logo
القديس العظيم الانبا شنودة وديره الأثري بأخميم

القديس العظيم الانبا شنودة وديره الأثري بأخميم

الاقباط اليوممنذ يوم واحد
بقلم ماجد كامل
تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية يوم 7 أبيب من الشهر القبطي الموافق 14 يولية من الشهر الميلادي بتذكر نياحة القديس العظيم الانبا شنودة رئيس المتوحدين ؛ وللانبا شنودة مكانة هامة ومتميزة في التراث القبطي
؛فهو من جهة يلقب ب"عميد الأدب القبطي " أما لقبه الأشهر فهو "رئيس المتوحدين " ؛وهو نموذج رائع للنبوغ المبكر ؛إذ تذكر سيرته الذاتية انه كان وهو طفل صغير يواظب علي الصلوات والأصوام وعمل الرحمة مع
الفقراء والمساكين ؛ وشنودة "وهو النطق القبطي للأسم حسب اللهجة الصعيدية " كلمة قبطية معناها "ابن الله " وفي النطق القبطي حسب اللهجة البحيرية تنطق "شنوتي " أما النطق اليوناني للأسم فهو "سنيوت ".
ولد حوالي عام 333 في مدينة أخميم ؛وأشتهر منذ طفولته بمحبة الصلاة ؛فأوفده والده إلي خاله الأنبا بيجول "بيجول كلمة قبطية معناها قرص العسل " فتولاه بالرعاية حتي ألبسه لباس الرهبنة ؛ وبعد وفاة خاله تولي رئاسة الدير الأبيض الذي
توسع في عهده توسعا كبيرا ؛وكان ذلك حوالي عام 388م ؛ولقد ترك لنا سلسلة مؤلفات وعظات قيمة ؛حتي قال عنه المؤرخ الانجليزي ورل "ان الانبا شنودة هو أعجب شخصية أخرجها القبط في أي عصر من عصورهم الطويلة وبأنه مؤسس المسيحية القبطية ".
ولقد تنيح القديس الأنبا شنودة 451م ؛أي أنه عاش حوالي 118 عاما تقريبا .
تعريف بمدينة أخميم :
أما عن مدينة أخميم ؛فهي المقاطعة الدينية التاسعة في العصر الفرعوني ؛وكانت تعرف قديما بأسم مين "إله الخصوبة عند المصري القديم " وكان أسم المدينة هو "برمين "بمعني مدينة الإله مين ؛ ولقد أشتهرت
بأثارها الفرعونية الكثيرة وأشتهرت أيضا بأديرتها ومساجدها الأثرية الكثيرة ؛ كذلك أيضا يوجد في اللغة القبطية اللهجة الأخميمية Achmimic ويرمز لها بالرمز A ؛واللهجة الاخميمية الفرعية Subachmimic ويرمز لها بالرمز A 2
الدير الأثري بأخميم المعروف بأسم " الدير الأبيض " :
أما ديره الأثري بأخميم ؛ فهو يقع غرب محافظة سوهاج ويبعد حوالي 6 كم عن المحافظة ؛وتستغرق المسافة بين المحافظة والدير حوالي نصف ساعة بالسيارة ؛ولقد لقب بالدير الأبيض لأنه بني بالطوب
الأبيض ؛وتمييزا له عن دير آخر بالقرب منه يعرف بالدير الأحمر ؛والدير يقع علي أطلال مدينة فرعونية تعرف ب"مدينة أدريبا Adreb s City (وهي بالطبع غير مدينة أتريب بمحافظة القليوبية التي
تقع بها كنيسة العذراء المندثرة والتي كتب عنها معظم المؤرخين القدامي ) ولقد بني الدير علي أطلال معبد فرعوني قديم ؛ وتذكر المصادر التاريخية أن هذا الدير أنشيء في القرن الرابع
الميلادي علي يد مجموعة من الرهبان الباخوميين "أي تلاميذ القديس الأنبا باخومويس أب الشركة وأتباع رهبنته " ولقد ذكرت بعض المصادر التاريخية أن الملكة هيلانة أم الملك قسطنطين
الكبير ( 323- 337 ) قد ساهمت في بناء الدير ؛وعندما تسلم الأنبا شنودة رئاسة الدير من خاله الأنبا بيجول عام 383م ؛ أهتم بتوسيع المباني الخاصة بالرهبان ؛كما أسس كنيسة الدير الكبري حوالي عام 441م تقريبا.
ما كتبه أبو المكارم عن الدير :
ولقد كتب عن هذا الدير العديد من المؤرخين العرب والأجانب ؛ نذكر منهم أبو المكارم الذي قال عنه "دير القديس أبو شنودة بأخميم وبهذا الدير بيعة عظيمة كبيرة جدا تسع
الوف من الأمم وفيها جسدي التلميذين الطاهرين برتولماوس وسمعان القاناني من الرسل الأثني عشر وجسد الأب العظيم القديس ابو شنودة ..... وكان في صندوق إلي حين وصول شيركوه
والغز صحبته إلي مصر واعمالها وكسروا الصندوق فنقل منه وأخفي جسده في الأرض في خزانة مجاور المذبح .... وفي هذا الدير جوسق وعليهما حصن دائر وداخله بستان فيه من كل الأشجار ".
كما كتب عنه العلامة المقريزي في موسوعته الشهيرة فقال تحت أسم دير بو شنودة " ويعرف بالدير الأبيض.
وهو غربي ناحية سوهاي } سوهاج{ وبناؤه بالحجر وقد خرب ؛ولم يبق منه إلا كنيسته ؛ويقال أن مساحته أربعة فدادين ونصف ؛وربع ؛والباقي منه نحو فدان ؛وهو دير قديم ".
ما كتبه فانسليب :
أما الرحالة الالماني الأصل فانسليب ( 1635- 1679 ) فلقد زار الدير خلال عام 1671م تقريبا ؛وكتب عنه تقريرا نشر في كتابه عن "تقرير الحالة الحاضرة 1671 جاء فيه " الدير الأبيض للطوباوي أبا سنوتيوس ؛الذي يدعونه
الأنبا شنودة ؛وقد أسستهما القديسة هيلانة ؛وهما جميلان جدا ؛وعلي الأخص الأبيض " وقال عنه أيضا " شكله مستطيل وحوائطه بنيت من الحجارة البيضاء ؛وفيه ستة أبواب من الجرانيت الأحمر كلها مسدودة ..... أما صحن
