#أحدث الأخبار مع #وفاءالأصدقاءالدستورمنذ 16 ساعاتترفيهالدستورفي أنفاس مكتومة لزياد أبو لبن... قصص حيرى بين الكبار والصغارإبراهيم خليلزياد أبو لبن كاتبٌ، وناشط ثقافي متعدِّد الجوانب. فأول كتاب صدر له كان بعنوان المونولوج الداخلي في روايات نجيب محفوظ. وهو فيما أحسبُ، وأظنُّ، رسالة جامعية استحق عليها درجة الماجستير في اللغة والأدب. وقد نشر بعده غير قليل من الكتب التي تجمع بين النقد الأدبي، والتوثيق. ومنها كتابه الأطفال في قصص يوسف أبو رية رحمه الله. وله كتب ثلاثة بعنوانات متشابهة صدرت في سنة واحدة 2004 وهي بالترتيب: رؤى نقدية في القصة، ورؤى نقدية في الرواية، ورؤى نقدية في الشعر. علاوة على كتاب في قضايا النقد والأدب 2006 وما بين النقد والأدب 2007 ونقود أدبية 2011 ورؤية النص ودلالته 2019 وكشاف منشورات وزارة الثقافة من 1966 – 2013 وهذا العنوان يحتاج منه إعادة نظر؛ ذلك لأن وزارة الثقافة استحدثت في العام 1975 وأول وزير ثقافة هو المرحوم الشريف فواز شرف، فكيف وقع المؤلف في هذا الوهم؟ وكان الأولى به أن يقول في العنوان كشاف منشورات وزارة الثقافة ودائرة الثقافة والفنون .. التي كانت قبل عام 1975 تابعة لوزارة الإعلام. ومهما يكن من أمر، فإن هذا الذي وقع فيه من الأمور الشكلية التي لا خطأ فيها ولا زيغ. وقد أصدر في العام الحالي 2025 تتمة لهذا الكشاف يشمل الإصدارات من العام 2013 إلى أيامنا هذه.وفي مجال التوثيق جمع الكثير من الحوارات التي أجريت مع عدد من الكتاب في الأردن، وفي فلسطين. وقام بجمع مقالاتٍ، ودراساتٍ، لبعض النابهين في الأدب، وأعاد فيها النظر تنقيحا وتبويبا وأصدرها في كتب. وتوقف لدى الدراسات التي كتبت عن الشاعر عز الدين المناصرة عليه رحمة الله ونشرها في كتاب بعنوان « الحداثة الشعرية عند عز الدين المناصرة».وفي القصة نشر أبو لبن مجموعته الأولى، وهي بعنوان «الحَسَد» وهي للأطفال 2003 بعدها نشرمجموعة أخرى للأطفال بعنوان « وفاء الأصدقاء « 2009 ويبدو أنه سئم الكتابة للأطفال، فنشر بعد مجموعته هذيان ميت 2006 مجموعة أخرى أبي والشيخ 2007 وبينها وبين التي تلتها إحدى عشرة سنة « ذاتَ صباح « وأخيرًا نشر مجموعة مثيرة للجدل بعنوان أنفاس مكتومة 2024 في 74 صفحة تتضمن تسع عشرة قصة، وهذا يعني، أو ينم - فيما ينم عنه ويعنيه - أنها من القصص المكثفة جدًا.الكبار والصغار:ولكن، مع هذا القصر، يلاحظ القارئ أنها تخاطب الكبار، وتخاطب الأطفال معا. ففي القصة الأولى، وهي بعنوان « أنفاس مكتومة « يسلط الضوء على طفلين هما ابتسام وعمر. وهما شقيقان ويسلط الضوء أيضا على الأم التي تقوم بواجبها البيتي (فتحمم) الطفل عمر الذي بدا لشقيقته عاريا أو شبه عار تظهر عورته، وهو يلهو، ويتحرك ويدور في الحوش مثل نحلة تدهشها الزهور المنداة، فيما هي الأخرى تدور، وتلهو، ولا ترفع عينيها عن عمر، والأم تنهر الصبي تارة، وتنهر البنت تارة أخرى، فيما كانت أشعة الشمس تسقط على ذراعها البضّ الذي انحسرعنه الكم، وعلى الفخذين الذين انحسرت عنهما حواشي الثوب الذي ترتديه. وقد باعدت ركبتيها لتضع بينهما الطشت الذي سيستحم فيه الصبي.