logo
مذيعو الـ"توك شو"... عرافون في زمن الـ"ترند"

مذيعو الـ"توك شو"... عرافون في زمن الـ"ترند"

Independent عربيةمنذ 6 أيام
ربما انخفضت نسب المشاهدة المحمومة لبرامج الـ"توك شو" في مصر في العقد الأخير، إذ أتت الـ"سوشيال ميديا" على وقت المشاهدة وعقل المتابع وقلب الحدث وكذلك محتوى التحليل، بغض النظر عن كم التضليل والأكاذيب واختلاط حابل الحقيقة بنابل التدليس والتلفيق.
انصرف الملايين بعيداً من ملوك الـ"توك شو" الذين كانوا حتى عقد قريب مضى أو أكثر قليلاً جزءاً من عوامل التغيير، وترساً في محركات الوعي وأداة للمعرفة ووسيلة لصناعة الفكرة ومثبتاً لها ومزيلاً.
الأعوام القليلة الماضية شهدت تغيرات عدة في المشهد الإعلامي التقليدي في مصر، وتعددت القنوات وزادت البرامج وتنوعت التخصصات، لكن كثراً يرون أن تعددية الأصوات تقلصت، وهوامش التعبير ضاقت، وأن ملوك الـ"توك شو" الذين ظلوا أعواماً قبل أحداث يناير (كانون الثاني) 2011 وحتى أعوام قليلة مضت صمام أمان غضب المصريين، ولسان حال المتضررين والشاكين والمعترضين بصورة عامة، وذلك بين أوجاع اقتصادية وسخط من مستوى جودة خدمات هنا أو أولويات اهتمام بملفات هناك، تغيرت نبراتهم وتبدلت مضامين برامجهم.
وداعاً للمكانة السامية
وبعد أعوام حظي خلالها ملوك وملكات الـ"توك شو" في مصر بمكانة سامية وشعبية طاغية ومحبة فائضة بين الجماهير العريضة في ربوع مصر من قرى ونجوع ومدن ومنتجعات، وحتى بين المصريين في الخارج، أخذ نجمهم ينطفئ وأثرهم يتضاءل، والبساط يسحب من تحت أقدامهم ويوجه صوب الـ"سوشيال ميديا"، ليس هذا فحسب، بل إن البعض من ملوك الـ"توك شو" ممن توقفت برامجهم، أو تم الاستغناء عن خدماتهم، أو لم تعد هناك مساحة مناسبة لمحتواهم غزوا أثير الـ"سوشيال ميديا" مزاحمين مؤثريها ومؤثراتها بحثاً عن الوجود أو الاستمرار في تقديم رسالة ما أو كليهما.
في الوقت نفسه انسحبت نسبة معتبرة من الجماهير الغفيرة من أمام شاشات التلفزيون التقليدية، مفضلة عليها محتوى الـ"سوشيال ميديا"، وذلك لأسباب عدة، بعضها يتعلق بانتهاء فترات الاضطرابات السياسية الشديدة، والشعور بإنهاك ما بعد أدرينالين الثورات والأحداث المتصاعدة، إضافة إلى التنوع الشديد في محتوى الـ"سوشيال ميديا"، بدءاً من كيفية صناعة كيكة من دون طحين وانتهاء بـ"تفسيرات لنظريات المؤامرة الكونية" و"تحليلات لوثائق مسربة" و"تحذيرات من نهاية العالم" وغيرها كثير.
وضمن الأسباب ما يصفه البعض بـ"رتابة" محتوى برامج الـ"توك شو"، أو "ميل المحتوى إلى إرضاء المسؤولين"، أو "اختفاء مشكلات الناس وقضاياهم" وفي قول آخر "التعامل مع مشكلات الناس وقضاياهم بحرص بالغ" وصفها أحدهم بـ"باتوا يصنعون من القبة حبة" أي إن مذيعي الـ"توك شو" باتوا يقللون من حجم المشكلات.
حتى استطلاعات الرأي والقياسات التي كانت تجري لتحديد أكثر البرامج مشاهدة تحولت دفتها صوب قياس الأكثر مشاهدة بصورة عامة، من مسلسلات ومباريات رياضية وبرامج دينية، إضافة إلى الـ"توك شو".
وما كانت تفرد له صفحات في الإعلام الغربي للكتابة عن تأثيره في الشارع وظلاله في السياسة وقوته في المجتمع وقدرته الفائقة على صناعة وتوجيه وشفاء غليل الرأي العام غاب عنها، لكن الدور الجديد والأثر الفريد لعدد من هؤلاء الملوك لا يعرفه أو يشعر به إلا المواطن المصري.
دور استشرافي استشفافي
الدور الجديد فيه كثير، استشفافات واستشرافات وأخبار، وكذلك رسائل وتوقعات وتكهنات بعضها يتحول إلى حقائق بعد أيام معدودة، وهو ما يثير قدراً من الدهشة لدى البعض، أصبحت عبارات مثل "مذيع يحذر من موجة جديدة في الأزمة الاقتصادية" و"مذيع يؤكد أن مسؤولاً كبيراً سيستقيل بعد أيام" و"مذيع يقول إن الرئيس سيتدخل لإيقاف قانون نصرة للمصريين البسطاء"، و"مذيع يشير إلى أن المنطقة ستشهد حدثاً جللاً قبل نهاية الشهر"، أو "مذيع يتوقع ظهور حزب جديد قوي على الساحة السياسية"، و"مذيع يتوقع إقبال رجال الأعمال المصريين والصينيين على الاستثمار في مصر قريباً"، وكذلك "مذيعون يحذرون من خطر قريب قادم سيؤثر في مصر كثيراً"، و"مذيع يؤكد أن خبراً عظيماً سيفرح قلوب المصريين قريباً" وسلسلة التوقعات لا تتوقف.
الدور الغريب الذي يقوم به بعض الإعلاميين من توقعات، سواء سلبية أو إيجابية يطرح عدداً من علامات الاستفهام والتعجب، مع إجابات هي أقرب ما تكون إلى التحليل.
حدث جسيم قادم
"حدث جسيم قادم" عبارة مرعبة ترددت على ألسنة عدد من المذيعين قبل أسابيع في برامج الـ"توك شو" الرئيسة على القنوات التلفزيونية، الغريب أن كل المذيعين الذين رددوها لم يذكروا أية معلومات حقيقية، أو يربطوا أحداثاً بعينها بالحدث الجسيم المتوقع، كذلك فإن مساحة التحذير استغرقت بضع دقائق على القنوات، وهو ما تلقفته الصحف والمواقع الخبرية بعدها بدقائق ليصبح العنوان الأبرز "الإعلامي فلان يحذر من حدث جسيم" وفي قول آخر "خطر"، وعلى خلفية "الحدث الجسيم"، خرج الإعلامي عمرو أديب ساخراً ومتسائلاً في برنامجه عن "هذا الخطر الجسيم" الغامض، موجهاً الانتقادات الحادة لزملائه الذين أطلقوا التحذير المبهم الذي من شأنه أن يثير الفزع، وقال إن "من ضمن الخزعبلات التي تقال، الحديث عن حدث مهم سيقع خلال الفترة المقبلة، والتحذير مما سيحدث"، وأضاف متسائلاً: "ما الحدث الكبير أو المصيبة التي ستحدث؟ كفاية إحنا (نحن) تعبنا"، واصفاً هذه "التحذيرات" و"التوقعات" بـ"المبهمة" التي هي أبعد ما تكون عن عقلية بلد تسير إلى الأمام.
هذا التحذير الغريب أدى إلى تفجر موجة شعبية من التكهنات بين متوقع بأن يكون الحدث الجسيم مرتبطاً بحرب القطاع، ومحاولات الضغط على مصر لاستقبال أهل غزة في شمال سيناء، أو موقفها "الحريص" من الإدارة السورية الجديدة التي تلقى ترحيباً واسعاً في دول غربية عدة، ومفسراً بأن هذا التحذير على الأرجح يتعلق بإجراءات اقتصادية جديدة من شأنها أن تفاقم الأزمة أو تعويم جديد للعملة أو زيادة مرتقبة في أسعار الوقود أو شرائح الكهرباء أو المخزون الاستراتيجي من الغذاء وغيرها كثير.
تمهيد لقرارات
آخرون اعتبروا التحذير الموحد من قبل عدد من مقدمي الـ"توك شو" بمثابة تمهيد لقرارات اقتصادية موجعة تفاقم من آلام المصريين، أو تحضير لحزمة ضرائب أو رسوم أو غيرها من الأعباء الإضافية.
وسواء كانت هذه أو تلك، بقي السؤال الأكبر بلا إجابة: لماذا أطلق مذيعو الـ"توك شو" هذا التحذير؟ وهل ارتكنوا إلى معلومة؟ أم كانوا يبحثون عن منفعة ما؟
مضى التحذير وبقي الحدث الجلل
