logo
تلسكوب يكشف عن أدلة واعدة على وجود حياة على كوكب بعيد

تلسكوب يكشف عن أدلة واعدة على وجود حياة على كوكب بعيد

شفق نيوز١٨-٠٤-٢٠٢٥

عثر العلماء على أدلة جديدة أولية، تشير إلى أن كوكباً بعيداً يدور حول شمس أخرى قد يكون صالحاً للعيش.
واكتشف فريق من جامعة كامبريدج، يدرس الغلاف الجوي لكوكب يُدعى K2-18b، علامات على جُزيْئات لا تنتجها على كوكب الأرض إلا الكائنات الحية البسيطة.
وهذه هي المرة الثانية، الواعدة بقدر أكبر، التي تُكتشف فيها مواد كيميائية ذات صلة بالحياة في الغلاف الجوي للكوكب، بواسطة تلسكوب جيمس ويب الفضائي التابع لناسا.
ومع ذلك، فإن الفريق القائم على الدراسة وعلماء الفلك المستقلين، يؤكدون على الحاجة إلى مزيد من البيانات لتأكيد هذه النتائج.
وقد أخبرني الباحث الرئيسي، البروفيسور نيكو مادوسودان، في مختبره بمعهد علم الفلك بجامعة كامبريدج، أنه يأمل في الحصول على الدليل القاطع قريباً.
وقال: "هذا أقوى دليل حتى الآن على احتمال وجود حياة هناك. وأستطيع أن أقول بمنتهى الواقعية إنه يمكننا تأكيد هذه الإشارة في غضون عام إلى عامين".
يفوق حجم كوكب K2-18b حجم الأرض بمقدار ضعفين ونصف، ويبعد عنا سبعمئة تريليون ميل.
ويتمتع تلسكوب جيمس ويب الفضائي بقوة هائلة تُمكّنه من تحليل التركيب الكيميائي للغلاف الجوي للكوكب، من خلال الضوء الذي يمر عبره من الشمس الحمراء الصغيرة التي يدور حولها.
وقد توصل فريق كامبريدج إلى أن الغلاف الجوي يبدو أنه يحتوي على بصمة كيميائية لجزيء واحد على الأقل من جزيئين مرتبطين بالحياة: وهما كبريتيد ثنائي الميثيل (DMS) وثاني كبريتيد ثنائي الميثيل (DMDS)، وهي غازات تنتجها العوالق النباتية البحرية والبكتيريا على كوكب الأرض.
وصرح البروفيسور مادوسودان بأنه فوجئ بكمية الغاز التي رُصدت على ما يبدو خلال إحدى فترات الرصد، قائلاً: "إن كمية هذا الغاز التي نُقدّرها في الغلاف الجوي، أعلى بآلاف المرات مما هو موجود على كوكب الأرض".
وأضاف: "لذا، إذا كانت علاقته [الغاز] بوجود حياة أمراً حقيقياً، فإن هذا الكوكب يعج بالحياة".
وذهب البروفيسور مادوسودان إلى أبعد من ذلك قائلاً: "إذا تأكدنا من وجود حياة على الكوكب k2-18b، فإن هذا يُؤكد أساساً أن الحياة شائعة جداً في المجرة".
NASA
في هذه المرحلة، هناك مساحة كبيرة لقول "لو" و"لكن"، بحسب تعبير فريق البروفيسور مادوسودان.
فهذا الاكتشاف الأخير لا يفي بالمستوى المطلوب لوصفه بالاكتشاف. لذا، على الباحثين التأكد بنسبة 99.99999 في المئة من صحة نتائجهم، لا مجرد الاكتفاء بقراءة عشوائية، وهذا التأكد يعرف في المصطلحات العلمية بنتيجة "خمسة سيغما".
أما النتائج الأخيرة فهي لا تتجاوز "ثلاثة سيغما"؛ أي أن نسبة التأكد تصل إلى 99.7 في المئة. وقد يبدو هذا الرقم كبيراً، لكنه غير كافٍ لإقناع المجتمع العلمي.
ومع ذلك، فالنتائج الحالية أكبر بكثير من نتيجة "واحد سيغما"، التي تقدر نسبة التأكد بـ 68 في المئة، وهي نسبة النتائج التي توصل إليها الفريق قبل 18 شهراً، والتي قوبلت بالكثير من الشك آنذاك.
