
من تحت الركام إلى نور الحياة.. شهادة حيّة على بشاعة المجازر في غزة
عبدالكريم مطهر مفضل/وكالة الصحافة اليمنية//
حي التفاح شرق قطاع غزة يواجه خلال الفترة الأخيرة أشد جرائم الإبادة الجماعية، حيث يأتينا كل يوم بمئات القصص المأساوية عن جرائم صهيونية بغطاء أمريكي وغربي ساعده كثيراً في التمادي خذلان 57 دولة عربية وإسلامية وسبات نوم الضمير العالمي الغائب حتى في الأعراب اللغوي.
وبين قصص معاناة الأطفال الرضع يولد الأمل وتتحقق الكثير من المعجزات والتي سنروي اليوم واحدة من قصص نضال الرضع في غزة من أجل البقاء، لا لشيء سوى حق الحياة.
في السطور التالية، نسرد لكم تفاصيل القصة من لحظتها الأولى حتى لحظة المعجزة.. التي تلخص وجعًا لا يمكن اختصاره في كلمات.
في مدرسة دار الأرقم، المشهد لم يعد يشبه شيئًا من ملامح المدارس.. المبنى الذي كان ذات يومٍ صرحًا تعليميًا لأطفال الحي، تحوّل إلى ملجأ يضيق بسكانه من النازحين، الهاربين من آلة الموت التي لا تهدأ.
في هذا المكان، ووسط ظلمات الجوع والبرد والخوف، كُتبت فصول مأساة جديدة، كان بطلها رضيع لا يتجاوز عمره عشرة أشهر… اسمه 'محمد'.
طفل ولد في حضرة الحرب
في غزة، لا تبدأ الحياة كما في بقية بقاع الأرض، ولا تنتهي كما يجب أن تنتهي.
وُلد محمد في شمال غزة، داخل ساحة مستشفى تُحيط بها طائرات الاحتلال من كل اتجاه.. لم يعرف هذا المولود يومًا هدوءًا، ولم يتنفس لحظة واحدة من الأمان.. منذ ولادته، وهو يعيش تحت وابل القصف، ترعبه أصوات المدافع بدلًا من ترانيم المهد، ويلاحقه شبح الموت في كل زاوية هاجرت إليها عائلته.
في زاوية معتمة من مبنى مدرسي مُجرد من أبسط مقومات الحياة، داخل مدرسة دار الأرقم، لجأت إليها أم محمد مع طفلها الرضيع 'محمد' وابنتها الصغيرة 'ليلى' ذات الأعوام الخمسة، بعدما فقدوا في غارة صهيونية سابقة منتصف ديسمبر الماضي، منزلهم ورب الأسرة وكل ما يملكون.
كانوا ينامون طوال شهور عجاف على لحاف مهترئ وسط برد قارس فقط لحافٌ بالكاد يحجب عنهم قسوة الأرض وصقيع الشتاء الذي فرحوا برحيله، ينتظرون مساعدات لا تصل، وطعام لا يأتي، وماء بالكاد يكفي للبقاء.
كان الرضيع الصغير 'محمد' يرقد كل ليلة على صدر أمه، لا فراش، لا حليب، لا دفء.. وعلى مقربة منه، كانت شقيقته 'ليلى' تلتحف بجانب والدتها، تحاول أن تنام بينما أنين الجوع يصارع جفونها الصغيرة.
جريمة بصاروخين
لم تكن الأم تملك سوى كلمات تطمئن بها أطفالها، تخبرهما أن 'الغد سيكون أجمل'، وأن 'الطعام في الطريق'، لكنها.. كغيرها من أمهات غزة، كانت تدرك في قرارة نفسها أن الجوع ليس أسوأ ما يهدد حياتهم، فالموت في غزة لا يأتي فقط من البطون الخاوية، بل من السماء.
في ليلة الثالث من شهر أبريل الجاري، لم يكن الجوع وحده هو الزائر، بل جاء الموت… بصوت صاروخين اخترقا جدران المدرسة، وتبعثر كل شيء في المكان وملأ الغرفة بغبار كثيف، دخان خانق، وصرخات متقطعة.. لحظات فقط، ثم ساد الصمت.
الأم لم تعد تتحرك.. وقبل أن تلفظ سؤالها الأخير الطفلة 'ليلى' التي اعتقدت أن الدم المتساقط على وجهها هو 'حليب دافئ'، سألت والدتها بصوت مرتجف يسوده حشرجة الموت: 'ماما… هل جاء الحليب؟' لكنها لم تتلقّ جوابًا.. كانت الأم قد دخلت في سكرة الموت، تشارك فيه ابنتها الصغيرة، كان الجواب الوحيد.. دماء، وغيبوبة، ونهاية أبدية.
أما محمد، فلم يبكِ.. لم يصرخ.. فقط نظر حوله بعينيه الواسعتين، يحاول أن يفهم ما يدور حوله: ما هذا الجحيم؟ ولماذا أمه لا تحمله ككل مرة؟ لماذا شقيقته لا تغني له أغنيته الصغيرة وأغنية 'أنا دمي فلسطيني'؟ ولماذا لم تعد تبكي من البرد والجوع.