مضى التحذير، ومضى السؤال، واكتفى البعض بالقول إن الحدث الجلل كان الضربات التي وجهتها إسرائيل لإيران بكل تأكيد، باعتباره الحدث الجسيم الوحيد الذي جرى بعدها بأيام، البعض الآخر أبقى على أبواب أخرى مفتوحة، مثل العمل على إبقاء الجماهير على أهبة الاستعداد نظراً إلى سخونة الأحداث في المنطقة، أو تحضير القاعدة العريضة لفكرة توسع قاعدة الحرب في أية لحظة، أو رسالة غير مباشرة بأن المنطقة مشتعلة حرفياً وهو ما يستدعي مزيداً من تحمل الأوجاع الاقتصادية.
تكهنات المذيعين تؤدي إلى تكهنات المشاهدين، وحتى لو لم يكن المشاهد ملتصقاً بشاشة التلفزيون، فإن هذه التوقعات السياسية والتكهنات الاقتصادية والتحذيرات الكونية تعرف طريقها سريعاً من شاشة التلفزيون إلى منصات الـ"سوشيال ميديا"، حيث تخضع لعمليات الانشطار المتناهية السرعة والتداول الهادف إلى "الترند".
اللافت أن التحذير من الحدث الجسيم تحول في دقائق معدودة إلى "الهاشتاغ" الأكثر تداولاً، والخبر الأكثر تعليقاً، والقضية الأكثر طرحاً في فيديوهات المؤثرين وتحليلات المؤثرات.
صناعة "الترند" والخوف
بعض الخبثاء يلوحون أن اللجوء إلى التكهنات ربما يتعلق برغبة في صناعة "الترند"، ومزاحمة الـ"سوشيال ميديا" في عقر دارها الجاذب للمتابعين، وإعادة قاعدة المشاهدين التي هربت إلى المنصات الحديثة.
"الحدث الجسيم" أو "الخطر" لم يكن التكهن الوحيد الذي صنع هالة من الدهشة حول مذيعي "التوك شو"، فبين الوقت والآخر، يخرج أحد المذيعين ليتوقع نجاح اجتماع أو فشل قمة أو تأسيس حزب أو سن قانون أو فوز فريق أو دخول جرارات.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في فبراير (شباط) الماضي توقع الإعلامي عمرو أديب عبر برنامجه أن تدخل الجرارات والماكينات إلى قطاع غزة من أجل إعادة التعمير، واصفاً توقعه بـ"عندي معلومة".
معلومة في ثوب توقع أعلنها الإعلامي وعضو مجلس النواب مصطفى بكري أيضاً قبل نحو ثمانية أشهر، حين قال عبر برنامجه إن حزباً سياسياً جديداً ووجوهاً فاعلة جديدة ستخرج إلى النور قريباً، بعدها بأسابيع، تم الإعلان عن تأسيس "حزب الجبهة الوطنية"، وهو الحزب الذي يتوقع مراقبون أن يحل محل حزب "مستقبل وطن" كحزب الغالبية (من جهة عدد المقاعد في مجلس النواب).
عوامل مساعدة
العوامل المعضدة لقدرات المذيعين على التكهن مختلفة، فهناك من تربطه علاقات قوية بالمسؤولين مما يتيح له معرفة معلومة، وهناك من يتم تقديم معلومة له ليتم بثها، وهناك من يعتمد في تكهناته على قدرات تحليلية وملكات حسابية، وقبل أشهر قليلة، توقع مذيع "توك شو" شهير أن تكون مصر من أهم 10 اقتصادات في العالم بحلول عام 2075، وذلك "بناء على إحصاءات ومعادلات"، مؤكداً أنه متفائل على رغم كل الأزمات.
مثل هذه التكهنات يفسرها البعض في ضوء محاولات بث الأمل، لا سيما في الأوقات الاقتصادية الصعبة، لا سيما حين يكون توقيت حدوث التحسن بعد 50 عاماً، أي إن غالب البالغين اليوم سيكونون قد رحلوا عن الدنيا أو بلغوا من العمر أرذله في الوقت المحدد لتحقق التكهن.
ومن صناعة الأمل إلى صناعة الخوف، التي يرجح البعض أن تكون الهدف من بعض التوقعات، لا سيما تلك التي تجعل البعض يفكر مرتين قبل المطالبة بمزيد من الخدمات أو تحسين الأوضاع أو الاعتراض على سياسات، حيث الأخطار الكبرى تدحض المخاوف والمواجع الصغرى.
تمهيد بدل الصدمة
بعض التوقعات التي يذكرها مذيعو الـ"توك شو"، مثل زيادة أسعار الوقود أو الكهرباء، عادة تكون تمهيداً للرأي العام بدلاً من صدمة الزيادة من دون مقدمات، أو قياساً لرد الفعل تحسباً لما لا تحمد عقباه، وعلى رغم التحول الكبير من برامج الـ"توك شو" صوب الـ"سوشيال ميديا"، فإن هذا النوع من التكهنات يعرف طريقه سريعاً إلى وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما يؤدي الغرض، إذ التعليقات وردود الفعل وغيرها تكشف جزءاً من نبض الشارع.
تتضاءل مساحات التعبير في وسائل الإعلام حيناً، ويشعر المشاهد بالحاجة إلى طلب اللجوء في رحاب الـ"سوشيال ميديا" حيناً، لكنه يعود إلى شاشات التلفزيون، وتحديداً برامج الـ"توك شو" إما في أوقات الأزمات للبحث عن موقف الدولة الرسمي الذي سيتحدث عنه حتماً المذيع الفلاني في مقدمة البرنامج، أو في حال تكهن أحدهم بإجراء أو حدث أو قرار أو إقالة أو استقالة أو "حدث جسيم"، وعلى رغم ذلك يبقى ملك التوقعات السياسية وكبير عرافيها الإعلامي توفيق عكاشة.
ملك التوقعات
توفيق عكاشة الذي ظل يثير الجدل وأحياناً السخرية وربما الخوف والترقب، بسبب "تكهناته" السياسية الداخلية والخارجية عبر برنامج "مصر اليوم" عاود إطلالاته التكهنية قبل أيام، ولكن كضيف مع الإعلامي مجدي الجلاد، رصيد عكاشة من التكهنات طويل، بين توقعات بحرب ضروس في منطقة الشرق الأوسط، واندلاع حرب في السودان، وحرب روسيا في أوكرانيا، إضافة إلى توقعاته للمنطقة العربية، واختفاء دول واندماج أخرى، ناهيك بتوقعاته على الصعيد المصري الداخلي إبان حكم جماعة الإخوان المسلمين عام 2012، التي تحقق كثير منها يجعله "ملك التوقعات" في العرف الشعبي المصري.
عكاشة لم يفصح يوماً عن "مصادره" التي يستقي منها تكهناته، حتى إن مجدي الجلاد سأله ساخراً إن كانت له صلات بأجهزة استخباراتية تمده بمعلومات، لكنه أيضاً قال قبل أعوام إنه قادر على استشراف المستقبل، بفعل معلومات وقدرات وملكات.
قبل أعوام قليلة مضت خرج عكاشة من عباءة مذيع "التوك شو" ذي الشعبية والقدرة على توجيه الرأي العام إلى أيقونة لدى قطاع عريض من المصريين، وكان يقال إن جمهوره هم البسطاء وأنصاف المتعلمين، لا سيما أنه كان يتحدث بلهجة قروية وكثيراً ما يزج بالبط والإوز والجرجير في حديثه عن السياسة والاقتصاد، لكن طبقات أخرى في المدن والتجمعات الراقية كانت تتابعه سراً، لماذا؟ لأنه كان "يتنبأ" بأحداث لا تلبث أن تقع فعلياً.
ربما يكون المصريون قد هجروا الـ"توك شو" كوسيلة التسلية الأولى، ومنبر المعرفة الأفضل، وصمام الأمان الأنجع لتفريغ شحنات الغضب، لكنهم يعودون إليه كلما تكهن مذيع بحدث جسيم أو توقع آخر إجراءً خطراً.
المثير أن تعليقات كثر عن هذه القوة والقدرة الاستشرافية الخطرة تكشف وعياً بما وراء التكهنات ومعرفة بالمقصود من التوقعات.
أما الأكثر إثارة فهو أن الطرفين، المذيع المتكهن والجماهير الغفيرة، على دراية كاملة بقواعد لعبة التكهن، هذا يكسب "ترند" وشهرة وانتشاراً، وهؤلاء يستشرفون إما ما هم مقبلون عليه أو ما يجري قياسه أو توجيهه.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

