الملك وسط الضجيج
في زمن تعلو فيه أصوات الحرب وتغيب فيه بوصلات القيم، يكاد يظل صوت الملك عبدالله الثاني صوت العقل الأبرز في الشرق الأوسط الذي لا يزال متمسّكًا بثبات بمبادئ العدالة والكرامة الإنسانية، داعيًا إلى إنهاء الصراعات عبر الحلول السياسية واحترام حقوق الشعوب كافة في مقدمتها الحق الفلسطيني في الحرية والسيادة وإقامة دولته المستقلة.
خطاب الملك عبدالله الثاني، الذي ألقاه قبل يومين أمام البرلمان الأوروبي، لم يكن مجرد عرض للواقع الإقليمي المضطرب، بل كان جرس إنذار مدوٍ أمام المجتمع الدولي حول خطورة الإنحدار الأخلاقي الذي يشهده العالم، لا سيما في التعامل مع القضية الفلسطينية والمآسي التي يشهدها قطاع غزة... الملك، وبكل صراحة وشجاعة، وضع العالم أمام مسؤوليته، وسلّط الضوء على الفجوة المتزايدة بين المبادئ التي يدّعيها المجتمع الدولي وبين أفعاله المتقاعسة، مؤكدًا أن السكوت عن المجازر والانتهاكات يعني التواطؤ في إعادة تعريف الإنسانية نفسها.
لقد أعاد الملك في خطابه التأكيد على أن جوهر الفوضى والاضطراب في المنطقة يعود إلى استمرار الإحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، ورفض إسرائيل إقامة دولة فلسطينية، بل وإصرارها على ارتكاب المجازر ضد المدنيين، وخاصة في غزة، حيث أصبحت الجرائم ضد المستشفيات، والمدنيين، والعاملين في الإغاثة مشهداً معتادًا للجميع..
لم يكن خطاب الملك مجرد دفاع عن القضية الفلسطينية فحسب، بل كان دعوة شاملة لاستعادة إنسانيتنا الجامعة، محذرًا من انزلاق العالم نحو التطرف والانقسام، ومطالبًا بتجديد الإلتزام بالقيم التي قامت عليها الحضارة الإنسانية، وعلى رأسها الكرامة، والعدل، والتعاون.
كما أبرز الملك دور أوروبا في صناعة السلام بعد الحرب العالمية الثانية، داعيًا قادتها اليوم إلى ممارسة الدور ذاته من جديد، ولكن هذه المرة لدعم حق الفلسطينيين، وإنهاء الصراعات في الشرق الأوسط، وعدم السماح بتحوّل القيم إلى شعارات جوفاء.
منذ عقود، يمثل الملك عبدالله الثاني ركيزة الاستقرار وصوت الاعتدال في منطقة تعصف بها الأزمات، كرّس جهوده في المنابر الدولية للدعوة إلى حلّ الدولتين، باعتباره السبيل الوحيد العادل والدائم لتحقيق السلام ، ومن خلال الوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس، يجسد الملك التزامًا تاريخيًا وأخلاقيًا بحماية التعددية الدينية والهوية الحضارية للمدينة.
ليس من المبالغة القول أن الملك عبدالله بن الحسين اليوم هو الزعيم الأبرز الذي يتمتع بصدقية عالمية، ويجهر بالحقيقة دون مواربة، مدافعا عن الحق الفلسطيني، و عن ضرورة عودة القانون الدولي ليكون الحكم في النزاعات، وليس منطق القوة.
