أحدث الأخبار مع #هبةابووردة


جهينة نيوز
٠٧-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- جهينة نيوز
الانقلاب الناعم .. قداسة السلطة وسقوط الدولة الحديثة
تاريخ النشر : 2025-05-07 - 01:40 pm المحامية هبة ابووردة في الوقت الذي تتهاوى فيه أطراف هذا الكوكب كأوراق خريف بغير أوان، وبينما الولايات المتحدة تسير على خيط مشدود فوق هاوية الداخل والخارج، وفيما يتوقع من قادة العالم أن يحبسوا أنفاسهم استعدادا لأي عاصفة جديدة، يخرج الرئيس السابع والأربعون لأمريكا، دونالد ترامب، من بين الركام متشحا برداء القداسة المزيفة. لم يعد ترامب يجد في نفسه مجرد رجل سياسي أو موظف دستوري، في عصر تهشمت فيه تيجان الملوك وتهدلت أعلام الجمهوريات، كما أن الأزمة العالمية الراهنة قد صدعت الشرعية وهدمت الثقة بالمؤسسات، فلم يعد هناك مكان لحكم يقوم على التعاقد العقلاني بين الدولة والمواطن، ولا لرئيس منتخب يحكم بناء على برنامج سياسي قابل للقياس والنقد. التقط ترامب بذكائه الغريزي النادر، أن الأزمات الوجودية المتصاعدة خلقت فراغا نفسيا لا يمكن أن يملأ بالآليات التقليدية للشرعية؛ فالشعوب وصلت إلى حد من الخوف لا ترتجي معه برنامجا انتخابيا بعد الآن، وعيونهم تترقب المخلص، فقرر بثبات المستيقن من قدره، أن يمسك بأحدث أدوات عصره، معلنا بطريقة مبطنة أن قضيته تجاوزت الساحة السياسية واستقرت في هيكل الطاعة المطلقة. قد تبدو هذه الاستعراضات مجرد مظاهر شخصية فارغة أو "مزحة ذكاء اصطناعي"، إلا أنها بعين السياسة تمثل تجاوزا خطيرا لحدود الرئاسة التقليدية، وإشارة تحذيرية لملامح تأسيس سلطة جديدة في الوعي الأمريكي والعالمي تمهيدا لإعادة تشكيل مفهوم القيادة السياسية، من زعامة وظيفية دستورية، ينتخب فيها القائد لتمثيل إرادة الناخبين، إلى زعامة شبه مقدسة، تجسد خلاصا وطنيا ودينيا وقوميا في آن واحد. الدين، الوطن والسيف… سردية رمزية، تمثل "مشيئة خارجية' تختار القائد الذي يجمع بين القوة والعدالة، بين الزعامة والخلاص، تحول الرئاسة إلى رسالة، والقرارات السياسية إلى وصايا مقدسة، والمعارضة إلى تجديف ضد إرادة القوى العظمى. في السياسة لا مكان للتحركات الفارغة، ولا مجال لقراءة أي حركة بمعزل عن التراكم الرمزي الصريح، لذلك لا يمكن أن يخرج ما تم نشره من صور الذكاء الإصطناعي عن كونه خطوات إضافية في مسار متدرج، بدأ فعليا منذ عام 2019 حين وصف نفسه بـ'المختار'، ثم نظر إلى السماء بطريقة درامية، وكأنه انتقي من السماء لقيادة حرب الخير ضد الشر العالمي الصين، الليبرالية، والنخب السياسية. وفي خطوة أخرى أكثر جرأة، أعاد نشر تغريدة لأحد أنصاره وصفه فيها بأنه "ملك إسرائيل وابن الله الثاني'، دون أن يُصدر أي تعليق مما فُهم أنه تأييد ضمني لهذه النظرة، ثم عاد إلى الرمزيات الدينية عام 2020، عندما خرج فجأة من البيت الأبيض باتجاه كنيسة القديس يوحنا أثناء احتجاجات "حياة السود مهمة'، ووقف رافعا الكتاب المقدس بصمت مسرحي، مشهد بدا شديد الفجاجة لدرجة أن بعض