
جنود أوكرانيون يؤكدون أن موسكو "ضعيفة"
يقول ضابط كبير في أوكرانيا "لقد سئمنا القتال، لكن لن يكون لكل ما ضحينا به أي معنى إذا استسلمنا لبوتين الآن، كما يريد ترمب، لذلك سنواصل القتال بغض النظر عما يقوله الآخرون لنا".
ومع اقتراب الذكرى الثالثة للحرب، يشعر الجنود في الخطوط الأمامية بالغضب إزاء تكهنات متداولة بين حلفاء بلدهم، مفادها أن معركتهم ضد روسيا خاسرة، وأن الوقت قد حان للسعي إلى تسوية سلمية.
وفي هذا الإطار، يؤكد كلاس، كبير ضباط كتيبة متخصصة، ينتشر عناصرها على معظم خطوط قتال الجبهة الممتدة على مسافة 1300 كيلومتر، أن "روسيا ليست منتصرة على أوكرانيا، وصحيح أنها ليست بخاسرة، لكنها حتماً غير منتصرة"، ويضيف بالقول "إن العدو يحقق مكاسب طفيفة، لكنها تأتي مقابل ثمن باهظ يدفعه من عديده وعتاده، والروس فعلياً لا يحققون أي نجاحات عملياتية تذكر، ومن الواضح أنهم ما عادوا قادرين على استخدام الأسلحة المدفعية والمدرعات بالكميات التي عهدناها لهم منذ بضعة أشهر".
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واللافت أن أوكرانيا تتقدم على روسيا في حرب المسيرات، وفي منطقة كورسك التي استولت عليها قوات كييف داخل الأراضي الروسية العام الماضي، يحقق الجيش الأوكراني نجاحات على صعيد استخدام تكتيكات مناورة تعتمدها قوات حلف شمال الأطلسي "ناتو"، تمنح الجنود حرية شن هجمات، بدلاً من اكتفائهم بحفظ مواقع دفاعية في الخنادق.
ومن بداية الحرب، تعتمد كييف على مساعدات عسكرية ومالية تناهز قيمتها 232 مليار دولار، حصلت عليها، منذ بداية الغزو الروسي الشامل في الـ24 من فبراير (شباط) 2022، من الولايات المتحدة وأوروبا، وقد أسهمت الولايات المتحدة بنصف هذا المبلغ تقريباً، إلى جانب مبلغ مخصص لدعم الأمن، تناهز قيمته 62 مليار دولار.
بيد أن مصير هذه المساعدات أصبح اليوم على المحك، مع إطلاق دونالد ترمب "محادثات سلام" مع فلاديمير بوتين في شأن أوكرانيا، في خطوة تستثني كييف من العملية.
لقد خسرت أوكرانيا عدداً كبيراً من خيرة جنودها في الأعوام الثلاثة التي أعقبت الغزو الروسي الذي طاول مناطق شاسعة، وكاد يؤدي إلى سقوط العاصمة كييف في أيادي قوات موسكو.
أما العامل الرئيس الذي أسهم في ردع قوات الاحتلال، فتمثل بعزم وإصرار عدد كبير من المواطنين الأوكرانيين العاديين والقادة المحليين، الذين تحدوا الفوضى السائدة في صفوف القيادات العليا في جيش بلادهم.
وكان "أخيليس" واحداً من هؤلاء المحاربين، وهو جندي مخضرم كان قد تطوع، في سن المراهقة، لمواجهة الغزو الروسي الأول عام 2014، وعندما التقيت به بينما كان يقاتل في جنوب مدينة إيزيوم، التي كانت آنذاك تحت سيطرة القوات الروسية، كان قد دمر صيف ذلك العام مدرعات روسية على مشارف كييف، أما الآن، فكان منشغلاً بصد التقدم الروسي في اتجاه سلوفيانسك، وكان أفراد مجموعة جنود الاستطلاع بقيادته يستخدمون دبابة استولوا عليها، متفاخرين بأنها دمرت نحو ست دبابات روسية من طراز "تي – 80" T-80 قبل أسبوع.
وكان لدى أخيليس وهو متخصص صَقل مهاراته بجهده الخاص في استخدام صواريخ "جافلين" Javelin المضادة للمدرعات المقدمة من حلف شمال الأطلسي، وصواريخ "إل إن إي دبليو" LNAW المضادة للدبابات المقدمة من بريطانيا قاذف "جافلين" محطم مليء بالرصاص يتدحرج في مؤخرة شاحنة البيك أب التي يستخدمونها في عمليات الكر والفر، وقد بدت عليه علامات الإرهاق والحزن صباح ذلك اليوم من يونيو (حزيران).