فجأة ينتقل بنا القاص، فإذا بابتسام كبيرة، ومراهقه، تفكربالحبّ، وصبي آخر يرمي إليها بوردة حمراء في إشارة غير مقصودة لعيد الفالانتاين: عيد الحب. وتخفي الوردة في جيب مريولها المدرسي. لكن الحكاية لم تقف عند هذا، فقد بقيت تتمنى رؤية الشاب الذي رمى لها بها كي تشكره بابتسامة فيها شيءٌ من العِشْق الذي يردّ الروح.أحسبُ أنَّ هذه القصة من النوع الممعن في البساطة، ولكنها بساطة بعيدة عن السذاجة، ولا تخلو من رؤية شبه نفسية لما يدور في نفوس الفتيان حين يبلغون ميعة الصبا، وسنّ الشباب، أو يكادون. بيد أن القارئ قد يَعْجَب أشدّ العجب لهذه السرعة في تطوير القصة، ونموّ الشخوص. فلو أن الكاتب أمْهَل كلا من ابتسام، والصبي التلميذ صاحب الوردة، الذي يذكرنا بحكاية فدوى طوقان، رحمها الله، بَعْض الوقت، وذكر فيما يذكره عنهما من تفاصيل تنم على ما يحسب في إطار النمو البيولوجي، وبلوغ سن الحلم، لكانت القصة أكثر إقناعًا، وأحرى بالقبول من لدُنِ القارئ، هذا عدا عن أن الإشارات الجنسية التي تخللت وصف السارد للأم، لا تتلاءَم، لا مع قصص الأطفال، ولا مع قصص الفتيان.رغبات محبطة:وفي القصة الثانية، وعنوانها في السرير، وهو عنوانٌ يتجاوب مع الرغبة في إضفاء طابع طفولي على الحكاية المكثفة فيها، يُقدم لنا الراوي شقيقين، هما: فؤاد وفادية. وكنا نتوقع أن يكونا فادي وفادية، على وزن عزيز وعزوزة، أو فل وفلة، أو فلفل وفلفلة، ولكن المؤلف يصرُّ إصرارًا شديدًا على مخالفة توقعاتنا. فالطفلان الشقيقان تنفجر لديهما الرغبة في ممارسة الجنس مبكرًا جدًا. وهذا قد يكون متوقعًا في بعض الأحيان، ومستبعدًا في أكثر الأحيان. فيتبادل الشقيقان القبل على النمط الذي سمعاه من ثقب الباب، وهما ينصتان لصوت القبل لدى الأبوين.قد يستغربُ القارئ هذه الحبكة استغرابا شديدًا، فيدفع به إلى القول: ما الذي يُحوج القاص لهذا التصور المخالف لطبيعة الأشياء؟ وقد يتعاظم هذا الاستغراب عندما يقرِّر الطفلان فادية وفؤاد تقليد الأبوين في ما يفعلان في السرير. وها هنا قد يقول القارئ: إن هذه القصة لا يسوغ أن تُقدم للأطفال، وهي أحرى بها أن تكون قصة للبالغين الراشدين، والمتزوجين، من أمهات وآباء ممن ينبغي عليهم أن يحذروا مبيت الأطفال من الجنسين معًا. إذ ينبغي الفصل بينهما في عُمْر مبكر. وهذا درسٌ في التربية الاجتماعية، والتنمية الخلقية، ما أحرى الناس باتباعة بدلا من استخدام العنف، والهراوة، التي تلاحق الأطفال في أزقة الحيِّ من ذويهم الغيورين.الإناثُ أولا:وقد ينجذب القارئ لهذه القصة ذات الحكاية الغريبة من حيث حرصُ المؤلف على تسليط الضوء على عالم الأطفال في أحياء، وأسر، تبدو لنا من أكثر الناس بساطة، وسذاجه، فهو يتوخّى فيما يكتبه الأحياء المُهمَّشة، والأسر المتواضعة، بعيدًا عن المجتمع المخملي، مما يفسح المجال لتساوق بيئة الحكاية – إذا جاز التعبير- مع الرغبات المُحبطة لدى الشخوص. وهذه الرغبة المحبطة تخيم على قصته الموسومة بعنوان دينا. واللافت للنظر أن معظم القصص في أنفاس مكتومة، إن لم نقل كلها، تطغى على الشخوص فيها أسماء الإناث: دينا، سعاد، ليلى، سارة، دلال، لبنى ، بيسان، نوران إلخ.. مما يوحي من طرف خفي بتحيزالراوي، ومن ورائه الكاتب، للأنثى. فهو يدافع عن حقها في الحب، وعن حريتها في أن تقيم علاقة بمن تشاء بعيدا عن تلصُّص الأم.