
شما بنت محمد: الاستدامة تبدأ من الإنسان لتصبح شعوراً بالمسؤولية
قدمت الشيخة الدكتورة شما بنت محمد بن خالد آل نهيان، رئيس مجلس إدارة مؤسسات محمد بن خالد آل نهيان الثقافية والتعليمية، محاضرة بعنوان «من قطرة الوعي إلى مجرة الاستدامة»، ضمن محور «الاستدامة الثقافية والاجتماعية لضمان جودة الحياة» في جناح دولة الإمارات العربية المتحدة في إكسبو أوساكا 2025 باليابان، أول أمس، رسمت خريطة فكرية تربط بين الوعي الفردي والالتزام المؤسسي. وأكدت أن الاستدامة تبدأ من الإنسان، وتتوسع نحو الفضاء العام؛ لتصبح شعوراً بالمسؤولية وممارسة يومية.
وأبرزت دور الثقافة والتعليم والقيم المجتمعية في تحويل المعرفة البيئية إلى فعل، مؤكدة أن الحرص على الاستدامة ليس هدفاً في حد ذاته، بل وسيلة لتحقيق التوازن بين الإنسان والموارد الطبيعية، الذي يُترك به للأجيال القادمة ما يمكن أن تبني عليه استمرارية الحياة.
ودعت إلى شراكة أعمق ما بين القطاع الحكومي ومؤسسات المجتمع المدني.
كما أشارت إلى جهود صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، في دعم العمل البيئي، مستشهدة بمبادرة المياه التي أطلقها سموه عام 2024، بهدف تعزيز الوعي العالمي بأهمية أزمة المياه حول العالم، ودعم العمل على مواجهة ندرة المياه.
وقالت «أود أن أتقدم بخالص التهنئة إلى سمو الشيخة مريم بنت محمد بن زايد آل نهيان، رئيس مؤسسة محمد بن زايد للأثر الإنساني، تقديراً لدور سموها البارز وجهودها المتميزة في جناح دولة الإمارات العربية المتحدة، وما قدمته من عطاء مخلص يعكس صورة مشرّفة للوطن، وإخراج جناح دولة الإمارات بهذه الصورة الرائعة».

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


البوابة
منذ 3 ساعات
- البوابة
صنع الله إبراهيم.. رحيل ضمير الأدب العربي الحر
رحل عن عالمنا الأديب الكبير صنع الله إبراهيم، أحد أعمدة السرد العربي المعاصر، عن عمر ناهز الثامنة والثمانين، بعد صراع قصير مع التهاب رئوي أدخله أحد مستشفيات القاهرة. برحيله، يفقد الأدب العربي صوتًا فريدًا ظل على مدار أكثر من نصف قرن يقف في الصفوف الأمامية للكلمة المقاومة، ويجعل من الرواية ساحة مواجهة مع القمع والفساد، ومن القلم سلاحًا في معركة الوعي. لم يكن صنع الله مجرد روائي، بل كان شاهدًا وشهيدًا للحقيقة، يسجل التاريخ بعيون المهمشين وأحلام المنسيين. يأتي رحيله في لحظة فارقة، حيث تتزايد الحاجة إلى الأصوات الحرة التي لا تساوم على الحقيقة ولا تنحني أمام السلطة. لقد ترك وراءه إرثًا أدبيًا ونضاليًا يختلط فيه الحبر بعرق الكفاح، ويمتزج فيه الجمال الفني بصرامة الموقف الأخلاقي. رحيله ليس غيابًا عن المشهد الثقافي بقدر ما هو انتقال إلى ذاكرة الأجيال، كرمز للمثقف العضوي الذي حمل هموم مجتمعه حتى آخر يوم في حياته. البدايات والتكوين الفكري وُلد صنع الله إبراهيم في القاهرة عام 1937، في زمن كانت فيه المدينة تضج بالحراك الثقافي والسياسي، وتشهد تحولات اجتماعية كبرى سبقت ثورة يوليو. نشأ في أحياء القاهرة الشعبية، حيث امتزجت أصوات الباعة في الأسواق برائحة الكتب القادمة من الأرصفة والمكتبات