
أ. د. اخليف الطراونة : الماء والطين: أصل الخَلق وبذور الحياة
أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ﴾
[ يس: 77]
هكذا يصوّر القرآن الكريم بداية الإنسان في أضعف صوره، من نطفة في "قرار مكين' كما سماه الله، أي في الرحم، حيث الحفظ والإعداد. وقبل هذه المرحلة، تخبرنا آيات أخرى عن أبينا آدم عليه السلام:﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ﴾
[ المؤمنون: 12]
فيجمع الخلق بين الماء والتراب… بين السائل والمادة… بين الحياة والكتلة.
إنها المعجزة الكبرى: أن يُخلق الإنسان من طين، أي من مادة الأرض التي نطأها بأقدامنا، ونبني منها بيوتنا، ونزرع فيها قوتنا، ونُوارى فيها بعد الرحيل. ولو تأملنا هذا التركيب لوجدنا فيه من الدروس ما يزهر في عقولنا ويثمر في سلوكنا.
الطين لا يكون طينًا إلا إذا امتزج بالماء. فالماء هو سرّ الحياة، والطين هو رمز التكوين، وما بينهما تسير الحياة الإنسانية. فكما أن الزرع لا ينبت إلا من طين سُقي بماء، فإن الأخلاق لا تنمو إلا في قلب رُوي بالإيمان والعلم. وكما تحتاج البذور إلى بيئة صالحة لتنبت، يحتاج الإنسان إلى بيئة تربوية حاضنة ومُغذية.
فمن الجانب الاجتماعي، نرى أن الإنسان الطيني لا يستطيع أن يتكبر على غيره؛ لأن أصله من تراب. وكل من على الأرض، مهما بلغ من جاهٍ أو مال أو علم، سيعود إلى التكوين ذاته: طين يذوب في طين. وهنا تتجلّى دعوة الدين إلى التواضع، والتكافل، وعدم نسيان الأصل الواحد.
ومن الجانب التربوي؛ نحن مدعوون لأن نُعيد للناشئة هذه الحقائق في مناهجنا وحواراتنا: أن قيمة الإنسان ليست في غلافه المادي، بل في ما يحمله من فكر وسلوك، وأن التربية الحقيقية تُماثل الزراعة في جوهرها: تحتاج لتهيئة التربة، وريّ الفكر، وانتظار النمو بصبر وعناية. والمربي هو الفلّاح، والمعلم هو الساقي، والطالب هو البذرة القابلة للنماء.
أما من الجانب الفلسفي؛ فإن اجتماع الماء والطين يُمثل التوازن بين الثابت والمتغيّر، بين المادة والروح، بين الجسد والعقل. وبهذا التوازن، يُصبح الإنسان مؤهلاً لحمل الأمانة، والتفكر في ملكوت الله، والسعي في إعمار الأرض.
وفي ظل ما نراه اليوم من تغيّر المناخ، وتناقص المياه، وجفاف الأراضي، تصبح الزراعة ليس فقط قطاعًا اقتصاديًا، بل مرآة لقيمنا وأولوياتنا. فكما نحافظ على الأرض ونرويها، يجب أن نحافظ على عقولنا ونغذيها. الزراعة ليست مهنة، بل رؤية: أن نزرع الخير في الأرض كما نزرعه في الناس، وأن نسقي العقول كما نسقي الحقول.
إن أعظم ما نعلّمه لأبنائنا، أن الله خلقهم من طين، وسوّاهم بيده، ونفخ فيهم من روحه… وأنهم كما يزرعون في الأرض يحصدون في حياتهم. فإذا أردنا بناء أجيال تعرف أصلها، وتحترم بيئتها، وتؤمن بقيمة العمل، فلتكن مناهجنا وأحاديثنا اليوميّة مُنصبّة على هذا التكامل: بين الإيمان والمعرفة، وبين الطبيعة والإنسان، وبين الأصل والمصير.
