
مسرح كركلا اللبنانيّ العالميّ: هويّة تراث وثراء تاريخ
الصفّ الأساسيّ الثامن س – د
اللّغة العربيّة للمعفيّين من تعلّمها بحسب المنهج اللبنانيّ الرسميّ
مدرسة الليسيه مونتاين – بيت شباب
منذ قرّر المايسترو عبد الحليم كركلا أن ينتقل من عالَمِ البُطولَةِ في القفز العالي بالعصا إلى عالم الفنّ، أصبحت رحلته رمزًا للإبداع والتحدّي في العالم العربيّ. بدأ كركلا مسيرته الفنّيّة بعد أن اكتشف المستشارُ الفرنسيُّ أندريه بونيه قدراته الإبداعيّة، فأرسله للدراسة في أوروبا، حيث تعلّم فولكلور شعوب العالم.
عندما أنهى دوراته، عاد كركلا إلى لبنان مُدرّبًا في مهرجانات بعلبك الدوليّة حيث عمل مع المستشار الألمانيّ الكوريغراف فرانس باور بونتوليه، الّذي حثه على تنمية موهبته بالعلم والمعرفة، فالتحق بمدرسة "London School of Contemporary Dance" في بريطانيا، الّتي أسّستها مارتا غراهام، رائدة الرقص المعاصر، وتخرّج منها حائزًا على ماجستير بفنّ الكوريغرافيا.
بعد أن أغنت لندن ثقافته الفنّيّة، عاد إلى لبنان، ليحقّق حلمه بتأسيس أوّل مسرح عربيّ راقص، لكن لم تكن المهمّة سهلة، فلم يكن هناك راقصون محترفون إلى جانب نظرة المجتمع السلبيّة تجاه الرقص آنذاك. لكنّ ذلك لم يردعه بل جعله أكثر إصرارًا على تحقيق حلمه، فاستقطبَ الطاقات الرياضيّة، وحوَّل الرياضيّينَ إلى راقصين محترفين، وابتكر لغة رقص جديدة تُعرف بأسلوب كركلا، الّتي تقوم على تلاقي تقنيّة الغرب مع التراث العربي. نجح في تأسيس أوّل مسرح عربيّ للرقص المسرحيّ (Caracalla Dance Theatre) عام 1968.
منذ بداياته، تلقّى كركلا دعوات عالميّة، ابتدأت في معرض أوساكا الوطنيّ في اليابان، حيث قدّم مسرحيّة "لبنان عبر التاريخ" الّتي كتب مقدّمتها الشاعر الكبير سعيد عقل.
شَكَّلَت أبوابُ العالميّةِ الَّتي انفتَحَت أَمام كركلا مَحطَّةً مفصليَّةً في مَسيرَتِه، وكانَ تعرّفه على فرانكو زيفيريللي، المخرج المسرحيّ والسينمائيّ الإيطاليّ، مِن أبرز المحطّات المضيئة في مسيرته. أسهمت الصداقة بين المايسترو والمخرج في ترسيخ رؤية كركلا المسرحيّة وإبراز الفنّ اللبنانيّ والتراث العربيّ على الساحة الدوليّة؛ وبِخاصَّة بعدما وضعَ زيفيريللي فريقه التقنيّ في خدمة مسرح كركلا بإشراف المخرج إيفان كركلا، ما أتاح له تطوير إنتاجه والوصول إلى مستويات فنيّة وتقنيّة غير مسبوقة. ومِن 40 سنة إلى اليوم، لا يزال الفريق يعمل مع مسرح كركلا في تصميم الإضاءة والسينوغرافيا والبثّ الإفتراضيّ، بإشراف المايسترو كركلا، كوريغرافيا أليسار كركلا وإخراج إيفان كركلا.
تناولت إبداعاتُ كركلا أكبر الصحف والإعلام العالميّ، وتقدّمت أعماله على أهمّ المسارح ودور الأوبرا حول العالم. فمسرحيّة "ألف ليلة وليلة" الّتي قدّمها المايسترو في لندن، نافست أهمّ الفرَق في روسيا فرقة "بوريس إيفمان" وفي أوروبا فرقة "موريس بيجار" حيث كانت الفرق الثلاث تقدّم عروضها في الأسبوع نفسه، وكانت تلك المنافسة تتويجًا عالميًّا لإبداع كركلا، إذ كتبت صحيفة الـ Daily Telegraph :
One night of Caracalla is better than one night of Bejart.