لقد كان خطاب الملك عبدالله في البرلمان الأوروبي لحظة فارقة، أعادت توجيه البوصلة الأخلاقية للعالم، وأثبتت أن الأردن، رغم صغر جغرافيته، لا يزال يدفع بحكمة بالغة نحو السلام، متمسكًا بثوابته، ورافضًا أن تكون الدماء والمآسي هي الطريق الوحيد لرسم خرائط المستقبل.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


جهينة نيوز
منذ 2 ساعات
- جهينة نيوز
واشنطن تضرب بصمت… وإسرائيل تُطلق النار
تاريخ النشر : 2025-06-19 - 07:03 pm فايز محمد أبو شمّالة هجوم "اليوم 61' على إيران يعيد كشف الدور الوظيفي لإسرائيل في المشروع الإمبريالي الأمريكي منذ خمسينيات القرن الماضي، تشكّل في أدبيات حركات التحرر الوطني العربية، وخصوصًا الفلسطينية، فهمٌ جذري لطبيعة المشروع الصهيوني: لم يكن قيام "إسرائيل' تعبيرًا عن مشروع قومي مستقل لليهود، بل تأسس ليكون رأس حربة متقدمًا للهيمنة الغربية، وأداة دائمة لتفوق القوى الإمبريالية في قلب المنطقة العربية، وخصوصًا في المشرق. هذا الفهم لم يكن ناتجًا عن نظريات المؤامرة، بل عن معاينة معمّقة لبُنى الاستعمار الحديث وطريقة إعادة إنتاج السيطرة بعد الحرب العالمية الثانية. ومع مرور العقود وتبدّل التحالفات وتشابكها، ومع ما أفرزته اتفاقيات كامب ديفيد وأوسلو وأبراهام، تراجعت هذه الرؤية، حتى كادت تُختزل في سردية تبسيطية ترى أن "أمريكا تحمي إسرائيل'، وكأن العلاقة علاقة حليف ضعيف يُسترضى لا ذراع ضارب يُستخدم. لكن ما جرى في الأيام الأخيرة، في سياق التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل، جدّد الوعي بجوهر المعادلة، وأعاد إلى الواجهة حقيقةً أساسية كثيرًا ما طُمست: إسرائيل لا تتحرك بدافع "حقها في الدفاع عن النفس' فحسب، بل تنفّذ مهام وظيفية تخدم مصالح الإمبراطورية الأمريكية، وغالبًا ما تتقدّم على رأس جدول أعمالها العسكري. فقد اتضح أن الضربة الإسرائيلية لإيران لم تكن مفاجِئة ولا عفوية، بل جاءت في سياق هندسة استراتيجية جرى الإعداد لها على مدى أسابيع، بل أشهر، من خلال تبادل أدوار دقيق بين واشنطن وتل أبيب، فقد تصاعدت نبرة التهديد الإسرائيلي بشكل متزايد في الإعلام وفي التصريحات الرسمية، بينما حرصت واشنطن على أن تبدو حريصة على "التهدئة' و'الحل الدبلوماسي'، مقدمة نفسها طرفًا متوازنًا يسعى لتجنيب المنطقة ويلات الحرب. لكن اللحظة الحاسمة جاءت عندما قررت إسرائيل، فجأة، تنفيذ ضربات مركزة ضد أهداف إيرانية نوعية. ورغم أن الضربة بدت إسرائيلية من حيث التنفيذ، فإن توقيتها ومداها وسياقها السياسي كشفت عن بصمة أمريكية واضحة. وجاء بيان واشنطن في أعقاب الهجوم مباشرة، ليدعو طهران إلى العودة إلى طاولة المفاوضات "دون شروط مسبقة'. بدا المشهد حينها وكأنه تطبيقٌ حَرفي لمعادلة الضغط القصوى: التهديد، فالضربة، فالدعوة للحل، تحت الإكراه. ما يدعم هذا التحليل، ويقطع الشك باليقين، هو ما أعلنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مقابلة مع وول ستريت جورنال بتاريخ 13 يونيو 2025، حين كشف صراحة أن بلاده منحت إيران مهلة 60 يومًا للتوصل إلى اتفاق، وأن اليوم 61 شهد تنفيذ الضربة. قال ترامب حرفيًا: "أبلغت الطرف الآخر، وقلت لهم: لديكم ستون يوماً لإبرام الاتفاق. وفي اليوم الواحد والستين، شنّوا الهجوم. واليوم فعلاً هو اليوم 61، وقد كان هجومًا ناجحًا جداً.' وفي تصريح موازٍ، أضاف: "كنا نعرف كل شيء… أعطينا إيران مهلة 60 يوماً، واليوم هو اليوم 61، كنا نعرف كل شيء.' هذه التصريحات لا تحتمل التأويل، وتؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن الضربة لم تكن قرارًا إسرائيليًا منفردًا، بل تنفيذًا دقيقًا لتوقيت أميركي مرسوم سلفًا، في إطار خطة ضغط منظمة. إسرائيل في هذا المشهد لم تكن إلا أداة، أُطلقت يدها في التنفيذ ضمن هوامش