الصغيرة، فكوّنت في وجدانه مبكرًا إحساسًا بالانتماء إلى بيئة نابضة بالحياة، لكنها أيضًا مثقلة بالتناقضات الطبقية والسياسية. كانت تلك الأجواء أول مدرسة لصنع الله، حيث تعلم كيف يلتقط التفاصيل الصغيرة التي ستصبح لاحقًا مادة خام لواقعيته النقدية الحادة. لعب والده دورًا محوريًا في تشكيل وعيه، إذ كان حريصًا على تزويده بالكتب والقصص منذ صغره، مؤمنًا أن القراءة هي بوابة الحرية الحقيقية. لم تكن الكتب التي وفرها له مجرد قصص للأطفال، بل أعمالًا فكرية وأدبية متنوعة جعلته يطل على عوالم متعددة، من التاريخ والسياسة إلى الفلسفة والآداب العالمية. هذا الانفتاح المبكر على المعرفة منح صنع الله قدرة على الربط بين الواقع المحلي والفضاء الإنساني الأوسع، وهي سمة ستلازمه طوال مسيرته الأدبية. في تلك المرحلة، بدأت تتشكل ملامح شخصيته النقدية؛ فقد كان شغوفًا بطرح الأسئلة أكثر من تلقي الإجابات الجاهزة، ومفتونًا بكشف ما وراء السرديات الرسمية. كانت جلساته مع والده أشبه بحوارات فكرية، يطرح فيها الصغير تساؤلات حول العدالة والحرية، ويتلقى إجابات تدفعه للبحث والتأمل، لا للحفظ والترديد. هذه الطريقة في التربية زرعت في داخله حسًا تمرديًا مبكرًا، وجعلته يرى أن وظيفة المثقف ليست التكيف مع الواقع، بل تغييره. لم تكن الأسرة وحدها هي المؤثر، بل أيضًا القاهرة نفسها، التي كانت حينها ملتقى المثقفين والصحفيين والسياسيين من مختلف التيارات. كانت الأحياء الشعبية وهدير المظاهرات وأحاديث المقاهي الثقافية، كلها تشكل خلفية حية لتجربة طفل بدأ يدرك أن الكلمة يمكن أن تكون فعلًا مؤثرًا في الشارع وفي الوجدان العام. هكذا، تداخلت البيئة العائلية المحفزة مع المناخ السياسي والاجتماعي الصاخب لتضع حجر الأساس لواحد من أكثر الأصوات الأدبية التزامًا وجرأة في تاريخ الأدب العربي. التجربة الحياتية والسياسية انخرط صنع الله إبراهيم منذ شبابه المبكر في النشاط السياسي، متأثرًا بالمد الماركسي والقومي الذي كان يهيمن على المشهد الفكري في الخمسينيات والستينيات. كان يؤمن أن دور المثقف لا يقتصر على الكتابة من برج عاجي، بل أن يكون جزءًا من معركة التغيير الاجتماعي والسياسي. انضم إلى حركة يسارية سرية، وشارك في أنشطة تهدف إلى مواجهة الاستبداد ومقاومة التبعية، وهو ما وضعه في مواجهة مباشرة مع أجهزة الدولة. هذا الانخراط المبكر لم يكن مجرد موقف عابر، بل التزامًا عميقًا ظل يوجه مساره الفكري والإبداعي حتى آخر أيامه. في عام 1965، اعتُقل صنع الله إبراهيم ضمن حملة واسعة استهدفت المنتمين إلى الحركة الشيوعية المصرية، وقضى سنوات في السجن الحربي وسجون أخرى حتى الإفراج عنه عام 1971. كانت تجربة السجن نقطة تحول مصيرية، ليس فقط على المستوى الشخصي، بل على مستوى رؤيته للعالم وللأدب. فقد عاش وسط مئات المعتقلين السياسيين من مختلف الخلفيات، واطلع عن قرب على قصص المعاناة والقهر، ما عمّق لديه الإحساس بالمسؤولية تجاه نقل هذه التجربة إلى القراء. خلال فترة الاعتقال، لم يتوقف صنع الله عن القراءة والكتابة، بل حول الزنزانة إلى مختبر فكري. قرأ في الأدب العالمي والفكر السياسي، ودوّن