أحدث الأخبار مع #هولير2


الميادين
٠٣-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- الميادين
تركيا و "إسرائيل": الصراع على سوريا والاتحاد الأوروبي بينهما
يزداد غضب أنقرة وتهديداتها ما دام لم تردها أخبار عن مؤتمر نزع السلاح والحل المتوقع لحزب العمال الكردستاني. يبدو أن نفاد صبر أنقرة قد بدأ يظهر بسبب البيان الأخير الصادر عن حزب العمال الكردستاني بشأن المؤتمر الذي سيدعو إلى "إلقاء السلاح وحلّ الحزب لنفسه"، وهو ما ردت عليه قيادة حزب العمال الكردستاني في 28 أبريل \نيسان "لن نعقد مؤتمراً لا يقوده أوجلان" في احتفالها بعيد العمال"، أعلنت قيادة المنظمة أنها تنتظر أن "يستعيد أوجلان حرية العيش والعمل وقيادة مؤتمر الحزب، وأنه لم تصل إليهم أي إشارة ملموسة بهذا الصدد من الدولة التركية لغاية الآن. تريد قيادة حزب العمال الكردستاني من أوجلان أن يقود العملية بنفسه، لكن أنقرة تحسب كل خطوة، بما في ذلك الظروف والترتيبات القانونية التي يمكن أن تقوم بها وجميعها مشروطة بقرار حزب العمال الكردستاني بإلقاء السلاح وحلّ الحزب، ولا تريد أنقرة أن يكون هناك خطاب مباشر من أوجلان خوفاً من إعلانه ما ليس موجوداً في الاتفاق في ظل أزمة الثقة بين الطرفين والمواقف غير محسوبة لحزب العمال. لم تأت إذاً الأخبار التي كانت تنتظرها أنقرة من قنديل، وما حصل في القامشلي في سوريا في 26 نيسان/أبريل، ضاعف قلقها، حيث انعقد مؤتمر "الوحدة الوطنية لكرد روج آفا" في القامشلي، بمشاركة ممثلين عن حزب الشعوب الديمقراطية الذي يركّز على المشكلة الكردية في البرلمان التركي. طالب المشاركون بالتمثيل السياسي في الحكومة السورية وركزوا على المطالبة بالحكم الذاتي، بما في ذلك الاعتراف باللغة الكردية كلغة رسمية وجاء رد فعل من وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، الذي كان في قطر 27 أبريل \ نيسان بأن تركيا لن تقبل بأي مبادرة من شأنها إدامة التنظيمات الإرهابية في سوريا، وأنها تنتظر تنفيذ الاتفاق الموقع بين وحدات حماية الشعب والحكومة السورية في الأشهر الأخيرة، متهماً حزب العمال الكردستاني ومهدداً له بمغادرة سوريا إما طوعاً أو سلمياً أو بطريقة أخرى". تظهر تصريحات فيدان الأخيرة أن أنقرة تخشى من محاولة إفشال المبادرة في تركيا وسوريا في آن معاً، ومن لعب حزب العمال على الوقت وعلى مستجدات التحالفات الدولية. وكانت غالبية القوى السياسيّة الكردية قد عقدت في 26 أبريل/ نيسان الجاري مؤتمر "وحدة الصف والموقف الكردي" في مدينة القامشلي السورية، والذي خرج بمطالب وتوصيات أثارت جدلًا، وكانت كل من الولايات المتحدة وفرنسا قد تولّت رعاية الحوار بين القوى الكردية في سوريا بعد فشل جهود مسعود البارزاني في عام 2012 عبر اتفاق هولير1، وفي اتفاق هولير2، عام 2013 في حلّ المشكلات بين الأحزاب الكردية. 