مع العلم أنه حتى لو حصل فريق كامبريدج على نتيجة "خمسة سيجما"، فلن يكون ذلك دليلاً قاطعاً على وجود حياة على الكوكب، وفقاً للبروفيسورة كاثرين هيمانز من جامعة إدنبرة، وعالمة الفلك الملكية في اسكتلندا، وهي مستقلة عن فريق البحث.
وقالت هيمانز لبي بي سي: "حتى بعد الوصول إلى هذا اليقين، لا يزال السؤال مطروحاً حول أصل هذا الغاز".
وأضافت أن هذا الغاز "يُنتج على الأرض بواسطة كائنات دقيقة في المحيط، ولكن حتى مع توافر بيانات دقيقة، لا يمكننا الجزم بأن هذا الغاز ذو أصل بيولوجي على كوكب آخر".
وأشارت إلى احتمال أن ينتج هذا الغاز نتيجة أمر آخر غير وجود الكائنات الحية، قائلة "العديد من الأمور الغريبة تحدث في الكون، ولا نعرف ما هي الأنشطة الجيولوجية الأخرى التي قد تحدث على هذا الكوكب والتي قد تُنتج هذه الجزيئات".
ويتفق فريق كامبريدج مع هذا الرأي؛ فهم يعملون مع مجموعات بحثية أخرى لمعرفة مدى إمكان إنتاج كبريتيد ثنائي الميثيل (DMS) وثاني كبريتيد ثنائي الميثيل (DMDS) بوسائل أخرى في المختبر غير مرتبطة بالكائنات الحية.
وقدمت مجموعات بحثية أخرى تفسيرات بديلة للبيانات الخاصة بكوكب K2-18b، لا تشير إلى وجود حياة.
وهناك جدل علمي حاد ليس فقط حول وجود كبريتيد ثنائي الميثيل (DMS) وثاني كبريتيد ثنائي الميثيل (DMDS)، ولكن أيضاً حول تركيب الكوكب نفسه.
والسبب الذي يدفع العديد من الباحثين إلى استنتاج وجود محيط سائل شاسع على الكوكب هو غياب غاز الأمونيا في غلافه الجوي. ونظريتهم مفادها أن الأمونيا يمتصها مسطّح مائي شاسع أسفله.
ومع هذا، يمكن تفسير ذلك أيضاً بوجود محيط من الصخور المنصهرة، ما قد يحول دون وجود حياة، وفقاً للأستاذ أوليفر شورتل من جامعة كامبريدج.
وقال شورتل: "إن كل ما نعرفه عن الكواكب التي تدور حول نجوم أخرى يأتي من كميات الضوء الضئيلة التي تسقط على أغلفتها الجوية. لذا، فهي إشارة ضعيفة للغاية علينا قراءتها، لا للبحث عن علامات لوجود حياة وحسب، بل عن كل شيء آخر".
وأضاف أن جزءاً من النقاش العلمي بشأن كوكب K2-18b لا يزال يدور حول "بنية الكوكب".
وهناك تفسير آخر للبيانات ذكره الدكتور نيكولاس ووغان من مركز أبحاث أميس التابع لناسا؛ فقد نشر بحثاً يشير إلى أن كوكب K2-18b ما هو إلا عملاق غازي صغير بلا سطح.
وقد طعنت مجموعات أخرى في هذين التفسيرين البديلين بحجة أنهما لا يتوافقان مع بيانات تلسكوب جيمس ويب الفضائي، ما يسلط الضوء على الجدل العلمي القوي حول كوكب K2-18b.
ويُقر البروفيسور مادوسودان بأنه لا يزال أمامه طريق طويل للإجابة على أحد أكبر الأسئلة في العلوم، لكنه يعتقد أنه وفريقه يسيرون على الطريق الصحيح.
وقال: "بعد عقود من الآن، قد ننظر إلى هذه النقطة من الزمن ونقول إنها كانت اللحظة التي أصبح فيها الكون الحي في متناول أيدينا".
وختم حديثه بقوله: "قد تكون هذه نقطة التحول التي تسمح لنا بإجابة السؤال الجوهري حول ما إذا كنا نعيش وحدنا في هذا الكون".

