
«وئام وسلام».. تجسيد استراتيجي لفلسفة القوة الناعمة
تشهد البحرين في هذه الأيام موجة إبداعية متصاعدة، تتغلغل في مختلف المجالات، وتنعكس في صورة تكامل وطني حيّ بين مؤسسات الدولة، الحكومية منها والخاصة، هذا التكامل لم يعد مجرد تنسيق وظيفي، بل تحوّل إلى فلسفة استراتيجية متجذّرة تعبّر عن جوهر الولاء والانتماء، وعن الرغبة العميقة في تحقيق التميز على الصعيد العالمي، لا بالشعارات بل بالفعل، لا بالتنظير بل بالمنجزات.
في كل يوم، تتجلى أمامنا ملامح إنجاز جديد، ينبض بالحياة على أرض الواقع، ليس فقط من حيث ما يقدمه من خدمة أو قيمة مادية، بل من حيث الرسائل الرمزية العميقة التي يحملها، والتي تمسّ وجدان المواطن والمقيم والسائح على حد سواء، إنّه الجمال حين يصبح ممارسة مؤسسية، والإبداع حين يكون مرآة لروح أمة.
وفي هذا السياق، تبرز تجربة «لوحة وئام وسلام» التي رُفع الستار عنها مؤخراً في مطار البحرين الدولي، كأحد أبرز المظاهر التعبيرية عن الهوية البحرينية في أبهى صورها، هذه اللوحة ليست مجرد عمل فني يزين فضاءً عاماً، بل هي تجسيد بصري لجوهر الرسالة الإنسانية التي تؤمن بها البحرين، وتعمل على ترسيخها بكل الوسائل.
لقد جعلت هذه اللوحة من لحظة دخول الزائر إلى مطار البحرين تجربة وجدانية، تتجاوز الشكل الجمالي إلى رسالة ترحيب تحمل أبعاداً ثقافية، وإنسانية، وروحية، إنها بطاقة عبور نحو بلد لا يكتفي بالترحيب، بل يُشعر القادم إليه أنه يدخل بيتاً يعرفه، ويحتضنه، ويقرأ روحه من النظرة الأولى.
وقد جاء إطلاق هذه المبادرة الإبداعية ضمن أجواء احتفالية متزامنة مع سباق «الفورمولا 1» 2025، كإشارة ذكية إلى الانسجام بين الجهد الرسمي وروح الفعالية الدولية، تناغمٌ شاهدناه واضحاً من خلال تضافر جهود وزارات ومؤسسات مختلفة، كلٌّ ضمن اختصاصه، لخلق تجربة متكاملة تُبهر الزائر منذ لحظة وصوله وحتى مغادرته.
ومن أبرز معالم هذا التناغم، ما حققه مطار البحرين الدولي من تميّز عالمي في جوائز «سكاي تراكس» لعام 2025، إذ حصد المركز الثالث عالمياً من حيث خدمات الجوازات، ما يعكس كفاءة الإجراءات وسلاسة التعامل. كما احتل المركز الثالث إقليمياً بين أفضل المطارات في الشرق الأوسط، والرابع عالمياً في سرعة تسليم الأمتعة، والخامس كأحد أكثر المطارات ملاءمة للعائلات، فضلًا عن حصوله على لقب «أنظف مطار في الشرق الأوسط»، وتتويجه كأفضل مطار عالمي في فئة 5-10 ملايين مسافر، هذه المؤشرات لم تأتِ مصادفة، بل هي ثمار لرؤية متكاملة تُدار بحرفية عالية وإرادة لا تعرف التراخي.
إن هذه الإنجازات لا تقتصر على الجوائز، بل تمتد إلى تجربة الزائر نفسه، الذي يلمس منذ لحظة دخوله شيئاً مختلفاً، يتجلى في الوجوه، وفي التعامل، وفي المشهد العام الذي يوحي بالترحاب الممزوج بالهوية.
ثلاثة أيام من «الفورمولا1»، كافية لتُظهر للعالم وجه البحرين المتعدد: وجه الرياضة والفن، وجه العائلة والضيافة، وجه الثقافة الحيّة التي لا تستعرض نفسها، بل تعيش داخل التفاصيل، من «وئام وسلام» في بهو المطار، إلى رمال الصحراء النابضة بالألوان والموسيقى والفعاليات، المشهد المتكامل والراقي، ذو الدلالات العميقة.
وإذا ما نظرنا إلى الأرقام، فإنها تُترجم هذه الروح بدقة: أكثر من 11.3 مليون زائر استقبلتهم البحرين خلال عام 2024، بزيادة 28% عن العام السابق، بينما استقبل مطار البحرين أكثر من 9.8 مليون مسافر محققاً نمواً في حركة الطيران بنسبة تجاوزت 35%. هذه الأرقام تدحض أي تصور بأن ما يحدث هو «طفرة مؤقتة»، بل تؤكد أنه نتيجة لتخطيط استراتيجي، واستثمار طويل المدى في البنية التحتية والهوية الوطنية على حد سواء.
