logo
المطر.. بهجة اليمن (بانوراما الأرض والماء والسماء)

المطر.. بهجة اليمن (بانوراما الأرض والماء والسماء)

يمن مونيتور١٩-٠٤-٢٠٢٥

عادل الأحمدي
إذا كانت مصر هِبَة النيل، فإنّ اليمن هبة المطر.. عليه قامت حضارته وثقافته ودينه وشدْوُه وهواه.
لقد فطن اليمنيّ القديم إلى إقامة علاقة خاصة مع مزن السماء، فقام بحفظ مائه في السدود وهكذا استقر وتمدّن، فكانت معين وسبأ وحميَر وحضرموت وأوسان وقتبان. وكانت مأرب وبلقيس وأسعد الكامل ومئات التبابعة والمكاربة والأقيال.
ورغم ابتعادهم عن ثقافة الجدود والسدود، إلا أن دوراً كبيراً لايزال يلعبه المطر في حياة اليمنيين، إذ المطر 'ترمومتر' التفاؤل في أحاديث الأرياف والمدن والمؤثر الرئيس في مزاج الناس.. انهماره علامة البشرى يطفئ لهب القلوب وظمأ الزروع، وانقطاعه شارة نحس وبؤس، توقظ الإحباط وتبعث الشرور.
في منتصف إبريل/نيسان من كل عام، يعقد اليمنيون أشواقهم إلى هذا الغيث المعلّق في كرم الله. في هذا التوقيت تبدأ السنة الزراعية الحميرية بشهر ذو الثابة، الذي حل في 13 ابريل، معلنا بدء العام الحميري الجديد 2137، وكل عام وأنتم بخير.
يؤمن اليمني أن أسباباً علمية (مناخية) تتحكم في نزول المطر، لكنه يؤمن أنّ أمر توزيعه ونفعه ومنسوبه لا يزال بين أصابع القدر الإلهي يُسعد به قوماً وينذر آخرين. يحبسه إن شاء جل شأنه، أو ينزله مصحوباً بالريح والبرَد، أو يجعله غزيراً ممتداً تنشأ عنه الأضرار والسيول.
ولأنّ المطر من السماء فلقد كان لارتباط حياة اليمنيين به أثر كبير في تديُّنهم منذ الأزل وتوجُّههم نحو السماء بالدعاء أملاً في استدرار الغيث، سواء عبر دين سماوي، أو عبر دين محلي مبتَكر، كما حدث في القرون الأولى، إذ كان اليمني القديم يقدس الشمس أو القمر، ويبتدع آلهةً مختصة بالمطر تُسمى 'آلهة الخصب'.
وحينما تأمل اليمني مجرى السيول اهتدى الى ضرورة حجز المياه فكانت السدود أس الحضارة اليمنية التي ملأت مسروقات آثارها كل متاحف العالم. ويروى عن التبع أسعد الكامل إحصائية للسدود في منطقة 'يحصب' وحدها بلغت 80 سدا:
وفي البقعة الخضراء من أرض يحصُبٍ
ثمانون سداً تقذف الماء سائلا
وكان ل'سيل العرِم' وانهيار سد مأرب العظيم أثر في إعادة التوزيع الديمغرافي للسكان إذ تسبب في الهجرة من السهول إلى منطقة المرتفعات الغربية الوعرة التي تستقطب السحب القادمة من المحيط الهنديّ والبحرين العربيّ والأحمر، فيما قطاع حضرموت، مأرب، شبوة، المهرة، والجوف؛ يشكل ثلثي المساحة في حين يتركز فيه أقل من نصف السكان، وذلك لأسباب عدة من ضمنها شحة المطر وعدم انتظام هطوله.
يخاف اليمني جداً من الجفاف، وتنداح التأويلات المفسرة لأسباب الجدب والقحط، كما تنداح المعالجات العديدة وأهمها جلسات الاستغفار المتوالية، بصلوات وألحان وموّالات بديعة. وكذا ذبح قرابين من الماشية، ورميها لجوارح الطير بنفس طيبة.
استقبال زخات المطر ورؤية اللوامع والبروق والسيل والساقية ورائحة الأرض بعد الرويّ.. كل ذلك يصنع في وجدان الفلاح اليمني نشوة شبيهة بـ'قوس قزح'، الناتج الفيزيائي عن تزامن الشمس والمطر.
ولأن الرعد هو المقدمة الأولى للمطر، فإنّ لصوته في قلوب الفلاحين جلجلةً وانتعاشا.. يُطربهم، ويوقظ فيهم همّة الترحيب بعبارات ابتهاجية دُعائية تختلف موسيقاها من منطقة لأخرى، لكنها ذات مؤدى واحد وفق فلسفة المطر.