محددة بدقة، لتحقيق هدف أمريكي مركزي: دفع إيران إلى التفاوض من موقع ضعف، تحت وقع الضربات. المعادلة إذن ليست جديدة، لكنها عادت لتتجلى بوضوح نادر: إسرائيل تؤدي وظيفة، والدور الذي تلعبه ليس طارئًا ولا عارضًا، بل تأسيسي في منطق وجودها. هي الذراع القتالية المتقدمة عندما لا تكفي لغة الدبلوماسية، وهي الأداة العسكرية حين تتطلب مصالح المركز الإمبريالي الأميركي تغيير ميزان القوى بالقوة. هذا الفهم يعيد تموضع إسرائيل في الوعي السياسي العربي والعالمي، لا باعتبارها فاعلًا مستقلًا بل كيانًا وظيفيًا ضمن مشروع هيمنة أكبر. حين تتعثر السياسة، يُستدعى الذراع، وحين ينجز المهمة، يُعاد استخدام خطاب التسوية. الدور موزّع، والقيادة في واشنطن، لا في تل أبيب. من هنا، فإن أي تحليل للصراع الإيراني–الإسرائيلي خارج هذا الإطار يغدو قاصرًا. ما يجري ليس نزاعًا ثنائيًا بين خصمين إقليميين، بل جزء من بنية ضغط دولية تقودها واشنطن، وتنفذها إسرائيل، التي – كما وُلدت – لا تزال حتى اليوم: شرطي الهيمنة، وسيفها المسلول. تابعو جهينة نيوز على

عمون
منذ 4 ساعات
- عمون
بساتين الزيتون .. وخطاب الملك أمام البرلمان الأوروبي
لاشك أن العالم أمام منعطف تاريخي جديد لا سيما أمام الشرق الأوسط و على كافة المستويات السياسية والإقتصادية والاجتماعية إذ تنذر الصراعات التي تفجرت مؤخرا الكم الهائل من التغيرات الانية والمتلاحقة على المديين القريب والبعيد، ولابد من تحليل متكامل لما اثاره خطاب الملك عبدالله الثاني ابن الحسين في خطابه أمام البرلمان الأوروبي في فرنسا قبل يومين والتي تناولت ستة محاور رئيسية سأحاول في هذا الطرح تحليل وجهة نظره والتقاط الرسائل فيها : أولا : حال العالم اليوم ومستقبله استهل الملك حديثه باستذكار خطاب سابق له في نفس المكان تحدث فيه عن ضرورة إيجاد حلول طارئه وسريعة لدفع نحو العدالة العالمية واتاحة الفرص أمام الشباب وان مرور العالم لصراعات وتحديات أمنية وصحية وتكنولوجيه عديدة ساهمت وان تفاقم الصراعات السياسية والحروب مؤخرا، وساهم بخلق انفلات دولي تسبب فقدان العالم قيمه الأخلاقية وفي هذا توجيها يؤكد فيه الملك للعالم على أهمية نظرية العدوان الإجتماعي التي ساهمت بنشر رموز عنصرية في عدة محاور أدت لتفاقم الصراعات وتحولها لحروب وازمات سياسية عديدة ساهمت في تطوير الفكر الجمعي الدولي لشباب ونشر خطاب الكراهية. ثانيا : تأثيرات التطرف التكنولوجي والقيم المشتركة إذ تحدث الملك في الجزء الثاني من خطابه عن دلالات عالمية بعد التطرف التكنولوجي والتفوق الذكي الذي أدى لخلق نزاع قيمي في العالم مما عزز تحرك الصراعات السياسية بشكل أكثر حدية وتوحشيه وفقدان العالم لمعرفة الحق من الباطل مشيرًا إلى تجربة دولية سابقه تنبهت لها أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية التي اختارت إعادة البناء للكرامة الإنسانية والقيم بدل العدوان والإنتقام قبل أي شيء . وهذه إشارات ان التحيز المعرفي الذي دفع به لواجهة العالم أثر بالضرورة على مكنونات القيم المشتركة وسبل إختيار الطرق السلمية في الحوار الدولي. ثالثا : الماضي العربي و الأوروبي أشار الملك في المحور الثالث للركائز التي بنيت عليها الحضارة العربية والحضارة الأوروبية التي تتطورت بالضرورة بقيام القيم وتعزيز العدالة و التكافل بمعنى انه أشار إلى أنه بعد فوران العدوان الإجتماعي الناتج التحيز المعرفي فقد العالم عقله الإجتماعي والتي كانت سترشد بالضرورة إلى كيفية الإستجابة لتحديات هذا العصر، مشيرًا لأهمية وجودية الأخلاق والقيم المشتركة التي تربط الاديان السماوية (الإسلام، المسيحية، اليهودية) . رابعا : الأردن حاضنة تاريخية أكد الملك في المحور الرابع لخطابه على استراتيجية الأردن التي لا تقف فقط على محوريته السياسية إنما محوريته