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

اكتشاف خزان مائي هائل في باطن المريخ
اكتشاف خزان مائي هائل في باطن المريخ

الأنباء العراقية

time١٣-٠٥-٢٠٢٥

  • الأنباء العراقية

اكتشاف خزان مائي هائل في باطن المريخ

توصل فريق بحثي دولي باستخدام بيانات المسبار "إنسايت" التابع لناسا، إلى اكتشاف مثير يفتح آفاقا جديدة لفهم تطور المريخ وإمكانية وجود حياة عليه. وكشفت البيانات الحديثة عن وجود خزان مائي هائل مدفون تحت السهول الحمراء الغبارية للمريخ. ويعود الفضل في هذا الاكتشاف إلى التقنيات الزلزالية المتطورة التي زود بها المسبار "إنسايت"، والذي التقط ذبذبات ناتجة عن اصطدام نيزكين بسطح المريخ عام 2021، بالإضافة إلى زلزال مريخي وقع عام 2022. وعند تحليل أنماط انتشار هذه الموجات الزلزالية، لاحظ العلماء ظاهرة غريبة: تباطؤ ملحوظ في سرعة الموجات عند أعماق تتراوح بين 5.4 و8 كيلومترات تحت السطح. وحسب ما يؤكد فريق البحث، فإن التفسير الأكثر ترجيحا لهذه الظاهرة هو وجود طبقة مسامية مشبعة بالمياه السائلة، تشبه إلى حد كبير الخزانات الجوفية على الأرض. وتشير الحسابات إلى أن كمية المياه في هذه الطبقة كافية لتغطية سطح المريخ بالكامل بمحيط يتراوح عمقه بين 520 و780 مترا، وهي كمية هائلة تعادل عدة أضعاف ما تحويه الصفائح الجليدية في القارة القطبية الجنوبية. هذا الاكتشاف يحل لغزا طالما حير العلماء: أين اختفت مياه المريخ التي كانت تتدفق على سطحه قبل مليارات السنين؟. تشير الأدلة الجيولوجية إلى أن الكوكب الأحمر كان في الماضي أكثر دفئا ورطوبة، مع وجود أنهار وبحيرات وحتى محيطات. والآن يبدو أن جزءا كبيرا من هذه المياه قد تسرب إلى باطن الكوكب، حيث حفظ في هذه الطبقة العميقة. وتتجاوز أهمية هذا الاكتشاف مجرد حل اللغز العلمي، إذ أن له تداعيات كبيرة على مستقبل استكشاف المريخ. فمن الناحية العلمية، تزيد هذه الخزانات المائية من احتمالية وجود أشكال حياة ميكروبية، حيث أن المياه السائلة هي أحد المتطلبات الأساسية للحياة كما نعرفها، أما من الناحية العملية، فإن هذه الموارد المائية ستكون بمثابة كنز ثمين لأي بعثات بشرية مستقبلية إلى المريخ، حيث يمكن استخدامها للشرب وإنتاج الأكسجين وحتى تصنيع وقود الصواريخ. ولكن التحديات ما تزال قائمة، فالحفر إلى هذه الأعماق على سطح كوكب آخر يعد مهمة بالغة التعقيد تتطلب تقنيات غير متوفرة حاليا. كما أن توزيع هذه الخزانات المائية على مستوى الكوكب ما يزال غير معروف، إذ أن البيانات الحالية تغطي منطقة محدودة حول موقع هبوط المسبار "إنسايت" قرب خط الاستواء المريخي. وفي ضوء هذه النتائج، يخطط العلماء الآن لإرسال بعثات جديدة مزودة بمعدات أكثر تطورا لرسم خريطة شاملة لتوزيع المياه الجوفية على المريخ، كما أن هناك نقاشات جادة حول كيفية استكشاف هذه الخزانات دون تلويثها بكائنات أرضية قد تؤثر على أي حياة محتملة فيها. وهذا الاكتشاف التاريخي لا يثبت فقط أن المريخ كان - وما زال - عالما غنيا بالمياه، بل يضعه في صدارة الوجهات التي قد تحتضن أشكالا من الحياة خارج الأرض، وهو ما يجعل الكوكب الأحمر أكثر إثارة للدراسة والاستكشاف في السنوات والعقود القادمة.