وصنّفت صحيفة الـSunday Express مسرحية "ألف ليلة وليلة" لكركلا بثلاث نجوم، في حين أعطت نجمتَيْنِ لمسرحيَّة "ريد جيزيل" لبوريس إيفمان.
حرص كركلَّا على تقديم أعمال تُجسّد تاريخ القادة العظماء وقيمَهم، منها "زايد والحلم"، الّتي تروي مسيرة سمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، موحِّد الإمارات العربيّة المتّحدة. وحصلت هذه الأعمال على تقديرٍ عالميٍّ، فنال كركلا أوسمة من دول عدّة، بينها الإمارات حيث نال وسام الاستقلال، ومن الجزائر وسامًا من رتبة عهيد إلى جانب أربعة أوسمة من الدولة اللبنانيّة.
هذا المسرح المتمسّك بالجذور، طار بإبداعاته، وانفتح متعاونًا مع كبار المبدعين، بكوريغرافيا أليسار كركلا وإخراج إيفان كركلا. ورغم التحدّيات الّتي واجهتها الفرقة، كغياب الدعم الرسميّ، استطاعت أعماله أن تُثبت نفسها كقوّةٍ فنيّة عالميّة، متمسّكة برسالتها الثقافيّة والفنّيّة.
ختامًا، يمكن القول إنّ كركلا ليس مسرحًا ترفيهيًّا، ولا هو مجرّد فرقة رقص، بل هو مسرح يحمل رسالة لبنان والثقافة العربيّة إلى أكبر المحافل ودور الأوبرا العالميّة، معبرًا عن أصالة شعب وثراء تاريخ.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


النهار
٠٧-٠٤-٢٠٢٥
- النهار
مسرح كركلا اللبنانيّ العالميّ: هويّة تراث وثراء تاريخ
الصفّ الأساسيّ الثامن س – د اللّغة العربيّة للمعفيّين من تعلّمها بحسب المنهج اللبنانيّ الرسميّ مدرسة الليسيه مونتاين – بيت شباب منذ قرّر المايسترو عبد الحليم كركلا أن ينتقل من عالَمِ البُطولَةِ في القفز العالي بالعصا إلى عالم الفنّ، أصبحت رحلته رمزًا للإبداع والتحدّي في العالم العربيّ. بدأ كركلا مسيرته الفنّيّة بعد أن اكتشف المستشارُ الفرنسيُّ أندريه بونيه قدراته الإبداعيّة، فأرسله للدراسة في أوروبا، حيث تعلّم فولكلور شعوب العالم. عندما أنهى دوراته، عاد كركلا إلى لبنان مُدرّبًا في مهرجانات بعلبك الدوليّة حيث عمل مع المستشار الألمانيّ الكوريغراف فرانس باور بونتوليه، الّذي حثه على تنمية موهبته بالعلم والمعرفة، فالتحق بمدرسة "London School of Contemporary Dance" في بريطانيا، الّتي أسّستها مارتا غراهام، رائدة الرقص المعاصر، وتخرّج منها حائزًا على ماجستير بفنّ الكوريغرافيا. بعد أن أغنت لندن ثقافته الفنّيّة، عاد إلى لبنان، ليحقّق حلمه بتأسيس أوّل مسرح عربيّ راقص، لكن لم تكن المهمّة سهلة، فلم يكن هناك راقصون محترفون إلى جانب نظرة المجتمع السلبيّة تجاه الرقص آنذاك. لكنّ ذلك لم يردعه بل جعله أكثر إصرارًا على تحقيق حلمه، فاستقطبَ الطاقات الرياضيّة، وحوَّل الرياضيّينَ إلى راقصين محترفين، وابتكر لغة رقص جديدة تُعرف بأسلوب كركلا، الّتي تقوم على تلاقي تقنيّة الغرب مع التراث العربي. نجح في تأسيس