
الطلحة تشكو الإهمال.. !
قرية الطلحة كما كانت تُعرف قديماً ووصفها الهمداني في كتابه صفة جزيرة العرب وابن خرداذبة في كتابه المسالك والممالك بـ«طلحة الملك» وشهدت حضوراً سياسياً وجغرافياً في العصور القديمة حتى عهد الدولة السعودية المباركة، فشملها ما شمل المدن والقرى والهجر من تطور ورفاهية.
لا تزال قصور قرية الطلحة الأثرية تقف شامخة شاهدة على عراقة الماضي وعبق التاريخ الذي خطّته سواعد قبيلة آل منصور.. هذه القصور بحجارتها القديمة وجدرانها الصامدة تروي حكايات من المجد والتراث الأصيل الذي لم تبُلِه الأيام.
ومع ما تحمله الطلحة من مقومات سياحية نادرة بدءاً من موقعها الفريد وجوّها العليل طوال العام، إلى طابعها المعماري التراثي المميز.. كل هذه المقومات قد تحولها إلى مزار تراثي ومتنفس سياحي لا يخدم فقط أهالي المنطقة، بل يعزز من حضور التراث المحلي في خريطة السياحة الوطنية ويكرّم تاريخ أجدادنا الذين شيدوا هذه القصور بأيدٍ عارية وإرادة من حديد.
ورغم هذا الإرث الكبير تغيب الطلحة اليوم عن خريطة الاهتمام، لا توجد عناية بالمعالم السياحية التي تبرز وجهها الحقيقي سوى قصر الطلحة التراثي الأثري؛ الذي أسّسه شاب من أبناء القبيلة بجهود ذاتية دون دعم يُذكر من الجهات المعنية. هذا الشاب الذي أحب تراث قريته حتى اتّخذه رسالة، ما زال يدفع ضريبة هذا العشق في ظل الصمت وغياب الرؤية والدعم من بلدية محافظة ظهران الجنوب ومن الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني.
كما أن هذا الإهمال، أفقد القرية أهم معالمها التراثية وهو مسجدها القديم.. المعلم الفريد الذي بُني قبل أكثر من خمسة قرون وكان شاهداً على عبق التاريخ وعمق الجذور وعلى امتداد الذاكرة، لكنه للأسف اندثر لتفقد الطلحة بذلك أهم رموزها الروحية والتاريخية.
هدمه ليس مجرد إزالة حجارة بل طمس لجزء من الهوية وروح المكان التي لا تعوّض، إذ إنه كان يدلُّ على التراث المعماري المحلي والإرث الديني والاجتماعي.
إن الطلحة اليوم وهي لا تزال تحتفظ ببعض الإرث التراثي الأصيل تناشد بعين التاريخ وعقل الحاضر وتصرخ: أين أنتم يا من بيدكم رسم خريطة التنمية التراثية؟
أليس من حق الطلحة أن تُدرج ضمن القرى التراثية؟
أليس من واجب الجهات المعنية أن تلتفت إلى كنزها الدفين قبل أن تبتلعه الذاكرة ويطويه النسيان؟
أليس من الإنصاف أن تُساوى بالاهتمام كما هو حال القرى الأثرية والتراثية في المنطقة وأقربها لقرية الطلحة قرية السوق في محافظة ظهران الجنوب أو ما يطلق عليها (الحوزة)؟
سوق «الربوع».. التجارة الآمنة في زمن الخوف
سوق الأربعاء، أو كما كان يُعرف بـ«سوق الربوع» لم يكن مجرد سوق تُباع فيه المواشي والدقيق والهيل والتمر، بل كان حكاية كبرى من حكايات الجنوب شاهدة على زمن الطيبين وزمن القبيلة وزمن «الوجيه» التي كانت صكوك أمان ومواثيق تُحترم بلا ختم ولا توقيع، كان السوق ميداناً للبيع والشراء، وفي الوقت ذاته منصة للصفح وساحة عدل ومأمن وميثاق شرف تحكمه أعراف راسخة كالجبال. «من دخله فهو آمن» حتى لو قتل قبيلة كاملة يبقى «في وجيه» قبيلة آل منصور يام لمدة 12 شهراً لا يُضام.