اكتشاف خزان مائي هائل في باطن المريخ
اكتشاف خزان مائي هائل في باطن المريخ

الرأي العام

time١٣-٠٥-٢٠٢٥

  • الرأي العام

اكتشاف خزان مائي هائل في باطن المريخ

توصل فريق بحثي دولي باستخدام بيانات المسبار 'إنسايت' التابع لناسا، إلى اكتشاف مثير يفتح آفاقا جديدة لفهم تطور المريخ وإمكانية وجود حياة عليه. وكشفت البيانات الحديثة عن وجود خزان مائي هائل مدفون تحت السهول الحمراء الغبارية للمريخ. ويعود الفضل في هذا الاكتشاف إلى التقنيات الزلزالية المتطورة التي زود بها المسبار 'إنسايت'، والذي التقط ذبذبات ناتجة عن اصطدام نيزكين بسطح المريخ عام 2021، بالإضافة إلى زلزال مريخي وقع عام 2022. وعند تحليل أنماط انتشار هذه الموجات الزلزالية، لاحظ العلماء ظاهرة غريبة: تباطؤ ملحوظ في سرعة الموجات عند أعماق تتراوح بين 5.4 و8 كيلومترات تحت السطح. وحسب ما يؤكد فريق البحث، فإن التفسير الأكثر ترجيحا لهذه الظاهرة هو وجود طبقة مسامية مشبعة بالمياه السائلة، تشبه إلى حد كبير الخزانات الجوفية على الأرض. وتشير الحسابات إلى أن كمية المياه في هذه الطبقة كافية لتغطية سطح المريخ بالكامل بمحيط يتراوح عمقه بين 520 و780 مترا، وهي كمية هائلة تعادل عدة أضعاف ما تحويه الصفائح الجليدية في القارة القطبية الجنوبية. هذا الاكتشاف يحل لغزا طالما حير العلماء: أين اختفت مياه المريخ التي كانت تتدفق على سطحه قبل مليارات السنين؟. تشير الأدلة الجيولوجية إلى أن الكوكب الأحمر كان في الماضي أكثر دفئا ورطوبة، مع وجود أنهار وبحيرات وحتى محيطات. والآن يبدو أن جزءا كبيرا من هذه المياه قد تسرب إلى باطن الكوكب، حيث حفظ في هذه الطبقة العميقة. وتتجاوز أهمية هذا الاكتشاف مجرد حل اللغز العلمي، إذ أن له تداعيات كبيرة على مستقبل استكشاف المريخ. فمن الناحية العلمية، تزيد هذه الخزانات المائية من احتمالية وجود أشكال حياة ميكروبية، حيث أن المياه السائلة هي أحد المتطلبات الأساسية للحياة كما نعرفها. أما من الناحية العملية، فإن هذه الموارد المائية ستكون بمثابة كنز ثمين لأي بعثات بشرية مستقبلية إلى المريخ، حيث يمكن استخدامها للشرب وإنتاج الأكسجين وحتى تصنيع وقود الصواريخ. ولكن التحديات ما تزال قائمة. فالحفر إلى هذه الأعماق على سطح كوكب آخر يعد مهمة بالغة التعقيد تتطلب تقنيات غير متوفرة حاليا. كما أن توزيع هذه الخزانات المائية على مستوى الكوكب ما يزال غير معروف، إذ أن البيانات الحالية تغطي منطقة محدودة حول موقع هبوط المسبار 'إنسايت' قرب خط الاستواء المريخي. وفي ضوء هذه النتائج، يخطط العلماء الآن لإرسال بعثات جديدة مزودة بمعدات أكثر تطورا لرسم خريطة شاملة لتوزيع المياه الجوفية على المريخ. كما أن هناك نقاشات جادة حول كيفية استكشاف هذه الخزانات دون تلويثها بكائنات أرضية قد تؤثر على أي حياة محتملة فيها. وهذا الاكتشاف التاريخي لا يثبت فقط أن المريخ كان – وما زال – عالما غنيا بالمياه، بل يضعه في صدارة الوجهات التي قد تحتضن أشكالا من الحياة خارج الأرض. وهو ما يجعل الكوكب الأحمر أكثر إثارة للدراسة والاستكشاف في السنوات والعقود القادمة.

