logo
صالح سليم الحموري : اسرق مثل زياد .. ولا تخف

صالح سليم الحموري : اسرق مثل زياد .. ولا تخف

أخبارنا٣٠-٠٧-٢٠٢٥
أخبارنا :
"ردًّا على مقالة المحامي أسامة البيطار"..
في لحظة وداع لاسمٍ بحجم زياد الرحباني، يصبح الحديث عن "الملكية الفكرية" والاقتباس والحقوق أشبه بالمشي على حقل ألغام وليس "أنغام". ليس لأن الفنّ فوق القانون، بل لأن الفن الأصيل لا يُقاس بالمسطرة وحدها، ولا يُحاكم خارج سياقه، ولا يُختزل في مقارنة ميكانيكية بين نوتةٍ وأخرى.
كنت قد كتبتُ سابقًا مقالًا بعنوان "اسرق مثل فنان… ولا تخف"، قلت فيه:
في عالمٍ تتشابك فيه الأصوات، وتتزاحم فيه الأفكار، لا وجود لما يُسمى "فكرة خالصة". كل ما نكتبه، نرسمه، نؤلفه، أو نبتكره، هو نتيجة تراكم طويل من "السرقات الجميلة".
نعم، نحن نسرق… لكننا نسرق كفنّانين. سرقاتنا ليست انتهاكًا، بل امتنان وتقدير.
نستلهم من الكتب، من جملةٍ في فيلم، من مشهدٍ على الرصيف، من نبتة تشق طريقها في الإسمنت، من نظرة طفلٍ وسط الزحام…
الفنان لا "يخترع" من العدم، بل يُعيد ترتيب ما هو موجود، بلمسة من ذاته، ودهشة من روحه.
المعرفة البشرية سلسلة متراكبة من الاقتباسات، والإبداع الحقيقي ليس نسخًا، بل نُبل في الاستعارة، وذوق في التحوير.
أن يختار الأستاذ أسامة البيطار فتح هذا النقاش في لحظة وداع، قد يبدو توقيتًا مؤلمًا للبعض، لكنه في جوهره دعوة مشروعة لمساءلة جمالية وقانونية.
لكن يبقى السؤال مفتوحًا:
هل ميزان العدالة هو الأداة الأنسب حين يُستخدم لوزن الأثر الفني، لا الفعل الجرمي؟
وهل يمكننا أن نحاكم مشروع الرحابنة العظيم كما لو كان ملفًا قضائيًا، لا تجربة موسيقية ساهمت في صياغة الوجدان العربي الحديث؟
في مقاله، يستعرض البيطار فروقًا دقيقة بين الاقتباس والسرقة، ويُشير إلى تشابهات بين ألحان زياد والرحابنة وأعمال موسيقية عالمية.
ورغم إقراره بعبقرية زياد، إلا أن لغة المقال تنزلق نحو الإدانة، بدءًا من عنوانه التساؤلي "هل سرقوها؟"، وصولًا إلى الإطار الجنائي الذي يُحاصر الإبداع.
الفنانون لا يُنتجون أعمالهم داخل قاعة محكمة، بل في أروقة الإحساس والتجريب والانفعال.
والاقتباس، منذ عهد الإغريق، لم يكن تهمة، بل أداة تطوّر.
نعم، يجب احترام الحقوق.
نعم، يجب توثيق النَّسَب الفني.
لكن لا، لا يُقاس الإبداع بعدسة قانونية ضيقة.
لم يكن اقتباس الرحابنة فعلاً متوارٍيًا يخفي النية، ولم يُعد زياد إنتاج الألحان ليبيعها كمنتج مستورد.
ما فعله كان هندسةً لهوية موسيقية شرقية، تتغذى من كل شيء، وتمنح كل شيء لهجتها وحنينها وسخريتها.