ملاحظاته حول التجربة الإنسانية في ظل القمع. هذه الفترة صقلت أسلوبه، وجعلت لغته أكثر دقة وصرامة، بعيدة عن الزخرفة اللفظية، ومتمحورة حول فضح آليات السلطة وتوثيق معاناة المهمشين. ومن رحم هذه التجربة وُلدت أعماله اللاحقة بروح مقاومة ووعي نقدي حاد. انعكست تجربة السجن بوضوح في موضوعات رواياته، التي امتلأت بالحديث عن القمع السياسي، والبيروقراطية الفاسدة، والانتهاكات الممنهجة لكرامة الإنسان. كانت نصوصه بمثابة شهادات حية، تدمج بين التوثيق الواقعي والسرد الفني، لتكشف للقارئ العربي والعالمي صورة أكثر صدقًا لما يجري خلف الجدران المغلقة. لقد حول السجن من مساحة قهر إلى منجم إبداع، ومن تجربة شخصية إلى إرث أدبي وفكري سيبقى شاهدًا على أن الكلمة تستطيع أن تتحدى حتى أقسى الظروف. البصمة الأدبية تميّز أسلوب صنع الله إبراهيم الروائي بقدرته الفائقة على المزج بين التوثيق الدقيق والنقد السياسي الحاد، ليصنع سردًا أدبيًا يتجاوز الحكاية إلى فضاء البحث والتحليل. كان يحرص على إدماج الأخبار الحقيقية، والإحصاءات، والوثائق الرسمية في نصوصه، في أسلوب فريد يجعل القارئ يعيش التجربة وكأنه يقرأ تقريرًا واقعيًا بعمق روائي. هذه التقنية منحت كتاباته مصداقية مضاعفة، وحولتها إلى أرشيف حيّ للواقع الاجتماعي والسياسي في مصر والعالم العربي. لم يكن التوثيق عنده غاية في ذاته، بل وسيلة لفضح ما تحاول السلطة إخفاءه. كان يوظف هذه الوثائق داخل بنية سردية محكمة، بحيث تتجاور الحقيقة العارية مع الحكاية الإنسانية، مما يعمّق أثر الرواية ويجعلها بمثابة عمل أدبي وشهادة تاريخية في آن واحد. وبفضل هذا النهج، أصبح القارئ يشعر أنه أمام نص لا يكتفي بنقل الحدث، بل يشرّحه ويكشف خلفياته السياسية والاجتماعية. في روايته الشهيرة "اللجنة"، قدّم صنع الله نموذجًا لعمل أدبي فلسفي يمزج الرمزية بالواقعية النقدية. استخدم شخصية "اللجنة" الغامضة كرمز للبيروقراطية القمعية، ليكشف من خلالها آليات السلطة في إذلال الفرد وتحويله إلى ترس في آلة السيطرة. الرواية، بأسلوبها الساخر والرمزي، كانت قراءة مبكرة لتحولات السلطة في زمن العولمة والرأسمالية المتوحشة، وأثبتت أن الأدب قادر على استبصار المستقبل. أما رواية "ذات"، فهي ملحمة اجتماعية ترصد التحولات التي عاشها المجتمع المصري من الستينيات حتى الثمانينيات، من خلال شخصية امرأة عادية تعمل موظفة حكومية. في هذه الرواية، تلتقي تفاصيل الحياة اليومية بأحداث سياسية كبرى، ليتجسد أمام القارئ تاريخ مصر الحديث كما عاشه المواطن البسيط. استطاع صنع الله أن يجعل من "ذات" مرآة لآلام وآمال طبقة كاملة، وأن يربط الخاص بالعام في حبكة إنسانية آسرة. وفي رواية "شرف"، اقتحم صنع الله عالم السجون مرة أخرى، لكن هذه المرة من منظور روائي شديد القسوة والصراحة. عالج قضية انتهاك كرامة الإنسان في السجون المصرية، وتناول بجرأة موضوعات حساسة مثل الفساد الجنائي والتحرش والانتهاكات الحقوقية. الرواية كانت صدمة أدبية للنقاد والقراء، لأنها كسرت التابوهات وكشفت عوالم مسكوتًا عنها، مما عزز مكانته ككاتب لا يخشى مواجهة المحظور. إلى جانب هذه الأعمال، كتب