فلنتذكّر دومًا أننا من ماءٍ وطين… فهل نغرس في نفوس أبنائنا ما يجعلهم يثمرون خيرًا كما تُثمر الأرض حبًّا؟
هذا ما نأمله ونتطلع إليه بثقة ورجاء.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


أخبارنا
منذ 3 ساعات
- أخبارنا
بشار جرار : خَدّام
أخبارنا : أسماء كثيرة -ومنها الفقير إلى رحمة الله كاتب هذه السطور- تقوم على صيغة مبالغة لفعل رأى والداه أنه حميد. التبشير بالخير مكرمة وهبني إياها والداي أكرمهما الله ووالدينا أجمعين. تسمى الناس بأسماء كثيرة على هذا الوزن منها ضرغام وصطّام وصدّام وبسّام وقسّام وعزّام وعلّام. لكن حديثنا اليوم إخوتي الكرام عن الصفة لا الاسم. صفة الخدّام وتعني الحرص على الخدمة وأداء الواجب، بمعناها الواسع، غير المحصور بالعمل أو الشغل، ولا قطعا بالوظيفة، سواء أكانت في القطاع العام العمومي، أو الخاص الأهلي. تعلّمت هذه التسمية وتلك الصفة -خدّام- من زملاء أفاضل جمعتني بهم مهنة الابتلاء -لا المتاعب- في المهجر، حيث كان الصحفيون المغاربة الأشقاء يقولون عند الاستفسار عن جدول الدوام بأنه اليوم أو غدا أو بعد غد «خدّام» بمعنى أنه سيكون «مداوما» بلهجتنا المحلية، بمعنى على رأس عمله. وهنا بيت القصيد. من قال إن العمل والخدمة منوطة بمكان أو محصورة بزمان؟ تعلمت أيضا من زملاء كرام من الثقافة الأنجلوسكسونية أن الرسالة أكبر من المهنة، والمهنة أكبر من الوظيفة. المهم أن تكون دائما في الخدمة. وقد كان -أيام الدراسة قبل ثلاثة عقود- ولست أدرى إن كان حتى الآن شعار البريد في المملكة المتحدة «في خدمة صاحبة الجلالة»، أيام الملكة الراحلة إليزابيث الثانية، رحمها الله. هنا في بلاد العم سام، لا يجد الموظف مهما علا شأنه في القطاع الخاص، أو الدولة، أو الجيش، أو الأمن بما فيه الأجهزة الحساسة، بل وبالغة الدقة والحساسية، لا يجد ولا تجد حرجا في الاستمرار في الخدمة حتى الرمق الأخير، اللهم إلا في تقاعد تفرضه ضرورات صحية أو عائلية تقتضي البعد عن الناس، فالبعد عن بعضهم -أي والله- غنيمة! مثالان من الحياة العامة قد يكونان جديرين بالتأمل. سفير عامل ومذيع لامع. كلاهما جمعتهما ضرورات استمرار الحصول على الرزق الحلال من كدّ الجبين، توظيف قدراتهما في الدعاية والإعلان. الدعاية كانت لعقّار «طبيعي» لمقاومة الأرق العابر، والمرضيّ المزمن، على حد سواء. استمر سعادة السفير في تقديم الدعاية حتى بعد توليه مهامه الرسمية في بلد غاية في الأهمية لبلاده. ولما استشعر كثيرون الحرج -وقد كنت منهم- استلم الدعاية ذاتها، ذلك المذيع اللامع. وتوكيدا لنهج الاستمرارية والشفافية، تمت إضافة بضع كلمات، للإشارة إلى استمرار توصية مقدّم الدعاية الأصلي -الأول- بأن المنتج أفضل دواء لداء قلة ساعات النوم أو رداءته! والشعار كان لنجعل أمريكا تنام على نحو عظيم مجددا، بحروف مختصرة بكلمة «ماسا» في محاكاة لحركة «ماغا»! وبلا حرج أيضا، أفصحُ الآن عن مقدمي تلك الدعاية. وأبدأ بالحالي وهو «بِلْ أورايْلي» أحد أكثر المذيعين السياسيين شهرة في أمريكا ومن أعلاهم أجرا -خمسة وعشرين مليون دولار سنويا- حتى تم طرده قبل سنوات إثر فضائح أو مزاعم جنسية رغم التقاضي بشأنها والتصالح والتراضي بين جميع الأطراف المعنية. كثيرة هي الأمثلة من العالم والجوار، حيث لا يتحرج رئيس حكومة بالعودة وزيرا أو مدير مديرية أو دائرة أو العودة إلى مهنته الأصلية التي اكتسب من خلالها -عن جدارة أو تكريما- منصبا عاما. الأصل هي الرسالة والخدمة والمهنة، ومن ثم الوظيفة كباب رزق أو مصدر دخل. واستكمالا لقيمة الخدمة ورسالتها وهي روحيا تعني صنو المحبة وجوهرها وثمرها، أقف بإجلال أمام عسكريين متقاعدين وبرتب عالية يعملون في محال كبرى معروفة في الأمريكيتين وعالميا منها مخصصة لمواد البناء ك «هوم ديبو» أو كل ما يلزم البيت و-الصَّنعة أو المْعَلْمِيّة- وحتى رحلات الاستجمام للعرسان والأسر والمتقاعدين، ك «كوسكو»! تكاد تكون جميع مؤسسات القطاع الخاص والعام في بلاد العم سام، في مقدمة الساعين إلى توظيف عسكريين متقاعدين، لما عرف عن العسكري من انضباط وقدرات قيادية وأخلاقية عالية الجودة عز نظيرها، إلا في عالم الرهبنة، كتلك التي تعرفها منطقتنا، في الإرساليات التعليمية والطبية والرعاية الاجتماعية. الله أسأل أن يزيد عديد الخُدّام في بلادي الحبيبة ووطني الغالي.