وبعد أسبوعين، كان على وشك التعرض لإصابة بالغة عندما كادت قذيفة دبابة روسية تخترق جانباً من رأسه، بينما كان الجانب الآخر محمياً بفضل صاروخ "جافلين" كان يحمله على كتفه ويستعد لإطلاقه.
ومن بين 15 عنصراً انضموا أصلاً إلى المجموعة بقيادة أخيليس، قضى النصف نحبهم أو تعرضوا لإصابات بالغة حالت دون مواصلتهم للقتال، أما البقية، فيصرون على مواصلة الحرب إلى حين التوصل إلى اتفاق سلام يضمن الأمن لبلادهم – حتى لو أرغموا على التضحية ببعض الأراضي.
وأعربوا عن استغرابهم وعدم فهمهم لاختيار هذا التوقيت بالذات للكلام في كل مكان عن ضرورة سعي أوكرانيا إلى التوصل لتسوية سلمية مع روسيا.
هذا الرأي أيده مسؤول سابق في جهاز الاستخبارات البريطاني "إم آي 6" MI6، متخصص في الشؤون الروسية، وقد أفاد بالقول "إن روسيا عليها التفاوض من موقع الضعيف"، معللاً ذلك بأن "اقتصادها في مهب الريح، وهي تعتمد على شركاء غير موثوقين مثل إيران والصين وكوريا الشمالية، وحربها في أوكرانيا أمام حائط مسدود".
وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، كتب المؤلف أوين ماثيوز، المتخصص في الشؤون الروسية، في مقالة لـ"اندبندنت"، "خلال الصيف الماضي، قفز سعر البيض بنسبة 42 في المئة، وسعر الموز بنسبة 48 في المئة، في حين ارتفع سعر الطماطم بنسبة 39.5 في المئة وسعر البطاطا بنسبة 25 في المئة، ومن ثم، فإن الروبل الروسي خسر أكثر من نصف قيمته منذ أن احتل بوتين شبه جزيرة القرم عام 2014.
وكذلك، تم تجميد احتياطات روسية بالعملات الأجنبية يملكها الكرملين في مصارف الغرب وتزيد قيمتها عن 600 مليار دولار".
ومن ثم، فإن الحرب في أوكرانيا تستهلك نحو 40 في المئة من مجمل الإنفاق العام الروسي، وقد تكبدت روسيا خسائر جسيمة في أوكرانيا، وتحولت الحرب السريعة والسهلة التي أرادها بوتين إلى مستنقع يصعب الخروج منه، وفي هذا السياق، أكد "معهد توني بلير" The Tony Blair Institute أن إنفاق الاتحاد الأوروبي 40 مليار دولار إضافي على المساعدات العسكرية سيكون كفيلاً بتعزيز قدرات أوكرانيا، وإحداث توازن في صراعها القائم مع روسيا.
وفي هذا السياق، نستذكر كلاماً شهيراً للرئيس الأميركي السابق رونالد ريغان، قال فيه إن الإنفاق الغربي كفيل بإخضاع الاتحاد السوفياتي، وهي فكرة أثبتت فاعليتها.
لذا، سيكون سحق آلة الحرب والاقتصاد الروسية ممكناً لو أن أوروبا أظهرت استعدادها لتحمل بعض من الأعباء المالية للحرب، بينما يدفع الأوكرانيون ثمنها بأرواحهم.
وفي أوروبا، يسود اعتقاد راسخ بأن أوكرانيا لن تصمد لوقت طويل، وقد عززت هذه المخاوف تهديدات إدارة ترمب بقطع التمويل والدعم العسكري للبلاد.
والحال أن ترمب بنفسه يؤمن بأن أوكرانيا إما بدأت الحرب بنفسها أو جنتها على نفسها بسبب هدفها المعلن بالانضمام يوماً إلى حلف شمال الأطلسي.
ومن ثم، فهو يؤيد جميع المبادئ العلنية التي يستند إليها الطرف الروسي في مفاوضاته، ويصدق الكذبة القائلة إن الرئيس الأوكراني فولوديمير ليس لديه تفويض بالحكم.
