاملون مع التاريخ الدبلوماسي كمعمل يجرون فيه تجاربهم النظرية. أردت، بهذه المقدمة المطولة بعض الشيء، أن أقترب من فهم «المآلات» التي يمكن أن ينزلق إليها العالم الذي نعيش فيه الآن. ما نعرف وأظن أننا فهمناه «مآلاً» انحدر إليه العالم أو سقط فيه، هو أننا نتخلى في هذه اللحظة وبسرعة عن قيم وقواعد التزمها أو اعتمد عليها النظام الدولي منذ نشأته في أواخر الحرب العالمية الثانية، نتخلى عنها مذ بدأ الرئيس ترامب وعديد السياسيين في مناطق أخرى يفعلون. كنت كطالب ثم كممارس شاهداً على بعض هؤلاء وهم يتخلون مثلاً عن قيم مثل سيادة الدولة والسمعة الحسنة والثقة المتبادلة والديموقراطية وحقوق الإنسان وحرية التعبير وحرية التجارة والمساواة وغيرها من القيم التي نمت مع نمو العلاقات بين الدول وبين الشعوب، أو كرد فعل لتجاوزات الدول والحروب المدمرة والتدخل في شؤون الدول الأخرى وتجارب التعامل مع النظم الفاشية. جرى التخلي عن الكثير من القيم عن طريق إجراءات ومراسيم، من هذه الإجراءات على سبيل المثال وليس أكثر إعلان الرئيس الأمريكي الطلب إلى كل من مصر وبنما إعفاء الولايات المتحدة من رسوم عبور سفنها في كلتي القناتين، قناة السويس وقناة بنما، منها أيضاً سحب الاعتراف، أو وقف دفع الأنصبة في الأنروا ومنظمة الصحة العالمية ومنظمة التجارة الدولية ورفض إجراءات وأحكام محكمة العدل الدولية والاستمرار في شل عمل مجلس الأمن الدولي للتعمية عن حرب الإبادة المشتعلة ضد شعب فلسطين وعن بعض نوايا الرئيس الأمريكي ومنها نية ضم غرينلاند وكندا إلى الولايات المتحدة. يتساءل العالم، أو على الأقل، الدول التي دخلت فيما أسميه دائرة الشك في مستقبل الهيمنة الأمريكية، من هذه الدول الصين طبعاً وروسيا والهند ومعظم الدول الأعضاء في الحلف الأطلسي، يتساءل هذا العالم عن المدى الذي يمكن أن يذهب إليه الرئيس ترامب وجماعته وبالجماعة أقصد عدداً من الشركات والشخصيات المهيمنة على قطاعات التكنولوجيا وعلى المنظمة الصهيونية العالمية وعلى مجمع الأسلحة الأمريكي وأما المدى فأقصد به كلاً من المسافة الزمنية والقدرة الفعلية بالإضافة إلى درجة العنف التي يمكن أن يذهب إليها شركاء نظام الهيمنة لتعزيز مكانته وإمكاناته ووقف انحدار القطب الأعظم. أخشى أن أكرر عن قصد أنني سبق وتوقعت خلال حملته الانتخابية أن يأتي ترامب إلى البيت الأبيض في شكل عاصفة تسونامي بنية «اكتساح» كل ما يقف في طريق تحقيق حلم، أن يحول العالم كما يراه إلى غابة عنف، إلى مرحلة «سلم أمريكي» ثانية. آخرون توقعوا زلزالاً أو كوارث أو حروباً لا تنتهي في مناطق متعددة وبخاصة في الشرق الأوسط. إن الظروف الدولية والإقليمية الراهنة لا نتوقع تدخلاً حازماً من جانب دولة عظمى آخر يضر مستقبلاً بالمصالح الاستراتيجية بهذه الدولة أو تلك، بمعنى آخر لن تتكرر ظاهرة رسالة موسكو في حرب السويس إلى دول العدوان الثلاثي، ولن تتكرر بنفس الشكل ظاهرة الإنذار الذي وجهته مصر الناصرية لتركيا وأمريكا اللتين خططتا لتتدخل في شؤون سوريا في أعقاب حرب السويس. أغلب الظن أن الكل يعلم أن الرئيس ترامب بما يفعله داخلياً وخارجياً إنما يسرع عملية جر بلاده إلى موقع في النظام الدولي الجديد أقل تميزاً. كما لم يعد خافياً أن لإسرائيل مشروعها الخاص بشرق أوسط يكون لها فيه حق الريادة والهيمنة في نظام إقليمي متعدد الحضارات ومركزه القدس، نظام يحل محل النظام الإقليمي العربي ويفصل كلياً ونهائياً مجموعة دول المغرب العربي عن المشرق العربي وفصل هذه وتلك عن مصر، أغلب الظن أن كلاً من تركيا وإيران لن تقبل سلمياً الخضوع لريادة إسرائيلية. كذلك تدرك إسرائيل الأهمية الاستراتيجية لسوريا في أي نظام إقليمي يقوم في الشرق الأوسط، تدرك أيضاً القيمة الكبرى للهيمنة على الممرات المائية الاستراتيجية في الإقليم.