القساوسة اعتبروه استغلالًا دينيا للسلطة، بينما هو بعين القارئ السياسي أن هناك تدشينا ناعما لدين مدني جديد. هذه الصور الأخيرة، هي خطوة جديدة إلا أنها أكثر رعبا يدق فيها ترامب أول نواقيس قيامته السياسية الكبرى، معلنا بداية تأسيس "كنيسة سياسية' عابرة للحدود، يتوج فيها بتاج الذهب الميثولوجي، حاكما بقبعة البابا، حارسا لعقيدة جديدة ضد "الكفر الليبرالي العالمي"، ومصدر شرعيته قدر مفترض، يصبح الخصام معه خصاما مع "الإيمان'، والنقد له جريمة بحق "العقيدة'. اختيار ترامب للزي الأقدس في الكنيسة الكاثوليكية، خطوة محسوبة بعناية في بناء سردية تتجاوز حدود السلطة المدنية، وتحمل أبعادا أخطر مما تبدو للوهلة الأولى؛ خاصة أن هذا الزي الديني هو رمز السلطة الروحية المطلقة، مما توحي بأن ولايته رسالة موكولة إليه من قوى فوق دستورية، لاستعادة النظام العالمي المترنح، وبالمعنى السياسي هي إعلان صامت عن إعادة تدشين لعصر تختلط فيه التيجان بالتعاويذ، والسياسة بالقداسة. الرمزية المكثفة في الصورة، تنطق ببلاغة لا تخفى، نقاء العقيدة، السلطة الروحية والعصمة عن الخطأ يلخصها الزي البابوي، بينما تعكس نظرته الجادة دور القائد الروحي المخلص الذي ينذر ببيان دستوري مؤسس لدين جديد ينصب مذبح سياسي فوق أنقاض الديمقراطية الحديثة، ولم يغفل ترامب بعقله الحاد عن تعزيز الصورة بخلفية مضيئة، ليبدو وكأنه ينبثق كنور أوحد من وسط عالم تغمره الظلمات. مسقطا بذلك آخر الأقنعة بين السياسة والدين، ومعلنا بصامت أن القانون البشري لم يعد مرجعيته، وأن الصراع المقبل لن يكون بين يسار ويمين، إنما معركة خلاص ديني سترسم حدودها بمعايير الإيمان والكفر، أما الخصوم ما هم إلا هراطقة يجب محاربتهم، وأي تحالف منهم ضده هو تحالف مع الشيطان. انقلاب ناعم لكنه جذري على مفهوم الجمهورية الأمريكية الحديثة؛ إذ تقف اليوم أمام زعيم حول السياسة إلى قداس دموي، يعتليه مذبح تتناثر حوله جثث الحقيقة والعقل والمنطق، وكأنه "الرئيس الميتافيزيقي'، الذي يستخدم أحدث أدوات العصر ليبعث مجددا أساطير السلطة المطلقة؛ لإعادة إحياء الأمة من رماد التعاقد العقلاني، وبني أسطورة أمريكية جديدة تحرسها يد الغيب. أما عن الجمهور فهو ينقسم إلى فريقين، الأول يذرف الدموع فخرا أمام هذا "المخلص"، وعلى رأسهم اليمين المسيحي، حيث تتعامل القيادات الإنجيلية المتطرفة مع ترامب بوصفه "مخلص الأمة من الخطيئة والليبرالية"، والآخر يكتم غضبا عارما تجاه برود القائد الذي قرر أن السياسة وحدها لا تكفي، قرر أن لا يكون هناك أدنى فرق بين البيت الأبيض والكنيسة البيضاء؛ فكلاهما يتحول إلى معبد تتردد فيه أصداء اسمه، تماما كما كانت تتلى أسماء الآلهة في كهوف الأمم الغابرة. حل الوقت الذي نعي فيه أن ترامب لم يعد يطالب بالسلطة كغنيمة؛ فهو يقف ترامب اليوم فوق أنقاض السياسة، حيث تتلو السياسة صلوات الخوف، وتشن الحروب تحت رايات العصمة، وتدفن الديمقراطيات في قداسات الصمت والخنوع، في عالم ينهار فيه كل شيء إلا الجنون. تابعو جهينة نيوز على