الإجتماعية و الأخلاقية التي حافظ الأردن على بنيويتها نتيجة وجود أرث ديني مهم في الأردن جعلت من الأردن البلد المسلم ان يحتضن المسيحين الذين هم في أرض مهد حضارة المسيح الأمر الذي قدر الهاشمين على صون الوصاية الهاشمية في الحفاظ على التناغم الإجتماعي والديني في الأردن بل وعلى السعي جاهدين للحفاظ على الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في فلسطين، لا سيما انه آثار بنود العهدة العمرية في الحفاظ على التنظيم الديني بل وعلى كيفية الحفاظ على الهوية الإجتماعية والدينية وان العالم بعد ألف عام هاد ليتبع هذه العهدة. خامسا : إلقاء الفوضى في غزة امتعض الملك في هذا المحور من التراجع القيمي في العالم وكأن العالم ألقى فوضاه في غزة او انحدرت قيمه الإجتماعية وتغولت أنانية الفردية والجمعية الخاصة على العامة والجمعية الأكبر فلم يحرك العالم منذ 20 شهرا أبدا لأجل غزة بشكل جدي رغم الانتهاكات التي وثقت دوليا متهما العالم بالتخلي عن غزة وتحول كل هذه القيم التي نشيد ونتحدث بها إلى إدعاءات مفرغة من جوهوها الأخلاقي وضرورة نشوء صراع بين السلطة والمبدأ وبين القوة والقانون. سادسا : قرارت محورية دولية أكد الملك ان أوروبا أمام فترة حاسمة لإختيار الطريق موجهها البرلمان الأوروبي إلى إمكانية الإعتماد على الأردن كشريك استراتيجي في ضرورة تنمية الشرق الأوسط ووقف هذا النزف ومنح الفلسطنيين حقوقهم ودولتهم التي تعتبر حق شرعي لهم وان استمرار التوحش والتغول الإسرائيلي على غزة والضفة سيعني فشل كيف نكون إنسانيين مجددا لا سيما ان إسرائيل مددت الحرب نحو إيران وهذا إنذار دولي ان كل العالم على محك ليس سياسي او اقتصادي فقط بل أخلاقي واجتماعي. سابعا : السلام يحتاج شجاعة اختتم الملك خطابه بأهمية طريق السلام لتنمية الأوطان والحفاظ على القيم المشتركة والإنسانية وان استمرار التدهور الأخلاقي سيعني مزيدا من عدم الإستقرار وارتفاع المخاطر للجميع. وهنا يمكن أن نثير رؤى فلسفية إجتماعية للملك عبدالله الثاني ابن الحسين التي تتنبه بالمستقبل للعالم وكيفية إدارة حاضره إذ لم تتبنى كلمته مواقف سياسية بقدر ما تم التركيز على مفاصل أخلاقية وإجتماعية قامت على معايير عديدة أي أن استمرار العدوان الإجتماعي الذي تسببه التحيز المعرفي رغم وجودية الرمزية الإجتماعية القائمة بين الأديان بسبب التطرف التكنولوجي الحاصل الذي ساهم في اضطراب إجتماعي وقيمي مما خلق صورا من التفاعل الرمزي الذي اختلقته المعلومات المضللة والتي خلقت خطاب كراهية متسارع النمو اي ان الملك يرى ان البناء الإجتماعي يحتاج إعادة لتصحيح المفاهيم ومحاربة خطاب الكراهية بإعادة فهم السلوك الإجتماعي ومتطلباته الجديدة وضخ القيم المشتركة والإجتماعية الصحيحة في المجتمع الدولي مجددا لإعادة صناعة القوات المحورية في القيادات الدولية نحو اعتبار إحلال السلام اكثر نفعية في بناء اي استراتيجيات او طموحات بدل اغراق العالم بفوضى قيمية مضللة تأثر بالضرورة على القرار السياسي واستمرار النزاعات والحروب الصراعات. اي ان إعادة تشكيل الهوية الإجتماعية يحتاج ان يوضح للعالم وقياداته ان العيش المشترك والسلام هو الطريق الانجع لسلامة الجميع ومستقبل العالم. وسأذكر لاحقا كيف للإعلام العربي والدولي ان يلتقط هذه الرسائل الإجتماعية والسياسية لبناء الهوية الوطنية الواحدة والهوية الإقليمية او الحضارية ثم الهوية الإجتماعية وفقا لفلسفة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين. أخيرا، اختار الملك تعبير بساتين الزيتون في حديثه عن غزة في إشارة تضمينية ان هنالك تهديدا ليس على سلام المنطقة وإنما على العدالة العالمية ومستقبل البشرية وان التهديد الإجتماعي والسياسي الذي تحاول إسرائيل فرضه بالقوة على العالم لن يثير إلا الدمار الشامل.