الكنيسة ويسميه الأقباط الجمالون فهو محاط بصفين من الأعمدة كل صف ثلاثة عشر عمود وهذه الأعمدة مختلفة الأحجام والارتفاع ..... وداخل الخورس سلم جميل ورائع مليء بالأرقام والرموز والكتابات خاصة الهيروغليفية " .
كما زاره أيضا من العلماء الأجانب روبرت كيرزون ( 1810- 1873 ) خلال عام 1833 ؛ وألفريد بتلر ( 1850- 1936 (خلال عام 1884 ؛ كما أجري عالم الآثار الإنجليزي وليم بتري (1853 -1942 ) حفائره في هذه المنطقة عام 1907 ؛ وسومرز كلارك ( 1841- 1926 ) خلال عام 1912.
كما كتب عنه كل من القمص عبد المسيح المسعودي البراموسي ( 1848- 1935) في موسوعته الشهيرة "تحفة السائلين في ذكر أديرة الرهبان المصريين " والدكتور رؤوف حبيب
( 1902- 1979 )في كتابه عن تاريخ الرهبنة والديرية في مصر وآثارهما الإنسانية علي العالم .
ومن الأساطير الشعبية المروية عن الدير الأبيض هو ما يعرف ب"أسطورة المسخوطة " فلقد ربط البعض بين حادثة تاريخية حدثت في عصر البابا خائيل البطريرك ال 46( 728- 752 ) الذي جلس علي الكرسي
البطريرك حوالي 24 سنة ؛ وحدثت القصة حوالي عام 735 م تقريبا ؛ وملخص القصة تروي أن أحد الولاة ذهب إلي الدير ومعه جارية من جواريه ؛ولما وصلا الوالي وجاريته إلي الدير ؛وكان كل منهما يركبان فرسا
مستقلا ؛طلب منهما رئيس الدير أن ينزلا عن الفرس لأنه لا يصح أن يدخل بيت من بيوت الله راكبا فرسا ومعه هذه الجارية ؛ فلما رفض الوالي النزول عن الفرس ؛ هدده رئيس الدير بعقاب الله ؛فلما أصر علي
عدم النزول تروي القصة أن الفرس نفرت ووقعت الجارية تحت أرجل الفرس وسقطت صريعة ؛ أما فرس الوالي فألقته علي الأرض ؛ فندم الوالي علي فعلته وطلب السماح من رئيس الدير ؛ ثم دفع مبلغ 400 دينار تبرع للدير.
ولقد ربط البعض من البسطاء بين قصة الجارية هذه ؛ووجود بعض النقوش الفرعونية علي جدران الدير التي تمثل إيزيس في سقف السلم غرب البئر الأثري ؛فنسجوا من خيالهم هذه الأسطورة
وهي أن إمرأة كانت تركب فرسا وأرادت أن تصنع الخطيئة بجوار البئر ؛فسخطها الأنبا شنوةد ولصقها في الحائط ؛ ولكن هذه أسطورة خرافية لا أساس لها من الواقع ؛فالجارية المذكورة
في القصة ترجع قصتها إلي القرن الثامن الميلادي ؛بينما النقوش الفرعونية الموجودة في حجارة سقف السلم وسقف الطريق المؤدي إلي البئر الأثري ترجع إلي القرن الرابع قبل الميلاد.
الاكتشافات الحديثة بالدير :.
أما عن الاكتشافات الحديثة بالدير الأبيض ؛ فلقد قام المجلس الأعلي للأثار بالتعاون مع مركز البحوث الأمريكي ببعض الحفائر في المنطقة ؛ولقد كشفت هذه الحفائر عن أساسات
لقلالي رهبان من الطوب الأحمر تحتوي كل واحدة منها علي جزئين يقيم في كل جزء أحد الرهبان .كما تم الكشف عن أساسات قاعات اجتماعية وأخري كعنابر للمرضي .كما كشفت الحفائر عن
مصبغة للأقماش ومطبخ وبقايا أفران ومخازن للمؤن وبئر أثرية وشبكة من أنابيب الفخار لنقل المياه علي مستويات مختلفة ولمسافات بعيدة كما كشفت أيضا عن مصانع للزيوت وطاحونة للغلال.
إهتمام المتنيح قداسة البابا شنودة الثالث بالدير :
ولقد أهتم المتنيح قداسة البابا شنودة الثالث بالدير اهتماما كبيرا ؛ فلقد أرتبط به منذ طفولته حيث نال سر المعمودية في الدير الأثري ؛ وفي يوم 17 /6/ 1984 أصدر قداسته قرارا بتعيين ثلاثة أساقفة من الصعيد للاشراف والمتابعة علي الدير خلال موسم الإحتفالات بعيد القديس في 14 يولية حتي تتم في أسلوب روحي وحضاري راق وجميل.
وفي خلال شهر مايو 1995 كلف قداسته نيافة الحبر الجليل الأنبا يؤانس سكرتير قداسته الخاص ( حاليا أسقف أسيوط وسكرتير المجمع المقدس ) بتعمير الدير والإشراف عليه روحيا ومعماريا.
وولقد بذل نيافته جهدا كبيرا في سبيل تعمير الدير .فقام بنقل أثنان من رهبان دير الأنبا بيشوي بوادي النطرون إلي دير الأنبا شنوةد بأخميم للإشراف والمتابعة علي تعمير الدير ؛ وأستمر العمل علي قدم وساق بكل همة ونشاط ؛ وفي يوم 14 /6/1997 أعترف المجمع المقدس في جلسته بإعادة تجديد الحياة الرهبانية إلي دير الأنبا شنودة بسوهاج.
وفي خلال شهر يولية 1997 قام قداسة البابا شنودة برهبنة مجموعة من الأباء الرهبان علي أسم القديس الأنبا شنودة؛وبحضور تسعة من الأباء الأساقفة ؛ ومن معالم التجديد التي تمت في الدير نذكر :-
1- إقامة العديد من القلالي جنوب وغرب الكنيسة الأثرية
2- تجديد دورات المياه والسلخانة
3- عمل جراج للسيارات
4- إقامة عيادة طبية وصيدلية للأدوية والعلاج
5- إقامة بيت للخلوة واستراحة حديثة للضيوف
6- عمل سور جديد وبوابات حديثة للدير الأثري والمزرعة
7- إستصلاح أكثر من مائة فدان وزراعتها بالخضر والفاكهة.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