قصة الحضارة (204): تأثر فيثاغورس بفلسفات مصر والشرق
قصة الحضارة (204): تأثر فيثاغورس بفلسفات مصر والشرق

موقع كتابات

time٠٧-٠٥-٢٠٢٥

  • موقع كتابات

قصة الحضارة (204): تأثر فيثاغورس بفلسفات مصر والشرق

خاص: قراءة- سماح عادل يستأنف الكتاب الحكي عن فيثاغورس في الحضارة اليونانية. وعن توغله في علم الفلك والفلسفة. وذلك في الحلقة الرابعة بعد المائتين من قراءة 'قصة الحضارة' الكتاب الموسوعي الضخم وهو من تأليف المؤرخ الأمريكي 'ويل ديورانت' وزوجته 'أريل ديورانت'، ويتكون من أحد عشر جزء. يستأنف الكتاب الحكي عن فيثاغورس: 'وتقول الرواية اليونانية المتواترة إن فيثاغورس نفسه كشف كثيرا من النظريات الهندسية: وأهمها كلها أن مجموع الزوايا الداخلية في أي مثلث يساوي قائمتين، وأن المربع المقام على الضلع المقابل للزاوية القائمة في المثلث القائم الزاوية يساوي مجموع المربعين المقامين على الضلعين الآخرين. ويقول أبلودورس إنه لما كشف المعلم هذه النظرية ضحى بمائة ذبيحة شكراً على هذا الكشف العظيم . فإن كان قد فعل ذلك حقاً فقد ناقض المبادئ الفيثاغورية مناقضة يندى لها الجبين. وانتقل فيثاغورس من الهندسة إلى الحساب على عكس النظام المتبع في هذه الأيام. ولم يكن يقصد بالحساب وقتئذ أن يكون فناً عملياً للتعداد والإحصاء، بل كان نظرية مجردة للأعداد. ويلوح أن المدرسة الفيثاغورية هي أول من قسم الأعداد إلى فردية وزوجية، وإلى أعداد صماء وأخرى قابلة للقسمة، وقد صاغت نظرية النسبة، واستطاعت بها و 'بتطبيق المساحات' أن توجد الجبر الهندسي. ولعل دراسة النسبة هي التي أمكنت الفيثاغوريين من أن يحولوا الموسيقى إلى أعداد. ويروى أن فيثاغورس كان في يوم من الأيام ماراً بحانوت حداد، فاسترعت سمعه الفترات الصوتية الخارجة من ضربات السندان، والتي بدت كأنها فترات موسيقية منتظمة. ولما عرف أن المطارق ذات أوزان مختلفة استنتج من ذلك أن النغمات تتوقف على نسب عددية. وتقول إحدى التجارب القلائل التي سمعنا بها في علوم القدماء إنه أتى بوترين متساويين في السمك وفي التوتر، وتبين له أنه إذا كان طول أحدهما ضعفي طول الآخر أخرجا إذا جذبهما نغمة من الدرجة الأولى؛ وإذا كان أحدهما قدر الآخر مرة ونصف مرة أخرجا خمساً (دو – صول)؛ وإذا كان أحدهما قدر آخر مرة وثلث مرة، أخرجا رُبعاً (دو – فا(35))؛ وبهذه الطريقة يمكن أن تقدر كل نغمة موسيقية تقديرا رياضيا، وأن يعبر عنها تعبيرا رياضيا كذلك'. أصوات الكواكب.. ويضيف الكتاب: 'وإذ كانت كل الأجسام التي تتحرك في الفضاء تحرج أصواتا، تتوقف درجة ارتفاعها على حجم الجسم وسرعة حركته، فإن كل كوكب في فلكه حول الأرض كما يقول فيثاغورس يحدث صوتاً يتناسب مع سرعة انتقاله، وهذا الصوت يعلو أيضا كلما بعد الكوكب عن الأرض؛ ويتكون من هذه النغمات المختلفة ائتلاف في الأصوات أو 'موسيقى الأفلاك'، وهي موسيقى لا نسمعها قط لأننا نسمعها على الدوام. ويقول فيثاغورس إن العالم جرم كري حيٌّ مركزه الأرض، وإن الأرض هي الأخرى جرم كري تدور، كما تدور الكواكب، من الغرب إلى الشرق. وقد قسم الأرض، والعالم كله في الحقيقة، خمس مناطق المنطقة الباردة الشمالية، والباردة الجنوبية، ومنطقة