الدستور
منذ 4 ساعات
- الدستور
بساتين الزيتون.. وخطاب الملك عبدالله الثاني أمام البرلمان الأوروبي
كتبت - نور الدويري لاشك أن العالم أمام منعطف تاريخي جديد لا سيما أمام الشرق الأوسط و على كافة المستويات السياسية والإقتصادية والاجتماعية إذ تنذر الصراعات التي تفجرت مؤخرا الكم الهائل من التغيرات الانية والمتلاحقة على المديين القريب والبعيد، ولابد من تحليل متكامل لما اثاره خطاب الملك عبدالله الثاني ابن الحسين في خطابه أمام البرلمان الأوروبي في فرنسا قبل يومين والتي تناولت ستة محاور رئيسية سأحاول في هذا الطرح تحليل وجهة نظره والتقاط الرسائل فيها : أولا : حال العالم اليوم ومستقبله استهل الملك حديثه باستذكار خطاب سابق له في نفس المكان تحدث فيه عن ضرورة إيجاد حلول طارئه وسريعة لدفع نحو العدالة العالمية واتاحة الفرص أمام الشباب وان مرور العالم لصراعات وتحديات أمنية وصحية وتكنولوجيه عديدة ساهمت وان تفاقم الصراعات السياسية والحروب مؤخرا، وساهم بخلق انفلات دولي تسبب فقدان العالم قيمه الأخلاقية وفي هذا توجيها يؤكد فيه الملك للعالم على أهمية نظرية العدوان الإجتماعي التي ساهمت بنشر رموز عنصرية في عدة محاور أدت لتفاقم الصراعات وتحولها لحروب وازمات سياسية عديدة ساهمت في تطوير الفكر الجمعي الدولي لشباب ونشر خطاب الكراهية. ثانيا : تأثيرات التطرف التكنولوجي والقيم المشتركة إذ تحدث الملك في الجزء الثاني من خطابه عن دلالات عالمية بعد التطرف التكنولوجي والتفوق الذكي الذي أدى لخلق نزاع قيمي في العالم مما عزز تحرك الصراعات السياسية بشكل أكثر حدية وتوحشيه وفقدان العالم لمعرفة الحق من الباطل مشيرًا إلى تجربة دولية سابقه تنبهت لها أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية التي اختارت إعادة البناء للكرامة الإنسانية والقيم بدل العدوان والإنتقام قبل أي شيء . وهذه إشارات ان التحيز المعرفي الذي دفع به لواجهة العالم أثر بالضرورة على مكنونات القيم المشتركة وسبل إختيار الطرق السلمية في الحوار الدولي. ثالثا : الماضي العربي و الأوروبي أشار الملك في المحور الثالث للركائز التي بنيت عليها الحضارة العربية والحضارة الأوروبية التي تتطورت بالضرورة بقيام القيم وتعزيز العدالة و التكافل بمعنى انه أشار إلى أنه بعد فوران العدوان الإجتماعي الناتج التحيز المعرفي فقد العالم عقله الإجتماعي والتي كانت سترشد بالضرورة إلى كيفية الإستجابة لتحديات هذا العصر، مشيرًا لأهمية وجودية الأخلاق والقيم المشتركة التي تربط الاديان السماوية (الإسلام، المسيحية، اليهودية) . رابعا : الأردن حاضنة تاريخية أكد الملك في المحور الرابع لخطابه على استراتيجية الأردن التي لا تقف فقط على محوريته السياسية إنما محوريته الإجتماعية و الأخلاقية التي حافظ الأردن على بنيويتها نتيجة وجود أرث ديني مهم في الأردن جعلت من الأردن البلد المسلم ان يحتضن المسيحين الذين هم في أرض مهد حضارة المسيح الأمر الذي قدر الهاشمين على صون الوصاية الهاشمية في الحفاظ على التناغم الإجتماعي والديني في الأردن بل وعلى السعي جاهدين للحفاظ على الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في فلسطين، لا سيما انه آثار بنود العهدة العمرية في الحفاظ على التنظيم الديني