أحدث الأخبار مع #نعيمبوسلهام


بالواضح
٢٨-٠٤-٢٠٢٥
- ترفيه
- بالواضح
ليموزان: رحلة إلى قلب فرنسا الهادئ
بقلم: نعيم بوسلهام حين تبتعد عن صخب باريس وضجيج المدن الكبرى، وتتوغل جنوب غرب فرنسا، تفتح لك ليموزان ذراعيها، ببساطها الأخضر الواسع وهدوئها الآسر. كانت رحلتي الأخيرة إلى هذه المنطقة فرصة لاكتشاف وجه آخر لفرنسا، بعيد عن الصورة النمطية للسائح التقليدي. طبيعة خلابة وقرى نابضة بالتاريخ منذ لحظة وصولي إلى ليموج، عاصمة ليموزان، شعرت أنني دخلت عالمًا آخر. الشوارع المبلطة، والمباني الحجرية، والأسواق الصغيرة التي تعرض الخزف الفاخر — كلها تشهد على تاريخ طويل من الحرفية والفن. وخارج المدينة، تنتشر مزارع التفاح ومراعي الأبقار الهادئة، مما يمنح المشهد طابعًا ريفيًا ساحرًا يصعب مقاومته. خلال تجوالي بين مدن مثل بريف وتول وأوبوسون، بدت لي الحياة أكثر بطئاً، وأكثر التصاقاً بالأرض والذاكرة. في أوبوسون، كان لابد من التوقف عند ورش النسيج الشهيرة التي يعود تاريخها إلى القرون الوسطى، حيث لا تزال تُنسج هناك أجمل سجاد التابيسري في العالم. ما يميز ليموزان، إلى جانب طبيعتها الأخاذة، هو دفء سكانها. سواء كنت تتناول فطورك في مقهى بسيط أو تتجول في سوق شعبي، تجد الابتسامة تسبق الكلمات، وتجد الترحيب الصادق دون تكلف. أخبرني أحد مزارعي التفاح في منطقة كروز أن 'سر ليموزان الحقيقي ليس في مناظرها فقط، بل في روح ناسها الذين يعرفون معنى البساطة والكرم.' اقتصاد متجدد… بهدوء رغم الطابع الريفي الطاغي، فإن ليموزان ليست غارقة في ماضيها فقط. لاحظت خلال الزيارة أن هناك جهوداً واضحة لتحفيز الاقتصاد المحلي، سواء عبر تشجيع السياحة البيئية، أو عبر دعم الصناعات التقليدية مثل الخزف والنسيج. ومع ذلك، تبقى المنطقة بعيدة نسبياً عن الزخم الاقتصادي الذي تعرفه بقية فرنسا. الوصول إلى ليموزان… مغامرة بحد ذاتها الوصول إلى ليموزان ليس بالأمر المعقد، لكنه يتطلب بعض التخطيط. فالمواصلات محدودة مقارنةً بالمناطق الكبرى، غير أن مطار ليموج يوفر رحلات مباشرة من بعض المدن الأوروبية، كما أن الطريق السريع A20 يسهل الربط مع باريس وتولوز. داخل المنطقة، تُعتبر شبكة القطارات المحلية TER وسيلة فعالة لاكتشاف القرى الصغيرة والمدن الهادئة. ليموزان… ملاذ للباحثين عن الصفاء في زمن يتسارع فيه كل شيء، تقدم ليموزان خياراً مختلفاً: وجهة لمن يريد أن يبطئ خطاه، أن يتنفس بعمق، وأن يستعيد علاقته مع الطبيعة والهدوء. رحلتي إلى هناك لم تكن مجرد زيارة سياحية، بل كانت لقاءً حقيقياً مع فرنسا الأخرى، تلك التي لا تظهر كثيراً في الإعلانات، لكنها تظل نابضة بالحياة والجمال الخفي.