موعد إجازة المولد النبوي 2025 في مصر.. عطلة رسمية للموظفين
موعد إجازة المولد النبوي 2025 في مصر.. عطلة رسمية للموظفين

الدستور

timeمنذ 5 دقائق

  • الدستور

موعد إجازة المولد النبوي 2025 في مصر.. عطلة رسمية للموظفين

يبحث عدد كبير من المواطنين في مصر عن موعد إجازة المولد النبوي 2025، وتتصدر كلمة إجازة المولد النبوي 2025 محركات البحث، نظرًا لأنها تمنح الموظفين فرصة للحصول على عطلة مدفوعة الأجر. موعد إجازة المولد النبوي الشريف 2025 رسميًا بحسب ما أعلنت عنه أجندة العطلات الرسمية 2025 الصادرة عن رئاسة الجمهورية، فإن موعد إجازة المولد النبوي الشريف 2025 سيكون يوم الخميس الموافق 4 سبتمبر 2025، والذي يوافق 12 ربيع الأول 1447 هجريًا. وتعد هذه العطلة الرسمية مدفوعة الأجر لجميع العاملين في القطاعين الحكومي والخاص، طبقًا لقانون العمل المصري، ما يمنح الموظفين يوم راحة للاحتفال بالمناسبة الدينية العطرة. 3 أيام متتالية إجازة للموظفين من المميز هذا العام أن إجازة المولد النبوي 2025 تأتي يوم خميس، ما يعني أن الكثير من الموظفين سيتمكنون من الحصول على عطلة طويلة تمتد إلى 3 أيام متتالية: • الخميس 4 سبتمبر 2025: إجازة المولد النبوي • الجمعة 5 سبتمبر 2025: عطلة أسبوعية • السبت 6 سبتمبر 2025: عطلة أسبوعية لمعظم موظفي الحكومة وبعض شركات القطاع الخاص كيف يحتفل المصريون بالمولد النبوي الشريف؟ تعد ذكرى المولد النبوي الشريف 2025 من أهم المناسبات الدينية التي يحتفل بها المصريون والعالم الإسلامي أجمع، حيث ولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم في الثاني عشر من ربيع الأول. وتتضمن مظاهر الاحتفال: • إقامة الإنشاد الديني وحلقات الذكر • توزيع الحلوى التقليدية الخاصة بالمولد النبوي • المشاركة في الفعاليات الثقافية والدينية • نشر قيم التسامح والمحبة والاقتداء بسنة الرسول الكريم جدول الإجازات الرسمية المتبقية في مصر حتى نهاية 2025 وفقًا للتقويم الرسمي، فإن الإجازات المتبقية في مصر حتى نهاية العام الجاري هي: • عيد ثورة 23 يوليو: يوم الأربعاء 23 يوليو 2025 • المولد النبوي الشريف: يوم الخميس 4 سبتمبر 2025 • عيد القوات المسلحة - 6 أكتوبر: يوم الإثنين 6 أكتوبر 2025

في تذكار نياحته.. من هو الأنبا مرقس الأنطوني الذي أمد الله عمره عامين؟
في تذكار نياحته.. من هو الأنبا مرقس الأنطوني الذي أمد الله عمره عامين؟