أوّل مسرح عربيّ للرقص المسرحيّ (Caracalla Dance Theatre) عام 1968. منذ بداياته، تلقّى كركلا دعوات عالميّة، ابتدأت في معرض أوساكا الوطنيّ في اليابان، حيث قدّم مسرحيّة "لبنان عبر التاريخ" الّتي كتب مقدّمتها الشاعر الكبير سعيد عقل. شَكَّلَت أبوابُ العالميّةِ الَّتي انفتَحَت أَمام كركلا مَحطَّةً مفصليَّةً في مَسيرَتِه، وكانَ تعرّفه على فرانكو زيفيريللي، المخرج المسرحيّ والسينمائيّ الإيطاليّ، مِن أبرز المحطّات المضيئة في مسيرته. أسهمت الصداقة بين المايسترو والمخرج في ترسيخ رؤية كركلا المسرحيّة وإبراز الفنّ اللبنانيّ والتراث العربيّ على الساحة الدوليّة؛ وبِخاصَّة بعدما وضعَ زيفيريللي فريقه التقنيّ في خدمة مسرح كركلا بإشراف المخرج إيفان كركلا، ما أتاح له تطوير إنتاجه والوصول إلى مستويات فنيّة وتقنيّة غير مسبوقة. ومِن 40 سنة إلى اليوم، لا يزال الفريق يعمل مع مسرح كركلا في تصميم الإضاءة والسينوغرافيا والبثّ الإفتراضيّ، بإشراف المايسترو كركلا، كوريغرافيا أليسار كركلا وإخراج إيفان كركلا. تناولت إبداعاتُ كركلا أكبر الصحف والإعلام العالميّ، وتقدّمت أعماله على أهمّ المسارح ودور الأوبرا حول العالم. فمسرحيّة "ألف ليلة وليلة" الّتي قدّمها المايسترو في لندن، نافست أهمّ الفرَق في روسيا فرقة "بوريس إيفمان" وفي أوروبا فرقة "موريس بيجار" حيث كانت الفرق الثلاث تقدّم عروضها في الأسبوع نفسه، وكانت تلك المنافسة تتويجًا عالميًّا لإبداع كركلا، إذ كتبت صحيفة الـ Daily Telegraph : One night of Caracalla is better than one night of Bejart. وصنّفت صحيفة الـSunday Express مسرحية "ألف ليلة وليلة" لكركلا بثلاث نجوم، في حين أعطت نجمتَيْنِ لمسرحيَّة "ريد جيزيل" لبوريس إيفمان. حرص كركلَّا على تقديم أعمال تُجسّد تاريخ القادة العظماء وقيمَهم، منها "زايد والحلم"، الّتي تروي مسيرة سمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، موحِّد الإمارات العربيّة المتّحدة. وحصلت هذه الأعمال على تقديرٍ عالميٍّ، فنال كركلا أوسمة من دول عدّة، بينها الإمارات حيث نال وسام الاستقلال، ومن الجزائر وسامًا من رتبة عهيد إلى جانب أربعة أوسمة من الدولة اللبنانيّة. هذا المسرح المتمسّك بالجذور، طار بإبداعاته، وانفتح متعاونًا مع كبار المبدعين، بكوريغرافيا أليسار كركلا وإخراج إيفان كركلا. ورغم التحدّيات الّتي واجهتها الفرقة، كغياب الدعم الرسميّ، استطاعت أعماله أن تُثبت نفسها كقوّةٍ فنيّة عالميّة، متمسّكة برسالتها الثقافيّة والفنّيّة. ختامًا، يمكن القول إنّ كركلا ليس مسرحًا ترفيهيًّا، ولا هو مجرّد فرقة رقص، بل هو مسرح يحمل رسالة لبنان والثقافة العربيّة إلى أكبر المحافل ودور الأوبرا العالميّة، معبرًا عن أصالة شعب وثراء تاريخ.