بالواضح
١١-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- بالواضح
الدين بين قبضة الدولة ومنابر الجهالة: من يملك حق التأويل؟
بقلم: نعيم بوسلهام لطالما شغلت العلاقة بين الدين والسلطة حيزاً كبيراً في النقاش العمومي والفكري داخل المجتمعات الإسلامية، حيث ظل السؤال المحوري يتأرجح بين من له الحق في الحديث باسم الدين، ومن يملك سلطة تأويله وتوجيهه في المجال العام. وإذا كانت المجتمعات الغربية، كما أشار عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر، قد أسست لفكرة احتكار الدولة للعنف الشرعي كأحد مقومات الدولة الحديثة، فإن المشهد في كثير من الدول الإسلامية يشهد بروز ما يمكن تسميته بـ'نظرية احتكار الدولة لاستعمال الدين'، حيث تعمل السلطات الرسمية على ضبط وتوجيه المجال الديني وفق رؤية مركزية، تُقصي فيها الفاعلين الدينيين خارج مؤسساتها الرسمية. ففي السياق الإسلامي، كان يُنظر تاريخياً إلى العلماء باعتبارهم حراس الشريعة، ومصدراً للشرعية الأخلاقية والاجتماعية. وقد تُوجه لهم بين الفينة والأخرى انتقادات تتعلق باحتكارهم للحديث في الشأن الديني، وهو ما يعتبره البعض من مظاهر الجمود أو الإقصاء للنقاش العمومي. لكن في ظل ما يسمى بعصر التخصص، ألا يصبح من المفارقات الكبرى أن نعيب على المتخصصين تناولهم لقضايا اختصاصهم، ونفتح الباب بالمقابل أمام غير المؤهلين للخوض في قضايا ذات حساسية عقدية وفكرية؟ إن المشكلة، في جوهرها، ليست في 'احتكار العلماء' للدين، بل في غياب الأطر الديمقراطية لتنظيم الحقل الديني، بحيث يكون خاضعاً للتداول والمساءلة والنقد، دون أن يتحول إلى ساحة فوضى أو أداة في يد السلطة. بالمقابل وفي كثير من النماذج العربية، انتقل دور الدولة من مجرد 'رعاية' الشأن الديني، إلى التحكم الكامل فيه عبر آليات متعددة: تعيين خطباء المساجد، توجيه الخطب، حظر بعض الكتب أو الشخصيات الدينية، وتشكيل مجالس علمية ذات طابع رسمي. هذا الشكل من 'التأميم' لا يختلف في بنيته العميقة عن 'احتكار العنف الشرعي' في نظرية فيبر، حيث تتحول الدولة إلى الجهة الوحيدة المخولة بتحديد ما هو 'دين وسطي'، وما هو 'تطرف'، بل وما هو 'إسلام سياسي' وما هو 'إسلام شرعي'. وإذا كان المعارضون للحركات الإسلامية يتهمونها بـ'تسييس الدين'، فإن ما يحدث في المقابل هو نوع من 'تحزيب' الدين الرسمي لصالح السلطة، بحيث يصبح الدين مجرد أداة من أدوات إنتاج الطاعة السياسية، بدلاً من كونه منظومة قيمية تهدف إلى تحقيق العدالة والكرامة الإنسانية. إن خطورة احتكار الدولة للدين لا تكمن فقط في إقصاء الأصوات المعارضة، بل أيضاً في تجميد الاجتهاد وتجفيف منابع الحيوية الفكرية في المجال الديني. كما أن هذا الاحتكار قد يدفع بعض التيارات إلى البحث عن شرعية بديلة خارج الإطار الرسمي، ما قد يفتح الباب للتطرف والتأويلات المنفلتة. في المقابل، فإن ترك المجال مفتوحاً دون ضوابط علمية يؤدي بدوره إلى فوضى دينية، حيث يصبح كل من امتلك حساباً على وسائل التواصل، أو راكماً قدراً من الشعبية، 'مفتياً' يُستفتى و'عالماً' يُقتدى به، وهو ما يعيدنا إلى جدلية: من يحرس الدين من الجهالة؟ ومن يحرسه من التوظيف السلطوي؟ يبذو اليوم أن الحاجة ماسة إلى تصور جديد للمجال الديني، يقوم على مبدأ التخصص من جهة، ومبدأ استقلال الحقل الديني عن السلطة التنفيذية من جهة أخرى. ولعل الحل يكمن في صيغة مدنية عقلانية، تجعل من الدين مجالاً للنقاش العام، دون أن يتحول إلى أداة في يد السلطة، أو مطية في يد الجهلة والباحثين عن النفوذ. إن تحرير الدين من قبضة الدولة لا يعني فصله عن الحياة، بل تحريره من الاستخدام السلطوي الذي يحوله إلى أداة تطويع، بدلاً من أن يكون منبعاً للوعي والتحرر.