أحدث الأخبار مع #وليدعلاءالدين


Independent عربية
٠١-٠٥-٢٠٢٥
- ترفيه
- Independent عربية
شعرية الصدمة بين "الموت العظيم" و"فوات الأوان"
تراهن قصيدة النثر العربية في صيغها المبتكرة وتمثلاتها المراوغة على مدى إبحارها في فضاءات الدهشة اللانهائية بقدرات فردية مغايرة، نابعة من ذات متحررة. ويأتي هذا الانطلاق على اعتبار أن الجوهر الإبداعي مقترن بالضرورة بالتمكن من إحداث حراك وخلخلة الثوابت وكسر أفق التوقع ومصفوفات الإقناع والخلاص من المحكوم بالمنطق العقلي والإرث التخييلي. ولعل أكثر ما تتهم به قصيدة النثر في كثير من نماذجها السابقة، هو نفسه الذي يوجّه شعراءها الحاليين نحو خلق منصاتهم الراهنة الفاعلة، على الجانب المضاد. وإن ما توصم به تلك القصيدة خلال الفترة الماضية، يتركز في مجمله حول السقوط في فخ المجانية والاستسهال، والنسج على منوال ذهني ووجداني متكرر، ولا سيما في ما يخص ملامسة اللحظات الحياتية الاعتيادية وبلورة المواقف والمشاهد القريبة وترصّد التفاصيل المتراكمة واللقطات الجاهزة، مما يكاد يذيب الأنا الشعرية المبدعة في أنوات منقضية ومنطفئة. ديوان وليد علاء الدين (بيت الحكمة) هذه المعطيات المعدة سلفاً هي التي تسعى القصيدة الجديدة إلى تجاوزها تماماً في وهجها الإشعاعي المفاجئ. ويتأتى ذلك في المقام الأول بقبضها على ما يمكن تسميته "شعرية الصدمة"، بمعنى الوصول بمتجهات الإدهاش إلى غايتها، ليس من خلال المفارقات والتناقضات وما إلى ذلك من حيل تعبيرية باتت تقليدية بدورها، وإنما يتحقق من خلال المعالجة الشعرية برمتها، بكامل معايشتها، وبكل طبقاتها وعناصرها ومفرداتها. هكذا، يطمح كل نص شعري إلى تأسيس واقعه الاستثنائي الخاص واقتراح قاموسه الجمالي المتفرد. "أيها الموت العظيم" في ديوانه "أيها الموت العظيم" (مجموعة بيت الحكمة للثقافة)، يفكك الشاعر وليد علاء الدين جدارية الموت العظمى إلى مجموعة من الصور المضغوطة المتناثرة، عبر 22 قصيدة موزعة على 154 صفحة، إلى جانب عشرات الرسوم المصاحبة المنتقاة من أعماله التشكيلية التي تتحاور مع النصوص بصرياً وإيقاعياً في منظومة تفاعلية انفجارية، تفضح السكون الزائف للوجود الكائن فوق قشرة الجثث المتحللة والبراكين والزلازل المحتملة "صباح الخير أيها العالم/ يا له من صباح يستحق التأمل/ كم جثة استنشقتَ، لتمنحنا هذه الطمأنينة؟". وتوجِد الشعرية مباغتاتها النفسية واللغوية والتصويرية المتتابعة عبر تجسيد حالات اللهاث التي يكابدها الإنسان المعاصر الحائر، صاحب الطموح المادي العريض، في حياة ضيقة لم تعُد متنفساً صالحاً، بل إن الموت نفسه صار أكثر سعة ورحمة منها "الموت لا يقتلنا/ الموت رحيم، يستقبل أرواحنا، بعد أن ضاقت بها الحياة". ديوان محمد أبو زيد (دار ديوان) هذا الموت الذي يسميه الشاعر صديقاً مقرباً يفرز في كل خطوة من خطواته وفي كل لمحة من سماته وخصائصه الحيوية، حلقات تلك السلسلة من الصدمات الشعرية المرئية والمكتشفة بواسطة الحواس كلها، لتتمخض الرؤية عن قنص ما لا تجود به الحياة المعروفة نفسها من مفاهيم وكنوز وأفكار، وعذابات أيضاً بمذاق الحقيقة المريرة "أيها الموت، كن شفيفاً/ ربما رأينا في ظلك، كل ما لم ترنا الحياة، مرة، فتكون أنت الحياة". ويمضي الشاعر وراء إزاحة الموروث الجمالي والركام التعبيري والتخييلي