"السبيبة" رقصة انتصار الطوارق على الزمن
"السبيبة" رقصة انتصار الطوارق على الزمن

Independent عربية

timeمنذ 6 ساعات

  • Independent عربية

"السبيبة" رقصة انتصار الطوارق على الزمن

لا تزال الأساطير حاضرة في مخيال سكان صحراء الجزائر وتعتبر جزءاً لا يتجزأ من التقاليد والثقافة المحلية التي لا يمكن تجاوزها، ورقصة "السبيبة" قطعة من روح وذاكرة مجتمع الطوارق، إذ يعود تاريخها لـ 3 آلاف عام، وقد أُدرجت في قائمة التراث الثقافي غير المادي لمنظمة الـ "يونيسكو" منذ عام 2014، فما قصة هذا المهرجان؟ بقدر صحراء الجزائر الشاسعة تتنوع التقاليد وتتضاعف الأساطير لتبقى مهرجانات "السبيبة" وحدها تلفت الانتباه وتثير الاهتمام وتجلب السياح، ليس بسبب الرقصات والأغاني التي تقدمها مختلف الفرق، بل لما يتردد حولها من روايات. وتخص "السبيبة"، التي تعرف بعيد السلام والتسامح، الطوارق الذين يقطنون صحراء الجزائر، وتقام سنوياً بين الأول من محرم حتى الـ 10 منه بحسب التقويم القمري الإسلامي، وتنظم طقوسها الاحتفالية في منطقة جانب الواقعة جنوب شرقي البلاد على الحدود مع ليبيا والتي تبعد نحو 2300 كيلومتر عن العاصمة الجزائر. وتقام التظاهرة التاريخية الغنية بالإيقاعات الراقصة التي يتداخل فيها التراث الشعري والموسيقي والكوريغرافي الراقص مع الأزياء ذات الألوان الزاهية المتوارثة عن جيل لآخر، في الطاسيلي ناجر، وهو المكان المشهور بآثاره التاريخية ومناظره الصحراوية الخلابة، ليتحول بذلك إلى مسرح مفتوح على الطبيعة. روايات وأساطير ويعود تنظيم هذا الاحتفال لعام 1230 قبل الميلاد، وفق روايات محلية، بينما يورد آخرون أنه يقام في ذكرى الصلح التاريخي بين قبيلتي أورارم وتارأورفيت بعد حرب ضروس بينهما تعود للألف الثالث قبل الميلاد، في حين تشير أسطورة متداولة إلى أن الأمر يتعلق بانتصار النبي موسى على فرعون وموت الأخير غرقاً في البحر، إذ عم الفرح والسرور أفراد القبيلتين المتناحرتين الذين اكتشفوا أن ما يجمع بينهما أعمق وأبعد من الخلاف الحاصل، وتقرر إثر ذلك عقد الصلح وتكريس 10 أيام مشتركة تنحر فيها الذبائح وتقام الولائم. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) كما تتحدث روايات عن أن المناسبة تتعلق بالدين الإسلامي على اعتبار أنها تتصادف مع الأيام الـ 10 الأولى من محرم، الشهر الأول من التقويم الإسلامي، وبالتالي فهي ترمز إلى نهاية عام وبداية آخر، إضافة إلى أنها تجسد نجاة وانتصار النبي محمد على قبيلة قريش الوثنية ونقل رسالته إلى المدينة. وترتبط كتابات الاحتفالية بطائفة الشيعة بسبب الفترة التي تقام فيها والمتزامنة مع عاشوراء، ثم الطقوس التي تقوم خلالها النساء بتلطيخ وجوههن بالدماء في استعادة لما حدث في كربلاء ومقتل الحسين بن علي. ويستعد سكان قبيلتي زلواز والميهان في منطقة جانت جنوب شرقي الجزائر، على مدى الأيام التسعة الأولى من المحرم، والتي تعرف بـ "تيمولاوين" لإقامة يوم كبير من الاحتفالات الكرنفالية المقدسة التي يطلق عليها "السبيبة"، إذ تشمل التدريبات آلة الدف المسماة "غانغا" والمكونة من قطعتين من الجلد مثبتتين حول إطار خشبي، وتمسكها النسوة بيد واحدة وتضربها بالأخرى بعصا خشبية، كما تردد النسوة غير المتزوجات، سواء كن من الفتيات أو من الأرامل والعجائز، بعض الأغاني من تراث الطوارق، بينما يختص الرجال بحركات رقص بالسيوف والأسلحة المختلفة. يوم الكرنفال الكبير رجل يدعى أمغر يرتدي سترة زرقاء ويشرف على التدريبات التي تشهد منافسة بين الأفراد بغرض انتقاء الأفضل الذين يحيون "السبيبة" في اليوم الـ 10 والكبير، وفي اليوم المنشود يجتمع سكان المنطقة من الطوارق لإحياء كرنفال رقصة "السبيبة" ومشاهدة العرض بين الفريقين المنتخبين من قبيلتي زلواز والميهان في موضع محدد وسطي بين القريتين على هيئة ملعب يدعى "لوغيا"، إذ تشهد الفقرة الصباحية التي تسمى الـ "تكامسين" استعراض الرقصات بالأزياء التقليدية والمنافسة على أجملها وأكثرها رقياً، في ظل ارتداء النسوة لباساً تقليدياً يدعى "بايختاين" كثوب رئيس مع الـ "تابركامت"، وهو قطعة قماش تلف كل باقي الجسد باللونين النيلي والبني أو الأبيض، وتتزين بالفضة بمختلف أشكالها وأبرزها الـ "تاكاردي" الضخم المكون من مثلثات، في جو ترافقه أهازيج النسوة والضرب على الـ "غانغا" مع ترديد الأغاني التي تروي قصص الماضي الغابر وحكايات الحرب والحب والخصوبة. وبعد استراحة الظهيرة يخرج الرجال في منافسة المبارزة بحماسة ونشوة ممزوجة بالإيقاع والأصوات الأنثوية، ثم يدخل الاحتفال مرحلة تسمى الـ "أريلي" يحمل فيها كل راقص سيفاً في يد ووشاحاً في الأخرى، ويمتزج إيقاع الحركات بمجموعات الموسيقيين أثناء غناء الشعر المسمى بـ "تيسواي"، فترقص فرق زلواز والميهان على أنغام موسيقى الـ "غانغا" مشكلة فسيفساء رائعة من الألوان والأناشيد والحركات البارعة المنسجمة، يزيدها تشجيع الحاضرين حماسة وتعبيراً في انتظار إعلان هيئة المحكمين اسم الفائز بشرف ارتداء اللباس التقليدي المقدس وهو "قناع التاكنبوت"، ليفترق الجميع بعد غروب الشمس. وقد أدرجت منظمة الـ "يونيسكو" في عام 2014 احتفال "السبيبة" ضمن التراث العالمي اللامادي للإنسانية بعد أعوام من التحضير للملف الذي تكفلت به وزارة الثقافة عبر مسؤولي الحظيرة الثقافية للطاسيلي بالتعاون مع سكان المدينة والفاعلين في فرقة "السبيبة"، إذ استطاعوا الحفاظ على هذا التراث واستمراره إلى اليوم على مستوى أحياء الميهان وزلواز التي تعد أعرق أحياء المدينة.