الوطنية للإعلام
٠٢-٠٤-٢٠٢٥
- الوطنية للإعلام
جاهدة وهبه والأوركسترا الشرق - عربية بقيادة أندريه الحاج: إبهار في رحاب القصيدة والمقام على مسرح كركلا
وطنية - نظم المعهد الوطني العالي للموسيقى - الكونسرفتوار، تزامنا مع عيد الفطر المبارك، بدعوة من رئيسته المؤلفة الموسيقية هبة القواس، حفلة موسيقية غنائية على مسرح كركلا، مع الأوركسترا الوطنية للموسيقى الشرق - عربية بقيادة المايسترو أندريه الحاج وأحيتها غناء الفنانة اللبنانية القديرة جاهدة وهبه، رافقهما كورال المعهد بإدارة السيدة عايدة شلهوب زيادة. وفي بيان، وزع عن الحفلة، أشار الى نجاح مبهر لحفلة ساحرة، اشترك في إنجازه، إلى جانب الفنانة جاهدة وهبه، أربعون عازفا مجليا من الأوركسترا الوطنية للموسيقى الشرق - عربية بقيادة عصا المايسترو أندريه الحاج، قائد الشرق - عربية بمهاراته الأكاديمية، وحسه العميق بالنغم، وحضوره اللافت وسطوة قيادته. وإطلالة الصوت الجماعي المرافق لكوال المعهد الوطني العالي للموسيقى. حضور رسمي وجماهيري كبير، ضاقت به مقاعد مسرح كركلا، جلوسا ووقوفا في خلفية القاعة وفي الممرات، منصتين، ومتابعين، ومتفاعلين مع الغناء المتوهج لوهبه التي قدمت حفلة لا تنسى، ومع الموسيقى العابقة في المكان العريق، التي صدحت بها الأوركسترا وعازفوها وقائدها بتميز ليس جديدا على أدائها، وأثبتت أنها "صوت هوية لا تنكسر" كما وصفتها في كلمتها الافتتاحية رئيسة المعهد الدكتورة هبة القواس، وقالت:"في هذا المساء، وفي ظلّ واقعٍ لبنانيٍ مثقلٍ بالتحديات ومليءٍ بالأمل، تعانق الأوركسترا الوطنية اللبنانية للموسيقى الشرق-عربية الشعر والمسرح، وتؤكّد مجددًا أنها، رغم كل الأزمات، تقوم من تحت الرماد، لتمنحنا دفقة أمل، وصورةً مشرقة عن لبنان القادر، رغم كل شيء، أن يُبدع، ويُدهش، ويقود". وأضافت: في أولى ليالي نيسان، في ظلّ عبق العيد، عيد الفطر المبارك، نلتقي اليوم على منصة يتجسّد فيها الشعرُ صوتًا، والموسيقى روحًا، والفكرُ حضورًا حَيًّا نابضًا .إننا إذ نفتتح هذه الأمسية الاستثنائية للأوركسترا الوطنية اللبنانية للموسيقى الشرق-عربية بقيادة المايسترو أندريه الحاج، والتي تحمل توقيع الفنانة القديرة جاهدة وهبه، نكون لا نحتفي بفنّ الأداء فحسب، بل نحتفي بفلسفة الاندماج العميق بين الكلمة والنغمة، بين الشعر ككائن سامٍ، والموسيقى كسرٍّ كوني تُولد من صمتٍ متأملٍ وتفيضُ بالحضور. في هذا المكان، حيث تتقاطع الجماليات وتتلاقى الأبعاد، يصبح الصوت أداة للمعرفة، ويغدو الجسدُ آلةً تُستعاد من خلالها الأسئلة الكبرى: من نحن؟ وما الذي نُغنيه حين نُغني؟ وما معنى أن نحمل تراثًا في حناجرنا؟ نحن لسنا فقط ورثة تقاليد، بل نحن صانعو رؤى، وحَمَلة مشروع وجوديّ يعبُر الأزمنة، يعيد تشكيل الهوية العربية لا بوصفها جامدة، بل بوصفها حية، نابضة، حوارية، متحولة". وتابعت القواس: "جاهدة وهبه، هي ليست مغنيةً تؤدي القصيدة فحسب، بل هي الكلمة حين تتموْسق، واللحن حين يتحوّل إلى رؤيا .إنها من أولئك القلائل الذين يقفون على المسرح كمن يقف على عتبة سؤال، أو على تخوم صلاة. وقبل أن نُصغي، لا بد أن نقف امتنانًا لكل من ساهم وتعاون مع آلية الكونسرفتوار الكبرى، لجعل هذا اللقاء ممكنًا: إلى الفنان العظيم عبد الحليم كركلا، الذي قدّم مسرحه اليوم للمعهد الوطني العالي للموسيقى، إيمانًا برسالة الفن كفعل وطنيّ سامٍ.