وقال إن زيلينسكي "ديكتاتور" خدع إدارة بايدن كي تمول حرب أوكرانيا وتقدم له مبلغاً بقيمة 350 مليار دولار، وهي كلها طبعاً ادعاءات كاذبة وتفتقد عنصراً مهماً.
فالحال أن زيلينسكي هو رمز الدفاع الأوكراني ضد روسيا والمسؤول الرئيس عن جمع الأموال لهذه الغاية، بيد أن صفته التمثيلية خارج البلاد أكبر مما هي عليه في الداخل. ومن ثم، لا وجود لأي تبجيل لشخصه، ولما قد يعرف بـ"الفولودية" [للكلام عن منحى الوفاء لفولوديمير زيلينسكي] في موازاة "الترمبية" أو "البوتينية".
لذا، وإن قدم الرئيس الأوكراني استقالته غداً، فلن يتأثر كفاح أوكرانيا ضد روسيا.
وفي أوكرانيا، يطالب جنود الجبهة بأسلحة تلزمهم لإرغام روسيا على التفاوض، والأمر بالفعل بهذه البساطة.
لقد كان العقيد "سنيكي" قائداً استطلاعياً في وحدة مختلطة ضمت متطوعين أجانب وجنوداً أوكرانيين تصدروا عملية تحرير خيرسون الأوكرانية في خريف عام 2022.
وكانت الأسلحة، ونظارات الرؤية الليلية وأنظمة الاتصالات التي اشتراها أشخاص من أموالهم الخاصة حاسمة لتحقيق النصر، وقد سمحت لهم بالبقاء على قيد الحياة خلال الهجمات على القوات الروسية عبر نهر دنيبرو.
ويقول معلقاً "أتمنى فعلاً، كأوكراني، أن يكون الهدف من كلام ترمب اليوم هو ذر الرماد في عيون الروس"، ومن ثم يضيف "لأنه إن لم يكن كذلك، فسيكون تذكيراً واضحاً وكبيراً بمسببات الحرب العالمية الثانية، مع تقسيم تشيكوسلوفاكيا (على يد الحلفاء وألمانيا عام 1938)، وأنا طبعاً، كأوكراني، لا أتمنى أن أكون عالقاً في المكان الذي تنطلق منه شرارة الحرب العالمية الثالثة".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


Independent عربية
منذ ساعة واحدة
- Independent عربية
روسيا وأوكرانيا تستكملان أكبر عملية لتبادل أسرى الحرب
قالت وزارة الدفاع الروسية والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن موسكو وكييف أكملتا عملية تبادل 1000 أسير لكل منهما اليوم الأحد، في أكبر عملية تبادل من نوعها منذ بدء الحرب قبل ثلاثة أعوام. وبدأت عملية التبادل التي استمرت ثلاثة أيام، أول من أمس الجمعة، وشملت في معظمها أسرى حرب إلى جانب 120 مدنياً من كل جانب، وتبادل الطرفان اليوم 303 أسرى. وكتب زيلينسكي على "تيليغرام"، "اليوم، يعود إلى الديار جنود من قواتنا المسلحة والحرس الوطني وحرس الحدود وخدمة النقل الخاصة التابعة للدولة". وكان هذا التبادل هو الخطوة الملموسة الوحيدة نحو السلام التي انبثقت من أول محادثات مباشرة بين الطرفين المتحاربين منذ أكثر من ثلاثة أعوام. وأجريت المحادثات خلال الـ16 من مايو (أيار) الجاري، لكنها لم تفض إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. ودعت أوكرانيا والولايات المتحدة ودول غربية أخرى إلى وقف القتال لمدة 30 يوماً دون شروط مسبقة، للسماح بإجراء محادثات سلام. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) ويعتقد أن مئات الآلاف من الجنود من كلا الجانبين جرحوا أو قتلوا في أدمى الصراعات داخل أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، ولا ينشر أي من الجانبين أرقاماً دقيقة للقتلى أو الجرحى. وقُتل عشرات الآلاف من المدنيين الأوكرانيين خلال حصار القوات الروسية للمدن الأوكرانية وقصفها. وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أول من أمس إنه بمجرد الانتهاء من عملية التبادل، ستكون موسكو مستعدة لتقديم مسودة اقتراح لأوكرانيا باتفاق سلام طويل الأمد. وقال مسؤولون اليوم إن القوات الروسية شنت 367 هجوماً بطائرات مسيرة وصواريخ على كييف ومدن أخرى الليلة الماضية، مما أسفر عن مقتل 12 شخصاً في الأقل وإصابة العشرات في ما يعد أكبر هجوم جوي حتى الآن منذ اندلاع الحرب. وأفادت وزارة الدفاع الروسية بأن وحدات الدفاع الجوي اعترضت أو دمرت 95 طائرة مسيرة أوكرانية خلال أربع ساعات، وقال سيرغي سوبيانين رئيس بلدية موسكو إنه اعتُرضت 12 طائرة مسيرة أوكرانية كانت في طريقها إلى العاصمة.


