أحدث الأخبار مع #وواشنطنبوست


شبكة أنباء شفا
١١-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- شبكة أنباء شفا
الإعلامية شيرين أبو عاقلة .. شمس الإعلام التي لا تنطفئ وصوت الحقيقة الخالد ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات
الإعلامية شيرين أبو عاقلة .. شمس الإعلام التي لا تنطفئ وصوت الحقيقة الخالد ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات في مثل هذا اليوم من الحادي عشر من أيار/مايو قبل ثلاث سنوات، توقفت ساعة الحقيقة عند الدقيقة التي اخترقت فيها رصاصة الغدر جسد الصحفية المقدسية شيرين أبو عاقلة، فسقطت على تراب جنين شهيدة الكلمة الحرة، وأيقونة الصحافة الفلسطينية والعربية. لكنها لم تسقط من الذاكرة… بل نهضت من جديد في ضمير كل من لا يزال يؤمن بأن الحقيقة لا تموت، وأن صوتها، الذي كان يخترق جدران الصمت، سيبقى صداه حاضراً في كل بيت فلسطيني وعربي. شيرين لم تكن مجرّد مراسلة؛ كانت ضميراً حيّاً ينبض في جسد وطن مثخن بالجراح. كانت مرآة شعب يعاني، وصوتاً لا يهادن، وعدسة لا تنكسر. هي التي حملت المايكروفون كأنها تحمل راية، وارتدت السترة التي كُتب عليها 'PRESS' كما لو كانت درعاً يحمي نبض الحقيقة، فسارت وسط الرصاص لتقول: 'هنا فلسطين، هنا وجع الأرض، وهنا نبض الناس'. رغم السترة والخوذة، لم تحمها قوانين العالم ولا أخلاقيات المهنة، فكان القنص مقصوداً، والاستهداف مباشراً. رصاصة خارقة للدروع أنهت حياتها على مرأى العالم، لكنها لم تستطع إسكات الرسالة. فمن جنين إلى القدس، ومن رام الله إلى غزة، ومن شاشات التلفاز إلى صفحات الكتب، بقيت شيرين تحكي الحكاية… حكاية شعب يقاتل من أجل أن يُروى، ومن أجل أن يُرى. كانت تقول: 'بدها طولة نفس'، وكانت آخر كلماتها: 'أنا بنت القدس وأحب أن أراها سعيدة'. وكأنها كانت توصي بحب المدينة، وبالوفاء لها، وبالاستمرار في مهنة المتاعب التي آمنت بها حتى آخر رمق. شيرين لم تكن فقط صحفية؛ كانت ابنة القدس وسيدة فلسطين التي نطقت بلسان الصدق، ونبضت بقلب الناس. اغتيال الحقيقة… واستمرار الجريمة استشهاد شيرين أبو عاقلة لم يكن خطأً ولا مصادفة، بل جريمة مكتملة الأركان، توثّقها الرصاصة التي أُطلقت من بندقية احتلال بدم بارد، وبنية مبيّتة لإسكات صوت الحقيقة. كل التحقيقات المستقلة من كبرى المؤسسات العالمية مثل 'سي أن أن'، و'نيويورك تايمز'، و'واشنطن بوست' أكدت أن شيرين لم تكن وسط اشتباك، وأن القناص كان يعلم جيداً من تستهدف بندقيته. وبرغم وضوح الأدلة، ما زالت العدالة غائبة، وما زال الجناة أحراراً، في مشهد يعكس فشلاً أخلاقياً وقانونياً صارخاً. ورغم تقديم ملف قضيتها إلى المحكمة الجنائية الدولية في أيلول/سبتمبر 2022، لم يُفتح تحقيق رسمي حتى اليوم، في تكريس مقيت لسياسة الإفلات من العقاب. مجزرة مستمرة بحق الإعلام الفلسطيني شيرين كانت البداية فقط، ولم