إلى محطة الـLBCI وتلفزيون لبنان، وفريق العمل فيهما، على مواكبتهم هذا الحدث الثقافي.إلى مهندس الصوت شادي سعد وBlueSound، على هندسةٍ سمعية دقيقة منحت العرض أبعاده النقية. وإلى فريق العمل في الكونسرفتوار، الجنود المجهولين الذين سهروا بصدقٍ وتفانٍ، لتأتي كلّ تفصيلة في هذا الحفل إلى تمامها المُضيء، لهم الامتنان الصافي، والمحبة الواجبة. دعونا نُصغي الليلة لا فقط بآذاننا، بل بقلوبٍ تدركُ جمالَ الصدق، وبعقولٍ قادرةٍ على التقاط النور الكامن في كل ارتجافة صوت .فلنكن شركاء في هذا الطقس الفني الراقي، طقس تتوحّد فيه الذكرى بالحلم، والماضي بالمستقبل، والذات بالكل". بصوتها المصقول وتجربتها الفنية الاستثنائية، حلّقت الفنانة جاهدة وهبه إلى طبقات عليا من الأداء المتفرّد، حملت معها جمهور الحاضرين، إلى فضاءات خارج الزمان والمكان. وهبه "الأستاذة" في ابتكار اللحظات الفنية، تمكّنت من القبض على سرّ المتعة الفنيّة الخالصة، ونثرها بجرعات متساوية بين مساحات الإنصات العميق حينًا، وبين انفلات المشاعر بجرعات زائدة أحيانًا. وبين القصائد والنغم، عبَرت "قصيدة الغناء" على جسورٍ متينة مَدَّتها بأدواتها الفنّية والأكاديمية، ومهاراتها المتميزة في إعادة تشكيل القصيدة إلقاءً وأداءً وإحساسًا، في خلطة سحرية تمثّل هوية فنية خاصة جدًا لا تشبه إلا جاهدة وهبه. "في رحاب القصيدة والمقام" وهو العنوان الذي وسّعت له وهبه منازل صوتها وحضورها، تحوّل على الخشبة إلى رحابةٍ من أصالة وحداثة، إلى مزج متمكّن من استحضار المقام إلى مقاله الأثير في الحنجرة الحاضرة دومًا للاحتفاء بالفن الملهم. احتفاء لا يحدث نادرًا في حفلات وهبه، إنّما هو دائم الإقامة في رؤيتها الفنية الخاصة. رؤية أهّلتها أن تجتاز فنّ الممكن، والسّهل، والمُتاح، والاعتيادي، والمقولَب، والنّمطي، إلى خصوبةٍ ولّادةٍ لمّاحة ومبتكَرة. إلى عمارةٍ شيّدتها بيدَين عاريتَين إلّا من الجِدّ، والاجتهاد، والثقافة، والوله بالشّعر والّلحن، وبخطوط كفَّيها المرسومة على قدر البسالة والطموح والنجاح. مساراتها الفنية المتعددة، مكّنتها من تشييد صرح فنّي ذيّله توقيعُها، قوامه الكلمة واللحن والصوت والأداء وإجادة الوقوف على الخشبة ومَسرَحة الغناء، فهي المؤدّية والمرنّمة والمطربة والممثلة والشاعرة والملحّنة (والملحّنات العربيات نادرات). وهي الفنانة التي فتنت ألباب جمهور حفلة "في رحاب القصيدة والمقام"، وقدّمت مع الأوركسترا المبهرة والمكتملة العديد وقائدها المقتدر، روائع الفن اللبناني والعربي الأصيل، في خطّ بيانيّ فنّي مدهش و"سلطنة" غنائية امتدّت تأثيراتها إلى السامعين. روائع من ألحان وقصائد كبار الشعراء والموسيقى والمعاصرين، كما في "سكن الليل" (شعر: جبران خليل جبران، لحن محمد عبد الوهاب، إعداد أندريه الحاج) التي تزينت بإضافات وهبة الأدائية وبصمة الحاج بإعداد جذاب. و"رح حلفك بالغصن يا عصفور" (شعر: ميشال طراد، لحن: الأخوين رحباني، إعداد: أندريه الحاج)، التي قدمتها الفنانة وهبه باحتراف عالٍ، أدهش الحضور بتمكنّها من تطويع صعوبة تحفة وديع الصافي، التي يهابها كثر من الفنانين. وأغنية "أرض الغجر" (شعر: ماجدة داغر، لحن: شربل روحانا، توزيع: إيلي معلوف)، بمقدمة موسيقية من توزيع المايسترو، استطاع فيها أن يضيف أبعادًا جديدة على الأغنية التي أغدق عليها