إلى أبعد حد ممكن، مفسحاً المجال واسعاً للفضيحة الخالصة لكي تخبر الجميع عن آخر موضات الحروب المدنية وموجات القتل الجماعي والعنصري بدم بارد، وأحدث صيحات قوائم الطعام في الحانات السرية "أصابع طفل مقرمشة مع كوب بيرة باردة، واختر الصوص المفضل لديك". إنها المدن المعدنية البائسة التي تتأملها البصيرة الشعرية وقد تخلت عن روائحها وتاريخها بالتوازي مع تدرب الأرواح على جفافها وجفائها بدعوى الحضارة، وتعوّد البشر على التجرد من أفهامهم وأحاسيسهم وقدرتهم على الابتكار تحت مظلة التسليع والعولمة والذكاء الاصطناعي "تعرف أننا بلا عقول، مجرد آلات تجتر الصور والأفكار/ أضاعنا أجدادنا، ونحن أضعناهم، وبتنا بلا أب، ولا جد/ نعيد اجترار الأفكار وندعيها/ نمعن في صنع نسل، نبصق أفكارنا في نسغه، نسقيها، نظللها، ننسقها، نضبط نموها، ونعبدها، ثم نقتل من أجلها/ نقتل ونقتل ونقتل، وندعي أننا أنجزنا المهمة/ ثم نلعنك في كل لحظة، أيها الموت". "فوات الأوان" في ديوانه "فوات الأوان" (دار ديوان للنشر)، المتضمن عشرات النصوص القصيرة في 168 صفحة، يؤسس الشاعر محمد أبو زيد صدماته الإبداعية عبر جملة من الصور التشريحية والغرائبية التي يبث فيها بقايا خرائط الإنسان البيولوجية والروحية الممزقة وكأنها "عظم في قفّة"، كما يرسم خلالها أطلال الكون المنهار بعدما طاولت المأساة كل الموجودات والعلاقات والظواهر "كل شيء أدركه بعد أن تكون قدمي قد وصلت إلى الحافة، وتأرجح جسدي في الهواء". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) لكل شيء اسمه الجديد في هذا القاموس الجديد الذي لا يضع أية شروط للجمال أو أية حدود تفصله عن القبح، وفق الدارج في الحياة التي لم يعُد لها وجود. ففي مقبرتين متجاورتين، مثلاً، يتفاخر حانوتيان من حفاري القبور، أي منهما جثته التي لم يدفنها بعد أجمل من جثة الآخر؟! ومع استمرار الجدال بينهما، يقول أحدهما "جثتي أحلى من الموت"، ويقول الثاني "جثتي أقوى من الحياة"، فيما تصيح الجثة الأولى فيهما "أنا راضية بأني الأقل"، وتستطرد الجثة الأخرى "لعنكما الله، أطرتما الموت من عيني، هل يمكن أن أُدفن الآن؟". هذه النزعة إلى السخرية تتسلل إلى نسيج النصوص كلها بخفة، لتشحن الصدمات الشعرية ذات الطابع السردي والسينمائي عادة بطاقة إضافية توليدية. فالتفاحة العجيبة التي ينساها موظف على مكتبه، تصير تفاحة آدم بدلالاتها التاريخية والدينية، كما تصير وجبة العشاء التي سيفتقدها أولاده الجائعون في البيت، وتصير في الوقت نفسه فكرة مجنونة، إذ يتمنى الشعراء زراعتها في الصحراء لتصبح شجرة كبيرة تتدلى منها قصائد خضراء وحمراء. يقدم الشاعر أخيلته الجامحة هذه على هيئة ألعاب مبسطة، لكنها بالغة الرهافة والعمق، إذ تنطوي على ما وراء المشاهد البصرية والحركية من فلسفة تعكس سوداوية العالم خلال مراحله الأخيرة، ووحشية البشر المبرمجين على القسوة والتدمير والخراب. وفي هذه الكادرات، تتحقق الدهشة دائماً من تلقاء ذاتها، ويدخل المتلقي في الحدث كمشارك رئيس فيه. ويتضح ذلك مثلاً في قصيدة "فيلم رعب من بطولتكم"، إذ يفشل أبطال فيلم الرعب في إخافة الشخص الجالس أمام التلفزيون، على رغم طرطشات الدم وظهور العفاريت والزومبي، في حين يرتجف قلبه رعباً عندما يجري الإعلان عن فيلم جديد من بطولة "بشر عاديين".