سرايا الإخبارية
١٠-٠٣-٢٠٢٥
- سياسة
- سرايا الإخبارية
المحامية هبة ابو وردة يكتب: إسرائيل: بين الدور الوظيفي وحسابات البقاء
بقلم : المحامية هبة ابو وردة لم يكن الاحتلال الإسرائيلي مجرد نتيجة لصراع عرقي أو ديني، بل هو نتاج تفاعل معقد بين الاقتصاد والسياسة، حيث التقت مصالح لوبيات المال والطاقة الغربية مع المشروع الصهيوني في نقطة واحدة، الحاجة إلى 'دولة وظيفية' في قلب المنطقة تضمن السيطرة على الموارد والأسواق، فمنذ وعد بلفور رأت القوى الاقتصادية الكبرى في فلسطين بوابةً لمشروع يعيد تشكيل الشرق الأوسط وفق قواعد الهيمنة لا الشراكة. بريطانيا لعبت دور العرّاب وفق حسابات دقيقة، حيث لم يكن خلق كيان يعتمد بالكامل على الغرب مجرد خيار سياسي، بل ضمانة لاستمرار التدفقات المالية والسيطرة على الممرات الاستراتيجية، ومع انتقال مركز القرار إلى واشنطن، لم تعد سياسات الشرق الأوسط تُصنع في البيت الأبيض وحده، بل تُصاغ في دهاليز اللوبيات التي تعيد رسم خريطة النفوذ بما يخدم مصالحها. من يظن أن إسرائيل مجرد دولة تسعى للبقاء، فإنه لا يرى سوى ظلال المشهد؛ فلو كانت مسألة بقاء لكانت قد حسمت معاركها منذ عقود، لكنها لم تُخلق لتكون كيانًا يقاوم الغرق بل موجة يُصنع البحر لأجلها، ومتى انتهت الحاجة إليها، انحسر الماء وتركها قاعًا بلا سند،فمنذ تأسيسها، لم تكن مجرد 'ملاذ لشعب مشرد'، بل قاعدة متقدمة تُمسك بخيوط المنطقة، أشبه بحارس بوابة لا يملك المفتاح، لكنه يمنع الآخرين من العبور. ولأن وجودها الوظيفي يستلزم منطقة غير مستقرة، لم يكن كافيًا أن تظل قاعدة متقدمة، بل كان عليها أن تضمن بقاء محيطها في حالة اشتعال دائم، لا من اجل أن تُشعل الحروب فقط، إنما لتساهم في إنهاك أي مشروع نهضوي عربي، لضمان بقاء اقتصادات المنطقة داخل دائرة الهيمنة، وحين تطورت أدوات السيطرة من الاحتلال العسكري إلى النفوذ الاقتصادي، تغيرت وظيفتها من رأس حربة عسكرية إلى مركز متقدم لإدارة المصالح الغربية. المشروع الصهوني محصَّنٌ بقوانين غير مكتوبة تجعله فوق المساءلة، حيث تُدار اللعبة في أروقة لا تصلها قرارات الأمم المتحدة، ولا تهتز لخطابات الإدانة؛ ففي السياسة الأمريكية الولاء لإسرائيل ليس وجهة نظر، إنما تأشيرة عبور إلى المكتب البيضاوي، حيث تُضخ ملايين الدولارات لضمان أن أي رئيس منتخب لن يجرؤ على كسر القيد الذي يحيط بالمصالح الصهيونية داخل الكونغرس، هذه المنظومة جعلت واشنطن تستخدم الفيتو أكثر من 45 مرة لحماية إسرائيل، لأن القرار الأمريكي مكبَّل بمصالح القوى المتحكمة بالمشهد، فلا يُناقش الاحتلال كجريمة، بل كواقع يجب تكريسه، ولأن السيطرة لا تقتصر على القرار السياسي، تأتي مراكز الأبحاث مثل 'معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى'، ليغذي صُنّاع القرار بتقارير تسوّق للرواية الإسرائيلية كحقيقة لا تُمس. أما في الاقتصاد، فلا تخشى إسرائيل الأزمات؛ لأن وول ستريت هو درعها المالي الذي يقيها من أي انهيار، حيث تتدفق الاستثمارات