الكوميديا... صناعة أفسدها سؤال الضحك
الكوميديا... صناعة أفسدها سؤال الضحك

Independent عربية

timeمنذ 5 أيام

  • Independent عربية

الكوميديا... صناعة أفسدها سؤال الضحك

على مستوى أسماء نجوم الكوميديا في المنطقة العربية والعالم أيضاً، يتولى جيل جديد زمام الأمور تدرجياً، إذ تحقق أعمالهم نجاحاً ملاحظاً لأن مفرداتهم الكوميدية أكثر قرباً من الشريحة الأكبر من جمهور الأفلام والمسلسلات، وقد يكون هذا السبب الذي جعل بعضاً من مشاهير الكوميديا من الجيل الأكبر عمراً غير قادرين على الإمساك بوجهة البوصلة الصحيحة لما تتطلبه الأعمال الفكاهية الناجحة هذه الأيام، ولهذا فقد شهدت تجارب بعضهم أخيراً تعثراً ملاحظاً. وبالنسبة إلى الأجيال الجديدة فإن بعض الأعمال التي تصنف على أنها أيقونية في مجال الكوميديا فإن قلة نادرة منها هي التي يمكن أن تقنعهم بالضحك، واللافت أيضاً أن بعض المشاهدين المخضرمين الذين عاصروا أكثر من حقبة فنية يجدون أن ما يضحكهم بالأمس لم يعد له الوقع نفسه حالياً، فربما المستويات المتقدمة من المحتوى المعروض عبر مواقع التواصل الاجتماعي أثرت بصورة كبيرة في طريقة التلقي لدى الجميع، لكن يظل الأمر أكثر وضوحاً مع من هم أصغر سناً مع اتساع الفجوة وكذلك المصادر التي يعتمد عليها الأطفال والمراهقون في تشكيل ثقافتهم الشعبية، فسواء كان العمل يعود لزمن الأبيض والأسود أم لسبعينيات أو حتى تسعينيات القرن الماضي، فغالبيتهم لن يفهموا لغته الكوميدية وسيعتبرونه سمجاً ومصطنعاً وأبطاله يبالغون في سذاجتهم غير المنطقية لإضحاك المشاهد رغماً عنه، لأن كل ما يهمهم هو الفكاهة وقضاء وقت مسلٍ والذي هو بالضبط أحد تعريفات فن الكوميديا منذ أن عرفت، وفق المراجع الأكثر شيوعاً في القرن الخامس قبل الميلاد، مع ألوان كثيرة من الدراما في بلاد الإغريق. وعليه، هل الكوميديا هي أكثر أنواع الدراما عداء لمرور الوقت مقارنة بالتراجيديا؟ أم أن متطلبات الفكاهة في هذا الزمن أصبحت شديدة الصعوبة بفعل المعايير العالية المتوقعة لدى مستهلكي هذا الفن نظراً إلى أن ثقافتهم "الإنترنتية" تجعلهم يطالعون محتوى بلا نهاية وبلا سقف تقريباً؟ تربية الـ "سوشيال ميديا" بعض من نفور الأجيال الجديدة من الأعمال الكوميديا القديمة قد يعود لمستوى الصورة والألوان مقارنة بالتقدم الهائل في جودة العرض حالياُ ومؤثراته، وكذلك من الطبيعي أن تتغير قوائم الأعمال الفنية المفضلة بصورة عامة، وفي بعض الأحيان لا يكون التغيير جذرياً فقد يحدث تنقيح وإعادة ترتيب، سواء في ما يتعلق بالأغنيات أو المسرحيات وأيضاً الدراما بأنواعها كافة، لا سيما في الكوميديا، ومع ذلك كانت هناك كلاسيكيات بارزة لها مكانتها. لكن على ما يبدو أن الجدل بخصوص هذا الأمر قد شغل كثيرين ولا سيما مع سيل مواد الإضحاك التي لا تتوقف عبر مواقع التواصل الاجتماعي، سواء من الهواة أو المحترفين، وسواء كانت المواقف المزعومة عفوية أو جرى التدبير لها، فالنتيجة أن صناعة الكوميديا أصبحت صعبة للغاية وهو أمر أقر به من يعملون في هذا المجال مراراً، إذ يبذلون مجهوداً مضاعفاً لمجاراة توقعات المشاهد. يتفق المؤلف المصري أيمن سلامة مع ما سبق لافتاً النظر أولاً إلى أنه من المعروف في كل عصر أن إضحاك الناس أصعب كثيراً من إصابتهم بالحزن في الدراما، ولهذا فإن فن كتابة الكوميديا مهارة لا يجيدها إلا قلة. مستشهداً بأعمال عدة نجحت في أن تخرج عن المألوف وتقدم وجبة فكاهية تحترم عقلية المشاهد، وبينها مسلسل "أشعل شقة"، لكنه تابع أن سلوك الجمهور تغير كثيراً بفعل مواقع التواصل الاجتماعي مما يجعلهم يفقدون متعة متابعة العمل الفني بصورة سليم. ويشير أيمن سلامة إلى أن "هذا ما أطلق عليه تربية الـ 'سوشيال ميديا' حيث المشاهد يتابع العمل وهو متحفز للبحث عن ثغرات أو عبارات يكتبها في تدوينة تساعده في السخرية من مشهد ما، ولهذا فصناعة الكوميديا والدراما عموماً باتت معقدة وصعبة لأنها توجه لمشاهد يتغير باستمرار، فقديماً كانت الأمور أبسط كثيراً، لكن الآن الجميع يفتش في كل لقطة عن شيء يمكن أن يصنع منه محتوى والنتيجة أنه يفقد فضيلة الاستماع والقدرة على الضحك، لأنه يركز في أشياء أخرى"، مضيفاً أن مقومات الكوميديا لاتزال كما هي ولكن الوصول لمرحلة إبهار ومفاجأة الجمهور تزداد تعقيداً. عواصف إسماعيل ياسين ومن المسلّم به أن الكوميديا اختلفت على مدى أجيال، ولكن الموهبة والصدق الفني ظلا قيمة كبيرة وضلعاً أساسياً في المعادلة، فعلى رغم اختلاف المدارس الفنية بين نجيب الريحاني وفؤاد المهندس وعادل إمام، وصولاً إلى محمد هنيدي ومحمد سعد وهاني رمزي وغيرهم، لكن هناك اسماً هو الأكثر شهرة وارتباطاً بنمط المشاهدة بالنسبة إلى أجيال كثيرة ويعتبر الأكثر جدلاً، وهو إسماعيل ياسين "1912 ـ 1972". وتعدّ المرحلة الذهبية من مسيرة إسماعيل ياسين التي بدأت منذ منتصف أربعينيات القرن الماضي وحتى مطلع الستينيات نموذجاً مثالياً بالنسبة إلى شريحة كبيرة من الجمهور العربي، واعتبر المضحك الأول في الثقافة الشعبية باعتباره يقدم كوميديا هزلية مبالغاً فيها، على غرار ممثلين كثر من أنحاء العالم في تلك الفترة، وبينهم الممثل الفرنسي العالمي فرنانديل الذي اتهم