بل وعلى كيفية الحفاظ على الهوية الإجتماعية والدينية وان العالم بعد ألف عام هاد ليتبع هذه العهدة. خامسا : إلقاء الفوضى في غزة امتعض الملك في هذا المحور من التراجع القيمي في العالم وكأن العالم ألقى فوضاه في غزه او انحدرت قيمه الإجتماعيه وتغولت أنانيه الفردية والجمعية الخاصة على العامة والجمعية الأكبر فلم يحرك العالم منذ 20 شهرا أبدا لأجل غزة بشكل جدي رغم الانتهاكات التي وثقت دوليا متهما العالم بالتخلي عن غزة وتحول كل هذه القيم التي نشيد ونتحدث بها إلى إدعاءات مفرغة من جوهوها الأخلاقي وضرورة نشوء صراع بين السلطة والمبدأ وبين القوة والقانون. سادسا : قرارت محورية دولية أكد الملك ان أوروبا أمام فترة حاسمة لإختيار الطريق موجهها البرلمان الأوروبي إلى إمكانية الإعتماد على الأردن كشريك استراتيجي في ضرورة تنمية الشرق الأوسط ووقف هذا النزف ومنح الفلسطنيين حقوقهم ودولتهم التي تعتبر حق شرعي لهم وان استمرار التوحش والتغول الإسرائيلي على غزة والضفة سيعني فشل كيف نكون إنسانيين مجددا لا سيما ان إسرائيل مددت الحرب نحو إيران وهذا إنذار دولي ان كل العالم على محك ليس سياسي او اقتصادي فقط بل أخلاقي واجتماعي. سابعا : السلام يحتاج شجاعة اختتم الملك خطابه بأهمية طريق السلام لتنمية الأوطان والحفاظ على القيم المشتركة والإنسانية وان استمرار التدهور الأخلاقي سيعني مزيدا من عدم الإستقرار وارتفاع المخاطر للجميع. وهنا يمكن أن نثير رؤى فلسفية إجتماعية للملك عبدالله الثاني ابن الحسين التي تتنبه بالمستقبل للعالم وكيفية إدارة حاضره إذ لم تتبنى كلمته مواقف سياسية بقدر ما تم التركيز على مفاصل أخلاقية وإجتماعية قامت على معايير عديدة أي أن استمرار العدوان الإجتماعي الذي تسببه التحيز المعرفي رغم وجودية الرمزية الإجتماعية القائمة بين الأديان بسبب التطرف التكنولوجي الحاصل الذي ساهم في اضطراب إجتماعي وقيمي مما خلق صورا من التفاعل الرمزي الذي اختلقته المعلومات المضللة والتي خلقت خطاب كراهية متسارع النمو اي ان الملك يرى ان البناء الإجتماعي يحتاج إعادة لتصحيح المفاهيم ومحاربة خطاب الكراهية بإعادة فهم السلوك الإجتماعي ومتطلباته الجديدة وضخ القيم المشتركة والإجتماعية الصحيحة في المجتمع الدولي مجددا لإعادة صناعة القوات المحورية في القيادات الدولية نحو اعتبار إحلال السلام اكثر نفعية في بناء اي استراتيجيات او طموحات بدل اغراق العالم بفوضى قيمية مضللة تأثر بالضرورة على القرار السياسي واستمرار النزاعات والحروب الصراعات. اي ان إعادة تشكيل الهوية الإجتماعية يحتاج ان يوضح للعالم وقياداته ان العيش المشترك والسلام هو الطريق الانجع لسلامة الجميع ومستقبل العالم. وسأذكر لاحقا كيف للإعلام العربي والدولي ان يلتقط هذه الرسائل الإجتماعية والسياسية لبناء الهوية الوطنية الواحدة والهوية الإقليمية او الحضارية ثم الهوية الإجتماعية وفقا لفلسفة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين. أخيرا أختار الملك تعبير بساتين الزيتون في حديثه عن غزة في إشارة تضمينية ان هنالك تهديد ليس على سلام المنطقة وإنما على العدالة العالمية ومستقبل البشرية وان التهديد الإجتماعي والسياسي الذي تحاول إسرائيل فرضه بالقوة على العالم لن يثير إلا الدمار الشامل.