صنع الله روايات وقصصًا أخرى لا تقل أهمية، مثل "وردة" و"نجمة أغسطس" و"بيروت بيروت"، التي وسّعت من نطاق اهتمامه ليشمل قضايا عربية ودولية. في كل عمل، كان يحافظ على مبدأ الالتزام الفني والفكري، ويُصرّ على أن الرواية ليست ترفًا جماليًا، بل أداة لفهم الواقع وتغييره. هكذا، ترك إرثًا روائيًا متماسكًا يشكل مدرسة قائمة بذاتها في السرد العربي الحديث. مواقفه الفكرية والثقافية كان موقف صنع الله إبراهيم من الجوائز الرسمية جزءًا أصيلًا من رؤيته الفكرية والثقافية، إذ لم ينظر إليها باعتبارها تكريمًا شخصيًا فحسب، بل كأداة سياسية تستخدمها السلطة لتلميع صورتها. لذلك، كان يرفض قبولها إذا شعر أنها تصدر من مؤسسات تسعى إلى شرعنة القمع أو التغطية على الانتهاكات. أشهر هذه المواقف كان في عام 2003، حين فاجأ الحاضرين في حفل إعلان فوزه بجائزة الدولة التقديرية برفضه لها على المنصة، في خطاب قصير أدان فيه سياسات الحكومة آنذاك، خاصة ما يتعلق بالفساد والاستبداد. هذا الموقف الجريء لم يكن نزوة أو استعراضًا، بل تعبيرًا عن قناعة راسخة لديه بأن المثقف يجب أن يحافظ على استقلاله عن السلطة، وأن يظل صوته حرًا لا يُشترى. بالنسبة له، القبول بجائزة من نظام لا يحترم الحريات كان بمثابة تنازل عن دوره النقدي، وتورطًا في تبييض صفحة السلطة. لذلك، ظل متمسكًا بمبدأ أن القلم الذي يكتب في مواجهة الظلم لا يليق به أن يُكافأ من أدواته. بوصفه مثقفًا عضويًا بالمعنى الغرامشي للكلمة، عاش صنع الله إبراهيم متصلًا بواقع مجتمعه، ومعايشًا لهموم طبقاته المهمشة. لم يكن يكتب من برج عاجي، بل من قلب الشارع والميدان والسجن، مستلهمًا قصصه من حياة الناس العاديين وصراعاتهم اليومية. كانت كتاباته صوتًا للمقهورين، تنقل معاناتهم بلا تجميل، وتفضح السياسات التي أدت إلى تهميشهم وإفقارهم. إلى جانب إبداعه الروائي، كان له حضور فاعل في الندوات والمؤتمرات الثقافية، حيث كان يدافع بوضوح عن حرية الفكر والتعبير، ويهاجم محاولات تدجين المثقفين أو جرّهم إلى دوائر الولاء للسلطة. في مداخلاته، كان يربط دائمًا بين أزمة الثقافة وأزمة السياسة، معتبرًا أن تقييد الإبداع لا ينفصل عن منظومة الاستبداد بأكملها. كما كان حريصًا على أن يربط بين قضايا مصر وقضايا العالم العربي، مؤمنًا بأن هموم الحرية والعدالة لا تعرف حدودًا جغرافية. من فلسطين إلى العراق، ومن بيروت إلى الجزائر، كان يرى أن المعركة واحدة، وأن دور المثقف هو أن يكون جسرًا للتضامن بين الشعوب، وأن يفضح التحالفات التي تكرس الاستبداد والهيمنة. لقد شكّل صنع الله إبراهيم نموذجًا نادرًا للمثقف الذي يظل وفيًا لقناعاته حتى آخر لحظة، لا تغريه الامتيازات ولا تخيفه الضغوط. بهذا الموقف، رسّخ صورة الكاتب الملتزم، الذي يرى في الكلمة أداة للمواجهة وليست سلعة للمقايضة، وظل حتى رحيله رمزًا للنزاهة الفكرية والصلابة الأخلاقية في زمن عزّت فيه مثل هذه النماذج. صوت المقاومة في الأدب العربي شكّلت روايات صنع الله إبراهيم منذ بداياته تيارًا مميزًا في الأدب العربي، حيث تحولت من مجرد نصوص إبداعية إلى أدوات مقاومة سياسية وفكرية بكل ما