Independent عربية
منذ 3 ساعات
- Independent عربية
ماذا تعني إعادة تأميم شركة خاصة لتشغيل القطارات في بريطانيا؟
أصبحت شركة "ساوث ويسترن رايلويز" البريطانية اليوم الأحد أول شركة خاصة لتشغيل القطارات تعود إلى الملكية العامة، وذلك بموجب خطة حكومة حزب العمال لإعادة تأميم قطاع السكك الحديد المتردي. ومن المقرر إعادة تأميم جميع الشركات المشغلة للقطارات في بريطانيا خلال العامين المقبلين بناءً على السياسات التي أطلقها رئيس الوزراء كير ستارمر منذ عودة حزبه إلى السلطة في يوليو (تموز) الماضي بعد 14 عاماً في المعارضة. وكتب ستارمر على منصة "إكس"، "باتت (ساوث ويسترن رايلويز) خاضعة للملكية العامة. وهذه ليست إلا البداية"، وتعهد أن يعطي التأميم "الأولوية للركاب" مع "خدمات أفضل وعملية أسهل لشراء التذاكر وقطارات أكثر راحة". وقالت وزيرة النقل هايدي ألكسندر في بيان "اليوم هو لحظة فاصلة في عملنا لإعادة السكك الحديد إلى خدمة الركاب". ويعاني ركاب القطارات في بريطانيا إلغاءات متكررة للرحلات وارتفاع أسعار التذاكر وإرباكاً دائماً في شأن الخدمات التي يمكنهم الاستفادة منها. خصخصة عمليات السكك الحديد وجرت خصخصة عمليات السكك الحديد منتصف تسعينيات القرن الـ20 في عهد رئيس الوزراء المحافظ آنذاك جون ميجور، لكن شبكة السكك الحديد ظلت عامة. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وتخضع أربع من 14 شركة مشغلة في بريطانيا لإدارة الدولة بسبب أدائها الضعيف في السنوات الأخيرة، لكن كان يفترض أن يكون هذا حلاً موقتاً قبل العودة إلى القطاع الخاص. وفاز حزب العمال على المحافظين في انتخابات العام الماضي ليعود إلى "داونينغ ستريت" بتعهدات لإصلاح خدمات النقل في البلاد. "التغيير لن يحدث بين عشية وضحاها" وأقر مشروع قانون في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 يسمح بإدخال الشركات الخاصة المشغلة للقطارات إلى الملكية العامة عندما تنتهي عقودها، أو قبل ذلك في حال سوء الإدارة، لتدار من قبل شركة "السكك الحديد البريطانية الكبرى". وقالت ألكسندر أن هذا من شأنه أن ينهي "30 عاماً من التشرذم"، لكنها حذرت من أن "التغيير لن يحدث بين عشية وضحاها". ومن المقرر إعادة شركتي تشغيل قطارات تخدمان بلدات ومدناً في شرق بريطانيا وجنوب شرقها إلى الملكية العامة أواخر عام 2025، وكذلك، من المقرر أن تنتهي جميع عقود الشركات الحالية بحلول عام 2027. وتفيد الحكومة بأن إعادة التأميم ستوفر ما يصل إلى 150 مليون جنيه استرليني (200 مليون دولار) سنوياً، إذ لن يتعين عليها دفع رسوم تعويض للشركات المشغلة للقطارات. وفي أبريل (نيسان) الماضي سمح البرلمان البريطاني للحكومة بتأميم شركة "بريطانيا للصلب" بعدما تراكمت خسارتها حتى قدرت بأكثر من 900 ألف دولار يومياً.