شربل روحانا لحنًا ساحرًا حمل قصيدة داغر إلى عمق النغم. و"لا ما بندم ع شي" (شعر: ميشال فوكير، لحن: شارل دومون، توزيع: عبدالله المصري، وترجمة جاهدة وهبه عن أغنية "Non rien de rien" ( في إداء رائع شارك فيه الحضور غناءً. وأغنية "يا حبيبي تعال لحقني" (شعر: أحمد جلال، لحن مدحت عاصم، إعداد: أندريه الحاج). وتألقت وهبه في ألحانها الخاصة في أعمال أصبحت من كلاسيكيات الغناء المعاصرة، وهي: "يا ريت فيي إنهدى" (شعر: طلال حيدر، إعداد كلود شلهوب وأندريه الحاج)، و"بيروت" (شعر: لميعة عباس عمارة، أعداد أندريه الحاج)، قصيدة "إرادة الحياة" (شعر: أبو القاسم الشابي، توزيع سمير الفرجاني)، و أغنية "ما طلبتُ من الله" (شعر: أحلام مستغانمي، توزيع: مايك ماسي)، وقصيدة "قل لي" (شعر: سعاد الصباح، إعداد: أسامة عبد الرسول)، وأغنية الختام رائعة الأديب الألماني الحائز جائزة نوبل "لا تمضٍ إلى الغابة" ترجمة أمل جبوري وإعداد كلود شلهوب، التي ينتظرها جمهور وهبه في معظم حفلاتها. ألحان وهبه التي تتضمن شغفها الموسيقي وهويتها، وقصائد كبار الشعراء، وأداء مختلف لفنانة تجيد العبور إلى مكامن الإبداع باحتراف، إلى جانب أعمال كبار الموسيقى واللحن، شكّلت معًا أمسية مختلفة في أبعاد متعددة. أمسية كانت هذه ليلتي" مسك ختامها بأداء جاهدة المحلّق، بعد طلب ملحّ من الجمهور لأغنيةٍ ما بعد الأخيرة، أمسية تنتظرها دومًا ذائقة فنية مثقفة، وجمهور لبناني وعربي متعطش إلى الأصالة والرقيّ في زمن ينهشه الاستسهال والاستهلاك. وها هو المعهد الوطني العالي للموسيقى، في حفلاته الغربية والشرق- عربية يعيد تأكيد حضور الموسيقى لاستعادة التوازن الثقافي إلى بلد الثقافة والحضارة والفنون.


LBCI
٠٢-٠٤-٢٠٢٥
- LBCI
جاهدة وهبه والأوركسترا الشرق – عربية بقيادة أندريه الحاج: إبهار في رحاب القصيدة والمقام
تزامنًا مع عيد الفطر المبارك، نظم المعهد الوطني العالي للموسيقى – الكونسرفتوار، بدعوة من رئيسته المؤلفة الموسيقية هبة القواس حفلة موسيقية غنائية على مسرح كركلا، مع الأوركسترا الوطنية للموسيقى الشرق – عربية بقيادة المايسترو أندريه الحاج وأحيتها غناءً الفنانة اللبنانية القديرة جاهدة وهبه، رافقهما كورال المعهد بإدارة السيدة عايدة شلهوب زيادة. نجاح مبهر لحفلة ساحرة، اشترك في إنجازه، إلى جانب الفنانة جاهدة وهبه، أربعون عازفًا من الأوركسترا الوطنية للموسيقى الشرق – عربية بقيادة عصا المايسترو أندريه الحاج، قائد الشرق-عربية بمهاراته الأكاديمية، وحسّه العميق بالنغم، وحضوره اللافت وسطوة قيادته. وإطلالة الصوت الجماعي المرافق لكوال المعهد الوطني العالي للموسيقى. حضور رسمي وجماهيري كبير، ضاقت به مقاعد مسرح كركلا، جلوسًا ووقوفًا في خلفية القاعة وفي الممرات، منصتين، ومتابعين، ومتفاعلين مع الغناء المتوهج لوهبه التي قدمت حفلة لا تنسى، ومع الموسيقى العابقة في المكان العريق، التي صدحت بها الأوركسترا وعازفوها وقائدها بتميّز ليس جديدًا على أدائها، وأثبتت أنها "صوتُ هويةٍ لا تنكسر" كما وصفتها في كلمتها الافتتاحية رئيسة المعهد د. هبة القواس وقالت: "في هذا المساء، وفي ظلّ واقعٍ لبنانيٍ مثقلٍ بالتحديات ومليءٍ بالأمل، تعانق الأوركسترا الوطنية اللبنانية للموسيقى الشرق-عربية الشعر والمسرح، وتؤكّد مجددًا أنها، رغم كل الأزمات، تقوم من تحت الرماد، لتمنحنا دفقة أمل، وصورةً مشرقة عن لبنان القادر، رغم كل شيء، أن يُبدع، ويُدهش، ويقود". وأضافت القواس: "في أولى ليالي نيسان، في ظلّ عبق العيد، عيد الفطر المبارك، نلتقي اليوم على منصة يتجسّد فيها الشعرُ صوتًا، والموسيقى روحًا، والفكرُ حضورًا حَيًّا نابضًا .