حين استخدم زياد لحن Concierto de Aranjuez في "لبيروت"، لم يسرق، بل صرخ من خلاله صرخة مدوّية هزّت وجداننا، ودوّت في العالم كلّه.
لم يكن مجرد تلحين، بل كان فعل مقاومةٍ موسيقية، وترجمةً لصوت مدينة تُقصف وتُغنّى في آنٍ واحد.
هو نفسه من سخر من كل شيء، واستخدم كل شيء، ولم يزعم يومًا أنه قديس منزّه، بل كان دائمًا صادقًا في تناقضاته، شجاعًا في صمته وصراخه.
هل أخطأ في النّسَب أحيانًا؟ ربما.
لكن هل سرق؟ لا.
هل غشّ؟ أبدًا لا.
حين يُفرغ القانون من روحه، يُصبح خطرًا على الفن.
وحين يتجاهل الفنّان حقوق غيره، يُصبح موضع مساءلة لا إلهام.
لكننا لا نحاكم من صاغ وجدان الملايين، كما نحاكم من سرق فيلمًا من الإنترنت.
ولا نزن أثر زياد بمسطرة المحاكم، بل بذاكرة من عاشوا على موسيقاه، وشربوا من جرأته وصدقه.
السؤال ليس: هل اقتبس زياد؟
بل: ماذا فعل بهذا الاقتباس؟ وماذا ترك فينا بعده؟
وما فعله، ببساطة، لا يُصنَّف
حوّل التأثر إلى هوية،
والسخرية إلى نقد،
واللحن الغربي إلى مرآة لمدينة تُدعى بيروت، اه يا بيروت
في وداع زياد، لا نُغلق باب النقاش، بل نفتحه… بامتنان.
لكن علينا أن نحذر: لا نضع ميزان الذهب على صوت فيروز، ولا نحاكم زياد كما نحاكم سارقي محتوى يوتيوب.
فالإبداع لا يُعفى من القانون… لكنه لا يُدان خارج القلب.
والأصل في عبقرية زياد، أنها لم تكن ضمن المقياس، بل تجاوزته… وصنعت مقياسًا جديدًا.
لم يكن قديسًا، ولم يدّعِ يومًا الطهارة المطلقة.
بل قالها ساخرًا عن نفسه: "أنا حمار"… لا ليرضى بالشتيمة، بل ليقلبها على رؤوس أصحابها، بأسلوبه المتمرد الذي لا يتجمّل ولا يتزلّف.
زياد لم يكن لصًّا، بل كان مرآةً ساخرةً لهذا الشرق… وموسيقاه كانت صرخة، وكانت حضنًا، وكانت موقفًا.
وما بين "المارش الروسي" وشتاء "بيروت"… كانت هناك موسيقى رائعة، وكانت هناك كرامة تُعزَف.
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله ﷺ قال: "المسلمون شركاء في ثلاث: في الكلأ والماء والنار."
وأنا أقول: ونحن شركاء في الموسيقى، والفن، والإبداع.
لأن الحياة لا تُبنى فقط على الماء والنار، بل على ما يُنعش الروح، ويبهج القلب، ويحرر الخيال.
نحن شركاء في تلك الألحان التي لا تُرى، لكنها تُرمم ما انكسر فينا،
وشركاء في القصائد التي تفتح نوافذ الأمل في جدران اليأس،
وشركاء في الفنّ الذي يُذكّرنا أن الإنسان أكبر من جُدران المحاكم.
"اسرق مثل زياد… ولا تخف."
ليس لأن السرقة مباحة، بل لأن الإبداع لا يولد إلا من رحم التأثر…
وزياد، لم يسرق ألحانًا، بل سرق قلوبنا… وسكنها.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