تكن النهاية. فمنذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، ارتُكبت أفظع مجزرة إعلامية عرفها التاريخ المعاصر. حيث وثّقت نقابة الصحفيين الفلسطينيين استشهاد 212 صحفياً وصحفية، واستشهاد 665 من أفراد عائلاتهم، وإصابة 178 بجروح، بعضها بترت أطرافهم، وبعضها حوّل الكاميرا إلى شاهد على الإعاقة الدائمة. واعتُقل أكثر من 180 صحفياً، ولا يزال 50 منهم خلف القضبان، بينهم 20 رهن الاعتقال الإداري، في انتهاك صارخ لحرية الصحافة، ومحاولة ممنهجة لإخراس الرواية الفلسطينية، وكأن الاحتلال لا يخاف البندقية، بل يخاف الكلمة، ويخشى من الكاميرا أكثر من الرصاصة. شيرين… حضور لا يغيب وذاكرة لا تموت في كتابه 'شيرين أبو عاقلة: قصصٌ وأسرار'، وصف الدكتور محمود الفطافطة شيرين بأنها 'شمس الإعلام التي لا تنطفئ'، وهي بالفعل كذلك. كانت صوتاً صادقاً، وقلباً نقياً، وعقلاً فذّاً، وروحاً مكرّسة لفلسطين. كانت تبكي بصمت بعد كل تغطية لجريمة، وتُطعم الأيتام، وتوزّع وجبات رمضان على روّاد المسجد الأقصى، وتحب الحياة كما تحب الوطن. شيرين قرأت السياسة بعمق، وأدركت أن الصحافة ليست حياداً حين تكون الضحية واضحة والجلاد مكشوفًا. كانت تجيد الحديث بأربع لغات، لكنها اختارت أن تتحدث بلغة الحقيقة التي يفهمها كل حر في هذا العالم. في ذكراها الثالثة: لا نرثي شيرين، بل نُجدد العهد اليوم، ونحن نحيي الذكرى الثالثة لاستشهادها، لا نبكي شيرين فقط، بل نُجدد العهد أن نبقى أوفياء لطريقها. نُقسم أن نظل حراسًا للكلمة، وأن نبقي روايتنا حية رغم محاولات الطمس، وأن نصرخ كلما حاولوا أن يُخرسوا الصوت الفلسطيني. شيرين، لن ننساكِ. ستظلين فينا، في ذاكرة كل طفل نطق باسمك، في قلب كل صحفي حمل كاميرته وذهب إلى الخطر مستلهمًا شجاعتك، وفي ضمير كل من يحلم بوطنٍ حر وكلمة صادقة. شيرين أبو عاقلة… لم تغادري، بل أصبحتِ عنواناً لأمة لا تساوم على الحقيقة.


Independent عربية
٣٠-٠٤-٢٠٢٥
- ترفيه
- Independent عربية
"56 يوماً" رواية إيرلندية عن القتل البريء وآثاره
تشكل الجريمة التي ارتكبها الصبيّان شاين هوغان وأوليفر سانت لدجر في منطقة ميل ريفر عام 2003 بإقدامهما على ضرب رفيقهما بول كلهر وإغراقه في نهر القرية، محرك الأحداث في رواية "56 يوماً" للروائية الإيرلندية كاثرين راين هاورد، الصادرة عن شركة المطبوعات للتوزيع والنشر في بيروت، بتعريب أنطوان باسيل، ذلك أنها تترك تداعياتها المدمرة على عائلة الأول الذي يحكم عليه بالسجن 20 سنة، يقدم خلالها على الانتحار، وتسرق من رب العائلة إرادة الحياة، فيموت بعدها، وتقلب حياة الأم رأساً على عقب، فتمرض وتشارف على الموت، وتلقي بثقلها على الأختين كيرا وشيفان من جهة، ويلازم الثاني الذي يحكم عليه بالسجن خمس سنوات، شعور بالذنب ويرزح تحت وطأة ندم ثقيل من جهة ثانية. الرواية والروائية إزاء هذه التداعيات المدمرة وتعدد الروايات