فدينا ، وقد ضاقت عليها ملابس الطفولة، لا تفتأ الأم تراقبها، وهي ترنو لصبي في مثل عمرها ضاقت عليه ملابس الطفولة هو الآخر، يلقي إليها تارة بوردة حمراء، وطورًا يلوِّحُ لها بالقبلات من بعيد. ومن التركيز على الستائر المدلاة على النوافذ يتضح أن الحيِّ الذي تجري فيه العلاقة شبه المحظورة من الأحياء الشعبية التي تتلوى فيها الأزقة، ويغلب فيها الرمادي على ألوان الستائر. ويصعب على العشاق من المراهقين ضرب المواعيد، لذا يطول الانتظار بدينا، وتمضي الدقائق كأنها أيامٌ، لا ساعات، على وقع خطاها المضطربة.فيما يتضح من هذه القصة، كالتي قبلها، أن المؤلف يبالغ في الوصف تارة، وتارة يستخدم من التشبيهات ما هو شاذ. فمثلا يقول « أخذ جسدها يذوب في ملابسها كشمعة لامست شغاف الحياة « فالجزء الأخير من هذا التشبيه، أوالاستعارة، بكلمة أدق، لا يتسق مع الأول منه « كشمعة تذوب « فهي إما أنها تحترق، أو تلامس الحياة لديها شغاف القلب. وكنت قد قرأت فيما قرأته عن هذه المجموعة منشورًا في الصحف أن بيننا من يستحسن هذه اللغة السردية، مع أن جهابذة القصة، والرواية، لا يرون في مثل هذه التشبيهات، والكنايات، ضربة لا زم في السرد القصصي، فهو ُيكتبُ - عادة - بلغة تقترب من الدارجة التي توهم بمحاكاة الواقع. تعرُّفٌ وتوقع:وقد تجنب المؤلف في قصته الموسومة بعنوان ليلى ما كان قد دأب عليه واعتاده في استهلال القصص. ففي هذه القصة على غير العادة اجتذبه المكان، فوصف لنا البيت مؤلفا من غرفة واحدة لا أكثر. وليلى هذه تختلس النظر لأبيها وأمها في ركن الغرفة وهما يتعانقان في إيحاء معروف عما يفعلان تحت الأغطية. ولكن هذه الفتاة تصف نفسها بالمتلصِّصَة دون ذرَّةٍ من حياء. فهي تزعم « كنت أنظر من تحت اللحاف بطرف عيني على حركات أبي وأمي وهما يتدافعان بأنفاس متلاحقة « وهذا الاستهلال غريب لأن السارد أعلن صراحة عن تساؤلات في ذهن الصغيرة تتشابك على هيئة فروع الدالية التي تنتشر على معرش فوق حوش الدار. ولكن السارد بعد هذا الاستهلال الجريء يصف لنا بروية وتؤدة كيف أدركت هذه الفتاة (ليلى) سن البلوغ بالتركيز شيئا فشيئا على مفاتن الجسد، وفضائح المرآة، وإخفاء هذه الكنوز عن الأخت الأصغر، والبوح للصديقة حنان التي في مثل عمرها. فتقول لها: يعني ممكن تحلمي بشاب، وتحبينه، ويصبح زوجك فيما بعد. وتنجبين منه البنات والبنين.. وأخذنا نركض في ساحة المدرسة «.فالفتاتان: ليلى وحنان، تظنان أن الحياة بهذا اليسر، والزواج كوظيفة مدرسية يمكن للفتاة أن تقوم بها عن طريق النقل من دفتر واحدة أخرى. ولكن الفتاة التي رأت في المنام من يلامس النهدين سرعان ما تخلت عن هذه الطريقة في حلّ الوظائف، وشرعت تنتظر من النافذة لعل الذي رأته في منامها يطل من النافذة المقابلة، ولكن هيهات.