تحمله الكلمة من معنى. لم يكن هدفه الترفيه أو الاكتفاء برسم ملامح الشخصيات والأحداث، بل كان يسعى إلى تفكيك منظومات القهر، وكشف البنية العميقة للاستبداد، سواء أكان سياسيًا أم اجتماعيًا أم اقتصاديًا. كانت رواياته بمثابة "منشورات فكرية" مُغلّفة بفن السرد، تُشعل النقاش وتفتح وعي القارئ على قضايا مصيرية. لقد أدرك صنع الله مبكرًا أن الأدب يمكن أن يكون سلاحًا موازٍ للسياسة، وأن الرواية قادرة على التأثير في الرأي العام كما تفعل المقالات والبيانات، وربما بعمق أكبر. لذلك، كان يختار موضوعاته بعناية، مستلهمًا من الواقع أحداثًا وشخصيات تعكس قضايا الحرية والعدالة الاجتماعية ومواجهة القهر. وهكذا، أصبحت أعماله ميدانًا للنقاش حول قضايا الفساد، والبيروقراطية، والهيمنة الخارجية، ما جعلها تتجاوز حدود الفن لتصبح فعل مقاومة ثقافي. في رواية "اللجنة" مثلًا، لم يكتف برسم صورة البيروقراطية القمعية، بل قدّم تشريحًا للنظام العالمي الجديد وهيمنته على الدول النامية، رابطًا بين القمع الداخلي والتبعية الخارجية. وفي "شرف"، تجاوز حدود السرد الأدبي ليكشف واقع السجون المصرية ويطرح أسئلة حول العدالة والكرامة الإنسانية. أما "ذات"، فكانت أرشيفًا حيًا للتاريخ الاجتماعي والسياسي المصري من منظور الإنسان العادي، لتصبح شهادة أدبية على تحولات وطن بأكمله. مكانته بين الكتّاب العرب ترسّخت بصفته رمزًا للحرية ورفض القمع، ليس فقط عبر كتاباته، بل أيضًا عبر مواقفه الشخصية الصلبة. فقد جمع بين الكلمة والموقف، وهو ما منحه مصداقية خاصة لدى القراء والنقاد على حد سواء. لم يكن من النوع الذي يكتب عن الثورة وهو جالس في مقاعد المراقبين، بل كان حاضرًا في قلب الأحداث، مشاركًا في الحراك الفكري والسياسي، ومدافعًا عن حق المثقف في أن يكون ضمير مجتمعه. هذه المكانة جعلته مرجعًا لجيل كامل من الكتّاب الشباب في العالم العربي، الذين وجدوا في تجربته نموذجًا للكاتب الملتزم الذي لا يفصل بين فنه ومواقفه. كثيرون استلهموا منه فكرة أن الرواية يمكن أن تكون فعلًا تغييريًا، وأن القلم يستطيع أن يوازي البندقية في معركة الوعي. وبذلك، أصبح إرثه يتجاوز حدوده الفردية ليشكل تيارًا أدبيًا وفكريًا ممتدًا. في النهاية، ظل صنع الله إبراهيم حتى رحيله عنوانًا للمثقف المقاتل، الذي لا يرى في الكتابة مجرد مهنة، بل رسالة وموقفًا أخلاقيًا. أعماله ستبقى شاهدة على أن الأدب العربي قادر على حمل راية المقاومة، وأن الكلمة الصادقة يمكن أن تكون أبلغ من أي خطاب سياسي، وأعمق أثرًا في نفوس الناس، ما دامت تنبع من إيمان حقيقي بالحرية والكرامة الإنسانية. الإرث والتأثير ترك صنع الله إبراهيم إرثًا أدبيًا وفكريًا بالغ التأثير على الأجيال الجديدة من الكتّاب العرب، الذين وجدوا في تجربته نموذجًا للكتابة الملتزمة بالقضايا الإنسانية والوطنية. لقد ألهمهم بأسلوبه الذي يمزج بين الصرامة الفنية والانحياز للمستضعفين، وبإصراره على أن الرواية ليست مجرد سرد للتسلية، بل وسيلة للتغيير وكشف الحقائق. كثير من الروائيين الشباب تبنوا تقنياته التوثيقية، وجرأته في تناول المسكوت عنه، ورأوا في تجربته دليلاً