30 نيسان 10:16 29 نيسان 09:16 اللا مركزية التي تمّ الإعلان عنها في مقررات المؤتمر هي لا مركزية سياسية وإدارية، إذ إن وثيقة المؤتمر دعت إلى "توحيد جميع المناطق الكردية ضمن وحدة سياسية إدارية متكاملة، في إطار سوريا اتحادية". والدعوة إلى"تشكيل هيئة دستورية برعاية دولية" تضم ممثلي المكونات السورية كافة، وتشكيل حكومة من ألوان الطيف السوري كافة "بصلاحيات تنفيذية كاملة"، وهذا يعني نسف الإعلان الدستوري الذي أعلنته الإدارة السورية. كذلك الدعوة إلى نظام حكم برلماني ومكانة المكوّن الكردي منه، وهذا يتعارض مع توجهات الإدارة السورية الانتقالية. وعلى إثر صدور مقررات المؤتمر، أصدرت الرئاسة السورية بياناً دعا "قسَد" إلى الالتزام الصادق بالاتفاق المبرم مع الإدارة، وانتقد ما سمّاه تكريس واقع فيدرالي أو إدارة ذاتية من دون توافق، وحذّر من توجهات نحو تغيير ديمغرافي في بعض المناطق، مؤكداً أن "وحدة سوريا أرضاً وشعباً خط أحمر"، وأن تجاوز ذلك يُعدُّ "خروجاً عن الصف الوطني، ومساساً بهوية سوريا الجامعة". وفي حادثة خطيرة يمكنها أن تصب في مقررات مؤتمر القامشلي، تعرض اتفاق التهدئة بين الحكومة السورية وشيوخ عقل الطائفة الدرزية إلى طرح الطائفة الثقة بحكومة الشرع التي تعدّها تمييزية على الصعيدين الطائفي والسياسي. حدث ذلك إثر اشتباكات بين مقاتلين سوريين ومسلحين دروز شهدتها مدينة جرمانا ومنطقة صحنايا على خلفية تسجيل صوتي منسوب إلى درزي يسيء فيه للرسول أدى إلى الهجوم على مناطق مأهولة من الدروز، تدخلت على إثره طائرة إسرائيلية قصفت "أهدافاً أمنية" داخل صحنايا بريف دمشق، ما أدى إلى مقتل رجال أمن ومسلحين دروز كانوا قد تأهبوا للدفاع عن مناطقهم. الرئيس التركي رجب طيب إردوغان رد على التدخل الإسرائيلي بأن وحدة أراضي سوريا أمر لا غنى عنه بالنسبة إلى تركيا، وأن أي مساس بوحدة سوريا مرفوض تماماً. وشدد على أن هجمات "إسرائيل" على سوريا محاولة لتقويض المناخ الإيجابي الذي بدأ مع الإدارة الجديدة في دمشق، وأن تركيا لن تسمح بفرض أمر واقع في المنطقة، أو جر سوريا إلى مستنقع جديد من عدم الاستقرار. وكانت محادثات بين الجانبين التركي والإسرائيلي قد عقدت في أذربيجان، لم تفض الجولة الأولى إلى أي تفاهم حول نقاط الخلاف، بسبب التعنت الإسرائيلي في وضع خطوط حمر، ورغم إبداء الطرفين رغبة في التوصل إلى آلية تنسيق لمنع الصدام بينهما. ورغم تصريحات الرئيس الأميركي خلال استقباله نتنياهو والاعتقاد أنها تمهد الأجواء لتسوية بين أنقرة و"تل أبيب"، فإنه من الواضح أن الإدارة الأميركية لا تعارض "تل أبيب" في سياستها في ما يخص الدول المحاذية لحدودها كلبنان وسوريا، ويبدو أن درجة أهمية الملف السوري بالنسبة إلى الإدارة الأميركية منخفضة بعد انسحاب إيران وحزب الله منه، وهو ليس على درجة كبيرة من الأهمية يمكنه جعل الضغوط كبيرة باتجاه التسوية بين تركيا و "إسرائيل". جاء إدخال الأوروبيين، ولا سيما فرنسا، من قبل الإدارة الأميركية كشريك في الملف السوري لعدم ترك هذا الملف كلياً بيد تركيا، بل أن يكون بالشراكة معها ومع قطر والسعودية. ولا يتوقف الخلاف التركي- الإسرائيلي في سوريا عند تقاسم حدود النفوذ، إذ إن رؤية تركيا تختلف اختلافاً جذرياً عن رؤية "إسرائيل" الراغبة في إخضاع سوريا وفي إقامة نظام فيدرالي. أما تركيا فهي ترى أن ترسيخ الاستقرار في هذا البلد يمكن أن يكون مفتاحاً للاستقرار في عموم المنطقة، ويفتح فرصاً وآفاقاً جديدة للتعاون الإقليمي، ويشكّل استقرار سوريا مصلحة أساسية لها، فيما تعرقل الهجمات الإسرائيلية جهود أنقرة لتحقيق هذا الاستقرار. "إسرائيل" تسعى لفرض هيمنتها على مستقبل سوريا، وهي ترى الوجود التركي في سوريا، منافساً إقليمياً. وينتظر الجانبان جولة أخرى أو أكثر من المحادثات في أذربيجان.