في هذه القصة - مثلما يلاحظ القارئ - ثمة لحظة تعرف، وأخرى لحظة توقُّع، الأولى وهي تتحدث مباشرة عن الجسد وكنوزه، والثانية وهي تروي متاعب الشبابيك التي أتعبها الانتظار على رأي الشاعر البتيري في عنوان أحد الدواوين.المرآة هي السبب:والمؤلف، فيما يبدو لنا، حريص حرصا شديدا على اقتناص لحظة التعرف لدى الإناث، فكأنها قضية تؤرقه أكثر من غيرها. فالفكرة المستوحاة من حكاية سارة في القصة الموسومة بهذا العنوان هي فكرة التعرف. وذلك لأن تعرف الفتاة على بلوغ الجسد تلك الدرجة من الإثارة يتطلب ألا تلعب أو تلهو مع الأولاد، وان تمتنع حتى عن اللعب مع الصويحبات.ولكن المؤلف للأسف، وهو يروي شيئا عن هذا الحظر، يعزو السبب لشيء آخر غير العادات والتقاليد السائدة، وهذا السبب هو المرآة، فهو يختتم القصة بعبارة شديدة الأسر، قائلا» ورأت في مرآة خزانة ملابسها جسَدا متمرّدًا يخبئُ أنوثة مملوءة بالحكايات» فهذه العبارة الآسرة توجب تساؤلا؛ فالسارد أخبرنا أن الفتاة سارة اكتشفت للتو أنها أنثى، وهذا لا يتسق، ولا ينسجم، مع زعم الراوي تمرد الجسد، وامتلاءَهُ بالحكايات المخبأة، ولعله اراد بها حكايات الغرام والعشق، مع أن الفتاة(سارة) لم تتجاوز الخط الأحمر حتى هذه اللحظة. نعم، تعرفت على ما يكنه الجسد من إثارة لم تجد بعد طريقها للنفاذ، وإخفاء الحكايات المتمردة وغير المتمردة عن أنظار ومسامع العاذلين.وتكبر الأسئلة:ومن سارة إلى سعاد تكبر الأسئلة، وتغدو الإجابات عنها تحذيرًا من الذهاب إلى جهنم بلا حساب. فهي تسأل: لم لاينظر الله – سبحانه – لهذه الأسرة، مشفقا عليها لما تعانيه من الحاجة الماسة لشراء الملابس الجديدة، وتسديد فواتير الكهرباء. وعلى هذا النحو تعدد سعاد الاحتياجات الكثيرة من الطعام والكساء، وكأنّ الله لم يستجب لسعاد، ولا لدعواتها، ورسائلها المكتوبة، والشفوبة، فافتكر الأب – عامل النظافة – ولم يصبها اليأس. فكتبت رسالة، ووضعتها عند شاهدة القبر ظنا منها أنَّ الله سيطلع عليها، ويجيب دعوة الداعي إذا دعاه.وبالفعل، وعلى وَفْق التفكير الساذج الذي تتصف به سعاد، رأت فيما يرى النائم ملاكا يتأبط صرة مليئة بالملابس، وكيسًا ينطوي على وجبة من قطع الدجاج. وهذه القِصّة كالقصص التي سبق عنها الحديث: رغبات محبطة، وأسئلة محرجة، أو محيرة. والفارق هو أن القصص التي تقدم عنها الحديث كان الحب هو الرغبة، وها هنا شيء آخر، يضارع في ضرورته الحب إن لم يكن أكثر، وهو الطعام، والكساء، وحتى الحياة، والنور، والمطر.صفوة القول، وزبدة الحديث، أن لزياد أبو لبن، في هذه القصص التسعة عشر، غاية، وهي الإلحاح - ما أمكن - على ما تتوق له، وتتشهاهُ، الشخوص، وهم جميعا أطفال، وأكثرهم من الإناث، وقلما يجري التركيز على غيرهنّ. ولو قمنا بتتبع القصص الأخرى، لوقعنا في التكرار الذي لا نريده، والإطناب الذي نتجنبه، مقتصدين في القول، فلا نضيف له، أو نزيده.فالكاتب عبر بحسٍّ يَقظٍ عما تعانيه ليلى، وسعاد، ودينا، وفادية، وسارة، وابتسام، لكنه تجنب فؤادًا، وعمر، في موقف نظنه منحازًا عن غير قصد، أو تنكر للآخر لا يخلو من الإنكار والجَحْد.