إلى سنداتها، بينما يُترك الاقتصاد الفلسطيني في حالة شلل دائم بفعل القيود الدولية، وكأن الفلسطيني يُمنح الهواء بقدر ما يبقيه حيًا، دون أن يُمكنه من الوقوف. بالنسبة لإسرائيل، الحروب لم تعد تحديًا وجوديًا، بل استثمارات طويلة الأجل؛ كل قنبلة تُلقى على غزة تُترجم إلى صفقة سلاح جديدة، وكل جدار يُبنى في فلسطين يصبح نموذجًا أمنيًا يُباع لدول أخرى، الصناعات العسكرية الإسرائيلية تسوّق معداتها على أنها 'مختبرة ميدانيًا'، وكأن الدم الفلسطيني تجربة ميدانية تضمن استمرار الصناعة العسكرية في سوق لا يعرف الكساد، فبقاء إسرائيل أولوية تُدار كأي استثمار، طالما أن أرباحه تفوق كلفة دعمه. ولأن المواجهة لا تُخاض في الميدان وحده، إنما في عقول الناس أيضًا، يأتي دور اللوبي الإعلامي فهو الذراع الأكثر فتكًا، بحيث تتحول الكلمة إلى سلاح، والصورة إلى جبهة، والسردية إلى حصن يُحاصر الإدراك قبل أن يحاصر الأرض، في هذا المشهد لا تحتاج إسرائيل إلى تبرير احتلالها ما دامت تسيطر على الرواية، تُعيد تشكيلها، وتمنحها الأسماء التي تخدمها، كما يُعيد الغازي رسم الخرائط ليُطمس ما كان قبله. التحكم في المحتوى الرقمي، عبر المنصات مثل 'فيسبوك' و'تويتر' تفرض رقابة مشددة على المحتوى الفلسطيني، كما يُراقَب الأسير في زنزانته، كل كلمة تمر عبر بوابات تفتيش إلكترونية، فإن لم تُحذف خُنِقت في زوايا الإنترنت حيث لا يصلها أحد، بينما يُترك المحتوى الإسرائيلي بلا قيود، كأنه الحقيقة الوحيدة التي يُسمح لها بالتنفس. كما أن التلاعب اللغوي الذي تتبناه وكالات الأنباء الكبرى مثل 'رويترز' و'أسوشيتد برس' تعيد صياغة الأخبار وفقا لقواميس الإعلام الغربي، فلا يُذكر الاحتلال إلا بلغة معقّمة من المعنى، حيث تُستبدل الجرائم بالمصطلحات المحايدة، فيصبح العدوان 'غارات'، والمجازر 'اشتباكات'، والاحتلال مجرد 'نزاع'، وكأن فلسطين مجرد مسرح لأحداث متكافئة لا ظالم فيها ولا مظلوم. وحين لا تكفي الأخبار لتشكيل الإدراك، تتدخل السينما، فتتحوّل هوليوود إلى وزارة خارجية غير معلنة تروي الحروب بعد إعادة صياغته، فتُصوَّر إسرائيل كدولة 'مسالمة' تواجه الإرهاب، بينما يُختزل الفلسطيني في صورة 'الشرير'، وهكذا لا تُحتل الأرض فقط بل يُعاد تشكيل العقول، بحيث تغدو الضحية غريبة في قصتها، تبحث عن صوت في عالم صُمِّم كي لا يسمعها. ومع كل ذلك، تبقى إسرائيل حتى في عيون صانعيها مجرد خشبة تُبنى عليها المشاهد، وإن تبدلت الأدوار بقيت وظيفتها واحدة، ضبط الإيقاع، خلق التوازنات وإبقاء الجميع داخل المسرحية، لكنها ليست مسرحًا خالدًا، هي فقط منظومة قائمة على حسابات الربح والخسارة؛ فلا ينجح في البقاء إلا إذا حافظ على كلفته أقل من كلفة زواله، وهنا تكمن نقطة ضعفه، من صنعه هو ذاته من يملك قرار تفكيكه متى انتفت الحاجة إليه، وحينها لن يكون أمامه سوى مواجهة الحقيقة التي أُخفيت لعقود أنه لم يكن يومًا مشروعًا قائمًا بذاته، بل مجرد أداة، والأدوات مهما كانت فاعلة مصيرها السقوط حين تنتهي وظيفتها.