الاقباط اليوم

timeمنذ 2 ساعات

  • الاقباط اليوم

في تذكار نياحته.. من هو الأنبا مرقس الأنطوني الذي أمد الله عمره عامين؟

لمن يبتغي طريق الفضيلة ويشتهي أن يسير على دروب القديسين، علامة ساطعة على الطريق، والظمأ الذين يتطلعون لحكمة شيوخ القديسين وآباء الرهبنة الكبار ينبوع لا ينضب، وللمتعبين والمثقلين بهموم العالم وأوجاعه وآلامه مرفأ حسنًا يركنون على معونة صلواته.. إنه القديس الأنبا مرقس الأنطوني، هذا القديس الذي تحتفل الكنيسة القبطية اليوم بعيد نياحته. ولد الأنبا مرقس الأنطوني في القرن الرابع عشر الميلادي، حيث نشأ في صعيد مصر، بلدة منشاة النصارى. وكان اسم أبيه 'مخلوف' واسم أُمه المباركة 'أودكسية'. ولما رُزقا من الله بهذا الطفل سمَّياه 'مرقس' وربَّياه التربية المسيحية الحسنة كعادة أطفال ذلك الزمان. فلما نشأ الطفل وكبر وصار له من العمر خمس سنوات، أخذته أُمه وسارت به إلى الكنيسة، فالتقت بشيخ قديس اسمه 'أنبا ساويرس' أسقف مدينة أسيوط، فحمل الطفل على ذراعيه وأخذ يسأله عن اسمه. فلما أجابه الطفل أنَّ اسمه 'مرقس'، تنبَّأ له ذلك الأب الأسقف قائلاً: 'بالحقيقة أقول لك يا بُنيَّ: إنك ستكون كمرقس الأول كاروز ديار مصر'، ثم باركه وتركه لأُمِّه ومضى. نشأ 'مرقس' مقتدياً بأبيه وأُمه، لا يفطر كل يوم إلاَّ في الساعة الثالثة من النهار، ولم يكن يأكل لحمًا وهو ابن الخمس سنين. وكان إذا نظر والدته قائمة تُصلِّي، كان يشدُّ وسطه بزنار ولا يبرح قائماً يُصلِّي معها بجانبها حتى تفرغ من الصلاة. وكان إذا أخذ غذاءه من عند والدته، وهو منصرف من البيت إلى عمله، كان يتصدَّق بغذائه على الجياع الذين يُقابلهم، ويظل صائماً إلى أن يعود إلى والدته في الغروب. 'مرقس' في شبابه لما أكمل مرقس الثالثة والعشرين من عمره، اشتاقت نفسه إلى سيرة الرهبنة. فقام وودَّع والدته المباركة، ثم مضى إلى أحد الأديرة القريبة من بلدته. وكان الإخوة الذين يسكنون في ذلك الدير لا يُداومون على الصوم في كل يوم! فلما رآهم 'مرقس' على هذا الحال تركهم وعاد إلى والدته المباركة ليأخذ بركتها ويمضي إلى الأديرة المشهود لها ولرهبانها بحُسْن الجهاد والتمسُّك بالنسك. ولكن والدته لما رأته أنه قد عاد، خاصمته ووبَّخته قائلة له: 'أنا كنتُ أظن أنك، يا ولدي، قد مُتَّ وانتهيت ولم يَعُد لي أملٌ في أن أراك في هذا العالم، لأن الذي انتهى أمره على أن يكون راهباً، يكون قد مات تمامًا عن هذا العالم. فلماذا، يا بُنيَّ، عُدت إليَّ ونسيت قول الإنجيل: 'ليس أحدٌ يضع يده على المحراث وينظر إلى الوراء، يصلح لملكوت الله؟' (لو 9: 62). فلما سمع 'مرقس' توبيخ والدته لم يستطع الثبات أمامها، بل قام بسرعة إلى برية القديس العظيم أنبا أنطونيوس في الصحراء الشرقية. وشاءت العناية الإلهية أن يكون صديق العائلة آنذاك (القمص روفائيل النعناعي) مُقيماً في الدير في ذلك الوقت. فلما نظر إلى الشاب، فَرِحَ جداً، ثم أخذ في تعليمه أيامًا قلائل، ثم أرسله بعد ذلك إلى دير القديس أنبا بولا، كي ينفرد هناك للعبادة، لأنَّ الشاب كان بغير لحية. وقَصَدَ القمص روفائيل من هذا أن ينفرد 'مرقس' هناك أولاً ولا يُخالط أحداً من