الدستورمنذ 16 ساعاتترفيهالدستورفي أنفاس مكتومة لزياد أبو لبن... قصص حيرى بين الكبار والصغارإبراهيم خليلزياد أبو لبن كاتبٌ، وناشط ثقافي متعدِّد الجوانب. فأول كتاب صدر له كان بعنوان المونولوج الداخلي في روايات نجيب محفوظ. وهو فيما أحسبُ، وأظنُّ، رسالة جامعية استحق عليها درجة الماجستير في اللغة والأدب. وقد نشر بعده غير قليل من الكتب التي تجمع بين النقد الأدبي، والتوثيق. ومنها كتابه الأطفال في قصص يوسف أبو رية رحمه الله. وله كتب ثلاثة بعنوانات متشابهة صدرت في سنة واحدة 2004 وهي بالترتيب: رؤى نقدية في القصة، ورؤى نقدية في الرواية، ورؤى نقدية في الشعر. علاوة على كتاب في قضايا النقد والأدب 2006 وما بين النقد والأدب 2007 ونقود أدبية 2011 ورؤية النص ودلالته 2019 وكشاف منشورات وزارة الثقافة من 1966 – 2013 وهذا العنوان يحتاج منه إعادة نظر؛ ذلك لأن وزارة الثقافة استحدثت في العام 1975 وأول وزير ثقافة هو المرحوم الشريف فواز شرف، فكيف وقع المؤلف في هذا الوهم؟ وكان الأولى به أن يقول في العنوان كشاف منشورات وزارة الثقافة ودائرة الثقافة والفنون .. التي كانت قبل عام 1975 تابعة لوزارة الإعلام. ومهما يكن من أمر، فإن هذا الذي وقع فيه من الأمور الشكلية التي لا خطأ فيها ولا زيغ. وقد أصدر في العام الحالي 2025 تتمة لهذا الكشاف يشمل الإصدارات من العام 2013 إلى أيامنا هذه.وفي مجال التوثيق جمع الكثير من الحوارات التي أجريت مع عدد من الكتاب في الأردن، وفي فلسطين. وقام بجمع مقالاتٍ، ودراساتٍ، لبعض النابهين في الأدب، وأعاد فيها النظر تنقيحا وتبويبا وأصدرها في كتب. وتوقف لدى الدراسات التي كتبت عن الشاعر عز الدين المناصرة عليه رحمة الله ونشرها في كتاب بعنوان « الحداثة الشعرية عند عز الدين المناصرة».وفي القصة نشر أبو لبن مجموعته الأولى، وهي بعنوان «الحَسَد» وهي للأطفال 2003 بعدها نشرمجموعة أخرى للأطفال بعنوان « وفاء الأصدقاء « 2009 ويبدو أنه سئم الكتابة للأطفال، فنشر بعد مجموعته هذيان ميت 2006 مجموعة أخرى أبي والشيخ 2007 وبينها وبين التي تلتها إحدى عشرة سنة « ذاتَ صباح « وأخيرًا نشر مجموعة مثيرة للجدل بعنوان أنفاس مكتومة 2024 في 74 صفحة تتضمن تسع عشرة قصة، وهذا يعني، أو ينم - فيما ينم عنه ويعنيه - أنها من القصص المكثفة جدًا.الكبار والصغار:ولكن، مع هذا القصر، يلاحظ القارئ أنها تخاطب الكبار، وتخاطب الأطفال معا. ففي القصة الأولى، وهي بعنوان « أنفاس مكتومة « يسلط الضوء على طفلين هما ابتسام وعمر. وهما شقيقان ويسلط الضوء أيضا على الأم التي تقوم بواجبها البيتي (فتحمم) الطفل عمر الذي بدا لشقيقته عاريا أو شبه عار تظهر عورته، وهو يلهو، ويتحرك ويدور في الحوش مثل نحلة تدهشها الزهور المنداة، فيما هي الأخرى تدور، وتلهو، ولا ترفع عينيها عن عمر، والأم تنهر الصبي تارة، وتنهر البنت تارة أخرى، فيما كانت أشعة الشمس تسقط على ذراعها البضّ الذي انحسرعنه الكم، وعلى الفخذين الذين انحسرت عنهما حواشي الثوب الذي ترتديه. وقد باعدت ركبتيها لتضع بينهما الطشت الذي سيستحم فيه الصبي.