logo
#

أحدث الأخبار مع #والنيوليبراليةالكونية،

العقل السياسى وعقل الصفقات
العقل السياسى وعقل الصفقات

بوابة الأهرام

timeمنذ 10 ساعات

  • سياسة
  • بوابة الأهرام

العقل السياسى وعقل الصفقات

يبدو العالم الذى عرفناه، تغير فى سرعة فائقة، مع ثورة الاستهلاك المكثف، والنيوليبرالية الكونية، فلم تعد الحداثة وما بعد بعدها هى سمت التنظيرات، والمفاهيم، والاصطلاحات، والتحليلات فى كل ميادين العلوم الاجتماعية، والأدب، والفلسفة...إلخ! التى نستمد منها بعض مقاربات وأدوات تحليل كل مايجرى حولنا من ظواهر جديدة!. لم تُعد العولمة، ومكدونالد العالم، هى سمت رمزى للإمبراطورية الأمريكية رغم صدمات الخطاب السياسى المثير فى لغته، ومفرداته لدى الرئيس الأمريكى ترامب، أو تغريداته الوجيزة الصاخبة، والمحمولة على عقلية الصفقات، وأيضا لغته التهديدية حينا، وتقديم ذاته كإمبراطور للصفقات فى مقابل السلام، وحينا آخر يبدو، وكأنه وأمريكا مركز الكون كله ، وليس العالم، وفوق نظامه الدولى الذى لم يعد صالحا منذ نهاية الحرب الباردة. إن شخصية ترامب المثيرة، والغرائبية، وسلوكه الصفقاتى، كلها مؤشرات على أننا أمام نمط من السياسيين غير مألوف عند القمة فى البيت الأبيض مابعد الحرب الباردة ، مقارنة ببناة الولايات المتحدة، وتاريخها، وأيضا قبل وبعد الحرب العالمية الثانية. ظاهرة القادة السياسيين فى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية ما بعد الحرب الباردة، يختلفون عن غيرهم من قادة الحربين الأولى والثانية ومابعدهما ، وفى أثناء الحرب الباردة، من حيث الخبرات السياسية، والتكوين والرؤى السياسية، والنظرة إلى الليبرالية ، ورؤى العالم، وذلك سواء فى إدارتهم للسياسات الداخلية، والمنافسات السياسية داخل الحياة الحزبية، بل وفى داخل أحزابهم وصراعاتها الداخلية. خلال الحرب الباردة فى ظل الإمبراطورية الماركسية اللينية –والستالينية والماوية -، كان العالم يخضع لصراعات أيديولوجية ضارية، وصاخبة من الأجهزة الأيديولوجية والرمزية لدول كلتا الكتلتين إزاء بعضهما بعضا، وأيضا على صعيد دول العالم الثالث آنذاك. هذا النمط من الصراعات الأيديولوجية كان يشكل مركز الخطابات السياسية لقادة كلتا الكتلتين السوفيتية والصين، وأيضا الليبرالية الرأسمالية. لا شك فى أن بعض التأثيرات الماركسية كانت واضحة على بعض من تطور فلسفة جان بول سارتر، وآخرين، وايضا بعض تأثيرات الأفكار الفلسفية للأممية الرابعة .ثمة أيضا تأثيرات المدرسة الماركسية الإيطالية، وهو ما انعكس على بعض مثقفى العالم الثالث، والعربى آنذاك . كان الفكر الماركسى ملهمًا ومؤثرا على بعض الفكر الفلسفى الأوروبى، وعلى هيمنة الفلسفة الهيجلية والوجودية، خاصة فى ظل صعود مسرح العبث مع صامويل بيكيت، ويوجين يونسكو، وجان جينيه، وأرثرأدموف وحالة الشعور بالضياع، والعبثية، والقلق، والعزلة، واليأس، وغياب المعنى على نحو ماظهر فى مسرح العبث Theatre de L'absurd، وحالة الفوضى، واللا معنى فى الحياة. من ناحية أخرى، كانت الليبرالية الغربية الأمريكية والأوروبية، تحاول أن توظف قيمها السياسية حول الحرية، والمساواة، والتنافس، والإخاء الإنسانى والعمل، والرفاه، والاستهلاك فى مواجهة الأيديولوجيا الماركسية، وديكتاتورية البروليتاريا، والعدالة الاجتماعية، وأيضا أيديولوجيات الدول ما بعد الكولونيالية الأوروبية، التى دارت حول شعارات الاشتراكية، والاستقلال الوطنى، والتى لا تعدو أن تكون أنماطا من رأسماليات الدولة البيروقراطية والوطنية، وأيضا تجاه النظم السلطوية، والاستبدادية التى اتخذت الطريق اللارأسمالى للتنمية.