عما حصل، تنبري كيرا أخت المتهم الأول للبحث عن حقيقة ما اتهم به أخوها، لعلها تقع على ما يريح أمها، وهي على عتبة الرحيل. ويحاول المتهم الثاني التعويض عن ذنبه بعد خروجه من السجن بإبداء الندم الشديد والتزام السلوك القويم، إلى حدّ عدم السماح لنفسه برمي المهملات في الشارع، ولا يتورع عن الاعتراف بذنبه لكيرا التي يحلم بالارتباط بها، وهو لا يعرف أنها شقيقة شريكه في الجريمة. الرواية بالترجمة العربية (شركة المطبوعات) لكن قبل التوغل في القراءة، لا بد من الإشارة إلى أن الرواية احتلت المرتبة الأولى في قائمة الكتب الإيرلندية الأكثر مبيعاً لعام 2021، واعتبرتها صحف "نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست" و"ذا تايمز" الإيرلندية رواية العام نفسه عن فئة أدب التشويق، وإلى أن الروائية مقيمة في دبلن وفي رصيدها ثماني روايات، وصل بعضها إلى القائمة القصيرة لجوائز مهمة في فرعي أدب الغموض وأدب الجريمة. وباء كورونا بالعودة للرواية، تجري أحداثها في مدينة دبلن عام 2019 خلال وباء كورونا وما ترتب عليه من هلع وإقفال وحجر صحي. وتدخل فيها مجموعة من الشخوص التي تتعالق في شبكة علائقية، تتجاور فيها القرابة والصداقة والزمالة والحب والكذب والخداع والانتقام وغيرها. وينتظمها سلكان سرديان، لكل منهما بدايته وطوله ونهايته، وزمانه ومكانه وشخوصه، وأحداثه المختلفة عن الآخر، وإن كانا يتقاطعان في بعض الشخوص، ويشتركان في صدورهما عن الزلزال نفسه. يشغل السلك الأول 33 وحدة سردية، يُعَنون كل منها بيوم محدد من الأيام الـ56 التي يشير إليها العنوان الرئيس، وقد يستخدم العنوان نفسه لوحدات عدة، مما يجعلنا إزاء صيغة شبيهة باليوميات، إذ تشتمل الوحدة - اليومية على وقائع معينة، وتكون بمثابة قطعة من "بازل" الحكاية التي تقوم الكاتبة بتركيبها. والمفارق، في هذا السياق، أن الوحدات المتعاقبة في هذا السلك لا تراعي الخطية الزمنية وتتخذ مساراً متكسراً، فربّ واقعة متقدمة ترد متأخرة، والعكس هو الصحيح، مما يمنح القارئ فرصة الإسهام في تركيب "بازل" الحكاية، فلا تُقدم له على بساط من فضة. وتستغرق الأحداث 19 يوماً وتتمحور حول العلاقة بين كيرا هوغان وأوليفر سانت ليدجر اللذين يستخدمان فيها وسائل غير مشروعة لتحقيق غايات مشروعة، من قبيل الكذب وانتحال الشخصية واستعمال بيانات مزورة وغيرها. حرب وحب في محاولتها البحث عن حقيقة الدور الذي اضطلع به أخوها شاين في الجريمة المرتكبة، تقوم كيرا بتقصي الأخبار عن شريكه أوليفر، مستخدمة وسائل التواصل الاجتماعي، حتى إذا ما تمكنت من تحديد مكان عمله لدى مؤسسة مهندسين معماريين في دبلن، وعرفت المطعم الذي يرتاده لتناول الغداء يومياً، تتعمد الالتحاق بالطابور الذي يصطف أمام المطعم، منتحلة صفة موظفة في شركة تكنولوجيا، ويشكل التعارف بينهما بداية علاقة تروح تنمو شيئاً فشيئاً من خلال ارتياد المقاهي