فجأة ينتقل بنا القاص، فإذا بابتسام كبيرة، ومراهقه، تفكربالحبّ، وصبي آخر يرمي إليها بوردة حمراء في إشارة غير مقصودة لعيد الفالانتاين: عيد الحب. وتخفي الوردة في جيب مريولها المدرسي. لكن الحكاية لم تقف عند هذا، فقد بقيت تتمنى رؤية الشاب الذي رمى لها بها كي تشكره بابتسامة فيها شيءٌ من العِشْق الذي يردّ الروح.أحسبُ أنَّ هذه القصة من النوع الممعن في البساطة، ولكنها بساطة بعيدة عن السذاجة، ولا تخلو من رؤية شبه نفسية لما يدور في نفوس الفتيان حين يبلغون ميعة الصبا، وسنّ الشباب، أو يكادون. بيد أن القارئ قد يَعْجَب أشدّ العجب لهذه السرعة في تطوير القصة، ونموّ الشخوص. فلو أن الكاتب أمْهَل كلا من ابتسام، والصبي التلميذ صاحب الوردة، الذي يذكرنا بحكاية فدوى طوقان، رحمها الله، بَعْض الوقت، وذكر فيما يذكره عنهما من تفاصيل تنم على ما يحسب في إطار النمو البيولوجي، وبلوغ سن الحلم، لكانت القصة أكثر إقناعًا، وأحرى بالقبول من لدُنِ القارئ، هذا عدا عن أن الإشارات الجنسية التي تخللت وصف السارد للأم، لا تتلاءَم، لا مع قصص الأطفال، ولا مع قصص الفتيان.رغبات محبطة:وفي القصة الثانية، وعنوانها في السرير، وهو عنوانٌ يتجاوب مع الرغبة في إضفاء طابع طفولي على الحكاية المكثفة فيها، يُقدم لنا الراوي شقيقين، هما: فؤاد وفادية. وكنا نتوقع أن يكونا فادي وفادية، على وزن عزيز وعزوزة، أو فل وفلة، أو فلفل وفلفلة، ولكن المؤلف يصرُّ إصرارًا شديدًا على مخالفة توقعاتنا. فالطفلان الشقيقان تنفجر لديهما الرغبة في ممارسة الجنس مبكرًا جدًا. وهذا قد يكون متوقعًا في بعض الأحيان، ومستبعدًا في أكثر الأحيان. فيتبادل الشقيقان القبل على النمط الذي سمعاه من ثقب الباب، وهما ينصتان لصوت القبل لدى الأبوين.قد يستغربُ القارئ هذه الحبكة استغرابا شديدًا، فيدفع به إلى القول: ما الذي يُحوج القاص لهذا التصور المخالف لطبيعة الأشياء؟ وقد يتعاظم هذا الاستغراب عندما يقرِّر الطفلان فادية وفؤاد تقليد الأبوين في ما يفعلان في السرير. وها هنا قد يقول القارئ: إن هذه القصة لا يسوغ أن تُقدم للأطفال، وهي أحرى بها أن تكون قصة للبالغين الراشدين، والمتزوجين، من أمهات وآباء ممن ينبغي عليهم أن يحذروا مبيت الأطفال من الجنسين معًا. إذ ينبغي الفصل بينهما في عُمْر مبكر. وهذا درسٌ في التربية الاجتماعية، والتنمية الخلقية، ما أحرى الناس باتباعة بدلا من استخدام العنف، والهراوة، التي تلاحق الأطفال في أزقة الحيِّ من ذويهم الغيورين.الإناثُ أولا:وقد ينجذب القارئ لهذه القصة ذات الحكاية الغريبة من حيث حرصُ المؤلف على تسليط الضوء على عالم الأطفال في أحياء، وأسر، تبدو لنا من أكثر الناس بساطة، وسذاجه، فهو يتوخّى فيما يكتبه الأحياء المُهمَّشة، والأسر المتواضعة، بعيدًا عن المجتمع المخملي، مما يفسح المجال لتساوق بيئة الحكاية – إذا جاز التعبير- مع الرغبات المُحبطة لدى الشخوص. وهذه الرغبة المحبطة تخيم على قصته الموسومة بعنوان دينا. واللافت للنظر أن معظم القصص في أنفاس مكتومة، إن لم نقل كلها، تطغى على الشخوص فيها أسماء الإناث: دينا، سعاد، ليلى، سارة، دلال، لبنى ، بيسان، نوران إلخ.. مما يوحي من طرف خفي بتحيزالراوي، ومن ورائه الكاتب، للأنثى. فهو يدافع عن حقها في الحب، وعن حريتها في أن تقيم علاقة بمن تشاء بعيدا عن تلصُّص الأم.