فى ظل أتون الصراع الأيديولوجى الثنائى أساسا بين الماركسية، والليبرالية الغربية، حدثت بعض التغيرات فى الفلسفة، والنظر السياسى والقانونى، والسوسيولوجى الغربى من خلال ديناميات نظرية ومفاهيمية واصطلاحية ومنهجية، بعضها مهجن وبعضها مضاد، وساعد على ذلك حريات الرأى والتعبير، والبحث الأكاديمى من خلال الصحف والإذاعة المسموعة، والتلفازات والفنون والسينما والمسرح، على نحو أوجد حركية فكرية انعكست على الحياة السياسية الليبرالية، وعلى الأحزاب السياسية، ومنظريها بما فيها الأحزاب الشيوعية فى فرنسا، وإيطالياعلى سبيل المثال، وبروز بعض من التمايزات بين فكرها وأيديولوجيتها الماركسية عن الحزب الشيوعى السوفيتى، والأحزاب الأخرى فى أوروبا الشرقية، ومرجع ذلك تأثر هذه الأحزاب ومنظريها بما كان يجرى فى الفكر والفلسفة الأوروبية. لا شك فى أن الصراعات الأيديولوجية الماركسية والليبرالية ومعها انعكاساتها الفلسفية والقانونية والسوسيولوجية والأدبية والفنية، شكلت بيئة مؤثرة على أفكار السياسيين، وأحزابهم السياسية وبرامجها وخطاباتها ، فى ظل المنافسات الحزبية، وفى البرلمانات، والصحف، والتلفازات والإذاعات، وفى الأوساط الأكاديمية. من هنا كان التكوين السياسى الأوروبى، والغربى نتاجا لهذه البيئة الخصبة داخل المجتمع والجامعات وأيضا، من خلال مراكز البحث المستقلة فى الدراسات الاجتماعية والسياسية والعسكرية، ونظائرها فى أجهزة الدولة على اختلافها. شكلت مراكز البحث المستقلة على تعدد اختصاصاتها، وأدوارها دورًا بالغ الأهمية، فى عملية صناعة القرارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية...إلخ، الداخلية، وأيضا على مستوى السياسات الخارجية. شكلت المصارف الكونية الكبرى، ومعها الشركات الرأسمالية الضخمة المحرك الرئيسى لعولمة الأسواق الكونية، وهو ما أثر على العقل السياسى للقادة السياسيين. جاء بعض القادة السياسيين الأوروبيين، والأمريكيين من أوساط المصارف الكبرى، والشركات الرأسمالية النيوليبرالية، واستطاعت هذه المصارف والشركات أن تفرض سياساتها ومصالحها على الطبقات السياسية الأوروبية والأمريكية فى الأحزاب السياسية، والحكومات. تحول بعض الزعماء السياسيين إلى لعب دور المروج لهذه الشركات، وإلى ترتيب الصفقات الكبرى لها مع الدول الأخرى –لاسيما فى جنوب العالم، ومن ثم تراجعت نسبيا العقلية السياسية لصالح عقلية الصفقات الاقتصادية، والعسكرية...إلخ. من هنا أصبحت عقلية الصفقات والترويج لها هى المهيمنة على عقلية غالب القادة السياسيين فى هذه البلدان، وعلى رأسهم ترامب. مع التحولات الكبرى مع الثورة الرقمية والذكاء الاصطناعى وشركاتها الكونية الضخمة استخدم ترامب وغيره وسائل التواصل الاجتماعى وخطاب التغريدات الوجيزة فى التعبير عن آرائهم، وعلى رأسهم ترامب، وتغريداته، وأحاديثه وتصريحاته وخطاباته السياسية، المثيرة، وبعض من طابعها الغرائبى، والحاملة لمنطقه التجارى الذى يعتمد على الصفقات التجارية والسياسية وعلامة بارزة على العقل الصفقاتى، ومنطق الغرابة والإثارة المتأثر والمؤثر بعقلية الجموع الرقمية الغفيرة . تراجع العقل السياسى لصالح العقل الصفقاتى، والنزوع إلى الشعبوية السياسية، والافتخار بالقوة الفائقة، وتجاوز بعض حدود التوازن، والتمايز بين السلطات فى النظام الديمقراطى الغربى وسلطاته ومؤسساته على نحو مايقوم به ترامب ، وبعض مما يحدث فى فرنسا!. مع نهاية الحرب الباردة، تراجع خطاب حقوق الإنسان والوجه الأخلاقى الليبرالى الأيديولوجى الذى استخدم كأداة فى مواجهة الماركسية السوفيتية، ودول العالم الثالث، والجنوب، وخطاب التنمية المستقلة والاستقلال الوطنى والسيادة ، وباتت القوة المفرطة الأمريكية والغربية بلا وجه أخلاقى، واللامبالاة بالقانون الدولى العام، والقانون الدولى الإنسانى وقانون الحرب، ومن ثم التنظيم الدولى ومؤسساته، موضوعا للانتهاكات من الولايات المتحدة الأمريكية، والدول الأوروبية، على نحو ما يظهر من مظاهر لغطرسة القوة الأمريكية فى الأمم المتحدة، والدعم المفرط لإسرائيل، وحربها الإبادية فى غزة، وأيضا فى العدوان الإسرائيلى على إيران، من خلال الدعم العسكرى والسياسى والاستخباراتى. بات الوجه الأخلاقى لليبرالية الغربية، وحقوق الإنسان غائبا لصالح وجه القوة المفرطة الغاشمة، وعقل الصفقات فى خطاب أمريكا والغرب الأوروبى إزاء العالم، فى مرحلة انتقالية من عالم الإناسة الروبوتية إلى عالم آخر مختلف، تشكل المرحلة الراهنة، عمليات انتقال إلى مرحلة أخرى لا يصلح معها نمط القادة السياسيين الحاليين، ومعهم عقل الصفقات، فى الحضور فى عالم مختلف فائق السرعة والتغير والتحول.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store