هذه ليست مجرد رواية، بل هي وثيقة شرفٍ في وجدان أصغر طفل في القبيلة.
سوق الأربعاء في قرية الطلحة، كان دار أمان و«في وجيه القبيلة» تعني أنك دخلت في عهد لا يُنقض.
الاثنا عشر شهراً هي بمثابة فرصة للصلح.. للتحكيم.. للحكمة أن تأخذ مجراها بدلاً من الثأر الأعمى. كان السوق بذلك أداة ضبط اجتماعي وسلام قبلي لا مجرد ساحة للتجارة فقط.
هذه المعلومة أو هذه الوثيقة أو هذا المكتسب القبلي.. جميعها تؤكد أن مجتمع الطلحة لم يكن عشوائياً، بل كان قائماً على قوانين أخلاقية صارمة تُعطي الأمان حتى للعدو إن التزم بحُرمة المكان.
باختصار.. في هذا السوق كان القاتل يُؤمَّن.. ويُحاكم بعين العدل لا بعين الغضب.. «في وجيه آل منصور يام» اثنا عشر شهراً لا يُمسّ فيها حتى يقول العُرف كلمته والحق يأخذ مجراه.
واليوم حين ضمنت الدولة السعودية منذ توحيدها على يد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -طيب الله ثراه- الأمن لكل من على هذه الأرض، لم تعد الحاجة لسوق يمنح الأمان، لكن السوق ما زال يستحق أن يُبعث من جديد.. لا كسوق تجارة فقط بل كذاكرة حيّة وكجسر بين الأصالة والحاضر. فإعادة إحيائه ليست مجرد تنشيط اقتصادي بل إحياء لتراث ثقافي واجتماعي كبير، فيه من الطقوس والروابط ما لا تبيعه ولا تشتريه الأموال.
نعم، نريد السوق.. نريده بكل تفاصيله؛ برائحة الهيل، وصيحات الباعة، وخطى الأجداد على تراب الطلحة.
هذا السوق ليس ماضياً وانتهى، بل حاضر ينتظر من يوقظه.
ذاكرة «الطلحة» تُهدم.. والبديل حوض سمك!
لم يخطر في بالي عندما عدت لقريتي الطلحة، أن أجد معْلماً من معالمها وقد مُسِحَ من الوجود.
دوار المدخل الذي كان يتوسطه مجسّم قصر أثري من الطين شامخ كرمز لتراث المنطقة الجبلي العريق اختفى فجأة.. ليحل مكانه حوض أسماك!
تبدّلٌ غريب لا يمتّ بصلة لبيئة الطلحة الجبلية، ولا يعكس أدنى فهم لطبيعة المكان أو تاريخه، فهل نضبت رمزية الأرض حتى نستلهم من البحر ما نضعه في قلب الجبال؟
أم أن المشهد الجديد مجرد اجتهاد بلا دراسة ولا مشورة أهل البلدة؟
هذا التغيير الذي يتنافى مع الواقع هو طمس لهوية المكان أو تغيير لا يتناسب مع الطبيعة الجبلية والحفاظ على الموروث البصري والمعنوي، خصوصاً في قرى الجنوب التي ما زالت تنبض بذاكرة المكان. في زمن أصبحت الرموز وسيلة اتصال ثقافية، لابد أن يُعاد النظر ليس فقط في الحوض بل في الفكرة ذاتها.
إن تبديل دوّار مدخل الطلحة من رمز للتراث كقصر طيني يروي حكاية الأجداد إلى حوض أسماك، هو مثال صارخ على غياب البوصلة الثقافية عند بعض من بيدهم القرار البلدي.. تخيّل قرية جبلية تعانق السحاب يُوضع على مدخلها حوض مستعار لا يُشبهها ولا يشبه أهلها وكأنها لوحة فنية أُلصق بها إطار غريب!
«وادي الأفياض» يموت بصمت البلدية وعبث الإنسان !
وادي الأفياض أحد معالم أو واجهات قرية الطلحة ومصبها المائي، هو ذاكرة طبيعة ومتنفّس للأهالي والزوار ومكان تستحقه الأجيال القادمة كما استحقه السابقون.
أن يُترك بهذا الشكل ويُهمل من كل الجهات فذاك تقصير لا يليق لا بالمكان ولا بأهله.