فدينا ، وقد ضاقت عليها ملابس الطفولة، لا تفتأ الأم تراقبها، وهي ترنو لصبي في مثل عمرها ضاقت عليه ملابس الطفولة هو الآخر، يلقي إليها تارة بوردة حمراء، وطورًا يلوِّحُ لها بالقبلات من بعيد. ومن التركيز على الستائر المدلاة على النوافذ يتضح أن الحيِّ الذي تجري فيه العلاقة شبه المحظورة من الأحياء الشعبية التي تتلوى فيها الأزقة، ويغلب فيها الرمادي على ألوان الستائر. ويصعب على العشاق من المراهقين ضرب المواعيد، لذا يطول الانتظار بدينا، وتمضي الدقائق كأنها أيامٌ، لا ساعات، على وقع خطاها المضطربة.فيما يتضح من هذه القصة، كالتي قبلها، أن المؤلف يبالغ في الوصف تارة، وتارة يستخدم من التشبيهات ما هو شاذ. فمثلا يقول « أخذ جسدها يذوب في ملابسها كشمعة لامست شغاف الحياة « فالجزء الأخير من هذا التشبيه، أوالاستعارة، بكلمة أدق، لا يتسق مع الأول منه « كشمعة تذوب « فهي إما أنها تحترق، أو تلامس الحياة لديها شغاف القلب. وكنت قد قرأت فيما قرأته عن هذه المجموعة منشورًا في الصحف أن بيننا من يستحسن هذه اللغة السردية، مع أن جهابذة القصة، والرواية، لا يرون في مثل هذه التشبيهات، والكنايات، ضربة لا زم في السرد القصصي، فهو ُيكتبُ - عادة - بلغة تقترب من الدارجة التي توهم بمحاكاة الواقع. تعرُّفٌ وتوقع:وقد تجنب المؤلف في قصته الموسومة بعنوان ليلى ما كان قد دأب عليه واعتاده في استهلال القصص. ففي هذه القصة على غير العادة اجتذبه المكان، فوصف لنا البيت مؤلفا من غرفة واحدة لا أكثر. وليلى هذه تختلس النظر لأبيها وأمها في ركن الغرفة وهما يتعانقان في إيحاء معروف عما يفعلان تحت الأغطية. ولكن هذه الفتاة تصف نفسها بالمتلصِّصَة دون ذرَّةٍ من حياء. فهي تزعم « كنت أنظر من تحت اللحاف بطرف عيني على حركات أبي وأمي وهما يتدافعان بأنفاس متلاحقة « وهذا الاستهلال غريب لأن السارد أعلن صراحة عن تساؤلات في ذهن الصغيرة تتشابك على هيئة فروع الدالية التي تنتشر على معرش فوق حوش الدار. ولكن السارد بعد هذا الاستهلال الجريء يصف لنا بروية وتؤدة كيف أدركت هذه الفتاة (ليلى) سن البلوغ بالتركيز شيئا فشيئا على مفاتن الجسد، وفضائح المرآة، وإخفاء هذه الكنوز عن الأخت الأصغر، والبوح للصديقة حنان التي في مثل عمرها. فتقول لها: يعني ممكن تحلمي بشاب، وتحبينه، ويصبح زوجك فيما بعد. وتنجبين منه البنات والبنين.. وأخذنا نركض في ساحة المدرسة «.فالفتاتان: ليلى وحنان، تظنان أن الحياة بهذا اليسر، والزواج كوظيفة مدرسية يمكن للفتاة أن تقوم بها عن طريق النقل من دفتر واحدة أخرى. ولكن الفتاة التي رأت في المنام من يلامس النهدين سرعان ما تخلت عن هذه الطريقة في حلّ الوظائف، وشرعت تنتظر من النافذة لعل الذي رأته في منامها يطل من النافذة المقابلة، ولكن هيهات.