الممثل المصري بتقليده في طريقة أدائه وحركاته، ولكن يتجدد النقاش حول إسماعيل ياسين في كل فترة وتثار أقاويل من نوعية أنه لا يلائم إلا مرحلة الطفولة الباكرة، وأن طريقته ساذجة ومملة. وكأن المشاهد يقوم بعمل ما يشبه المراجعة لذائقته ويتبرأ مما كان يضحكه مسبقاً على رغم أن الأمر من المفترض أن يكون أبسط من هذا، ولكن الوضع أخذ أكثر من منحى حينما اتهم محمد رمضان بأنه قصد الاستهزاء بالفنان الكبير الراحل بمشهد من مسلسله "موسى" 2021، ليعود رمضان ويصدر بياناً توضيحياً بعد سخط أسرة النجم الراحل، فالأسرة نفسها غضبت قبل أشهر بسبب المخرج عمرو سلامة الذي دخل بدوره دوامة من الهجوم بعد أن قال إن إسماعيل ياسين أسوأ ممثل بل لا يجيد التمثيل من الأساس، وأن هناك مبالغة في تقدير قيمته، كما أنه لا يضحكه أبداً، بل إنه نادم على أنه اعتبره مضحكاً حينما كان لا يزال طفلاً، فاضطرت عاصفة الهجوم المخرج الشهير إلى الاعتذار عبر بيان مطول، مبدياً ندمه على إبداء آرائه على الملأ مستعملاً هذه الألفاظ القاسية. من جهته يعتبر السيناريت أيمن سلامة والذي لديه عدد من تجارب الكوميديا الاجتماعية وبينها مسلسل "صدفة" لريهام حجاج، إسماعيل ياسين من أعظم الممثلين العرب ويشبهه بتشارلي شابلن، مشيراً إلى أنه حتى وإن لم يعد يضحك بعضهم حالياً لكن من المستحيل إنكار قيمته الفنية ودوره المهم، ضارباً المثل بسلسلة أفلامه في الجيش التي حظيت بدعم وتشجيع القيادة السياسية حينها للاستفادة من شعبيته الجارفة بين الأعمار كافة. ويضيف سلامة، الراحل كان حريصاً للغاية أن يقدم رسائل طيبة للنشء من خلال أدواره التي كان ينتصر فيها للخير دائماً، والتي تدعو إلى قيم نبيلة مهما كانت شخصية البطل بسيطة، مذكراً بأن ياسين الذي قدم 240 عملاً لديه سلسلة طويلة من الأفلام التي كانت تحمل اسمه، وهو الممثل الرجل الوحيد الذي حظي بهذا التقدير خلال تلك الفترة، ويختتم سلامة كلامه بالتأكيد على أن أعماله أضحكت الملايين وظلت مصدراً للسعادة ومتنفساً حقيقياً، منوهاً إلى أنه أيضاً من الطبيعي ومع تطور الأجيال أن تتغير مصادر الضحك حتى بالنسبة إلى الجيل الذي عاصر إسماعيل ياسين نفسه. سلوك المشاهدة الكوميديا ينطبق عليها القول إنها ابنة عصرها، فمفرداتها وأفكارها وثيقة الصلة بالحقبة التي أنتجت فيها، ولكن هذا أيضاً لا ينطبق على أعمال كثيرة تعتمد على مواقف عامة يمكن أن تحدث لأي شخص في مكان وزمان، ولكن الشائع أن هذا الفن مرتبط كثيراً بثقافة عصره، إذ يؤكد أستاذ علوم المسرح الدكتور محمد سعد أن ثقافة المتلقي الحالي تتغير كل يوم، فعالم الأجيال الجديدة مختلف كلياً، وكذلك المشاهد المخضرم الأكبر سناً حتى يتعرض لكم هائل من المشاهدات اليومية التي تطور وتغير في تفضيلاته. ويشير سعد إلى أنه في وقت سابق كان يمكن أن ينتظر الجمهور الـ "مونولوجيست" أو حتى الشخص العادي ليلقي نكتة مدتها خمس دقائق وكأنها قصة أو حكاية، بل ويكون متحمساً للنهاية التي حتماً ستكون مفاجئة وتحمل "إفيهاً" ضاحكاً وجديداً، ولكن حالياً لا يتحمل أحد هذا السلوك مهما كانت النتيجة المنتظرة، وتابع أن "ما أسميه ثقافة الـ 'سكرول' يضر جداً بسلوك المتلقي الذي يبحث كل لحظة عن جديد يلبي حاجاته أكثر وأكثر". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) لكن أستاذ علوم المسرح يلفت النظر إلى نقطة أخرى معاكسة، وهي أن بعضاً من أجيال الوسط أو الأكبر عمراً أيضاً تواجه المشكلة نفسها في ما يتعلق بالكوميديا التي صنعها جيل الشباب ممن ولدوا مطلع الألفية الثالثة على سبيل المثال، ويواصل "من واقع خبرتي هناك أعمال أشاهدها وبينها مسرحيات ببصمة هذا الجيل لا أفهم نصفها بسبب المصطلحات التي يعتمدون عليها بصورة أساي في الحوار، إذ يلجأون إلى تعبيرات يتداولونها في ما بينهم مستقاة من الألعاب الإلكترونية والـ 'سوشيال ميديا' وبالتالي يتوه الـ 'إفيه' لأن بعض المتلقين لا يجارون هذه الثقافة ولم يتدربوا على هذا النوع من التلقي، ولهذا فإن الفجوة كبيرة للغاية في الاتجاهين، وهي تؤثر في فنون الدراما ككل وليس الكوميديا فقط". لذا تبدو مهمة الإضحاك في ظل كل هذه المؤثرات والمنصات صعبة للغاية، إضافة إلى سبب آخر يتعلق بالقيود على عملية كتابة المواقف والإفيهات، إذ كانت المشاهد التي تحمل سخرية على سبيل المثال من الوزن الزائد في عمل من الأعمال تمر مرور الكرام، ولكن حالياً أصبح هذا غير مقبول ولا يمكن التطبيع معه حتى في الإعلانات التجارية، ويلاحق صنّاعه باتهامات التنمر والإساءة وعدم المراعاة وكثير من المواقف. ولما كانت المشاهد حمالة أوجه ويمكن تفسيرها في سياقات عدة، فإن نجوم وصناع الكوميديا في العالم اعتبروا هذه التوجهات، لا سيما حينما تمارس بصورة مبالغ فيها، إذ يؤكد الدكتور محمد سعد أن قائمة الممنوعات في تزايد مستمر، وأن هناك قوانين كثيرة استحدثت ومن شأنها أن تودي ببعض الأعمال إلى الهاوية، لافتاً إلى أنه من غير المقبول تكبيل الفن وأيضاً من غير المقبول التمادي، واصفاً على سبيل المثال برامج المواهب بأنها تنتمي لنوع من الكوميديا المرضية، بعكس أنواع أخرى من الكوميديا مثل كوميديا الموقف التي تحقق الغرض منها دون أن إيذاء أو إساءة.