التعديات والعبث به وبطبيعته الخلابة أمر محزن، بل وصل الأمر بالمتنزهين ان يتركوا مخلّفاتهم من أطعمة ومشروبات خلفهم لأنهم لم يجدوا مواقع للنفايات، حتى أصبح الوادي مرتعاً للذباب والناموس، كما أصبح موقعاً ومكاناً «للنحّالين» الذين يضعون مناحلهم بالأشهر مع عمالتهم دون أن يراعوا حرمة المكان، وأن هناك عوائل تتنزه فيه.
أما سدّ وادي الأفياض.. هذه التحفة الجميلة التي تقع في صدر الوادي، فقد شيّد على أحدث طراز، لكنه ترك للإهمال.
السد محاط بجبال تشكل لوحة طبيعية آسرة، وكان من الممكن أن تفتح ممرات مشاة آمنة على أطرافه، وإنشاء مظلات وجلسات حجرية تقليدية، وتخصيص أماكن للشواء، وتهيئة موقع للمخيمات العائلية، وإنشاء منصة للمراقبة والتصوير، وربما مهرجان موسمي يُعقد هناك يجمع الناس ويحتفي بالمكان والإنسان.
باختصار..
بلدية ظهران الجنوب مسؤولة، ودورها صيانة المكان، والتخطيط لتطويره، ووضع لوحات توعوية، وتوفير الحاويات، وتعيين مراقبين بيئيين يتفقدون المواقع والمرافق باستمرار.
أخبار ذات صلة
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صحيفة سبق
منذ 2 ساعات
- صحيفة سبق
انطلاق ثاني رحلات العمرة المجانية من حائل إلى مكة المكرمة
انطلقت أمس الخميس في مدينة حائل ثاني رحلات العمرة المجانية للعام الهجري الجديد 1447هـ، والتي ينظمها فريق ساهم التطوعي للعمرة المجانية، بالتعاون مع جمعية الدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات بجنوب حائل. وأوضح فريق ساهم التطوعي أن الرحلة انطلقت صباح الخميس من حائل إلى مكة المكرمة عبر 5 حافلات خُصصت لنقل العوائل من المواطنين والمقيمين، وجاءت على نفقة فاعلي وفاعلات الخير، وتستمر لمدة أربعة أيام. وبيّن الفريق أن الرحلات تشمل السكن في غرفة مستقلة لكل عائلة، والتنقلات الترددية بين المسجد الحرام ومقر السكن، كما تتضمن زيارة المسجد النبوي الشريف خلال رحلة العودة. وعقب وصول الرحلة إلى مكة المكرمة، قال الفريق: "لحظات إيمانية امتزج فيها الفرح بالدعاء، وانطلقت الرحلة نحو أطهر البقاع تحمل في طياتها دعوات السنين ودموع الامتنان. نسأل الله أن يتقبل من المعتمرين، ويجزي كل من أسهم في هذا العمل المبارك خير الجزاء". كما أعلن فريق ساهم التطوعي عن فتح باب التسجيل في ثالث رحلات العمرة المجانية للعوائل لعام 1447هـ، بعدد 500 معتمر ومعتمرة، على أن لا يقل عدد أفراد الأسرة عن 4، مع وجود محرم. وأوضح أن الأولوية في التسجيل ستكون للأسر الأشد حاجة والمستوفين لشروط التسجيل.