الإخوة البتة حتى تكمل لحيته، على ألاَّ يتكلَّم أمامهم بالمرة. إقامته ست سنوات في دير أنبا بولا.. ثم نقله إلى دير أنبا أنطونيوس سافر 'مرقس' إلى دير القديس أنبا بولا بالبحر الأحمر وانفرد هناك للعبادة. وحفر لنفسه في هذا الدير مغارة بجانب البستان، وصار يصوم في تلك المغارة يومين يومين. وكان عندما يُضايقه العدو بالجوع في اليوم الأول، كان يُعزِّي نفسه ويُهدِّئها قائلاً لنفسه: 'لا تقلقي يا نفسي ولا تحزني، لأنه المزمور يقول هكذا: «إنه في العِشَاء يكون البكاء، وفي الصباح يكون الفرح» (مز 30: 5). فها أنتِ اليوم يا نفسي صائمة وفي الغد ستأكلين وتفرحين'. فكانت نفسه تتعزَّى بهذا الكلام الصالح وتقتنع به وتصبر صائمة من يوم إلى يوم. وقد نما الأب مرقس في الصوم بالتدريج قليلاً قليلاً إلى أن صار يصوم ثلاثة ثلاثة، وبعد ذلك أربعة أربعة، وبعد قليل أكمل الأسبوع. كان الراهب 'مرقس' يعمل في دير أنبا بولا حمَّالاً للحطب. وكان إخوته الرهبان يحاولون أن يجبروه على الأَكل ليكسر القانون الذي وضعه لنفسه. فكان يحمل ما يعطونه من الزاد والخبز ويُطعمه للجمَّال خفية عن أعينهم، بينما كان سائرًا في الطريق، ويظل يطوي أيامه السبعة في الصوم. وهكذا أقام بدير القديس ال فيأنبا بولا ست سنوات لم يجلس فيها مع إخوته الرهبان على المائدة. ولم يُشاهده أحد يأكل، بل كان إذا أكل لا يأكل إلاَّ منفرداً؛ وإذا صام لا يعرف أحد ما هو حدُّ صيامه، حتى أنه تزايد في ضَعفه من جراء النُّسك، فاضطر إخوته إلى نقله من دير القديس أنبا بولا إلى مجمع الرهبان الكبير بدير القديس أنبا أنطونيوس، الذين أوكلوا أحد الرهبان برعايته ليُعطيه طعامه يومًا بيوم، فكان لا يوافقه، بل يترك طعامه على المائدة يومين حتى يجفُّ وينتن، وحينئذ يمضي ويمزجه بالماء ويتناول منه. ومن كثرة اتضاعه ونسكه الشديد، كان إذا اضطره أحد إخوته الرهبان أن يأكل على المائدة عسلاً أو قليلاً من الزيت، كان ينتهر الأخ قائلاً: 'كُفَّ عني، يا هذا، لئلا تعميني'. وكان لا يُشير إلى عَمَى البصر، بل كان يشرح لإخوته 'أنَّ النفس التي تمتلئ من الشهوات الجسدانية، تَعْمَى في ذاتها عن النظر إلى الله'. وكان دائماً يقول لأولاده عندما كانوا يشفقون على جسده من الضعف وآثار الشيخوخة: 'لا يا أولادي، لا تأمنوا لهذا الجسد ولا تُرخوا له الحَبْل حتى إلى باب القبر، لئلا من الشبع تتحرَّك فينا الشهوات'. القبض على الأنبا مرقس الأنطوني والبابا متاؤس الأول ومما يجدر ذكره عن هذا الشيخ، الحادث الذي وقع له هو والقس متى (الذي صار بطريركًا فيما بعد عام 1378م باسم البابا متاؤس الأول البطريرك السابع والثمانين الشهير بـ'متاؤس المسكين') في الطريق، عندما قبض عليهما الأمير يلبغا السالمي (أحد أمراء الدولة المملوكية) للانتقام منهما بسبب الشغب الذي أتاه الإفرنج من أعمال النهب والسطو في مدينة الإسكندرية. فإنَّ الأمير يلبغا، الذي كان حاكماً في تلك الأيام، قام بالانتقام من المسيحيين، وأرسل رُسلاً لكل الأديرة الواقعة في سلطانه يطلب أموالهم. فلما بلغ الرُّسل إلى دير القديس أنطونيوس، وكان رئيسه 'القس متَّى'، قام رئيس الحملة بالقبض على 'القس متَّى' رئيس الدير وعاقبه كثيراً للحصول على أموال وذخائر الدير، ولم يستَجِب رئيس الرُّسل، لتوسُّل رئيس الدير القس متَّى، أن يكُفَّ عن ضربه. وحينئذ حنق عليه القس الشيخ مرقس الأنطوني وانتهر القائد قائلاً: 'أَمَا تنظر، يا هذا، إنه يستحلفك بالله لترأف به، وأنت لا تقبل مرضاة الله؟!'