وحضور الأفلام وزيارة الأماكن السياحية وتبادل الأحاديث، وينجذب أحدهما إلى الآخر من دون قصد، فتنشأ بينهما علاقة حميمة، حتى إذا ما فُرض الحجر الصحي يدعوها إلى الإقامة معه في الشقة، ويترجح بين خوفه منها وتعلقه بها. وحين ترجح كفة التعلق، يقرر أن يعترف لها بهويته الحقيقية وبما فعله منذ 17 عاماً، غير أن اعترافه يأتي منقوصاً حين ينسب ما ارتكبه بنفسه إلى شريكه في محاولة منه لعدم خسارتها، مما يؤدي إلى تعاطفها معه، واتخاذها قراراً بالكشف عن هويتها الحقيقية له بدورها، كي تُبنى العلاقة العتيدة بينهما على أسس سليمة، حتى إذا ما جاءت لتفعل ذات صباح، تكون للقدر كلمته التي تعدّل في مجرى الأحداث حين تجده في الحمام وقد سقط أرضاً واصطدم رأسه بالمرآة وانهار عليه الزجاج إثر تناوله دواء مخدراً واطلاعه على دفتر ملاحظاتها، مما يجعله يشك بهويتها، لذلك ما إن تهمّ بمساعدته حتى يبادرها بالسؤال من أنت؟ ويرفض أن تساعده باعتباره يستحق ما يصيبه، ويعترف لها تحت وطأة الشعور بالذنب أنه هو القاتل وليس الشريك المزعوم، وهنا تمتنع عن مساعدته وتعيد فتح مرشة الدوش عليه، ليلقى مصيره غرقاً، وتتحول هي إلى قاتلة من حيث لا تريد، لكن بعد عثورها على ما تبحث عنه، فتزفّ إلى أمها وهي على فراش الموت، براءة أخيها مما نُسب إليه، فتموت مرتاحة بعد حياة حافلة بالتعب. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) ومن خلال هذه الوقائع، تقول هاورد إن القدر كثيراً ما يكون أقوى من إرادة الإنسان، وإن النوايا الطيبة لا تكفي للتكفير عن الأخطاء والخطايا، فرغبة أوليفر في التوبة والبدء بحياة جديدة مع كيرا تصطدم باطلاعه على دفتر ملاحظاتها وشكه في شخصيتها وردّ فعلها غير المتوقع على اعترافه الأخير. ورغبة كيرا في الكشف عن شخصيتها الحقيقية له والارتباط به تصطدم بهذا الاعتراف الذي ينطوي على ظلم كبير لحق بأخيها، فتؤثر الانتقام على الصفح وتغادر الشقة تاركة إياه لمصيره المحتوم. جريمة وتحقيق السلك الثاني في الرواية يبدأ من حيث انقطع الأول، وهو الأقصر، إذ يتألف من 12 وحدة سردية، تُعَنون جميعها بكلمة "اليوم"، مما يشي بأن زمن الأحداث فيه لا يتخطى اليوم الواحد، على أن الوحدات المتعاقبة في هذا السلك تراعي الخطية الزمنية، خلافاً للأول. بالتالي، تبدأ الوحدة اللاحقة من حيث تنتهي السابقة، وتتناول التحقيق في سبب موت أوليفر الذي تدخل فيه مفتشة المباحث ليا ريوردان والرقيب المحقق كارل كونوللي، فيشكلان ثنائياً تتمحور حوله الشخوص الأخرى. وفي هذا السياق، تقوم المفتشة بتفقّد مسرح الجريمة وأقسامه ومحتوياته وتعاين الجثة الآخذة في التحلل وتأخذ إفادة الشرطي مايكل كريدون الذي سبقها إلى المكان وتسأل الوكيل العقاري كيفن أوسوليفان عن شاغل الشقة وتتصل بالمفتش السابق بيل أوليري. وتستمع إلى إفادة الصحافية المزيفة لورا مانيكس المقيمة في المبنى نفسه وتواكب