الجزيرة
٣٠-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- الجزيرة
كيف سيتعامل الشرع مع نتائج مؤتمر الأكراد؟
ما تزال تحديات وملفات عديدة تواجه السلطة الجديدة في سوريا، وذلك على الرغم من سقوط نظام الأسد البائد في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول 2024، حيث عقدت في 26 من أبريل/ نيسان الجاري، غالبية القوى السياسيّة الكردية مؤتمر "وحدة الصف والموقف الكردي" في مدينة القامشلي السورية. ثم ظهر منشور نسب إلى رامي مخلوف، أبرز رموز الفساد في عهد النظام الاستبدادي، متحدثًا عن "مجزرة الساحل"، ومبشرًا بولادة "فتى الساحل"، و"إعادة تنظيم قوات النخبة" التي ادعى أنها تضم نحو 150 ألف عنصر، إلى جانب تشكيل لجان شعبية قوامها مليون شخص. وذهب إلى حدّ مطالبة المجتمع الدولي، وروسيا بوضع إقليم الساحل تحت رعايتهما المباشرة. لم يتأخّر الناشطون من الساحل السوري في الرد على مخلوف والتبرؤ منه، كونه "لا يمثل العلويين، بل يمثل الفاسدين الذين استغلوا الطائفة، وسرقوا قوت السوريين"، وأكدوا أن الطائفة العلوية "تتبرأ من هذا الخطاب الطائفي الانقسامي"، ولن تنجر وراء الأكاذيب والمؤامرات الاستخباراتية. ما يثير السخرية المرّة هو حديث مخلوف عن "نصرة المظلومين"، كونه يشكل إهانة لذاكرة السوريين الذين ذاقوا ويلات نظام الاستبداد الأسدي، وكان شريكًا أساسيًا فيه. ولعل الخطير في الأمر هو أن الجهات المعادية للتغيير السوري تصعد من خطاب الانقسام الطائفي، والتفتيت المناطقي في مرحلة دقيقة تمر بها سوريا الجديدة، وتحاول التعافي من تبعات نظام الأسد، فيما توجه تلك القوى سهامها نحو ما تبقى من النسيج الوطني السوري، محاولة إعادة إشعال بؤر التوتر الطائفي والمناطقي. غير أن ما يستحق التوقف عنده هو مؤتمر "وحدة الصف والموقف الكردي"، الذي خرج بمطالب وتوصيات أثارت جدلًا واسعًا بين عموم السوريين، واستدعى ردًا سريعًا من الرئاسة السورية، رفضت فيه أي محاولات فرض واقع تقسيمي، أو إنشاء كيانات منفصلة تحت مسميات الفدرالية أو "الإدارة الذاتية"، دون توافق وطني شامل، معتبرة أن وحدة سوريا أرضًا وشعبًا خطّ أحمر، وأي تجاوز يعدّ خروجًا عن الصف الوطني، ومساسًا بهُوية سوريا الجامعة. بداية، لا يعدُّ مؤتمر القامشلي هو الأوّل من نوعه بين القوى الكردية السورية، التي يشكّل كل من حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي قطبَيها الأساسيّين، فقد سبق أن عقدت مؤتمرات واجتماعات بين الطرفين في مدينة أربيل بإقليم كردستان العراق، وبرعاية الزعيم الكردي العراقي مسعود البارزاني، ونتجت عنها اتفاق "هولير 1" الذي وقّعه في 11 يونيو/ حزيران 2012، كل من المجلس الوطني الكردي، و"مجلس شعب غربي كردستان" اللذين شكلهما حزب الاتحاد الديمقراطي، وحركة المجتمع الديمقراطي. وكانت غايته بلورة مشروع سياسي وقيادة الصف الكردي، والتواصل مع قوى المعارضة السورية للوصول إلى سوريا ديمقراطية وفدرالية. ونتج عن الاتفاق تشكيل لجان أمنية وخدمية وسياسية، لكنه بقي حبرًا على ورق. ثم حاول مسعود البارزاني استيعاب الخلافات الحاصلة بين الطرفين، وتمكن من عقد لقاءات واجتماعات