Independent عربية
منذ 4 ساعات
- Independent عربية
غاز كردستان... شراكات "منقوصة" وثروة محاطة برقابة 4 دول
في خطوة وُصفت بأنها الأضخم في تاريخ استثماراته بقطاع الطاقة وقع إقليم كردستان العراق اتفاقين بقيمة إجمالية تصل إلى 110 مليارات دولار مع شركتين أميركيتين في واشنطن لتطوير حقلين رئيسين للغاز الطبيعي في الإقليم. ومع أنها تنعش الآمال بتعزيز أمن الطاقة المحلي، لكنها تعيد وبقوة إشعال فتيل الخلاف المستعصي بين حكومتي بغداد وأربيل حول إدارة الثروات الطبيعية لتفتح الباب مجدداً أمام تساؤلات حول توقيتها وشرعيتها القانونية وجدواها الاقتصادية وما تفرزه من تداعيات جيوسياسية في ظل التجاذب القائم بين الولايات المتحدة وإيران. وشكَّل الـ19 من مايو (أيار) الجاري منعطفاً مهماً في مساعي إقليم كردستان إلى ترسيخ مكانته كلاعب في سوق الطاقة الإقليمية، ففي العاصمة الأميركية واشنطن، وتحديداً في مقر غرفة التجارة الأميركية، وضع رئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني توقيعه على اتفاقين استراتيجيين مع شركتي (HKN Energy) و(Western Zagros) الأميركيتين، ويحمل اختيار مكان التوقيع دلالات سياسية واضحة تعكس رغبة أربيل في الحصول على دعم وغطاء أميركي لهذه الخطوة. ويستهدف الاتفاقان تطوير حقلين واعدين للغاز الطبيعي يقعان في منطقة كرميان التابعة لمحافظة السليمانية، وهي منطقة تخضع تقليدياً لنفوذ حزب "الاتحاد الوطني الكردستاني" بزعامة بافل طالباني، الشريك الرئيس في حكومة أربيل التي يقودها الحزب "الديمقراطي الكردستاني" بزعامة مسعود بارزاني، وتقدر احتياطات الحقل الأول وهو حقل "كوردمير" بنحو 3.6 تريليون قدم مكعبة من الغاز، أما الحقل الثاني فهو حقل "طوبخانة" الذي يحوي ما يقدر بـ1.8 تريليون قدم مكعبة من الغاز. سجال جديد قديم تؤكد أربيل أن الهدف من الصفقة هو تعزيز وتأمين الحاجات المحلية المتزايدة، وأن نطاقها قد يتوسع مستقبلاً ليشمل مناطق أخرى من العراق، في محاولة لتصوير الصفقة على كونها ذات منفعة وطنية مشتركة، كما شددت على أنها امتداد لتفاهمات وعقود سابقة، وأن ما جرى هو مجرد "استبدال للشركات المنفذة ضمن الأطر القانونية"، وأن الشركتين المعنيتين تعملان بالفعل في الإقليم منذ سنوات. وأكدت أربيل أن هذا الحق في إدارة ثرواتها مكفول للإقليم دستورياً ككيان فيدرالي ضمن العراق الموحد، فيما عبر مسرور بارزاني عن امتعاضه مما وصفه بـ"تفسيرات خاطئة في بغداد من دون مبرر"، مؤكداً أن الخطوة تتماشى مع الحقوق الدستورية للإقليم، وأن حكومته ستستمر في تنفيذ هذه الحقوق. ولم تكد تمضي ساعات قليلة على الإعلان حتى جاء الرد سريعاً من بغداد عبر صدور بيان شديد اللهجة من وزارة النفط العراقية أعلنت فيه رفضها القاطع للخطوة، واعتبرتها مخالفة صريحة لقرارات سابقة أصدرتها المحكمة الاتحادية العليا، أعلى سلطة قضائية في البلاد، وشددت على أن أي استثمار في قطاع الطاقة يجب أن يمر حصراً عبر قنوات الحكومة الاتحادية. وجاء ذلك في ظل استمرار إخفاق الحكومتين في استئناف صادرات النفط من كركوك وحقول الإقليم المتوقفة منذ نحو عامين عبر ميناء جيهان التركي جراء الخلافات وألحقت خسائر تقدر بنحو 20 مليار دولار، عقب صدور حكم عام 2022 من المحكمة الاتحادية العراقية بعدم دستورية قانون النفط والغاز المعمول به في الإقليم، وألزم حكومة أربيل بتسليم إمداداتها