نائب الطبيب الشرعي توم سيرسون في كشفه على الجثة وتراقب كاميرات المبنى وتحصل على إفادة كينيث بالف مدير الشركة التي كان المغدور يعمل فيها وتتفقّد أدوية الضحية وتقارن بين البصمات وتناقش الفرضيات والاحتمالات مع مساعدها وتقوم بتحليل المعطيات المتوافرة بين يديها، إلى ما هنالك من إجراءات يقتضيها التحقيق. وتستنتج في نهاية المطاف أن الوفاة ناجمة عن الغرق في ظل عدم قدرة الضحية على النهوض، بعد تناوله دواءً مخدراً وسقوطه في الحمام واصطدام رأسه بالمرآة، متفقة في استنتاجها مع نائب الطبيب الشرعي، غير أنها تختلف عنه في اعتقادها بأن الغرق لم يكن عرضياً بل حصل بفعل فاعل، مستندة إلى حسها الأمني وخبرتها العملية. وهنا يتقاطع السلكان في القول بوجود جريمة مرتكبة، وتنفتح نهاية السلك الثاني على وقائع أخرى تتعلق باستكمال التحقيق، يشي بها ولا يعبر عنها. وعليه، رواية "56 يوماً" ثنائية السلك الروائي، تجمع بين الغموض في سلكها الأول، سواء في ما يتعلق بالأحداث أو الشخوص، والبوليسية في سلكها الثاني المتعلق بالتحقيق والفرضيات التي ينطلق منها والاحتمالات التي يطرحها والنتائج التي يؤول إليها. وبذلك تثبت الكاتبة قدرتها على الخوض في فرعين روائيين في الوقت نفسه، رواية الغموض ورواية الجريمة بكفاءة واضحة. وتنجح في جذب القارئ من بداية الرواية حتى نهايتها.


النهار
٢٨-٠٢-٢٠٢٥
- سياسة
- النهار
دان بونجينو… "المصارع" الترامبي المفوّه نائباً لمدير "أف بي آي"
بفكيه العريضين، وعضلاته الضخمة ورأسه الحليق والوشوم التي تملأ ذراعيه، يبدو دان بونجينو أقرب إلى مصارع منه إلى مرشح انتخابي ومؤلف كتب وإعلامي، والآن نائب مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي. النيويوركي المولود عام 1975هو الذي يقول إنه لو لم يكن ما هو عليه الآن، فلا شك في أنه كان سيحترف الألعاب القتالية. سيرة تحوّل الشرطي السابق، وعميل جهاز الخدمة السرية السابق أيضاً، تكسر بحدة الصورة النمطية للعنصر الأمني، المدرّب جيداً، والصامت أبداً، يؤدي عمله باحترافية شديدة، لا فرق إن كان يحرس الرئيس الجمهوري جورج دبليو بوش، أو خلفه الديموقراطي باراك أوباما. ترك بونجينو جهاز الخدمة السرية خلال إقامته في ميريلاند عام 2011 بقصد الانتقال من عالم الصمت إلى العالم المناقض تماماً. في العام التالي، فاز بترشيح الحزب الجمهوري لمجلس الشيوخ في الانتخابات التمهيدية، لكن غريمه الديموقراطي سحقه في الانتخابات العامة. بعدها بعامين خسر أمام منافسه الديموقراطي في انتخابات مجلس النواب في الولاية نفسها، فانسحب تكتيكياً في العام اللاحق إلى فلوريدا، الولاية الصديقة للجمهوريين، بطقسها الرائع، والتي سينزح إليها بعد بضعة أعوام نيويوركي آخر مشهور هو دونالد ترامب. هناك أيضاً جرّب حظه في الانتخابات التمهيدية وفشل للمرة الثالثة. في الأربعين، وهو عمر متقدم نسبياً للدخول في