وعلى المستوى الدولي، احتلت البحرين المرتبة الأولى عربياً في مؤشر الكفاءة الحكومية لعام 2024، وفقاً لتقرير المعهد الدولي للتنمية الإدارية، وجاءت في المركز الثالث عربياً في مؤشر الابتكار العالمي في قطاع الثقافة والفن، كما صُنّفت ضمن أفضل خمس دول في الشرق الأوسط من حيث الدعم الحكومي للمشاريع الإبداعية، بحسب تقرير «اليونسكو» حول الصناعات الإبداعية في المنطقة.
كل هذه المؤشرات تشكّل عناصر في معادلة أكبر، عنوانها أن البحرين لم تعد فقط محطة عبور، بل صارت محطة انبهار، وهذا لا يتحقق بالصدفة، بل لأنه نابع من رؤية وطنية تؤمن بأن الفن ليس ترفاً، والثقافة ليست حكراً على النخب، والهوية ليست مادة جامدة، بل روح متجددة، تفتح ذراعيها للعالم.
إن «وئام وسلام» ليست لوحة، ولا حتى بطاقة ترحيب فنية، إنها تجسيد استراتيجي لفلسفة القوة الناعمة، التي باتت البحرين تمارسها باحترافية، كمن يعرف جيداً أن التأثير في هذا العالم لا يُقاس فقط بحجم الجغرافيا أو الثروات، بل بمدى ما تمنحه من معانٍ حقيقية تعيش في ذاكرة الزائر بعد الرحيل، هكذا تكشف البحرين عن وجهها الحقيقي: وجه السلام، وجه الإبداع، وجه الإنسان، وهكذا، تختار البحرين أن تُذهل العالم بهدوء، وتكتب اسمها في سجل الدول الملهمة، ليس فقط بما تحققه من إنجازات، بل بكيفية تقديمها للعالم.
* إعلامية وباحثة أكاديمية

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


البلاد البحرينية
١٥-٠٤-٢٠٢٥
- البلاد البحرينية
الفورمولا 1.. الرصد الرياضي
اختتمت مملكة البحرين فعاليات النسخة الحادية والعشرين من سباق الفورمولا 1 الذي شهد ذكراه الـ 75 هذا العام وسط أنشطة ثقافية وترفيهية ورياضية وإعلامية حافلة شهدتها حلبة البحرين الدولية، ووسط مشاركة عالمية وحضور جماهيري لافت خلال الأيام الماضية، وحتما لا يمكننا المرور على ذلك المكان دون أن تصيبنا حالة من الإلهام ودوار الأفكار التي لا يمكنها أن تتخطى جاذبية الحدث ذاته، حيث تضمن السباق العديد من الفعاليات الترفيهية مثل 'منطقة فان زون' و'تحدي وقفات الصيانة'، بالإضافة إلى حفلات موسيقية وعروض ثقافية متنوعة. وأنا أتابع وأرصد هنا وهناك، رجعت إلى ذكريات الأعوام الماضية التي انطلقت منها هذه السباقات، وتشبعت بفضول الرصد التاريخي للحدث ونجاحاته التي جعلت البحرين تعيش تجربة عالمية في مجال الرياضة وضعتها في أبرز المحطات العالمية في مجال سباق السيارات، حيث ساهم ذلك في إحداث نقلة نوعية في مجال الرياضة والاقتصاد والسياحة، كما أخذني المرصد الصحافي نحو البحث في محطات النجاح التي تحققت في استقطاب العديد من المشاريع والاستثمارات على مدار تلك الأعوام، وما تحقق اليوم من تجديد شراكة الرعاية بين طيران الخليج والفورمولا 1 حتى عام 2027، ما يعكس التزام الناقل الوطني بدعم هذا الحدث الرياضي الكبير. كما أننا وبعد عقدين من الزمن في تاريخ سباق الفورمولا 1 نشهد العديد من التغييرات في نوعية المشاريع والمبادرات، ودورها في تنشيط مسارات التنمية وتعزيز المشاركة لجميع المواطنين في صناعة التاريخ بمعايير عالمية احترافية تضاهي المواصفات العالمية، والتحية العظمى هنا لقيادتنا الرشيدة على عمق الحس الوطني ولجميع المسؤولين في الجهات المنظمة والداعمة لهذه الاستضافة العالمية التي جعلت مملكة البحرين مركزًا رياضيًّا إقليميًّا.