على أن الكاتب يمكن أن يكون فنانًا ومقاتلًا فكريًا في آن واحد. كما أثبتت أعماله أن الالتزام السياسي لا يعني التضحية بالقيمة الفنية، بل يمكن أن يعززها إذا جاء من رؤية صادقة وإبداع أصيل. هذا الدرس كان محوريًا للعديد من الكتّاب الجدد، الذين سعوا لتطوير نصوصهم بحيث تجمع بين العمق الجمالي والموقف الأخلاقي. وهكذا، تحول إرثه إلى مدرسة غير رسمية في الكتابة العربية الحديثة، تقوم على الجرأة الفكرية والصدق الإبداعي. في النقد العربي، حظي صنع الله إبراهيم بمكانة خاصة بوصفه أحد أبرز المجددين في تقنيات السرد، وأحد القلائل الذين استطاعوا دمج البنية الوثائقية في الرواية بشكل عضوي يخدم النص ولا يثقله. لقد أُجريت حول أعماله دراسات أكاديمية عديدة تناولت منهجه الفني، وأسلوبه في فضح آليات السلطة، وكيفية مزجه بين الخاص والعام في حبكة روائية متماسكة. هذه الدراسات رسخت صورته ككاتب يمتلك مشروعًا متكاملًا يتجاوز حدود الإبداع الفردي إلى رؤية فكرية شاملة. أما على الصعيد العالمي، فقد حظيت أعماله بترجمات إلى عدة لغات، ما أتاح للقارئ الأجنبي التعرف على التجربة المصرية والعربية من منظور مختلف عن السرديات الرسمية أو الإعلامية. النقاد الغربيون رأوا فيه كاتبًا عالميًا بالمعنى الحقيقي، لأنه استطاع أن يطرح قضايا إنسانية كبرى مثل الحرية والعدالة والكرامة، من خلال بيئة محلية غنية بالتفاصيل. وبذلك، أصبح جزءًا من المشهد الأدبي العالمي الذي يعكس أصوات الشعوب في مواجهة القمع. هذا الحضور الدولي عزز من قيمة أعماله في الدراسات المقارنة، حيث وُضع في سياق واحد مع كبار كتّاب الأدب السياسي والاجتماعي في العالم، مثل ألكسندر سولجنيتسن وجابرييل جارثيا ماركيز، ممن حوّلوا الأدب إلى ساحة مقاومة فكرية. هذا الاعتراف الخارجي لم يكن مجرد تكريم شخصي، بل شهادة على أن صوت الحرية إذا كان صادقًا، فإنه يتجاوز الحدود واللغات. في المحصلة، سيظل إرث صنع الله إبراهيم ممتدًا في وعي الأجيال القادمة، ليس فقط من خلال كتبه، بل أيضًا من خلال الموقف الذي جسده في حياته. لقد أثبت أن الكاتب يمكن أن يكون مؤثرًا في زمانه وما بعده، وأن أثره الحقيقي يقاس بقدر ما يتركه من وعي وجرأة في نفوس القراء والكتّاب على حد سواء. خاتمة برحيل صنع الله إبراهيم، يطوي الأدب العربي صفحة من أنصع صفحاته وأكثرها صدقًا وصلابة. لم يكن مجرد كاتب، بل كان ضميرًا حيًا ظلّ يقظًا حتى آخر أيامه، يقاوم الصمت والتزييف، ويكتب من موقع الشاهد والمشارك معًا. في كل كلمة خطّها، كان ثمة عهدٌ مع القارئ بأن تبقى الحقيقة واضحة، وأن يظل الأدب سلاحًا في مواجهة القهر، لا زينةً على جدران السلطة. وصية صنع الله غير المكتوبة للأدب والمثقفين كانت واضحة: لا تنفصلوا عن الناس، ولا تجعلوا من الكلمة ترفًا بعيدًا عن قضاياهم. فقد علّمنا أن الكاتب الحقيقي هو من يضع قلمه في خدمة الحرية، وأن على المثقف أن يدفع ثمن موقفه إذا لزم الأمر، لأن الصمت في زمن الظلم خيانة. كان يرى أن المعركة مع الاستبداد تبدأ من العقل، وأن الرواية يمكن أن تفتح نافذة في جدار الصمت، مهما كان هذا الجدار سميكًا. إرثه ليس في كتبه وحدها، بل