الصيف، ومنطقة الشتاء، والمنطقة الاستوائية، وقال إن الجزء الذي نراه من القمر يكبر حجمه أو يصغر تبعا للزاوية التي يواجه بها الأرضَ نصفه المتجه نحو الشمس، وإن خسوف القمر ينشأ من وجود الأرض أو أي جرم آخر بينه وبين الشمس. ويقول ديوجنيز ليرتس إن فيثاغورس كان أول مَن قال إن الأرض مستديرة، وأول من سمى العالم كونا'. الفلسفة.. ويواصل الكتاب: 'وقد عمل فيثاغورس بفضل بحوثه في الرياضيات والفلك أكثر مما عمله أي عالم آخر لوضع أسس العلوم الطبيعية في أوربا. ولما أن تم له ذلك انتقل إلى الفلسفة، ويبدو أن لفظ الفلسفة نفسه من وضعه هو. وقد رفض أن يستخدم كلمة سوفيا أي الحكمة لأنها ادعاء عريض لا يرضاه، ووصف سعيه لإدراك الحقائق بأنها فلسفة أي محبة الحكمة. وقد صارت كلمتا فيلسوف وفيثاغورس في القرن السادس كلمتين مترادفتين. وبينما كان طاليس وغيره من الميليتيين يبحثون عن أصل الأشياء جميعها في المادة، كان فيثاغورس يبحث عنه في الشكل، وبعد أن كشف ما في الموسيقى من علاقات ونتائج متتالية عددية منتظمة، وبعد أن افترض وجود هذه العلاقات والنتائج المتتالية في الكواكب نفسها، قفز قفزة الفلاسفة نحو الوحدة، وأعلن أن هذه العلاقات والنتائج المتتالية العددية المنتظمة توجد في كل مكان. وأن العامل الجوهري الأساسي في كل شيء هو العدد. وكما أن اسبنوزا قد قال فيما بعد إن ثمة عالمين أحدهما عالـَم الأشياء أو عالـَم الناس الذي يدركونه بالحواس والآخر عالم الفلسفة، أو عالم القوانين والثوابت الذي يدركه العقل وإن العالم الثاني وحده هو العالم الحقيقي الدائم، كذلك شعر فيثاغورس أن النواحي الأساسية الخالدة لأي شيء هي ما بين أجزائه من علاقة عددية، ولعله كان يرى أيضاً أن الصحة نفسها علاقة رياضية أو نسبة صالحة بين أجزاء الجسم أو عناصره؛ أو أن النفس كانت هي الأخرى عددا'. من مصر.. وعن أصول الفلسفة يحكي الكتاب: 'وعند هذه النقطة انطلقت صوفية فيثاغورس التي استقاها من مصر وبلاد الشرق الأدنى حرة لا تلوي على شيء. فقال إن النفس تنقسم أقساما ثلاثة: الشعور واللقانة والعقل؛ فالشعور مركزه القلب، واللقانة والعقل مركزهما المخ؛ وإن الشعور واللقانة من صفات الحيوان والإنسان على السواء ، أما العقل فيختص به الإنسان وحده، وهو خالد لا يفنى. وتمر النفس بعد الموت بفترة من التطهير في الجحيم، تعود بعدها إلى الأرض وتدخل في جسم جديد، ثم في جسم آخر، وتمر في سلسلة من التناسخ لا ينتهي إلا إذا كان صاحبها قد حَيي حياة فاضلة منزهة عن الرذائل بأجمعها. وكان فيثاغورس يدخل السرور على أتباعه، أو لعله كان يقوي عقيدتهم، بقوله لهم إن روحه قد تقمصت مرة جسم عاهر، ومرة أخرى جسم البطل يوفوربوس وإنه يذكر بوضوح مغامراته في حصار طروادة، وإنه قد تعرف في هيكلها في أرجوس على الدرع الذي كان يلبسه في تلك الحياة القديمة. وسمع مرة عواء كلب مضروب فقام من فورهِ لإنقاذه، وقال إنه قد عرف في عوائه صوت صديق له ميت. وفي وسعنا أن نتبين شيئاً من الصلات الفكرية التي كانت تربط بلاد اليونان وإفريقية وآسية في القرن السادس، إذا ذكرنا أن فكرة التناسخ هذه كانت مستحوذة في وقت واحد على خيال الهنود وعلى طقوس أورفيوس في بلاد