. فلما سمع رئيس الجُند كلام الشيخ، ازداد حنقاً وأَمَرَ الجُند أن يُطلقوا سراح القس متَّى رئيس الدير، ويضربوا الشيخ القس مرقس الأنطوني عِوَضاً عنه. وهكذا طرح الجُندُ الشيخَ أرضًا وضربوه أمام القائد. وبعدما فرغ رئيس الجُند من عقاب الرهبان وشيخهم ورئيسهم، أوثق الشيخ مرقس والقس متَّى وجماعة من الإخوة وانطلق بهم إلى مصر، ثم ضيَّق عليهم في الطريق كثيراً بالجوع والعطش والمشي حُفاة في الصحراء. وكان الشيخ القس مرقس الأنطوني كلما سأل رئيس الجُند أن يسقيهم قليل ماء، لا يفعل؛ بل بالكاد دفع لهذا الشيخ قليلاً من الماء دون رفقائه، فامتنع الشيخ مرقس من ذلك ولم يقبل منه الماء حيث لم يشأ أن يشرب الماء وحده دون رفقائه، وطرح الماء أمام القائد وانتهره قائلاً: 'هوذا الرب إلهنا يسقينا من عنده لأنه أكثر رحمة منك'. ثم رفع عينيه نحو السماء، فاستجاب الرب لندائه وأسقط لهم مطرًا غزيرًا في الحال حتى تعطَّل سَيْر الحملة، واضطر القائد ورجاله إلى الوقوف مكانهم، وتعذَّر سير الخيول من كثرة مياه الأمطار المتدفقة. وحينئذ جلسوا واستراحوا وشرب جميعهم وفرحوا وأخذوا يسألون الشيخ القديس أن يُصلِّي عنهم كي يصلوا إلى مصر ويدخلوها سالمين، فأجابهم قائلاً: 'إنَّ الله لن يدعكم تدخلون مصر، بل ستعودون إلى ديركم سالمين'. وهذا ما حدث إذ أنَّ الحاكم يلبغا أصدر من مصر مرسومًا وأرسله إلى الحملة يأمر فيه بإطلاق سراحهم وعودتهم إلى ديرهم. جرس للدير من كثرة تقوي هذا القديس، أذاع الرب اسمه في بلاد الحبش والروم والإفرنج وغيرهم حتى صاروا يحملون إليه من هداياهم ويستغيثون به في شدَّتهم. وقد حضر إلى الدير أحد ملوك الأفرنج وذكر أنه شاهد منظراً للقديس أنبا أنطونيوس، بينما كان يستغيث به وهو في الحرب. ولكنه حينما شاهَد القديس مرقس الأنطوني آتيًا من بستان الدير وهو حامل جَرَّتين ماءً، فلما نظره الملك عرفه بأنه هو الشخص الذي رآه في الرؤيا، ففرح جداً، وانطرح على الأرض ساجدًا. ومِن عِظَم فرحه بلقاء الشيخ، أخذ يسأله أن يقبل منه شيئًا على سبيل الهدية، فلم يقبل القديس مرقس. لكن الإخوة توسَّلوا عند الشيخ كي يطلب إلى الملك أن يعمل لهم جرسًا كبيرًا. وانصرف الملك من الدير، وعمل الجرس الكبير وأرسله. وقد صار هذا الجرس تذكاراً حيّاً للآية التي صنعها الشيخ القديس مرقس الأنطوني مع الإفرنج. لذلك صارت كل طائفة من الإفرنج تحضر للدير تسأل عن أبينا الشيخ، وكان يمنحهم البركة. الأيام الأخيرة للشيخ القس مرقس الأنطوني في أواخر أيامه، أعلمه الروح القدس أنَّ ساعته قد اقتربت، وحينئذ صار يُعزِّي بنيه على مفارقته لهم، ويُذكِّرهم بالقول الذي قاله مخلِّصنا يسوع المسيح لتلاميذه: «إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي» (يو 14: 15). وقد كان هذا الأب الشيخ يُشير دائمًا لأولاده الرهبان عن اقتراب ساعة