البلاد البحرينية
١٥-٠٤-٢٠٢٥
- البلاد البحرينية
21 عامًا من المجد
ليس من السهل أن تصنع هوية، وأن تحجز لنفسك موقعًا راسخًا في ذاكرة الرياضة العالمية، لكن البحرين فعلتها. على مدى 21 عامًا، ومنذ أن انطلق أول سباق للفورمولا 1 على أرضها في 2004، كتبت المملكة قصة نجاح متجددة، لا تنفصل عن روح الطموح والقدرة على الإبهار. ويعود الفضل في هذا التميز المستمر إلى الرؤية الاستراتيجية الطموحة لصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، الذي آمن مبكرًا بأهمية الرياضة كأداة تنموية واقتصادية وثقافية، وجعل من الفورمولا 1 منصة عالمية تعكس صورة البحرين الحديثة والمتجددة، وتترجم قدرتها على استضافة الفعاليات الكبرى بكفاءة واقتدار. في نسخة 2025 من سباق جائزة البحرين الكبرى لطيران الخليج للفورمولا 1، لم يكن الحدث مجرد سباق سيارات يدور على مضمار الصخير، بل كان مهرجانا رياضيا وترفيهيا وإنسانيا حمل بصمة البحرين الأصيلة في كل زاوية. الحضور الجماهيري الكبير الذي تجاوز 105 آلاف متفرج على مدى أيام السباق، كان شهادة حية على الشعبية المتزايدة للحدث، ليس فقط بين جماهير الفورمولا 1 حول العالم، بل بين أهل البحرين أنفسهم. جيل جديد نشأ على هذه الرياضة، وأصبح جزءًا منها، يعرف أسماء السائقين، ويفهم تفاصيل الفرق، وينتظر لحظة انطلاق السباق بكل شغف. السباق هذا العام حمل طابعا خاصا، ليس فقط بسبب فوز فريق ماكلارين بلقبه الأول في البحرين بقيادة السائق الشاب أوسكار بياستري، ولكن لأن الفريق نفسه بات اليوم بحرينيا خالصا، في انعكاس مباشر لمكانة المملكة في عالم رياضة السيارات واستثماراتها الناجحة. ولا يمكن الحديث عن نجاح الفورمولا 1 دون التوقف عند الفعاليات المصاحبة التي حوّلت الحلبة إلى وجهة عائلية وثقافية وترفيهية بامتياز. من الحفلات الموسيقية، إلى الفقرات التفاعلية، إلى تجربة الجمهور في paddock club، الجميع خرج بشعور أن الفورمولا 1 ليست مجرد سباق، بل تجربة متكاملة. ما يلفت النظر هو أن النجاح لم يكن وليد الصدفة، بل نتيجة تخطيط محكم، وإدارة متمرسة، وعمل جماعي مشترك بين مختلف الجهات. من حلبة البحرين الدولية، إلى الاتحاد البحريني للسيارات، إلى المارشلز، إلى الجهات الأمنية والإعلامية والطبية، الكل أدى دوره بدقة وتفانٍ. وها نحن اليوم، لا نحتفل فقط بنجاح نسخة 2025، بل نحتفي بثبات البحرين على خارطة الفورمولا 1 لأكثر من عقدين، وننظر إلى المستقبل بثقة، لأن ما تحقق ليس قمة الطموح، بل خطوة أخرى نحو آفاق أكبر. نجحت البحرين؛ لأن لديها شغف النجاح. ولديها شعب يفتخر بكل ما يُنجز على أرضه. ولديها قيادة تؤمن بأن الاستثمار في الرياضة هو استثمار في الحاضر والمستقبل.


البلاد البحرينية
١٢-٠٤-٢٠٢٥
- البلاد البحرينية
ختام حافل في القرية الترفيهية.. و 'Axwell' يشعل الليلة الأخيرة
تختتم اليوم القرية الترفيهية للفورمولا 1 فعالياتها في يومها الأخير، إذ استمتعت الجماهير في الأيام الماضية بأيام مليئة بالإثارة في سباق جائزة البحرين الكبرى لطيران الخليج للفورمولا واحد 2025، وشهدت 'قرية الفورمولا 1' في منطقة الترفيه حضورا جماهيريا كبيرا لمعايشة أجواء الحدث الرياضي الأكبر في منطقة الشرق الأوسط والاستمتاع بجميع الفعاليات الممتعة الموجهة للأفراد والعائلات. وشهدت حلبة البحرين الدولية منذ الصباح الباكر تدفق الجماهير، كما استمتعت الجماهير بالعديد من الفعاليات والاستعراضات وعلى رأسها الفرق التي بدأت بعزف ألحانها على المسرح الرئيس منذ الصباح حتى المساء. وقد كان للأطفال النصيب الأكبر من المرح والترفيه وذلك عبر الفعاليات المخصصة لهم، التي لاقت إقبالا كبيرا من العائلات والأطفال، إلى جانب الفرق المتجولة في جميع أنحاء القرية التي أمتعت الجماهير بأجمل العروض الكوميدية والفنية، وكانت فرصة مناسبة لالتقاط الصور التذكارية. جميع هذه الفعاليات وأكثر ستكون موجودة في اليوم الختامي بمنطقة الترفيه الواقعة خلف المدرج الرئيس. اليوم الحفل الغنائي للفنان 'Axwell' وتقدم الحلبة لجماهير سباق الفورمولا 1 اليوم الحفل الغنائي للفنان العالمي والمنتج الموسيقي المرشح لجائزة غرامي Axwell، إذ يقام الحفل اليوم الأحد 13 أبريل، وسيكون الدخول له مجانيا ودون رسوم إضافية، وسيبدأ مباشرة بعد انتهاء الإثارة على المضمار وذلك في تمام 8:30 مساء على المنصة الرئيسة في المنطقة الترفيهية. وشهدت الحلبة يوم أمس ثاني الحفلات الغنائية مع الفنانة العالمية Peggy Gou، إذ حضر حفلها حشد جماهيري كبير.