في هذه القصة - مثلما يلاحظ القارئ - ثمة لحظة تعرف، وأخرى لحظة توقُّع، الأولى وهي تتحدث مباشرة عن الجسد وكنوزه، والثانية وهي تروي متاعب الشبابيك التي أتعبها الانتظار على رأي الشاعر البتيري في عنوان أحد الدواوين.المرآة هي السبب:والمؤلف، فيما يبدو لنا، حريص حرصا شديدا على اقتناص لحظة التعرف لدى الإناث، فكأنها قضية تؤرقه أكثر من غيرها. فالفكرة المستوحاة من حكاية سارة في القصة الموسومة بهذا العنوان هي فكرة التعرف. وذلك لأن تعرف الفتاة على بلوغ الجسد تلك الدرجة من الإثارة يتطلب ألا تلعب أو تلهو مع الأولاد، وان تمتنع حتى عن اللعب مع الصويحبات.ولكن المؤلف للأسف، وهو يروي شيئا عن هذا الحظر، يعزو السبب لشيء آخر غير العادات والتقاليد السائدة، وهذا السبب هو المرآة، فهو يختتم القصة بعبارة شديدة الأسر، قائلا» ورأت في مرآة خزانة ملابسها جسَدا متمرّدًا يخبئُ أنوثة مملوءة بالحكايات» فهذه العبارة الآسرة توجب تساؤلا؛ فالسارد أخبرنا أن الفتاة سارة اكتشفت للتو أنها أنثى، وهذا لا يتسق، ولا ينسجم، مع زعم الراوي تمرد الجسد، وامتلاءَهُ بالحكايات المخبأة، ولعله اراد بها حكايات الغرام والعشق، مع أن الفتاة(سارة) لم تتجاوز الخط الأحمر حتى هذه اللحظة. نعم، تعرفت على ما يكنه الجسد من إثارة لم تجد بعد طريقها للنفاذ، وإخفاء الحكايات المتمردة وغير المتمردة عن أنظار ومسامع العاذلين.وتكبر الأسئلة:ومن سارة إلى سعاد تكبر الأسئلة، وتغدو الإجابات عنها تحذيرًا من الذهاب إلى جهنم بلا حساب. فهي تسأل: لم لاينظر الله – سبحانه – لهذه الأسرة، مشفقا عليها لما تعانيه من الحاجة الماسة لشراء الملابس الجديدة، وتسديد فواتير الكهرباء. وعلى هذا النحو تعدد سعاد الاحتياجات الكثيرة من الطعام والكساء، وكأنّ الله لم يستجب لسعاد، ولا لدعواتها، ورسائلها المكتوبة، والشفوبة، فافتكر الأب – عامل النظافة – ولم يصبها اليأس. فكتبت رسالة، ووضعتها عند شاهدة القبر ظنا منها أنَّ الله سيطلع عليها، ويجيب دعوة الداعي إذا دعاه.وبالفعل، وعلى وَفْق التفكير الساذج الذي تتصف به سعاد، رأت فيما يرى النائم ملاكا يتأبط صرة مليئة بالملابس، وكيسًا ينطوي على وجبة من قطع الدجاج. وهذه القِصّة كالقصص التي سبق عنها الحديث: رغبات محبطة، وأسئلة محرجة، أو محيرة. والفارق هو أن القصص التي تقدم عنها الحديث كان الحب هو الرغبة، وها هنا شيء آخر، يضارع في ضرورته الحب إن لم يكن أكثر، وهو الطعام، والكساء، وحتى الحياة، والنور، والمطر.صفوة القول، وزبدة الحديث، أن لزياد أبو لبن، في هذه القصص التسعة عشر، غاية، وهي الإلحاح - ما أمكن - على ما تتوق له، وتتشهاهُ، الشخوص، وهم جميعا أطفال، وأكثرهم من الإناث، وقلما يجري التركيز على غيرهنّ. ولو قمنا بتتبع القصص الأخرى، لوقعنا في التكرار الذي لا نريده، والإطناب الذي نتجنبه، مقتصدين في القول، فلا نضيف له، أو نزيده.فالكاتب عبر بحسٍّ يَقظٍ عما تعانيه ليلى، وسعاد، ودينا، وفادية، وسارة، وابتسام، لكنه تجنب فؤادًا، وعمر، في موقف نظنه منحازًا عن غير قصد، أو تنكر للآخر لا يخلو من الإنكار والجَحْد.