يرتفع منسوب الصراعات والملاسنات في القرى الزراعية اليمنية كلما قل منسوب المطر، وعادة ما يأخذ موسم المطر الصيفي استراحة في شهري يونيو/حزيران، ويوليو/تموز، من كل عام. تليها 'أمطار أغسطس/آب' التي تعيد للأرض خضرتها وللناس هدوءهم. وصولا إلى سبتمبر/أيلول حيث 'ذو عَلّان' (اسم الشهر بالتقويم الحِمْيري القديم)، موسم الحصاد الذي يصبح فيه ضوء الشمس وردياً وحانياً على العيون.
ويشغل المطر جزءاً لا بأس به من أحاديث الناس التلفونية للسؤال المعتاد من سكان المدن لسكان الريف: 'هل منّ الله عليكم بمطر؟'.. ووفقا لنوعية الإجابة يتم اتخاذ قرارات زيارة القرية وإقامة الأعراس..
وفي سيّاق شبيه، لن تعدم من يظهر جذله الشديد بنزول المطر رغم أن لا أرض لديه ولا شجر، إنما يفرح لأنّ 'القات' سيرخص سعره بنزول المطر. على أنّ هذا القات صار يلتهم في يمن اليوم، كثيراً مما احتفظت به الأرض من ماء المطر المودع في جوف الأرض منذ مئات السنين. وما حل القات بساحة قوم إلا أصبح ماؤهم غورا.
شني المطر يا سحابة
إلى ذلك، يشكل المطر جزءاً من عوامل الإلهام في الفن اليمني، إذ تبدأ كثيرٌ من الأغاني اليمنية بدعاء نزول المطر، كما هو حال بعض أغاني أيوب طارش العبسي وفيصل علوي ومحمد حمود الحارثي وغيرهم. وتعد أغنية المطر الأثيرة التي تبثها القنوات اليمنية أيام نزول المطر، هي معزوفة 'الحُب والبُن' من كلمات مطهر الإرياني وألحان وأداء الفنان الكبير علي بن علي الآنسي. إلى جانب مجموعة هائلة من 'الزوامل' و'المهايد' و'المهاجل' و'الرزفات' وأغاني 'البالة' و'الدان'.
ويتنوع المناخ اليمني في عموم محافظات البلاد تنوعاً كبيراً بين مناطق صحراوية قاحلة لا تصل إليها الأمطار إلا نادراً، لكن مخزونها الجوفي لا بأس به، وأخرى تنعم بمنسوب لا بأس به من المطر. وتتفرع ميازيب الأمطار في المستطيل الجبلي غربي اليمن ليصب بعضها جهة الصحراء الشرقية، والبعض الآخر جهة الوديان الساحلية المؤدية للبحر الأحمر، كوديان 'مور' و'سهام' و'رماع'. بينما يصب البعض الثالث جهة خليج عدن والبحر العربي وفي ذلك يقول عثمان أبو ماهر:
شلال وادي بنا شل العقول
وشل لابين زغاريد الحقول
أخبرني أحد أعيان مديرية آنس بذمار أن ثمة منزلاً في المنطقة يعد الحد الفاصل بين الماء الذاهب شرقا والسيول المتوجهة نحو تهامة، وأن في سطح المنزل ميزابين يضخ كل منهما في جهة معاكسة للآخر.
الماء والظمأ.. مفارقة موجعة
ونتيجة الارتفاع المتصاعد للسكان والاستهلاك المتزايد للمياه بات اليمن واحداً من أفقر دول العالم مائياً، رغم استقباله 30 مليار متر مكعب من مياه الأمطار سنوياً. في حين لا تتسع السدود الحالية سوى لـ80 مليون متر مكعب من هذه الكمية.
تعتبر الأمطار المصدر الرئيس للمياه لأغلب سكان المرتفعات الجبلية، ومؤخراً جفت العديد من العيون المائية نتيجة استنزاف المخزون الجوفي دون أن يبدع العقل اليمني المعاصر آليات حجز تعمل على تعويض هذا الفاقد من المخزون الجوفي، وفي هذا السياق تلمع مبادرات مجتمعية تستحق الثناء.
وإزاء هذا المعضل لابد من انتعاش المبادرات الفردية لصنع الحواجز والخزانات، إذ لا يصح أن يشاهد اليمني السيول تمر طيلة أشهرٍ من أمام بيته، ويقضي الأشهر الباقية في استجلاب الماء على رؤوس النساء والأطفال وظهور الحمير.. والحديث هنا عن حلول جزئية لا تسد مسد الحلول العملاقة.
ينتظر اليمنيون بفارغ الصبر اليوم الذي يستعيدون فيه دولتهم وحياتهم، كي يستأنفوا دورة المجد بدءاً من الماء الذي جعل الله منه 'كل شيء حي'.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