انتقاله من هذا العالم، حتى أدركه الضعف بغتة، ووقع في مخاض الموت، وصار يُودِّع أولاده وداع الموت. وكان الشيخ يتكلم باكيًا، ولذلك بكى تلاميذه الليل كله حتى أشرق الصباح فنظر إليهم الشيخ وقال :'يكفيكم يا أولادى، تبكون وتحزنون أنفسكم، ولكن افرحوا بالرب. فمن أجل بكائكم الكثير، رأيت فى هذه الليلة أبوينا الشيخين القديسين الأنبا بولا والأنبا انطونيوس قد سجدا أمام كرسى السيد المسيح وسألاه أن يتركنى لكم قليلاً'. وأطال الله في حياة القديس الأنبا مرقس الأنطوني سنتين، ظل فيهما مريضًا، وقد بلغ حد الشيخوخة الصعبة والضعف المتناهي، ولكن لم تتغيَّر قواه العقلية، ولم ينقص ضوء بصره من كثرة البكاء؛ بل كان يُميِّز كل مَن يدخل إليه ويُعزِّي كل واحد كاستحقاقه. ساعته الأخيرة ولما دَنَت اللحظة الأخيرة، أشار لتلاميذه وإخوته إلى أن يخرجوا ويتركوه وحده، وكان ذلك في الساعة السادسة من النهار (الثانية عشرة ظهراً) يوم الاثنين الثامن من شهر أبيب سنة 1102ش- الخامس عشر من يوليو سنة 1386م، وكان ناقوس الصلاة قد دقَّ. فلما خرج الإخوة للصلاة وتركوه وحده، أسند رأسه على أحد تلاميذه ورشم أعضاءه وحواسه بالصليب، وأسلم الروح للوقت في تلك الساعة بكل هدوء وراحة. ولم يصبر جماعة من الإخوة أن يُكمِّلوا الصلاة، بل حضروا فوجدوه قد أسلم الروح، فحزنوا عليه حزنًا عظيمًا، وحملوا جسده إلى الكنيسة، وقام القمص أبرآم بتجنيزه بعد أن كفَّنه بأكفان نقية، ودفنوه في قبر جديد داخل البستان. كنيسة القديس مرقس الأنطوني بدير الأنبا أنطونيوس بالبحر الأحمر هنا نحن أمام كنيسة حينما يدخلها المتعب والمهموم يجد الراحة والتعزية فهي في قلب بستان الدير لكنها بالحقيقة هي جزء من السماء. إنها كنيسة القديس الأنبا مرقس الأنطوني الكائنة بدير القديس الأنبا أنطونيوس العامر بالبحر الأحمر بالصحراء الشرقية. تم بناء الكنيسة في القرن الخامس عشر في مكان قلاية القديس مرقس الأنطوني، ثم تم ترميمها عام 1766 من قبل المعلم حسب الله البياضي ولها 12 قبة، ونظراً لقداسة الأنبا مرقس وسيرته الطيبة، دفنه الآباء في مقبرة منفردة ثم أقاموا كنيسة على نفس المكان تحمل اسمه. والكنيسة الحالية هي من مباني القرن الثامن عشر الميلادي ويعلو سقفها اثنتا عشرة قبة وبها حامل أيقونات من الخشب المعشق، وقد اهتم ببنائها وترميمها فيما بعد المعلم حسب الله البياضي عام 1766م كما هو مذكور في مخطوط رقم (370)، وبها بعض أيقونات القرن الثامن عشر، وبها ثلاثة هياكل: الأوسط باسم القديس الأنبا مرقس الأنطوني، والقبلي باسم الشهيد مرقوريوس أبى سيفين، والبحري باسم الشهيد الأمير تادرس الشطبي. وتحتوي الكنيسة أيضًا على مقبرة من المباني داخلها رفات القديس الأنبا مرقس الانطوني والتي تقع فى الجهة البحرية من الكنيسة، وقنديل الزيت الذي فوق المقبرة له من الشهرة الكثير ويعرف بقنديل الأنبا مرقس. جولة افتراضية 360 في هذا الرابط، تجد جولة افتراضية 360، لكنيسة الأنبا مرقس الأنطوني، بداية من باب الدير الأثري، مرورًا بين قلالي الآباء الرهبان وبستان الدير، وحتى داخل الكنيسة. يمكنك الضغط على الرابط أدناه أو عمل مسح للصورة أسفل الرابط.