الاتحاد
٢٧-٠٣-٢٠٢٥
- ترفيه
- الاتحاد
وليد علاء الدين: الكتابة سعي دائم لفهم العالم
سعد عبد الراضي (أبوظبي) يمارس الكاتب وليد علاء الدين التجريب في الأشكال والمضامين الكتابية، ولهذا تنوّعت تجربته ما بين الشعر والرواية والمسرح والعمل الصحفي والإذاعي، الأمر الذي منحه قدرة خاصة على التقاط التفاصيل الدقيقة، وتقديمها بلغة عميقة وشفافة في آنٍ واحد. في هذا الحوار يفتح لنا علاء الدين أبواب ذاكرته، ويتحدث عن فلسفته في الكتابة، وأهمية المغامرة، وتجربته الصوتية في عالم البودكاست. استهلّ علاء الدين حديثه باستعادة ذكريات رمضان، قائلاً: «رمضان عندي لم يغادر ذاكرة الطفولة، أصوات المنشدين والابتهالات التي كانت تتسلل من مآذن الجوامع قبل أذان الفجر، ونحن في انتظار النداء الذي كان يثير ضحكنا آنذاك: «ارفع القلة»، وهي جملة كان بعض المؤذنين يتبرعون بإطلاقها قبيل الأذان بدقيقة ويطيلون أحرفها لمنح الفرصة لمن يريد أن يشرب أو يتناول دواء قبل بدء الصيام. رمضان أيضاً هو صوت الشيخ محمد رفعت، الذي كان الأذان الرسمي لمغرب رمضان بنغمته المميزة الجميلة. رمضان هو ألعابنا الليلية في الساحة أمام البيت، تلك الألعاب التي اكتشفت بعد سنوات أنها نفسها المسجلة على جدران المعابد المصرية منذ آلاف السنين. رمضان هو سهراتنا ونحن شباب في القاهرة المعزية، حيث التاريخ الزاخر بالأحداث والشخصيات. وأضاف: في كل رمضان تنهض هذه اللحظات الجميلة من جوف الذاكرة، فتفيض المخيلة بالذكريات التي ساعدتني حياتي الهادئة في أبوظبي على استعادتها وإنتاجها في أشكال الكتابة من شعر ومسرح ورواية وتشكيل، وكذلك العمل الإعلامي في الصحافة والإذاعة». تجربة البودكاست يؤكد وليد علاء الدين أن بودكاست «اقتناص الخيال» الذي قدمه ولاقى تفاعلاً، مساحة حرة للتأمل الصوتي، يطرح من خلالها أفكاره حول الخيال والإبداع والواقع. وأوضح أن البودكاست «جسر مختلف للتواصل مع الجمهور، يسمح له بتقديم تجاربه وأفكاره بطريقة حميمة وقريبة من المستمع». وشدد على أن الجوائز الأدبية «مهمة في تسليط الضوء على النصوص وتوسيع قاعدة القراء»، لكنه لا يكتب من أجلها. «الكتابة غايتي في حد ذاتها، وليست وسيلة لأي شيء آخر»، كما قال. ويختتم وليد علاء الدين حديثه مشيراً إلى أنه يعمل حالياً على مشروع إبداعي جديد، يمزج بين السيرة الذاتية والتخييل، يتناول فيه مناطق شخصية لم يسبق أن كتب عنها، وعبّر عن حماسه لاكتشاف ذاته من جديد عبر الكتابة.