الدستور
منذ 4 ساعات
- الدستور
تكريم حافظات القرآن الكريم في احتفالية نظمها منتدى جبل عوف للثقافة بعجلون
عجلون في أجواء من الروحانية والتقدير للإبداع، كرّم المهندس أحمد ذينات، مدير شركة كهرباء إربد الأسبق، ورئيس منتدى جبل عوف للثقافة الأستاذ معاذ الغرابية، كوكبة من الحافظات لكتاب الله، وذلك خلال احتفالية نظمها المنتدى في مركز شابات الهاشمية بمحافظة عجلون. وشهد الحفل حضوراً لافتاً من المهتمين بالشأن الثقافي والديني، حيث أكد الغرابية في كلمته أن المنتدى، وبتوجيهات من الرئيس الفخري الأستاذ الدكتور عدنان مقطش، يحرص على دعم كل مظاهر الريادة والتميز، خاصة في ما يتعلق بحفظ القرآن الكريم، لما لذلك من أثر في بناء جيل واعٍ، يسهم في نهضة الوطن في ظل القيادة الهاشمية. من جانبه، تحدث العميد المتقاعد الشيخ راتب بني عطا عن فضل تعليم القرآن وتعلّمه، وما يتركه من أثر بالغ على الفرد والمجتمع، داعيًا إلى مزيد من الجهود في هذا المجال المبارك. كما أشار المهندس ذينات إلى أن هذا الإنجاز الروحي العظيم يجب أن يُترجم إلى سلوك يومي يعكس أخلاق القرآن وتعاليمه، ويؤسس لحياة إيجابية نافعة. وفي لفتة مؤثرة، ألقت الطالبة جنى العرود، إحدى الحافظات، كلمة استعرضت فيها تجربتها الملهمة في حفظ كتاب الله، مشيرة إلى ما أضفاه القرآن على حياتها من نور وإيجابية على المستويين السلوكي والروحي. وقد أدارت فقرات الحفل الطالبة شيرين غرايبة، حافظة كتاب الله وطالبة كلية الطب في جامعة اليرموك، بكل اقتدار. وفي ختام الحفل، جرى تكريم الحافظات وسط أجواء من الفخر والتقدير، ليبقى هذا الاحتفاء شهادة على أهمية دعم الطاقات الشابة وتكريمها في مسيرتها نحو الإبداع والتميز.

عمون
منذ 4 ساعات
- عمون
الحاجة فريال عبدالمطلب أبو زر "أم أحمد" في ذمة الله
عمون - انتقلت الى رحمة الله تعالى، الحاجة فريال عبدالمطلب ابو زر "ام احمد" ارملة المرحوم جمال التلولي . وسيشيع جثمانها بعد صلاة ظهر يوم غد الاربعاء من مسجد الحمد في مأدبا الى المقبرة الاسلامية – طريق نتل. والمرحومة والدة احمد ومحمد واسامة وسجى،وشقيقة محمد وياسر وصفاء وانعام ومنتهى. وتقبل التعازي في صالة الترحيب بالقرب من مديرية زراعة مأدبا بعد الدفن مباشرة ،ويوم الخميس من الساعة الرابعة عصرا وحتى الساعة العاشرة ليلا. إنا لله وإنا إليه راجعون.