مذيعو الـ"توك شو"... عرافون في زمن الـ"ترند"
مذيعو الـ"توك شو"... عرافون في زمن الـ"ترند"

Independent عربية

timeمنذ 6 أيام

  • Independent عربية

مذيعو الـ"توك شو"... عرافون في زمن الـ"ترند"

ربما انخفضت نسب المشاهدة المحمومة لبرامج الـ"توك شو" في مصر في العقد الأخير، إذ أتت الـ"سوشيال ميديا" على وقت المشاهدة وعقل المتابع وقلب الحدث وكذلك محتوى التحليل، بغض النظر عن كم التضليل والأكاذيب واختلاط حابل الحقيقة بنابل التدليس والتلفيق. انصرف الملايين بعيداً من ملوك الـ"توك شو" الذين كانوا حتى عقد قريب مضى أو أكثر قليلاً جزءاً من عوامل التغيير، وترساً في محركات الوعي وأداة للمعرفة ووسيلة لصناعة الفكرة ومثبتاً لها ومزيلاً. الأعوام القليلة الماضية شهدت تغيرات عدة في المشهد الإعلامي التقليدي في مصر، وتعددت القنوات وزادت البرامج وتنوعت التخصصات، لكن كثراً يرون أن تعددية الأصوات تقلصت، وهوامش التعبير ضاقت، وأن ملوك الـ"توك شو" الذين ظلوا أعواماً قبل أحداث يناير (كانون الثاني) 2011 وحتى أعوام قليلة مضت صمام أمان غضب المصريين، ولسان حال المتضررين والشاكين والمعترضين بصورة عامة، وذلك بين أوجاع اقتصادية وسخط من مستوى جودة خدمات هنا أو أولويات اهتمام بملفات هناك، تغيرت نبراتهم وتبدلت مضامين برامجهم. وداعاً للمكانة السامية وبعد أعوام حظي خلالها ملوك وملكات الـ"توك شو" في مصر بمكانة سامية وشعبية طاغية ومحبة فائضة بين الجماهير العريضة في ربوع مصر من قرى ونجوع ومدن ومنتجعات، وحتى بين المصريين في الخارج، أخذ نجمهم ينطفئ وأثرهم يتضاءل، والبساط يسحب من تحت أقدامهم ويوجه صوب الـ"سوشيال ميديا"، ليس هذا فحسب، بل إن البعض من ملوك الـ"توك شو" ممن توقفت برامجهم، أو تم الاستغناء عن خدماتهم، أو لم تعد هناك مساحة مناسبة لمحتواهم غزوا أثير الـ"سوشيال ميديا" مزاحمين مؤثريها ومؤثراتها بحثاً عن الوجود أو الاستمرار في تقديم رسالة ما أو كليهما. في الوقت نفسه انسحبت نسبة معتبرة من الجماهير الغفيرة من أمام شاشات التلفزيون التقليدية، مفضلة عليها محتوى الـ"سوشيال ميديا"، وذلك لأسباب عدة، بعضها يتعلق بانتهاء فترات الاضطرابات السياسية الشديدة، والشعور بإنهاك ما بعد أدرينالين الثورات والأحداث المتصاعدة، إضافة إلى التنوع الشديد في محتوى الـ"سوشيال ميديا"، بدءاً من كيفية صناعة كيكة من دون طحين وانتهاء بـ"تفسيرات لنظريات المؤامرة الكونية" و"تحليلات لوثائق مسربة" و"تحذيرات من نهاية العالم" وغيرها كثير. وضمن الأسباب ما يصفه البعض بـ"رتابة" محتوى برامج الـ"توك شو"، أو "ميل المحتوى إلى إرضاء المسؤولين"، أو "اختفاء مشكلات الناس وقضاياهم" وفي قول آخر "التعامل مع مشكلات الناس وقضاياهم بحرص بالغ" وصفها أحدهم بـ"باتوا يصنعون من القبة حبة" أي إن مذيعي الـ"توك شو" باتوا يقللون من حجم المشكلات. حتى استطلاعات الرأي والقياسات التي كانت تجري لتحديد أكثر البرامج مشاهدة تحولت دفتها صوب قياس الأكثر مشاهدة بصورة عامة، من مسلسلات ومباريات رياضية وبرامج دينية، إضافة إلى الـ"توك شو". وما كانت تفرد له صفحات في الإعلام الغربي للكتابة عن تأثيره في الشارع وظلاله في السياسة وقوته في المجتمع وقدرته الفائقة على صناعة وتوجيه وشفاء غليل الرأي العام غاب عنها، لكن الدور الجديد والأثر الفريد لعدد من هؤلاء الملوك لا يعرفه أو يشعر به إلا المواطن المصري. دور استشرافي استشفافي الدور الجديد فيه كثير، استشفافات واستشرافات وأخبار، وكذلك رسائل وتوقعات وتكهنات بعضها يتحول إلى حقائق بعد أيام معدودة، وهو ما يثير قدراً من الدهشة لدى البعض، أصبحت عبارات مثل "مذيع يحذر من موجة جديدة في الأزمة الاقتصادية" و"مذيع يؤكد أن مسؤولاً كبيراً سيستقيل بعد أيام" و"مذيع يقول إن الرئيس سيتدخل لإيقاف قانون نصرة للمصريين البسطاء"، و"مذيع يشير إلى أن المنطقة ستشهد حدثاً جللاً قبل نهاية الشهر"، أو "مذيع يتوقع ظهور حزب جديد قوي على الساحة السياسية"، و"مذيع يتوقع إقبال رجال الأعمال المصريين والصينيين على الاستثمار في مصر قريباً"، وكذلك "مذيعون يحذرون من خطر قريب قادم سيؤثر في مصر كثيراً"، و"مذيع يؤكد أن خبراً عظيماً سيفرح قلوب المصريين قريباً" وسلسلة التوقعات لا تتوقف. الدور الغريب الذي يقوم به بعض الإعلاميين من توقعات، سواء سلبية أو إيجابية يطرح