أمين الفتوى: المصريون توارثوا حكمة "اطلع شيء لله وقت الشدة".. والصدقة قد تكون بالمشاعر لا المال
أمين الفتوى: المصريون توارثوا حكمة "اطلع شيء لله وقت الشدة".. والصدقة قد تكون بالمشاعر لا المال

مصرس

timeمنذ 2 ساعات

  • مصرس

أمين الفتوى: المصريون توارثوا حكمة "اطلع شيء لله وقت الشدة".. والصدقة قد تكون بالمشاعر لا المال

قال الدكتور هشام ربيع، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إن هناك حكمة متوارثة بين المصريين خاصة في الأرياف وهي: "لما الدنيا تزَنّ معاك، طلع حاجة لله"، في إشارة لما يعرف شعبيًا بالتصدق عند وقوع الأزمات أو المرض. وأضاف ربيع خلال حلقة برنامج "مع الناس"، المذاع على قناة" الناس": أن هذا السلوك الطيب يعبر عن فطرة المصريين في مواجهة المحن بالتقرب إلى الله بالصدقات، سواء بإخراج مال أو حتى بذبح شيء لله.وأوضح أمين الفتوي، أن الصدقة ليست محصورة في المال فقط، بل قد تكون بالمشاعر والسند النفسي، مستشهدًا بموقف في حديثة الإفك مع السيدة عائشة رضي الله عنها، حين جاءت إليها امرأة جلست بجانبها وبكت فقط، فواستها بمشاعرها وقالت عنها السيدة عائشة: "والله لا أنساها.وأشار إلى أن التبسم في وجه أخيك صدقة، وأن دعم أي إنسان مريض أو مهموم أو محتاج حتى بالكلمة الطيبة هو من باب الصدقات.وتابع: "الجميل في التراث المصري أيضًا المثل القائل: 'اللي يعوز البيت يحرم على الجامع'، وهو تعبير عن أهمية مراعاة الواجبات تجاه الأسرة، لكن في نفس الوقت الدين يعلمنا أن الصدقة ليست مشروطة بوفرة المال.وأشار إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه الفقراء يشتكون أن الأغنياء يسبقونهم بالصدقات، فقال لهم: "أليس قد جعل الله لكم ما تصدقون؟ إن بكل تسبيحة صدقة، وبكل تكبيرة صدقة، وبكل تحميدة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة.وأكد أن الإنسان يمكنه أن يتصدق بعلمه، بوقته، بمساندته، أو حتى بمشاعره الصادقة، فكل ذلك في ميزان الصدقات عند الله.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store