حقل الإعلام، لجأ بونجينو إلى المكان الأفضل في البيت الأميركي لتحقيق الأحلام: الطبقة السفلية، أو بتوصيف أفضل "البايسمنت"، وأطلق "بودكاست" يبشّر فيه بأفكاره المحافظة وآرائه التي لا تخلو من رهاب "الدولة العميقة" والمؤامرات التي يحوكها "اليسار القذر"، وقد تعهّد بونجينو من البداية بأن يخوض الحرب ضده. الأربعون و"البايسمنت" والخطاب اليميني كانت فأل خير على رجل يصل إلى منتصف العمر من دون وظيفة ومن دون أفق في السياسة. ساعدت قدرات بونجينو في التحدث ساعات بلغة يفهمها الأميركي العادي، كاره الليبرالية والنخب المثقفة وفساد واشنطن ومؤامراتها التي تحاك على مدار الساعة ضدّه. وبسرعة صعد نجم الشرطي السابق إلى ما يشبه القائد الشعبي الذي يجذب برنامجه ملايين المستمعين أسبوعياً. بين هؤلاء المستمعين، كان دونالد ترامب الذي يمضي فترته الأولى في البيت الأبيض ويعلق بين حين وآخر على محتوى بونجينو مبدياً إعجابه الشديد به. شعبيته في اليمين المحافظ ستحمله بطبيعة الحال إلى قناة "فوكس" معلقاً مفوّهاً، قبل أن يطلق عام 2019 موقعاً إلكترونياً مخصصاً لدعم ترامب. وبحسب مجلة "تايم"، فإن صفحته على "فايسبوك" كبرت إلى درجة أنها باتت تحقق تفاعلاً شهرياً يفوق التفاعل على صفحات "نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست" و"سي أن أن" مجتمعة. الانتشار الواسع حقق له برنامجاً باسمه على "فوكس" استمر حتى عام 2023 ليعود بعده إلى "يوتيوب اليمين"، "رامبل"، وقد أعلن لمشاهديه أنه في طور بث الحلقات الأخيرة من برنامجه قبل الانتقال إلى واشنطن نائباً لمدير الـ"أف بي آي". المنصب الحسّاس الذي وصل إليه السياسي الترامبي، هو بحكم التقاليد حكر على عملاء متقاعدين في الجهاز نفسه. لكن أولوية ترامب النسخة الثانية هي تحطيم التقاليد وتعيين مسيّسين ماغاويين في مناصب من المفترض أنها ليست سياسية، في سبيل المكافأة على الوفاء ولاستكمال معاركه ضد خصومه في الوزارات والأجهزة. بونجينو الذي سيتاح له الوصول إلى كلّ الملفات في الجهاز الاستخباري الأقوى داخلياً، سيكون مسؤولاً أيضاً عن إدارة العمليات في مكتب التحقيقات، كما مديره كاش باتيل. يؤمن بونجينو بضرورة تصفية "الدولة العميقة"، ويأتي على رأس مكتب ينتقده بعنف، وينسب إليه دوراً في زرع عبوات قرب مقارّ أجهزة في واشنطن في الخامس من كانون الثاني/ يناير 2021، أي عشية اقتحام مناصري ترامب للكابيتول، كما أنه اتهم الجهاز، ومعه وكالة الاستخبارات المركزية CIA، بضلوعهما في تزوير انتخابات عام 2020. بونجينو لم يتردّد يوماً في نشر كلّ ما يسمّيه الديموقراطيون "معلومات مغلوطة" عن التلاعب بنتائج الانتخابات وسرقة الفوز من ترامب. هذا الجهد المبذول بإصرار من بونجينو كان واحداً من أبواب كثيرة فتحت له الطريق إلى مكتبه الجديد في مبنى جاي إدغار هوفر في واشنطن، وهو يبعد خمس دقائق بالسيارة عن البيت الأبيض.