بالنسبة لبكرا.. شو؟!
بالنسبة لبكرا.. شو؟!

جفرا نيوز

time١٣-٠٨-٢٠٢٥

  • جفرا نيوز

بالنسبة لبكرا.. شو؟!

جفرا نيوز - في الصباح تشرب صوتها مع قهوتك. وأنت حزين تفرحك أجواء بهجتها. وأنت بين تنقلك الى الجانب الإيجابي من الحياة، الى نسم علينا الهوا وشايف البحر شو كبير ونطرونا كتير وراجعين يا هوا ويسعد صباحك. فيروز الآن وحيدة بلا عاصي ومنصور، وقبل أيام، بلا ابنها زياد وسؤاله الماضي المستمر «بالنسبة لبكرا شو؟». لا أحد يعرف لكن الكل يرى العدو يرتكب المجازر في غزة. يحتل أجزاء من جنوب لبنان، دباباته على بعد 17 كلم من دمشق، يعتدي على اليمن، يهدد الأردن والسعودية ومصر والعراق وإيران. اخترعوا ممحاة للكتابة بقلم رصاص يا ليتهم اخترعوا الرصاص أو على الأقل ممحاة للحزن. لكانت فيروز الحزينة الآن محت كل أغانيها التي كانت تحكي عن الأمل بتحرير فلسطين. عندما توفي رفيق عمرها وصوتها زوجها عاصي الرحباني العام 1973 كان عمر ابنها زياد 17 عاما. فيما كان عاصي يجهز لمسرحية «المحطة» تعرض لنزيف في الدماغ. صعدت الى المسرح وعندما وجدت مكان عاصي فارغا بدون عاصي صمتت. لاحظ منصور شقيق عاصي ورفيق إبداعاته كم الحزن الذي ارتدى فيروز فكتب أغنية يقول مطلعها « سألوني الناس عنك يا حبيبي، كتبوا المكاتيب وأخذها الهوا، بيعز علي يا حبيبي، لأول مرة ما بنكون سوا «. طلب منصور من ابن أخيه زياد وكان عمره 17 عاما أن يلحن الأغنية، نجحت الأغنية نجاحا كبيرا. وكانت استمرارا للأغنية الرحبانية التي خرجت من لبنان لتحلق كطير الوروار في السماء العربية. بوفاة عاصي اعتقدنا أن عهد الرحابنة انتهى ولن نصحو على صوت فيروز و«هدير البوسطة» في الباصات والمكاتب والكراجات والمطاعم وكل الأمكنة وفي أي وقت. لكن زياد نقل فيروز من مقعد الحزن الى مكانتها في مقدمة الفنانين العرب فكتب ولحن لها عدة أغانٍ منها «عودك رنان» و«بكتب اسمك يا حبيبي» و«حبيتك تنسيت النوم» و«كيفك أنت» و«أنا عندي حنين ما بعرف لمين» و«سلملي عليه». فيروز وعاصي خاطبا الانسان العادي بفرحه وحزنه. تغنيا بالطبيعة ببساطتها وجمالها وبجبل الغيم الأزرق وقهوة المفرق. اقتربا من السياسة من دون الاكتواء بنارها، شادي الذي ضاع في نكبة 1948 وعن زهرة المدائن والقدس العتيقة وسنرجع يوما. يسجل لفيروز والأخوين الرحباني أنهم لم يكتبوا ويغنوا لأشخاص بل لمدن ودول عربية. غنوا «عمان في القلب وبغداد والشعراء ومصر عادت شمسك ذهبا وشط اسكندرية ووغنيت مكة والعيد يروي الكويت وسائلي يا شام واليك من لبنان يا تونس الشقيقة ويا امارات على أبوابه يصرخ المدى. وطبعا غنت لبلدها لبنان يا أخضر لونك حلو ومن قلبي سلام لبيروت. زياد الذي بدا مشواره في السبعينيات وجد أمامه واقعا مؤلما في بلده والبلاد العربية فانضم الى طوابير الفقراء والمسحوقين. حارب الظلم بطريقته واختط طريقا لا يهادن فيه أحدا، صريحا حد الايذاء. تمرد على الماضي والحاضر. استخدم زياد المسرح كأداة نقد اجتماعي وسياسي عالج من خلالها الحرب الأهلية والفساد والطائفية وقضايا المواطن اليومية ومن أشهر مسرحياته «بالنسبة لبكرا شو؟» و«فيلم اميركي طويل» و«نزل السرور « و«بخصوص الكرامة والشعب العنيد». كما شارك في برامج إذاعية عديدة خلال فترة الحرب الأهلية، منها، «نص الألف خمسمية»، «العقل زينة» و«بعدنا طيبين قول الله». كما أنتج سلسلة حلقات «الإعلان رقم 1، 2، 3، 4» عقب اغتيال رفيق الحريري.. كانت تعليقاته الساخرة ومصطلحاته السياسية اللافتة تُقتبس كثيرًا في الأوساط الإعلامية والثقافية.

رشاد ابو داود : بالنسبة لبكرا.. شو؟!
رشاد ابو داود : بالنسبة لبكرا.. شو؟!

أخبارنا

time١٢-٠٨-٢٠٢٥

  • أخبارنا

رشاد ابو داود : بالنسبة لبكرا.. شو؟!