إيقاف رحلات المقيمين اليمنيين عبر منفذ الوديعة البري
إيقاف رحلات المقيمين اليمنيين عبر منفذ الوديعة البري

timeمنذ 4 ساعات

إيقاف رحلات المقيمين اليمنيين عبر منفذ الوديعة البري

وجّه مدير عام ميناء الوديعة البري، عامر الصيعري ، مساء الثلاثاء ، بإيقاف رحلات المقيمين اليمنيين بشكل مؤقت، وذلك في إطار اتخاذ إجراءات طارئة لضبط تدفق المركبات ومنع وقوع تعقيدات لوجستية قد تؤثر على سير العمل داخل المنفذ. وأرجع الصيعري هذا القرار إلى التكدس الكبير الذي شهدته الساحة المشتركة بين المنفذين اليمني والسعودي، نتيجة توافد أعداد كبيرة من باصات الحجيج القادمة من مختلف المحافظات اليمنية، ما استدعى تدخلًا فوريًا لتنظيم الحركة المرورية وتفادي أي تأخير في عمليات العبور. هذا التوجيه الصادر الصادر عن مدير عام ميناء الوديعة البري، يهدف إلى تنظيم عملية تفويج الحجاج بشكل أكثر كفاءة، مع ضمان انسياب حركتهم بسلاسة وأمان، خاصة في ظل الظروف الاستثنائية التي تشهدها المنطقة الحدودية خلال موسم الحج لهذا العام. وأكد الصيعري أن الأولوية القصوى في هذه المرحلة هي توفير كل التسهيلات اللازمة لحجاج بيت الله الحرام، بما في ذلك تسريع إجراءات الدخول والعبور وتقليل فترات الانتظار، مع الحفاظ على أعلى معايير السلامة والتنظيم. وأوضح بأن الفرق العاملة في المنفذ تعمل على مدار الساعة لضمان تقديم الخدمات اللوجستية والتنظيمية اللازمة، وأن الجهود متواصلة لتجاوز الذروة الحالية في أقرب وقت ممكن. كما أكد مدير عام ميناء الوديعة البري أن رحلات المقيمين اليمنيين ستُستأنف فور الانتهاء من تفويج جميع الحجاج المتواجدين حاليًا في المنفذ، مشيرًا إلى أن هذا الإجراء يأتي ضمن خطة احترازية شاملة تهدف إلى منع حدوث اختناقات مرورية أو تأخير في الخدمات المقدمة للمواطنين. وأشار إلى أن عودة الأمور إلى طبيعتها متوقعة خلال الساعات القليلة القادمة، حال تمكنت الجهات المعنية من إنهاء تفويج الكتل البشرية الكبيرة التي تدفقت على المنفذ في الساعات الماضية. وشدد الصيعري على أهمية تعزيز التعاون والتنسيق المستمر بين كافة الجهات العاملة في المنفذ والجانب السعودي، لضمان تذليل أي عقبات قد تواجه عمليات العبور، مؤكدًا أن هذا التنسيق المشترك يمثل عنصرًا أساسيًا لتحقيق الانسيابية المطلوبة، كما يعكس الجهود المشتركة بين البلدين لتقديم صورة إيجابية عن الخدمات المقدمة خلال موسم الحج. وأضاف أن هناك تركيزًا كبيرًا على تحسين البنية التحتية ورفع الكفاءة التشغيلية للميناء، بهدف تجنب تكرار مثل هذه الحالات في المواسم المقبلة، وتحقيق قدرة استيعابية أكبر للأعداد المتزايدة من المسافرين. يذكر ان منفذ الوديعة البري، يُعد أحد أهم المنافذ الحدودية البرية بين اليمن والمملكة العربية السعودية، ويُعتبر شريانًا حيويًا يربط البلدين في مجالات التجارة والسفر والتنقل البشري، لا سيما خلال مواسم الحج والعمرة التي تشهد زخمًا كبيرًا في حركة المسافرين.