بينهما، أفضت إلى اتفاقية أخرى بينهما تحت مسمى اتفاقية "هولير 2" في ديسمبر/ كانون الأول 2013، ونصّت على شراكة الطرفين في إدارة المناطق السورية الكردية عسكريًا وسياسيًا. بيدَ أنّ "مجلس شعب غربي كردستان" تنصّل بعد أشهر قليلة من الاتفاق، لتنتهي الهيئة الكردية العليا فعليًا مع انضمام "المجلس الوطني الكردي" إلى "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية"، فيما أعلن "حزب الاتحاد الديمقراطي" عن "إدارة ذاتية" للمناطق الكردية، مؤلفة من ثلاثة كانتونات، هي: عفرين، وكوباني، (عين العرب) والجزيرة. ثم جرى توقيع اتفاقية في دهوك العراقية في 22 أكتوبر/تشرين الأوّل 2014، لكنها لم تنفّذ على الأرض. تولت كل من الولايات المتحدة، وفرنسا رعاية الحوار بين القوى الكردية في سوريا بعد فشل جهود مسعود البارزاني، ونجحتا هذه المرّة في عقد اجتماع القامشلي، الذي حضره ممثلون عن حزب العمال الكردستاني التركي، وتمّ رفع علمه في المؤتمر وبمستوى أعلى من مستوى الأعلام الأخرى بما فيها العلم الوطني السوري. لا شك أن عقد مؤتمر للقوى والأحزاب السياسية الكردية السورية مرحّب به إن كانت غايته إنهاء ما خلّفته السنوات من توترات في الشارعين الكردي والعربي، والخروج بورقة عمل واحدة من أجل الانخراط في الجسد السوري الجديد، وإعادة بناء الدولة السورية، وفق مبادئ المواطنة المتساوية، ودولة الحق والقانون، وضمان حقوق كافة المكوّنات السورية وتمثيلها سياسيًا. كما أنه لا خلاف على إقرار المشاركين في المؤتمر، وثيقة تأسيسية تعبّر عن إرادة جماعية، وتقدّم مقاربة واقعية لحلّ عادل وشامل للقضية الكردية في إطار سوريا موحّدة، "بهويتها متعددة القوميات والأديان والثقافات، ويضمن دستورها الحقوق القومية للشعب الكردي، ويلتزم بالمواثيق والمعاهدات الدولية لحقوق الإنسان، ويصون حرية المرأة وحقوقها ويمكنها من المشاركة الفاعلة في المؤسسات كافة". ولا خلاف أيضًا على أن يطالب المشاركون في المؤتمر الكردي بأن يكون نموذج الحكم في سوريا لا مركزيًا، بوصفه بديلًا عن الأطروحات الاتحادية أو الكونفدرالية التي تنادي بها أحزاب كردية، ما يعني جنوح قوى المؤتمر إلى النهج الواقعي الذي باتت تتعامل به بعض القوى الكردية مع الحالة السورية الجديدة بعد سقوط نظام الأسد البائد. لكن المستغرب هو تفسير بعض الأحزاب السياسية الكردية بأن اللامركزية المقصودة هي لا مركزية سياسية وإدارية، ما يعني إعادة الأمور مجددًا إلى المطالب الفدرالية والحكم الذاتي، خاصة أن وثيقة المؤتمر تدعو إلى "توحيد جميع المناطق الكردية ضمن وحدة سياسية إدارية متكاملة، في إطار سوريا اتحادية"، في وقت تحرص فيه الإدارة السورية الانتقالية على التعامل برؤية سياسية جامعة مع التحديات التي تواجه وحدة البلاد. لذلك فضّلت الحوار مع قوات سوريا الديمقراطية (قسَد)، وجرى توقيع اتّفاق بين الرئيس أحمد الشرع، ومظلوم عبدي في العاشر من مارس/ آذار الماضي، أقرّ بأن "المجتمع الكردي مجتمع أصيل في الدولة السورية، وتضمن الدولة السورية حقه في المواطنة وكل حقوقه الدستورية"، وذلك في خطوة سياسية غير مسبوقة في تاريخ البلاد، تعكس تركيز الإدارة السورية