أخبارنا : في الصباح تشرب صوتها مع قهوتك. وأنت حزين تفرحك أجواء بهجتها. وأنت بين تنقلك الى الجانب الإيجابي من الحياة، الى نسم علينا الهوا وشايف البحر شو كبير ونطرونا كتير وراجعين يا هوا ويسعد صباحك. فيروز الآن وحيدة بلا عاصي ومنصور، وقبل أيام، بلا ابنها زياد وسؤاله الماضي المستمر «بالنسبة لبكرا شو؟». لا أحد يعرف لكن الكل يرى العدو يرتكب المجازر في غزة. يحتل أجزاء من جنوب لبنان، دباباته على بعد 17 كلم من دمشق، يعتدي على اليمن، يهدد الأردن والسعودية ومصر والعراق وإيران. اخترعوا ممحاة للكتابة بقلم رصاص يا ليتهم اخترعوا الرصاص أو على الأقل ممحاة للحزن. لكانت فيروز الحزينة الآن محت كل أغانيها التي كانت تحكي عن الأمل بتحرير فلسطين. عندما توفي رفيق عمرها وصوتها زوجها عاصي الرحباني العام 1973 كان عمر ابنها زياد 17 عاما. فيما كان عاصي يجهز لمسرحية «المحطة» تعرض لنزيف في الدماغ. صعدت الى المسرح وعندما وجدت مكان عاصي فارغا بدون عاصي صمتت. لاحظ منصور شقيق عاصي ورفيق إبداعاته كم الحزن الذي ارتدى فيروز فكتب أغنية يقول مطلعها « سألوني الناس عنك يا حبيبي، كتبوا المكاتيب وأخذها الهوا، بيعز علي يا حبيبي، لأول مرة ما بنكون سوا «. طلب منصور من ابن أخيه زياد وكان عمره 17 عاما أن يلحن الأغنية، نجحت الأغنية نجاحا كبيرا. وكانت استمرارا للأغنية الرحبانية التي خرجت من لبنان لتحلق كطير الوروار في السماء العربية. بوفاة عاصي اعتقدنا أن عهد الرحابنة انتهى ولن نصحو على صوت فيروز و«هدير البوسطة» في الباصات والمكاتب والكراجات والمطاعم وكل الأمكنة وفي أي وقت. لكن زياد نقل فيروز من مقعد الحزن الى مكانتها في مقدمة الفنانين العرب فكتب ولحن لها عدة أغانٍ منها «عودك رنان» و«بكتب اسمك يا حبيبي» و«حبيتك تنسيت النوم» و«كيفك أنت» و«أنا عندي حنين ما بعرف لمين» و«سلملي عليه». فيروز وعاصي خاطبا الانسان العادي بفرحه وحزنه. تغنيا بالطبيعة ببساطتها وجمالها وبجبل الغيم الأزرق وقهوة المفرق. اقتربا من السياسة من دون الاكتواء بنارها، شادي الذي ضاع في نكبة 1948 وعن زهرة المدائن والقدس العتيقة وسنرجع يوما. يسجل لفيروز والأخوين الرحباني أنهم لم يكتبوا ويغنوا لأشخاص بل لمدن ودول عربية. غنوا «عمان في القلب وبغداد والشعراء ومصر عادت شمسك ذهبا وشط اسكندرية ووغنيت مكة والعيد يروي الكويت وسائلي يا شام واليك من لبنان يا تونس الشقيقة ويا امارات على أبوابه يصرخ المدى. وطبعا غنت لبلدها لبنان يا أخضر لونك حلو ومن قلبي سلام لبيروت. زياد الذي بدا مشواره في السبعينيات وجد أمامه واقعا مؤلما في بلده والبلاد العربية فانضم الى طوابير الفقراء والمسحوقين. حارب الظلم بطريقته واختط طريقا لا يهادن فيه أحدا، صريحا حد الايذاء. تمرد على الماضي والحاضر. استخدم زياد المسرح كأداة نقد اجتماعي وسياسي عالج من خلالها الحرب الأهلية والفساد والطائفية وقضايا المواطن اليومية ومن أشهر مسرحياته «بالنسبة لبكرا شو؟» و«فيلم اميركي طويل» و«نزل السرور « و«بخصوص الكرامة والشعب العنيد». كما شارك في برامج إذاعية عديدة خلال فترة الحرب الأهلية، منها، «نص الألف خمسمية»، «العقل زينة» و«بعدنا طيبين قول الله». كما أنتج سلسلة حلقات «الإعلان رقم 1، 2، 3، 4» عقب اغتيال رفيق الحريري.. كانت تعليقاته الساخرة ومصطلحاته السياسية اللافتة تُقتبس كثيرًا في الأوساط الإعلامية والثقافية. رحل زياد عن 69 عاما من المعاناة والتمرد على الظلم وكشف الحقيقة ما كلفه المرض ثم حياته. رحل وترك فيروز تبكي حال الأمة وشادي الذي يموت جوعا الآن في غزة!

بالنسبة لبكرا.. شو؟!
بالنسبة لبكرا.. شو؟!

الدستور

time١٢-٠٨-٢٠٢٥

  • الدستور

بالنسبة لبكرا.. شو؟!