'حج من نوع آخر'.. معاناة الحجاج اليمنيين تفترش الأرض على حدود الوديعة
'حج من نوع آخر'.. معاناة الحجاج اليمنيين تفترش الأرض على حدود الوديعة

timeمنذ يوم واحد

'حج من نوع آخر'.. معاناة الحجاج اليمنيين تفترش الأرض على حدود الوديعة

تحت شمس لاهبة وسماء مكشوفة، يفترش المئات من الحجاج اليمنيين الأرض في منطقة "الخبت" الحدودية، العالقة بين المنفذين اليمني والسعودي. مشهد يتكرر كل عام، وكأن معاناة الحجاج أصبحت طقسًا من طقوس الحج نفسها. حتى لحظة إعداد هذا التقرير، تشير المعلومات إلى توقف ما يقارب 40 حافلة في المنطقة العازلة، لم يُسمح لها بعد بالدخول إلى المنفذ السعودي، إضافةً إلى 20 حافلة أخرى لا تزال تنتظر في الجانب اليمني. أما الركاب، وغالبيتهم من كبار السن والنساء، فقد اضطروا لقضاء ساعات طويلة في العراء، وسط غياب شبه تام للخدمات الأساسية من دورات مياه أو أماكن استراحة. السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا تتكرر هذه المعاناة كل عام؟ يؤكد عدد من سائقي الحافلات أن المشكلة لا تتعلق فقط بإجراءات الدخول، بل بفوضى التنظيم وسوء التنسيق بين الجهات اليمنية والسعودية، إضافة إلى غياب خطة واضحة لتوزيع الحجاج عبر دفعات منظمة. من جهتهم، عبّر حجاج عن استيائهم الشديد، معتبرين أن الإهمال لا يليق بموسم ديني مقدس. ويبدو أن المشكلة تتكرر سنويًا بسبب عدة عوامل متشابكة، أبرزها: ضعف البنية التحتية في منفذ الوديعة، الذي يُعد المنفذ البري الرئيسي لحجاج اليمن. عدم وجود تنسيق مسبق لتوزيع الرحلات البرية على فترات زمنية مناسبة. التأخر في إصدار التصاريح والموافقات مما يؤدي لتكدّس مفاجئ. قلة عدد الموظفين والمرافق في الجانبين اليمني والسعودي. أصوات من المجتمع المدني وناشطون يمنيون أطلقوا مناشدات عاجلة للسلطات في صنعاء وعدن والرياض على حد سواء، مطالبين بإيجاد حل جذري لهذه الأزمة التي باتت تشوه صورة الرحلة الإيمانية وتُعرض حياة الحجاج للخطر. ويبقى المشهد المؤلم على الحدود شاهداً على معاناة لا يستحقها من قصد بيت الله بنية خالصة، في وقت يفترض فيه أن تكون خدمة الحاج شرفًا، لا معاناة.

قيادة أمانة العاصمة تنعي فائز الغربي نائب مدير مشروع النظافة
قيادة أمانة العاصمة تنعي فائز الغربي نائب مدير مشروع النظافة

وكالة الأنباء اليمنية

timeمنذ يوم واحد

  • وكالة الأنباء اليمنية

قيادة أمانة العاصمة تنعي فائز الغربي نائب مدير مشروع النظافة

صنعاء- سبأ : نعت قيادة أمانة العاصمة والإدارة العامة للنظافة، فائز الغربي نائب مدير مشروع النظافة الذي وافاه الأجل اليوم، بعد حياة حافلة بالعطاء. وأشادت قيادة الأمانة والنظافة في بيان نعي، بمناقب الفقيد وما تحلى به من أخلاق وصفات مهنية وإخلاص وتفان في أداء مهامه، وأدواره وعطائه خلال مسيرته العملية في مشروع النظافة. وعبر البيان عن خالص العزاء والمواساة لأبناء الفقيد وإخوانه وكافة أفراد أسرته وزملائه بهذا المصاب، سائلًا الله العلي القدير أن يتغمده بواسع رحمته، ويسكنه فسيح جناته، ويلهم أهله وذويه الصبر والسلوان. "إنا لله وإنآ إليه راجعون".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store