إننا إذ نفتتح هذه الأمسية الاستثنائية للأوركسترا الوطنية اللبنانية للموسيقى الشرق-عربية بقيادة المايسترو أندريه الحاج، والتي تحمل توقيع الفنانة القديرة جاهدة وهبه، نكون لا نحتفي بفنّ الأداء فحسب، بل نحتفي بفلسفة الاندماج العميق بين الكلمة والنغمة، بين الشعر ككائن سامٍ، والموسيقى كسرٍّ كوني تُولد من صمتٍ متأملٍ وتفيضُ بالحضور. في هذا المكان، حيث تتقاطع الجماليات وتتلاقى الأبعاد، يصبح الصوت أداة للمعرفة، ويغدو الجسدُ آلةً تُستعاد من خلالها الأسئلة الكبرى: من نحن؟ وما الذي نُغنيه حين نُغني؟ وما معنى أن نحمل تراثًا في حناجرنا؟ نحن لسنا فقط ورثة تقاليد، بل نحن صانعو رؤى، وحَمَلة مشروع وجوديّ يعبُر الأزمنة، يعيد تشكيل الهوية العربية لا بوصفها جامدة، بل بوصفها حيّة، نابضة، حوارية، متحوّلة." وتابعت القواس: "جاهدة وهبه، هي ليست مغنيةً تؤدي القصيدة فحسب، بل هي الكلمة حين تتموْسق، واللحن حين يتحوّل إلى رؤيا .إنها من أولئك القلائل الذين يقفون على المسرح كمن يقف على عتبة سؤال، أو على تخوم صلاة. وقبل أن نُصغي، لا بد أن نقف امتنانًا لكل من ساهم وتعاون مع آلية الكونسرفتوار الكبرى، لجعل هذا اللقاء ممكنًا: إلى الفنان العظيم عبد الحليم كركلا، الذي قدّم مسرحه اليوم للمعهد الوطني العالي للموسيقى، إيمانًا برسالة الفن كفعل وطنيّ سامٍ. إلى محطة الـLBCI وتلفزيون لبنان، وفريق العمل فيهما، على مواكبتهم هذا الحدث الثقافي. إلى مهندس الصوت شادي سعد وBlueSound، على هندسةٍ سمعية دقيقة منحت العرض أبعاده النقية. وإلى فريق العمل في الكونسرفتوار، الجنود المجهولين الذين سهروا بصدقٍ وتفانٍ، لتأتي كلّ تفصيلة في هذا الحفل إلى تمامها المُضيء، لهم الامتنان الصافي، والمحبة الواجبة". وختمت القواس حديثها قائلة: "دعونا نُصغي الليلة لا فقط بآذاننا، بل بقلوبٍ تدركُ جمالَ الصدق، وبعقولٍ قادرةٍ على التقاط النور الكامن في كل ارتجافة صوت. فلنكن شركاء في هذا الطقس الفني الراقي، طقس تتوحّد فيه الذكرى بالحلم، والماضي بالمستقبل، والذات بالكل". بصوتها المصقول وتجربتها الفنية الاستثنائية، حلّقت الفنانة جاهدة وهبه إلى طبقات عليا من الأداء المتفرّد، حملت معها جمهور الحاضرين، إلى فضاءات خارج الزمان والمكان. وهبه "الأستاذة" في ابتكار اللحظات الفنية، تمكّنت من القبض على سرّ المتعة الفنيّة الخالصة، ونثرها بجرعات متساوية بين مساحات الإنصات العميق حينًا، وبين انفلات المشاعر بجرعات زائدة أحيانًا. وبين القصائد والنغم، عبَرت "قصيدة الغناء" على جسورٍ متينة مَدَّتها بأدواتها الفنّية والأكاديمية، ومهاراتها المتميزة في إعادة تشكيل القصيدة إلقاءً وأداءً وإحساسًا، في خلطة سحرية تمثّل هوية فنية خاصة جدًا لا تشبه إلا جاهدة وهبه. "في رحاب القصيدة والمقام" وهو العنوان الذي وسّعت له وهبه منازل صوتها وحضورها، تحوّل على الخشبة إلى رحابةٍ من أصالة وحداثة، إلى مزج متمكّن من استحضار المقام إلى مقاله الأثير في الحنجرة الحاضرة دومًا للاحتفاء بالفن الملهم. احتفاء لا يحدث نادرًا