إلى الحكومة الاتحادية، ليشكل الأساس القانوني الذي تستند إليه بغداد. تجاوز للصلاحيات ويثير المشهد القانوني المحيط بالاتفاقين جدلاً محموماً، ذلك أن صفة حكومة مسرور هي حكومة تصريف أعمال، وقد تأخر تشكيل الحكومة على رغم مرور سبعة أشهر على إجراء الانتخابات البرلمانية الكردية، ليبرز تساؤل جوهري حول مدى الصلاحيات القانونية الممنوحة لإبرام اتفاقات استراتيجية طويلة الأمد ذات قيمة مالية ضخمة. يشير خبراء قانونيون منهم رئيس منظمة "رونبين" لشفافية عمليات النفط والغاز يادكار كلالي إلى أن صلاحيات حكومة تصريف الأعمال، وفقاً للمادة 64 من الدستور العراقي، تنحصر في إدارة الشؤون اليومية للدولة ولا تمتد لتشمل اتخاذ قرارات استراتيجية أو إبرام اتفاقات تتطلب موافقة البرلمان. ويحذر كلالي من أن مثل هذه الاتفاقات قد تكون عرضة للإلغاء لاحقاً، كما أنها قد تواجه طعناً قانونياً أمام المحكمة الاتحادية، مستشهداً بحالات سابقة حدثت في عهد حكومة مصطفى الكاظمي. علاوة على ذلك يرى المحلل السياسي رواء موسى أن عقوداً بهذا الحجم تتطلب بالضرورة موافقة برلمان كردستان نفسه، حتى لو كانت الحكومة منتخبة وليست موقتة، مشيراً إلى أن "الحصول على موافقة البرلمان الكردستاني يتطلب تصويت 66 نائباً من أصل 100، وهذا لم يحدث"، مضيفاً أنه طالما لا يوجد دستور خاص بإقليم كردستان، فإنه يظل محكوماً بالدستور الاتحادي العراقي الذي يضع قيوداً على صلاحيات الإقليم في عقد اتفاقات دولية بصورة منفردة، بخاصة في قطاع استراتيجي كالطاقة". عودة على بدء هذه الشكوك والتحفظات القانونية تفتح الباب أمام احتمالات لجوء بغداد مجدداً إلى التحكيم الدولي أو المحاكم الدولية لمقاضاة الإقليم، كما حدث سابقاً في نزاعات نفطية أخرى، كما أنها قد تتحول إلى ورقة سياسية تستخدمها القوى المختلفة في بغداد لاستمالة الناخبين مع اقتراب موعد الانتخابات الاتحادية المقررة قبل نهاية العام الحالي عبر إظهار الحزم في الدفاع عن "حقوق العراق" وثرواته. ومع ذلك لا يستبعد البعض إمكان أن تغض بعض الأطراف مثل تيار رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني النظر عن هذه الإشكاليات وتتجنب التصعيد، أملاً في كسب ود ودعم القوى الكردية لضمان الفوز بولاية ثانية. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) لم تقتصر التساؤلات على الجوانب القانونية والسياسية، بل امتدت لتشمل الشركتين المعنيتين، فقد شككت بعض الآراء في الأهمية الفعلية لهذه الشركات وفي حجم التضخيم الإعلامي الذي رافق الإعلان عن الاتفاقين. ويشير الباحث القانوني قهرمان حسن إلى أن الاتفاق أبرم "مع شركات خاصة وليس مع الحكومة الأميركية بصورة مباشرة، مما يقلل من البعد الاستراتيجي الرسمي للصفقة"، مضيفاً أنها تثير شكوكاً حول المقار الفعلية والخبرة السابقة لهاتين الشركتين، ويلفت الانتباه إلى أن معظم شركات النفط والغاز العاملة في الإقليم تأسست تزامناً مع تطور قطاع النفط فيه، ولم يكن لكثير منها خبرة سابقة واسعة في هذا المجال قبل دخولها السوق الكردية. مراهنة محفوفة بالأخطار وتتوافق رؤية المحلل السياسي دلشاد أنور مع هذه الشكوك، إذ يرى أن القيمة المعلنة للعقدين تبدو "مبالغاً بها" بالنظر إلى حجم الحقلين المشمولين بالاتفاق، ويتساءل عن كيفية احتساب الأرباح والنفقات على مدى العقود الطويلة القادمة في ظل التقلبات المستمرة