عدداً من علامات الاستفهام والتعجب، مع إجابات هي أقرب ما تكون إلى التحليل. حدث جسيم قادم "حدث جسيم قادم" عبارة مرعبة ترددت على ألسنة عدد من المذيعين قبل أسابيع في برامج الـ"توك شو" الرئيسة على القنوات التلفزيونية، الغريب أن كل المذيعين الذين رددوها لم يذكروا أية معلومات حقيقية، أو يربطوا أحداثاً بعينها بالحدث الجسيم المتوقع، كذلك فإن مساحة التحذير استغرقت بضع دقائق على القنوات، وهو ما تلقفته الصحف والمواقع الخبرية بعدها بدقائق ليصبح العنوان الأبرز "الإعلامي فلان يحذر من حدث جسيم" وفي قول آخر "خطر"، وعلى خلفية "الحدث الجسيم"، خرج الإعلامي عمرو أديب ساخراً ومتسائلاً في برنامجه عن "هذا الخطر الجسيم" الغامض، موجهاً الانتقادات الحادة لزملائه الذين أطلقوا التحذير المبهم الذي من شأنه أن يثير الفزع، وقال إن "من ضمن الخزعبلات التي تقال، الحديث عن حدث مهم سيقع خلال الفترة المقبلة، والتحذير مما سيحدث"، وأضاف متسائلاً: "ما الحدث الكبير أو المصيبة التي ستحدث؟ كفاية إحنا (نحن) تعبنا"، واصفاً هذه "التحذيرات" و"التوقعات" بـ"المبهمة" التي هي أبعد ما تكون عن عقلية بلد تسير إلى الأمام. هذا التحذير الغريب أدى إلى تفجر موجة شعبية من التكهنات بين متوقع بأن يكون الحدث الجسيم مرتبطاً بحرب القطاع، ومحاولات الضغط على مصر لاستقبال أهل غزة في شمال سيناء، أو موقفها "الحريص" من الإدارة السورية الجديدة التي تلقى ترحيباً واسعاً في دول غربية عدة، ومفسراً بأن هذا التحذير على الأرجح يتعلق بإجراءات اقتصادية جديدة من شأنها أن تفاقم الأزمة أو تعويم جديد للعملة أو زيادة مرتقبة في أسعار الوقود أو شرائح الكهرباء أو المخزون الاستراتيجي من الغذاء وغيرها كثير. تمهيد لقرارات آخرون اعتبروا التحذير الموحد من قبل عدد من مقدمي الـ"توك شو" بمثابة تمهيد لقرارات اقتصادية موجعة تفاقم من آلام المصريين، أو تحضير لحزمة ضرائب أو رسوم أو غيرها من الأعباء الإضافية. وسواء كانت هذه أو تلك، بقي السؤال الأكبر بلا إجابة: لماذا أطلق مذيعو الـ"توك شو" هذا التحذير؟ وهل ارتكنوا إلى معلومة؟ أم كانوا يبحثون عن منفعة ما؟ مضى التحذير وبقي الحدث الجلل مضى التحذير، ومضى السؤال، واكتفى البعض بالقول إن الحدث الجلل كان الضربات التي وجهتها إسرائيل لإيران بكل تأكيد، باعتباره الحدث الجسيم الوحيد الذي جرى بعدها بأيام، البعض الآخر أبقى على أبواب أخرى مفتوحة، مثل العمل على إبقاء الجماهير على أهبة الاستعداد نظراً إلى سخونة الأحداث في المنطقة، أو تحضير القاعدة العريضة لفكرة توسع قاعدة الحرب في أية لحظة، أو رسالة غير مباشرة بأن المنطقة مشتعلة حرفياً وهو ما يستدعي مزيداً من تحمل الأوجاع الاقتصادية. تكهنات المذيعين تؤدي إلى تكهنات المشاهدين، وحتى لو لم يكن المشاهد ملتصقاً بشاشة التلفزيون، فإن هذه التوقعات السياسية والتكهنات الاقتصادية والتحذيرات الكونية تعرف طريقها سريعاً من شاشة التلفزيون إلى منصات الـ"سوشيال ميديا"، حيث تخضع لعمليات الانشطار المتناهية السرعة والتداول الهادف إلى "الترند". اللافت أن التحذير من الحدث الجسيم تحول في دقائق معدودة إلى "الهاشتاغ" الأكثر تداولاً، والخبر الأكثر تعليقاً، والقضية الأكثر طرحاً في فيديوهات المؤثرين وتحليلات المؤثرات. صناعة "الترند" والخوف بعض الخبثاء يلوحون أن اللجوء إلى التكهنات ربما يتعلق برغبة في صناعة "الترند"، ومزاحمة الـ"سوشيال ميديا" في عقر دارها الجاذب للمتابعين، وإعادة قاعدة المشاهدين التي هربت إلى المنصات الحديثة. "الحدث الجسيم" أو "الخطر" لم يكن التكهن الوحيد الذي صنع هالة من الدهشة حول مذيعي "التوك شو"، فبين الوقت والآخر، يخرج أحد المذيعين ليتوقع نجاح اجتماع أو فشل قمة أو تأسيس حزب أو سن قانون أو فوز فريق أو دخول جرارات. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) في فبراير (شباط) الماضي توقع الإعلامي عمرو أديب عبر برنامجه أن تدخل الجرارات والماكينات إلى قطاع غزة من أجل إعادة التعمير، واصفاً توقعه بـ"عندي معلومة". معلومة في ثوب توقع أعلنها الإعلامي وعضو مجلس النواب مصطفى بكري أيضاً قبل نحو ثمانية أشهر، حين قال عبر برنامجه إن حزباً سياسياً جديداً ووجوهاً فاعلة جديدة ستخرج إلى النور قريباً، بعدها بأسابيع، تم الإعلان عن تأسيس "حزب الجبهة الوطنية"، وهو الحزب الذي يتوقع مراقبون أن يحل محل حزب "مستقبل وطن" كحزب الغالبية (من جهة عدد المقاعد في مجلس النواب). عوامل مساعدة العوامل المعضدة لقدرات المذيعين على التكهن مختلفة، فهناك من تربطه علاقات قوية بالمسؤولين مما يتيح له معرفة معلومة، وهناك من يتم تقديم معلومة له ليتم بثها، وهناك من يعتمد في تكهناته على قدرات تحليلية وملكات حسابية، وقبل أشهر قليلة، توقع مذيع "توك شو" شهير أن تكون مصر من أهم 10 اقتصادات في العالم بحلول عام 2075، وذلك "بناء على إحصاءات ومعادلات"، مؤكداً أنه متفائل على رغم كل الأزمات. مثل هذه التكهنات يفسرها البعض في ضوء محاولات بث الأمل، لا سيما في الأوقات الاقتصادية الصعبة، لا سيما حين يكون توقيت حدوث التحسن بعد 50 عاماً، أي إن غالب البالغين اليوم سيكونون قد رحلوا عن الدنيا أو بلغوا من العمر أرذله في الوقت المحدد لتحقق التكهن. ومن صناعة الأمل إلى صناعة الخوف، التي يرجح البعض أن تكون الهدف من بعض التوقعات، لا سيما تلك التي تجعل البعض يفكر مرتين قبل المطالبة بمزيد من الخدمات أو تحسين الأوضاع أو الاعتراض على سياسات، حيث الأخطار الكبرى تدحض المخاوف والمواجع الصغرى. تمهيد بدل الصدمة بعض التوقعات التي يذكرها مذيعو الـ"توك شو"، مثل زيادة أسعار الوقود أو الكهرباء، عادة تكون تمهيداً للرأي العام بدلاً من صدمة الزيادة من دون مقدمات، أو قياساً لرد الفعل تحسباً لما لا تحمد عقباه، وعلى رغم التحول الكبير من برامج الـ"توك شو" صوب الـ"سوشيال ميديا"، فإن هذا النوع من التكهنات يعرف طريقه سريعاً إلى وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما يؤدي الغرض، إذ التعليقات وردود الفعل وغيرها تكشف جزءاً من نبض الشارع. تتضاءل مساحات التعبير في وسائل الإعلام حيناً، ويشعر المشاهد بالحاجة إلى طلب اللجوء في رحاب الـ"سوشيال ميديا" حيناً، لكنه يعود إلى شاشات التلفزيون، وتحديداً برامج الـ"توك شو" إما في أوقات الأزمات للبحث عن موقف الدولة الرسمي الذي سيتحدث عنه حتماً المذيع الفلاني في مقدمة البرنامج، أو في حال تكهن أحدهم بإجراء أو حدث أو قرار أو إقالة أو استقالة أو "حدث جسيم"، وعلى رغم ذلك يبقى ملك التوقعات السياسية وكبير عرافيها الإعلامي توفيق عكاشة. ملك التوقعات توفيق عكاشة الذي ظل يثير الجدل وأحياناً السخرية وربما الخوف والترقب، بسبب "تكهناته" السياسية الداخلية والخارجية عبر برنامج "مصر اليوم" عاود إطلالاته التكهنية قبل أيام، ولكن كضيف مع الإعلامي مجدي الجلاد، رصيد عكاشة من التكهنات طويل، بين توقعات بحرب ضروس في منطقة الشرق الأوسط، واندلاع حرب في السودان، وحرب روسيا في أوكرانيا، إضافة إلى توقعاته للمنطقة العربية، واختفاء دول واندماج أخرى، ناهيك بتوقعاته على الصعيد المصري الداخلي إبان حكم جماعة الإخوان المسلمين عام 2012، التي تحقق كثير منها يجعله "ملك التوقعات" في العرف الشعبي المصري. عكاشة لم يفصح يوماً عن "مصادره" التي يستقي منها تكهناته، حتى إن مجدي الجلاد سأله ساخراً إن كانت له صلات بأجهزة استخباراتية تمده بمعلومات، لكنه أيضاً قال قبل أعوام إنه قادر على استشراف المستقبل، بفعل معلومات وقدرات وملكات. قبل أعوام قليلة مضت خرج عكاشة من عباءة مذيع "التوك شو" ذي الشعبية والقدرة على توجيه الرأي العام إلى أيقونة لدى قطاع عريض من المصريين، وكان يقال إن جمهوره هم البسطاء وأنصاف المتعلمين، لا سيما أنه كان يتحدث بلهجة قروية وكثيراً ما يزج بالبط والإوز والجرجير في حديثه عن السياسة والاقتصاد، لكن طبقات أخرى في المدن والتجمعات الراقية كانت تتابعه سراً، لماذا؟ لأنه كان "يتنبأ" بأحداث لا تلبث أن تقع فعلياً. ربما يكون المصريون قد هجروا الـ"توك شو" كوسيلة التسلية الأولى، ومنبر المعرفة الأفضل، وصمام الأمان الأنجع لتفريغ شحنات الغضب، لكنهم يعودون إليه كلما تكهن مذيع بحدث جسيم أو توقع آخر إجراءً خطراً. المثير أن تعليقات كثر عن هذه القوة والقدرة الاستشرافية الخطرة تكشف وعياً بما وراء التكهنات ومعرفة بالمقصود من التوقعات. أما الأكثر إثارة فهو أن الطرفين، المذيع المتكهن والجماهير الغفيرة، على دراية كاملة بقواعد لعبة التكهن، هذا يكسب "ترند" وشهرة وانتشاراً، وهؤلاء يستشرفون إما ما هم مقبلون عليه أو ما يجري قياسه أو توجيهه.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store