في الصباح تشرب صوتها مع قهوتك. وأنت حزين تفرحك أجواء بهجتها. وأنت بين تنقلك الى الجانب الإيجابي من الحياة، الى نسم علينا الهوا وشايف البحر شو كبير ونطرونا كتير وراجعين يا هوا ويسعد صباحك.فيروز الآن وحيدة بلا عاصي ومنصور، وقبل أيام، بلا ابنها زياد وسؤاله الماضي المستمر «بالنسبة لبكرا شو؟».لا أحد يعرف لكن الكل يرى العدو يرتكب المجازر في غزة. يحتل أجزاء من جنوب لبنان، دباباته على بعد 17 كلم من دمشق، يعتدي على اليمن، يهدد الأردن والسعودية ومصر والعراق وإيران.اخترعوا ممحاة للكتابة بقلم رصاص يا ليتهم اخترعوا الرصاص أو على الأقل ممحاة للحزن. لكانت فيروز الحزينة الآن محت كل أغانيها التي كانت تحكي عن الأمل بتحرير فلسطين.عندما توفي رفيق عمرها وصوتها زوجها عاصي الرحباني العام 1973 كان عمر ابنها زياد 17 عاما. فيما كان عاصي يجهز لمسرحية «المحطة» تعرض لنزيف في الدماغ. صعدت الى المسرح وعندما وجدت مكان عاصي فارغا بدون عاصي صمتت. لاحظ منصور شقيق عاصي ورفيق إبداعاته كم الحزن الذي ارتدى فيروز فكتب أغنية يقول مطلعها « سألوني الناس عنك يا حبيبي، كتبوا المكاتيب وأخذها الهوا، بيعز علي يا حبيبي، لأول مرة ما بنكون سوا «.طلب منصور من ابن أخيه زياد وكان عمره 17 عاما أن يلحن الأغنية، نجحت الأغنية نجاحا كبيرا. وكانت استمرارا للأغنية الرحبانية التي خرجت من لبنان لتحلق كطير الوروار في السماء العربية.بوفاة عاصي اعتقدنا أن عهد الرحابنة انتهى ولن نصحو على صوت فيروز و«هدير البوسطة» في الباصات والمكاتب والكراجات والمطاعم وكل الأمكنة وفي أي وقت.لكن زياد نقل فيروز من مقعد الحزن الى مكانتها في مقدمة الفنانين العرب فكتب ولحن لها عدة أغانٍ منها «عودك رنان» و«بكتب اسمك يا حبيبي» و«حبيتك تنسيت النوم» و«كيفك أنت» و«أنا عندي حنين ما بعرف لمين» و«سلملي عليه».فيروز وعاصي خاطبا الانسان العادي بفرحه وحزنه. تغنيا بالطبيعة ببساطتها وجمالها وبجبل الغيم الأزرق وقهوة المفرق. اقتربا من السياسة من دون الاكتواء بنارها، شادي الذي ضاع في نكبة 1948 وعن زهرة المدائن والقدس العتيقة وسنرجع يوما.يسجل لفيروز والأخوين الرحباني أنهم لم يكتبوا ويغنوا لأشخاص بل لمدن ودول عربية.غنوا «عمان في القلب وبغداد والشعراء ومصر عادت شمسك ذهبا وشط اسكندرية ووغنيت مكة والعيد يروي الكويت وسائلي يا شام واليك من لبنان يا تونس الشقيقة ويا امارات على أبوابه يصرخ المدى. وطبعا غنت لبلدها لبنان يا أخضر لونك حلو ومن قلبي سلام لبيروت.زياد الذي بدا مشواره في السبعينيات وجد أمامه واقعا مؤلما في بلده والبلاد العربية فانضم الى طوابير الفقراء والمسحوقين. حارب الظلم بطريقته واختط طريقا لا يهادن فيه أحدا، صريحا حد الايذاء. تمرد على الماضي والحاضر.استخدم زياد المسرح كأداة نقد اجتماعي وسياسي عالج من خلالها الحرب الأهلية والفساد والطائفية وقضايا المواطن اليومية ومن أشهر مسرحياته «بالنسبة لبكرا شو؟» و«فيلم اميركي طويل» و«نزل السرور « و«بخصوص الكرامة والشعب العنيد».كما شارك في برامج إذاعية عديدة خلال فترة الحرب الأهلية، منها، «نص الألف خمسمية»، «العقل زينة» و«بعدنا طيبين قول الله». كما أنتج سلسلة حلقات «الإعلان رقم 1، 2، 3، 4» عقب اغتيال رفيق الحريري..كانت تعليقاته الساخرة ومصطلحاته السياسية اللافتة تُقتبس كثيرًا في الأوساط الإعلامية والثقافية.رحل زياد عن 69 عاما من المعاناة والتمرد على الظلم وكشف الحقيقة ما كلفه المرض ثم حياته. رحل وترك فيروز تبكي حال الأمة وشادي الذي يموت جوعا الآن في غزة!

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store