لأسعار الطاقة العالمية. ويضيف أنور أن أربيل ربما تحاول استغلال وجود مسؤول مقرب من إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب في إحدى الشركتين للحصول على دعم أميركي، لكنه يحذر من خطورة "المقامرة" والمراهنة على إدارة ترمب التي لا يمكن التنبؤ بسياساتها. وتزداد الشكوك عمقاً مع الإشارة إلى تحقيق نشره مركز "ستاندر" للتحليل الاقتصادي الذي أشار إليه المتخصص الاقتصادي نبيل المرسومي، ويفيد هذا التحقيق بأن الشركتين لا تمتلكان مكاتب فعلية في الولايات المتحدة، وأن إحداهما مسجلة باسم جندي أميركي متقاعد، بينما الأخرى مسجلة بأسماء أشخاص غير معروفين، وليس لهما تأثير يذكر على دوائر صنع القرار في الحكومة الأميركية. ويذهب التحقيق إلى حد الإيحاء بأن ما جرى هو مجرد "تغطية لإضفاء الشرعية" على عمليات قد تكون أربيل هي المالك الرئيس فيها، بخاصة أن نشاط الشركتين يقتصر تقريباً على العمل داخل كردستان. رسائل واشنطن لطهران من زاوية أخرى يربط المراقبون الخطوة بالسياق الجيوسياسي الإقليمي والدولي المعقد، وبصورة خاصة عن علاقة الولايات المتحدة بكل من العراق وإيران، ويحمل الموقف الأميركي الرسمي، الذي بدا مسانداً لخطوة أربيل، في طياته رسائل سياسية موجهة إلى بغداد. وتذهب بعض القراءات إلى أن واشنطن تحاول من خلال دعمها لأربيل في ملف الطاقة، ممارسة نوع من الضغط على الحكومة العراقية لتقليل اعتمادها الكبير على الغاز الإيراني لتشغيل محطات الكهرباء، حيث تعطي واشنطن العراق استثناءات متكررة من العقوبات المفروضة على طهران، مما يثير امتعاض دوائر أميركية ترى في ذلك "تقاعساً" من بغداد عن إيجاد حلول بديلة. وما يعزز هذا التوجه ما قاله وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو خلال جلسة استماع في مجلس الشيوخ، عندما شدد على ضرورة "ضمان الحكم الذاتي للأكراد" والسماح لهم بتأمين "شريان اقتصادي" خاص بهم، مع تأكيد أهمية احترام الشركات الأميركية العاملة في العراق واستقلالية الأكراد، وأشار إلى رفض بلاده استمرار "النفوذ الإيراني على بعض قطاعات الحكومة العراقية". ورقة لكبح بغداد هذه التصريحات فسرت على أنها تمثل تحولاً في السياسة الأميركية، أو في الأقل تكثيفاً للجهود، لمصلحة دعم الأكراد كأداة لمواجهة النفوذ الإيراني في العراق وإثناء بغداد عن الاعتماد المفرط على طهران في مجال الطاقة. وأشار الباحث قهرمان حسن إلى أن السياسة الأميركية التقليدية كانت تهدف إلى الحفاظ على إقليم كردستان ككيان فيدرالي مستقر ضمن عراق قوي وموحد، لكن يبدو أن هناك تحولاً نحو محاولة "مأسسة قطاع الطاقة" في الإقليم بهدف "قطع الأموال عن إيران"، وذلك عبر التركيز أولاً على تلبية الحاجات المحلية من الطاقة في كردستان، ثم استخدام أي فائض مستقبلي كأداة في المفاوضات مع بغداد. من ناحية أخرى يرى المحلل سردار عزيز أن هذا التحول قد يكون مرتبطاً بسياسة الرئيس الأميركي السابق ترمب التي ركزت على جذب الاستثمارات الخارجية إلى الولايات المتحدة وتشجيع الشركات الأميركية على الاستثمار في الخارج، لكنه يطرح تساؤلات حاسمة حول رد فعل بغداد المحتمل، وكيف سيكون الرد الأميركي إذا ما اعترضت بغداد بقوة، أو إذا مارست واشنطن ضغوطاً فعلية لدعم أربيل، محذراً من أنه إذا لم تتحقق هذه السيناريوهات، فقد تواجه العقود عقبات كبيرة وتتعقد العلاقة بين أربيل وبغداد بصورة أكبر.