اليونان وعلى إحدى الطوائف الفلسفية في إيطاليا. ونحن نستشف نزعة التشاؤم الهندية تمتزج في فلسفة فيثاغورس الأخلاقية بروح أفلاطون النيرة الصافية'. الفضيلة.. وعن الهدف من الحياة في فلسفته: 'والقصد من الحياة في النظام الفيثاغوري أن تخلص من التقمص، والسبيل إلى ذلك هي الفضيلة، والفضيلة هي ائتلاف الروح مع نفسها ومع الله. ومن المستطاع كسب هذا التآلف بطريقة اصطناعية. وكان الفيثاغوريون يستخدمون الموسيقى كما كان يستخدمها كهنة اليونان وأطباؤهم لشفاء الاضطرابات العصبية. وكانوا يعتقدون أن أكثر ما تحصل به النفس على التآلف هو الحكمة، وهي فهم الحقائق التي يقوم عليها هذا التآلف فهماً هادئاً؛ وذلك لأن هذه الحكمة تعلم الإنسان التواضع والاعتدال، والطريقة الوسطى الذهبية. أما الطريقة المضادة لهذه أي طريقة التنازع والتطرف، والخطيئة فتؤدي حتماً إلى المآسي والعقاب والعدالة 'عدد مربع'، وكل خطأ 'سيربع' إن عاجلا أو آجلا بالعقوبة المكافئة له. هذا هو جوهر فلسفة أفلاطون وأرسطو الأخلاقية. أما سياسة فيثاغورس فهي فلسفة أفلاطون حققها من قبل أن يدركها. ولقد كانت مدرسة فيثاغورس، حسب ما نفهمه من الروايات القديمة المتواترة، أرستقراطية شيوعية: تطلب إلى الرجال والنساء أن يجمعوا كل ما لديهم من الطيبات، وأن يتعلموا مجتمعين، وأن يُدربوا على الفضيلة والتفكير الراقي بطريق العلوم الرياضية والموسيقى، والفلسفة، وأن يتقدموا من تلقاء أنفسهم ليكونوا حكام الدولة الحارسين لها. والحق أن الجهد الذي كان يبذله فيثاغورس ليجعل مجتمعه هو نفسه حكومة مدينته العقلية، هو الذي أهلكه وأهلك أتباعه. فقد اندفع المبتدئون من أتباعه في تيار السياسة. وانحازوا إلى جانب الأشراف انحيازاً أثار عليهم حزب الشعب في كروتونا، فاندفع أفراده في ثورات غضبهم، وأحرقوا البيت الذي كان الفيثاغوريين مجتمعين منه. وقتلوا طائفة منهم، وأخرجوا الباقين من المدينة. وتقول إحدى الروايات إن فيثاغورس نفسه قد قُبض عليه وقُتل حين أبى في فراره أن يطأ بقدمه حقلاً من الفول؛ وتقول رواية أخرى إنه فر إلى متابنتم حيث امتنع عن الطعام أربعين يوماً ولعله كان يحس أنه يجب أن يكتفي من العمر بثمانين عاماً- وأمات نفسه جوعاً'. خالد.. وعن بقاء ذكراه: 'أما أثره فهو أثر خالد على مدى الأيام، ولا يزال اسمه حتى اليوم طنانا رنانا؛ كما عاش مجتمعه ثلاثمائة عام في صورة جماعات منتشرة في بلاد اليونان، يخرج منها علماء طبيعيون أمثال فيلولوس الطيبي، وحكام أمثال أركيتاس طاغية تاتاس وصديق أفلاطون. ولقد كان وردسورث في أشهر قصائده كلها فيثاغوريا من غير أن يشعر. وكان أفلاطون نفسه يهيم بصورة فيثاغورس الغامضة؛ وهو يأخذ عنه في جميع نواحي نشاطه الذهني في سخريته من الديمقراطية، وفي تلهفه على وجود أرستقراطية شيوعية من الحكام الفلاسفة، وفي اعتقاده أن الفضيلة تآلف، وفي نظرياته عن الطبيعة والنفس، وفي شغفه بالهندسة، وفي إيمانه بقوة الأعداد الخفية. وقصارى القول أن فيثاغورس على قدر ما وصل إليه علمنا هو واضع أساس العلوم الطبيعية والفلسفة في أوربا؛ وذلك عمل يكفي لتخليد اسم أي إنسان.'

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store