في المبدأ الذي عاش ومات عليه: أن الحرية أثمن من الجوائز، وأن الكرامة لا تُشترى. هذا الإرث سيظل منارة تهدي الكتّاب الجدد، وتذكيرًا بأن الأدب الذي يولد من رحم الألم والمعاناة هو القادر على البقاء، لأنه يعبر عن جوهر الإنسان في بحثه الدائم عن العدل والحق. وفي وداعه، يبقى عزاؤنا أن كلماته لم ترحل برحيله، بل ستواصل رحلتها بين الأجيال، تحمل نفس الرسالة التي حملها طوال حياته: قاوموا بالكلمة، تمسكوا بالحرية، ولا تتركوا الحقيقة وحيدة. فصنع الله إبراهيم وإن غاب الجسد، فإن روحه ستظل حيّة في كل نص يرفض القمع، وفي كل قارئ يجرؤ على أن يسأل: لماذا؟ وكيف نغير؟ Screenshot 2025-08-16 184303


البوابة
منذ 6 ساعات
- البوابة
أحدث رسائل تهنئة مع اقتراب موعد المولد النبوي الشريف مكتوبة
يبحث الكثيرون عبر محركات البحث المختلفة محركات البحث مؤخرا إقبال كبير على عمليات البحث عن أحدث رسائل تهنئة مع اقتراب موعد المولد النبوي الشريف مكتوبة، حيث يسعى المسلمين في مختلف دول العالم إلى مشاركة الفرحة عبر منصات التواصل الاجتماعي من خلال أجمل الرسائل والعبارات احتفالا بذكرى مولد الرسول الكريم. وإذا كنت تبحث عن أحدث رسائل تهنئة مع اقتراب موعد المولد النبوي الشريف مكتوبة، إليك باقة من أجمل العبارات والرسائل التي يمكنك مشاركتها مع الأهل والأصدقاء والجيران: أحدث رسائل تهنئة مع اقتراب موعد المولد النبوي الشريف مكتوبة «مولد نبوي مبارك» في ذكرى مولد النور، أضيء قلبك بالصلاة على من جاء بالخير والهدى كل عام وأنتم بخير بمناسبة المولد النبوي الشريف، أعاده الله علينا وعليكم باليمن والبركات. في مثل هذا اليوم، وُلد من أنار القلوب بنور الإيمان، «اللهم صل وسلم على نبينا محمد». اللهم اجعل هذا اليوم المبارك فاتحة خير وسلام علينا جميعًا. أحدث رسائل تهنئة مع اقتراب موعد المولد النبوي الشريف مكتوبة كل عام وأنتم بخير بمناسبة مولد سيد الخلق محمد، جعله الله يوم بركة وسرور عليكم وعلى أحبائكم. بمولده أشرقت الأرض، وبرسالته اكتمل النور.. كل عام وأنتم على خطاه سائرون، وبسيرته مقتدون. مبارك عليكم ذكرى مولد خير الأنام.. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. في ذكرى ميلاد الحبيب، أسأل الله أن يرزقنا حبه وشفاعته، ويجمعنا به في الفردوس الأعلى.


البوابة
منذ 8 ساعات
- البوابة
وفاة والدة الفنان صبحي خليل
رحلت عن عالمنا صباح اليوم، والدة الفنان صحبي خليل، حيث أعلن خبر وفاتها عبر حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" قائلًا: "إنا لله وإنا إليه راجعون، أمي في ذمة الله". وفاة والدة صبحي خليل وأعرب "خليل" عن حزنه العميق لفقدان والدته، حيث تفاعل عدد كبير من جمهوره ومتابعيه على الخبر، مقدمين له التعازي والمواساة. آخر أعمال صبحي خليل يذكر أن آخر أعمال الفنان صبحي خليل كان مسلسل "المداح - أسطورة العودة" الذي عرض في موسم رمضان 2024، بطولة حمادة هلال، فتحي عبدالوهاب، هبة مجدي، دنيا عبد العزيز، خالد سرحان، محمد عز، حنان سليمان، تامر شلتوت، صبحي خليل، سهر الصايغ، مي سليم، دياب، حمزة العيلي، إخراج أحمد سمير فرج.