في حفلات وهبه، إنّما هو دائم الإقامة في رؤيتها الفنية الخاصة. رؤية أهّلتها أن تجتاز فنّ الممكن، والسّهل، والمُتاح، والاعتيادي، والمقولَب، والنّمطي، إلى خصوبةٍ ولّادةٍ لمّاحة ومبتكَرة. إلى عمارةٍ شيّدتها بيدَين عاريتَين إلّا من الجِدّ، والاجتهاد، والثقافة، والوله بالشّعر والّلحن، وبخطوط كفَّيها المرسومة على قدر البسالة والطموح والنجاح. مساراتها الفنية المتعددة، مكّنتها من تشييد صرح فنّي ذيّله توقيعُها، قوامه الكلمة واللحن والصوت والأداء وإجادة الوقوف على الخشبة ومَسرَحة الغناء، فهي المؤدّية والمرنّمة والمطربة والممثلة والشاعرة والملحّنة. وهي الفنانة التي فتنت ألباب جمهور حفلة "في رحاب القصيدة والمقام"، وقدّمت مع الأوركسترا المبهرة والمكتملة العديد وقائدها المقتدر، روائع الفن اللبناني والعربي الأصيل، في خطّ بيانيّ فنّي مدهش و"سلطنة" غنائية امتدّت تأثيراتها إلى السامعين. روائع من ألحان وقصائد كبار الشعراء والموسيقى والمعاصرين، كما في "سكن الليل" (شعر: جبران خليل جبران، لحن محمد عبد الوهاب، إعداد أندريه الحاج) التي تزينت بإضافات وهبة الأدائية وبصمة الحاج بإعداد جذاب. و"رح حلفك بالغصن يا عصفور" (شعر: ميشال طراد، لحن: الأخوين رحباني، إعداد: أندريه الحاج)، التي قدمتها الفنانة وهبه باحتراف عالٍ، أدهش الحضور بتمكنّها من تطويع صعوبة تحفة وديع الصافي، التي يهابها كثر من الفنانين. وأغنية "أرض الغجر" (شعر: ماجدة داغر، لحن: شربل روحانا، توزيع: إيلي معلوف)، بمقدمة موسيقية من توزيع المايسترو، استطاع فيها أن يضيف أبعادًا جديدة على الأغنية التي أغدق عليها شربل روحانا لحنًا ساحرًا حمل قصيدة داغر إلى عمق النغم. و"لا ما بندم ع شي" (شعر: ميشال فوكير، لحن: شارل دومون، توزيع: عبدالله المصري، وترجمة جاهدة وهبه عن أغنية 'Non rien de rien' ( في إداء رائع شارك فيه الحضور غناءً. وأغنية "يا حبيبي تعال لحقني" (شعر: أحمد جلال، لحن مدحت عاصم، إعداد: أندريه الحاج). وتألقت وهبه في ألحانها الخاصة في أعمال أصبحت من كلاسيكيات الغناء المعاصرة، وهي: "يا ريت فيي إنهدى" (شعر: طلال حيدر، إعداد كلود شلهوب وأندريه الحاج)، و"بيروت" (شعر: لميعة عباس عمارة، أعداد أندريه الحاج)، قصيدة "إرادة الحياة" (شعر: أبو القاسم الشابي، توزيع سمير الفرجاني)، و أغنية "ما طلبتُ من الله" (شعر: أحلام مستغانمي، توزيع: مايك ماسي)، وقصيدة "قل لي" (شعر: سعاد الصباح، إعداد: أسامة عبد الرسول)، وأغنية الختام رائعة الأديب الألماني الحائز جائزة نوبل "لا تمضٍ إلى الغابة" ترجمة أمل جبوري وإعداد كلود شلهوب، التي ينتظرها جمهور وهبه في معظم حفلاتها. ألحان وهبه التي تتضمن شغفها الموسيقي وهويتها، وقصائد كبار الشعراء، وأداء مختلف لفنانة تجيد العبور إلى مكامن الإبداع باحتراف، إلى جانب أعمال كبار الموسيقى واللحن، شكّلت معًا أمسية مختلفة في أبعاد متعددة. أمسية كانت هذه ليلتي" مسك ختامها بأداء جاهدة المحلّق، بعد طلب ملحّ من الجمهور لأغنيةٍ ما بعد الأخيرة، أمسية تنتظرها دومًا ذائقة فنية مثقفة، وجمهور لبناني وعربي متعطش إلى الأصالة والرقيّ في زمن ينهشه الاستسهال والاستهلاك. وها هو المعهد الوطني العالي للموسيقى، في حفلاته الغربية والشرق- عربية يعيد تأكيد حضور الموسيقى لاستعادة التوازن الثقافي إلى بلد الثقافة والحضارة والفنون.