على استعادة وحدة البلاد، وانفتاحها على منح الأكراد لا مركزية إدارية في المناطق التي يشكلون فيها أكثرية، وصون حقوقهم الثقافية والقانونية، مع حرصها على دمج قوات "قسد" في الجيش السوري الجديد. وبالتالي تقتضي الوطنية السورية بألا تذهب الأحزاب الكردية التي اجتمعت في القامشلي إلى المطالبة بـ"تشكيل جمعية تأسيسية برعاية دولية تضم ممثلي كافة المكونات السورية لصياغة دستور بمبادئ ديمقراطية، وتشكيل حكومة من كافة ألوان الطيف السوري ومكوناته بصلاحيات تنفيذية كاملة"، لأنها تحيل إلى عهود الوصاية الدولية المرفوضة من طرف غالبية السوريين، بمن فيهم غالبية السوريين الأكراد. أخيرًا، تعكس مخرجات مؤتمر وحدة الموقف الكردي بعض الاستقواء، وانعدام الثقة بالحكومة المركزية، لذلك رفعت الأحزاب الكردية سقف مطالبها كي تساومها، ويكون لها حصة في السلطة، لكن المرفوض سوريًا هو ما يشكل تهديدًا يمسّ وحدة البلاد وسيادتها. والسؤال المطروح: هو كيف ستتعامل الحكومة السورية مع مخرجات هذا المؤتمر؟ إعلان لن تخرج الإجابة عن أن الحكومة السورية ليس أمامها سوى بذل مزيد من الجهود، وانتهاج لغة الحوار للتعامل مع التحديات التي طرحتها أحزاب المؤتمر، وكذلك لمواجهة التحديات الأخرى التي تواجهها في منطقة الساحل السوري والجنوب أيضًا، لأن بناء سوريا الجديدة يتطلب صدرًا واسعًا، وعقلًا سياسيًا جامعًا يؤمن بضرورة إشراك الجميع، وبمرجعية المواطنة والقانون فوق الاعتبارات الطائفية والفئوية والمناطقية، لأن الدولة ليست امتيازًا حصريًا لأي طائفة أو حزب أو هيئة.


الجزيرة
٢٩-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- الجزيرة
كيف سيتعامل الشرع مع مخرجات مؤتمر الأكراد؟
ما تزال تحديات وملفات عديدة تواجه السلطة الجديدة في سوريا، وذلك على الرغم من سقوط نظام الأسد البائد في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول 2024، حيث عقدت في 26 من أبريل/ نيسان الجاري، غالبية القوى السياسيّة الكردية مؤتمر "وحدة الصف والموقف الكردي" في مدينة القامشلي السورية. ثم ظهر منشور نسب إلى رامي مخلوف، أبرز رموز الفساد في عهد النظام الاستبدادي، متحدثًا عن "مجزرة الساحل"، ومبشرًا بولادة "فتى الساحل"، و"إعادة تنظيم قوات النخبة" التي ادعى أنها تضم نحو 150 ألف عنصر، إلى جانب تشكيل لجان شعبية قوامها مليون شخص. وذهب إلى حدّ مطالبة المجتمع الدولي، وروسيا بوضع إقليم الساحل تحت رعايتهما المباشرة. لم يتأخّر الناشطون من الساحل السوري في الرد على مخلوف والتبرؤ منه، كونه "لا يمثل العلويين، بل يمثل الفاسدين الذين استغلوا الطائفة، وسرقوا قوت السوريين"، وأكدوا أن الطائفة العلوية "تتبرأ من هذا الخطاب الطائفي الانقسامي"، ولن تنجر وراء الأكاذيب والمؤامرات الاستخباراتية. ما يثير السخرية المرّة هو حديث مخلوف عن "نصرة المظلومين"، كونه يشكل إهانة لذاكرة السوريين الذين ذاقوا ويلات نظام الاستبداد الأسدي، وكان شريكًا أساسيًا فيه. ولعل الخطير في الأمر هو أن الجهات المعادية للتغيير السوري تصعد من خطاب الانقسام الطائفي، والتفتيت المناطقي في مرحلة دقيقة تمر بها سوريا الجديدة، وتحاول