صحيفة سبق
منذ 2 ساعات
- صحيفة سبق
جهود ميدانية مكثفة لخدمة المسجد النبوي وتطهيره بأكثر من 2700 لتر معقمات
يحظى مسجد المصطفى -صلى الله عليه وسلم- بعناية واهتمام متواصلين على مدار الساعة من قبل الهيئة العامة للعناية بشؤون الحرمين، لضمان تهيئة بيئة إيمانية صحية وآمنة تُعين الزوار والمصلين على أداء عباداتهم بروحانية وطمأنينة. وتكثّف الهيئة جهودها باستمرار، وجرى استخدام أكثر من (2,700) لتر من المعقمات والمطهرات ضمن خطة شاملة استهدفت استقبال المصلين الذين أدّوا صلاة الجمعة اليوم في أجواء روحانية مفعمة بالإيمان والسكينة. وتشمل أعمال الرعاية اليومية غسل أرضيات المسجد النبوي وساحاته وسطحه أكثر من مرة يوميًا، بالإضافة إلى تنظيف وتعقيم أكثر من (25,000) سجادة يوميًا، وتعطير الأرضيات والسجاد بأجود أنواع الورد المديني، فضلًا عن تعقيم وتطهير مرافق المسجد ودورات المياه بشكل دوري. وتخضع المظلات وفتحات التكييف والجدران لبرنامج صيانة خاص على مدار الساعة، لضمان استمرار مستوى النظافة والجودة بما يليق بمكانة المسجد النبوي الشريف. وتواصل الفرق الميدانية المتخصصة أعمالها باستخدام أحدث الآليات والمواد المعتمدة، تحقيقًا لأعلى معايير العناية، وبما يعكس مكانة المسجد النبوي قبلةً روحيةً للمسلمين من مختلف أنحاء العالم.


صحيفة سبق
منذ 2 ساعات
- صحيفة سبق
في خطبة الجمعة.. إمام المسجد النبوي: المخلصون في الطاعات يسكنون في رضوان الله ورحمته
أوصى إمام وخطيب المسجد النبوي بالمدينة المنورة، فضيلة الشيخ الدكتور صلاح البدير المسلمين في خطبة الجمعة اليوم بتقوى الله ومراقبته، فهي منبع الفضائل، ومجمع الشمائل، وأمنع المعاقل، من تمسك بأسبابها نجا. وقال فضيلته: "ذكر الله تعالى رواء الأرواح وشفاء الجراح وعلامة الصلاح وداعية الانشراح وعين النجاح والفلاح قال جل وعز: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، ومن واظب على ذكر الله تعالى أشرقت عليه أنواره وفاضت عليه آثاره وتوافدت عليه خيراته وتواصلت عليه بركاته، والذكر هو الزّاد الصالح والمتجر الرابح والميزان الراجح فضائله دانية القطوف وفوائده ظاهرة جليّة بلا كسوف. ومضى فضيلته قائلًا: "وقد أمر الله عباده بكثرة ذكره وتسبيحِهِ وتقديسِهِ، والثناءِ عليه بمحامدِهِ وجعل لهم على ذلك جزيل الثواب وجميل المآب، قال جل وعزّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا)، وعن عبدالله بن بسر رضي الله عنه: أنَّ رجلًا قَالَ: يَا رسولَ الله، إنَّ شَرَائِعَ الإسْلامِ قَدْ كَثُرَتْ عَليَّ، فَأَخْبِرْنِي بِشَيءٍ أَتَشَبثُ بِهِ قَالَ: «لا يَزالُ لِسَانُكَ رَطبًا مِنْ ذِكْرِ الله» أخرجه الترمذي، فاذكروا الله في البيع والشراء والأخذ والعطاء والعلن والخفاء والصباح والمساء وعلى وجه الأرض وفي جوّ السماء". وأشار فضيلته أن الذكر يرضي الرحمن ويطرد الشيطان ويقوي الإيمان ويبدد الأحزان ويمنح النفوس الطمأنينة والسكينة والأمان، والذّكر يزيل الوحشة ويذيب القسوة ويذهب الغفلة وينزل الرحمة ويشفي القلوب قال أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه: "لكل شيء جلاء وإن جلاء القلوب ذكر الله عز وجل"، والذكر غياث النفوس الظامئة وقوت القلوب الخالية ونور الدروب الشائكة، وبه تستجلب الخيرات والبركات وتستدفع الكربات والنقمات وبه تهون الفواجع النازلات والحوادث المؤلمات فما ذكر الله عز وجل في مصيبة إلا هانت ولا في كربة إلا زالت. وأبان إمام وخطيب المسجد النبوي في ختام الخطبة أن الأجور المترتبة على الذكر عظيمة لا يعبِّر عن عظمتها لسان ولا يحيط بها إنسان مطالبًا فضيلته المسلمين بالمحافظة على الأدعية والأذكار الصحيحة الواردة في الأحوال المختلفة والإكثار من ذكر الله تعالى في كل حين وأوان.