التعافي من تبعات نظام الأسد، فيما توجه تلك القوى سهامها نحو ما تبقى من النسيج الوطني السوري، محاولة إعادة إشعال بؤر التوتر الطائفي والمناطقي. غير أن ما يستحق التوقف عنده هو مؤتمر "وحدة الصف والموقف الكردي"، الذي خرج بمطالب وتوصيات أثارت جدلًا واسعًا بين عموم السوريين، واستدعى ردًا سريعًا من الرئاسة السورية، رفضت فيه أي محاولات فرض واقع تقسيمي، أو إنشاء كيانات منفصلة تحت مسميات الفدرالية أو "الإدارة الذاتية"، دون توافق وطني شامل، معتبرة أن وحدة سوريا أرضًا وشعبًا خطّ أحمر، وأي تجاوز يعدّ خروجًا عن الصف الوطني، ومساسًا بهُوية سوريا الجامعة. بداية، لا يعدُّ مؤتمر القامشلي هو الأوّل من نوعه بين القوى الكردية السورية، التي يشكّل كل من حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي قطبَيها الأساسيّين، فقد سبق أن عقدت مؤتمرات واجتماعات بين الطرفين في مدينة أربيل بإقليم كردستان العراق، وبرعاية الزعيم الكردي العراقي مسعود البارزاني، ونتجت عنها اتفاق "هولير 1" الذي وقّعه في 11 يونيو/ حزيران 2012، كل من المجلس الوطني الكردي، و"مجلس شعب غربي كردستان" اللذين شكلهما حزب الاتحاد الديمقراطي، وحركة المجتمع الديمقراطي. وكانت غايته بلورة مشروع سياسي وقيادة الصف الكردي، والتواصل مع قوى المعارضة السورية للوصول إلى سوريا ديمقراطية وفدرالية. ونتج عن الاتفاق تشكيل لجان أمنية وخدمية وسياسية، لكنه بقي حبرًا على ورق. ثم حاول مسعود البارزاني استيعاب الخلافات الحاصلة بين الطرفين، وتمكن من عقد لقاءات واجتماعات بينهما، أفضت إلى اتفاقية أخرى بينهما تحت مسمى اتفاقية "هولير 2" في ديسمبر/ كانون الأول 2013، ونصّت على شراكة الطرفين في إدارة المناطق السورية الكردية عسكريًا وسياسيًا. بيدَ أنّ "مجلس شعب غربي كردستان" تنصّل بعد أشهر قليلة من الاتفاق، لتنتهي الهيئة الكردية العليا فعليًا مع انضمام "المجلس الوطني الكردي" إلى "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية"، فيما أعلن "حزب الاتحاد الديمقراطي" عن "إدارة ذاتية" للمناطق الكردية، مؤلفة من ثلاثة كانتونات، هي: عفرين، وكوباني، (عين العرب) والجزيرة. ثم جرى توقيع اتفاقية في دهوك العراقية في 22 أكتوبر/تشرين الأوّل 2014، لكنها لم تنفّذ على الأرض. تولت كل من الولايات المتحدة، وفرنسا رعاية الحوار بين القوى الكردية في سوريا بعد فشل جهود مسعود البارزاني، ونجحتا هذه المرّة في عقد اجتماع القامشلي، الذي حضره ممثلون عن حزب العمال الكردستاني التركي، وتمّ رفع علمه في المؤتمر وبمستوى أعلى من مستوى الأعلام الأخرى بما فيها العلم الوطني السوري. لا شك أن عقد مؤتمر للقوى والأحزاب السياسية الكردية السورية مرحّب به إن كانت غايته إنهاء ما خلّفته السنوات من توترات في الشارعين الكردي والعربي، والخروج بورقة عمل واحدة من أجل الانخراط في الجسد السوري الجديد، وإعادة بناء الدولة السورية، وفق مبادئ المواطنة المتساوية، ودولة الحق والقانون، وضمان حقوق كافة المكوّنات السورية وتمثيلها سياسيًا. كما أنه لا خلاف على إقرار المشاركين في المؤتمر، وثيقة تأسيسية تعبّر عن إرادة جماعية، وتقدّم مقاربة واقعية لحلّ عادل وشامل للقضية الكردية في إطار سوريا موحّدة، "بهويتها متعددة القوميات والأديان والثقافات، ويضمن دستورها الحقوق القومية للشعب الكردي، ويلتزم بالمواثيق والمعاهدات الدولية لحقوق الإنسان، ويصون حرية المرأة وحقوقها ويمكنها من المشاركة الفاعلة في المؤسسات كافة". ولا خلاف أيضًا على أن يطالب المشاركون في المؤتمر الكردي بأن يكون نموذج الحكم في سوريا لا مركزيًا، بوصفه بديلًا عن الأطروحات الاتحادية أو الكونفدرالية التي تنادي بها أحزاب كردية، ما يعني جنوح قوى المؤتمر إلى النهج الواقعي الذي باتت تتعامل به بعض القوى الكردية مع الحالة السورية الجديدة بعد سقوط نظام الأسد البائد. لكن المستغرب هو تفسير بعض الأحزاب السياسية الكردية بأن اللامركزية المقصودة هي لا مركزية سياسية وإدارية، ما يعني إعادة الأمور مجددًا إلى المطالب الفدرالية والحكم الذاتي، خاصة أن وثيقة المؤتمر تدعو إلى "توحيد جميع المناطق الكردية ضمن وحدة سياسية إدارية متكاملة، في إطار سوريا اتحادية"، في وقت تحرص فيه الإدارة السورية الانتقالية على التعامل برؤية سياسية جامعة مع التحديات التي تواجه وحدة البلاد. لذلك فضّلت الحوار مع قوات سوريا الديمقراطية (قسَد)، وجرى توقيع اتّفاق بين الرئيس أحمد الشرع، ومظلوم عبدي في العاشر من مارس/ آذار الماضي، أقرّ بأن "المجتمع الكردي مجتمع أصيل في الدولة السورية، وتضمن الدولة السورية حقه في المواطنة وكل حقوقه الدستورية"، وذلك في خطوة سياسية غير مسبوقة في تاريخ البلاد، تعكس تركيز الإدارة السورية على استعادة وحدة البلاد، وانفتاحها على منح الأكراد لا مركزية إدارية في المناطق التي يشكلون فيها أكثرية، وصون حقوقهم الثقافية والقانونية، مع حرصها على دمج قوات "قسد" في الجيش السوري الجديد. وبالتالي تقتضي الوطنية السورية بألا تذهب الأحزاب الكردية التي اجتمعت في القامشلي إلى المطالبة بـ"تشكيل جمعية تأسيسية برعاية دولية تضم ممثلي كافة المكونات السورية لصياغة دستور بمبادئ ديمقراطية، وتشكيل حكومة من كافة ألوان الطيف السوري ومكوناته بصلاحيات تنفيذية كاملة"، لأنها تحيل إلى عهود الوصاية الدولية المرفوضة من طرف غالبية السوريين، بمن فيهم غالبية السوريين الأكراد. أخيرًا، تعكس مخرجات مؤتمر وحدة الموقف الكردي بعض الاستقواء، وانعدام الثقة بالحكومة المركزية، لذلك رفعت الأحزاب الكردية سقف مطالبها كي تساومها، ويكون لها حصة في السلطة، لكن المرفوض سوريًا هو ما يشكل تهديدًا يمسّ وحدة البلاد وسيادتها. والسؤال المطروح: هو كيف ستتعامل الحكومة السورية مع مخرجات هذا المؤتمر؟ إعلان لن تخرج الإجابة عن أن الحكومة السورية ليس أمامها سوى بذل مزيد من الجهود، وانتهاج لغة الحوار للتعامل مع التحديات التي طرحتها أحزاب المؤتمر، وكذلك لمواجهة التحديات الأخرى التي تواجهها في منطقة الساحل السوري والجنوب أيضًا، لأن بناء سوريا الجديدة يتطلب صدرًا واسعًا، وعقلًا سياسيًا جامعًا يؤمن بضرورة إشراك الجميع، وبمرجعية المواطنة والقانون فوق الاعتبارات الطائفية والفئوية والمناطقية، لأن الدولة ليست امتيازًا حصريًا لأي طائفة أو حزب أو هيئة.