وسط الحطام، وسط الغبار، وسط الجثث… لمح الرضيع محمد شعاعًا خافتًا من الضوء يتسلل من شق في الجدار المدمر.
أما محمد، فلم يفهم معنى الدمار من حوله، لكنه رأى نورًا يتسلل من شق في الجدار المهدوم.. جثا على ركبتيه، وبدون أن يعرف إلى أين، زحف نحو ذلك النور، ليس بحثًا عن حليب، ولا عن حضن أمه الشهيدة، أو لعبة كباقي أطفال العالم، بل عن الحياة.
وعلى الرغم من الجراح في جبهة الرأس وبعض أطراف الجسد، زحف باكٍ بصمت، يهمس بنداء لم يسمعه أحد… سوى ملائكة الرحمة التي تتنزل على أمثاله.
زحف بجسد منهك نحو الضوء.. يزحف على ركبتيه الصغيرتين فوق الركام والحجارة والدماء.. كان ينزف، كان يتألم، لكنه لم يتوقف.
وحين سمعه رجال الإنقاذ، لم يصدقوا أن صوت الأنين هذا يخرج من تحت هذا الدمار الهائل، اقتربوا… ونظر أحد المسعفين من شق السقف المنهار فوجد رضيع صغير، مغبرّ الوجه، دامع العينين، يحتضن الحياة بكل ما فيها من بؤس.
بدأ المسعف بالحفر بيديه وأظافره، لتوسيع حفرة وسط الركام، وأثناء تكبيرات رجال الإنقاذ مد المسعف يده داخل الحفرة، وأنتزع الرضيع من وسط الموت.
حمله المسعف إلى سيارة الإسعاف، الرضيع محمد لم يبكِ.. فقط أغمض عينيه، وكأنه شعر للمرة الأولى منذ عشرة أشهر… أنه بأمان.
الرضيع محمد نُقل لتلقي العلاج، نجا بأعجوبة، فيما بقيت والدته وشقيقته جثتين هامدتين تحت أنقاض مدرسة لا تحمل سوى البؤس والموت.
في تلك الجريمة استشهد بداخل المدرسة التي تأوي مئات النازحين والتابعة للأونروا والتي من المفترض أن تكون الأكثر أمناً 31 فلسطينياً بينهم 18 طفل، وفق الدفاع المدني في غزة.
من قلب الركام، من غرفة بلا سقف يملؤها الركام والغبار ولا أمل للحياة فيها، زحف محمد.. لم يكن يعرف أن العالم كله خذله، لكنه كان يعرف غريزياً أن عليه أن يعيش، فقط… ليقول لنا جميعًا: 'أنا من غزة، وأنا أستحق الحياة التي تريدون حرماني منها'.
قصة الرضيع محمد ليست إلا واحدة من آلاف القصص التي يكتبها أطفال غزة يوميًا بالدمع والدم.. هي شهادة حيّة على ما ترتكبه آلة الحرب الصهيونية، تحت غطاءٍ دولي وصمت عربي وإسلامي يثير الأسى.
وفي ظل غياب الضمير العالمي والخذلان العربي والإسلامي، يبقى هؤلاء الأطفال.. من المهد وحتى اللحد.. شاهدي عدالة مزعومة لا تُرى إلا في خطابات الساسة ونشرات الأخبار المنحازة.
هي وجع أم ماتت جوعًا، وحزن أخت دفنت حلم طفولتها، وخوف رضيع لم ينادِ 'ماما' منذ تلك الليلة.. لكنها أيضًا قصة معجزة… معجزة حياة وسط مقبرة، معجزة ضوء في نفق لا ينتهي.
في غزة، محمد ليس الطفل الوحيد.. هناك آلاف من أمثاله، يولدون في النار، ويكبرون في العدم، ويعيشون فقط لأنهم يأبون أن يموتوا قبل أن يرووا لنا قصة شعب يراق دمه من الرأس إلى أخمس القدمين.
إلا أن قصة الرضيع محمد؟ بدأت من رحلة التشرد والجوع والعطش والقتل والفقدان والحرمان وانتهت بالزحف من تحت الركام لتحكي لنا الحكاية… حكاية غزة التي لا تموت.. مهما بلغت المأساة والتحديات والتضحيات.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


١٣-٠٥-٢٠٢٥
«الله الله أولادي في ذمتك».. شاهد.. يمني يسجل وصيته لشقيقه بعدما تاه في صحراء يمنية أثناء عودته من السعودية
سجل يمني عبر مقطع فيديو، وصيته لشقيقه بعدما تاه في صحراء الجوف باليمن، أثناء عودته من السعودية. وظهر اليمني داخل سيارته العالقة في الصحراء، وقد بدت عليه علامات التعب والإرهاق الشديد، وتغير ملامح وجهه، بسبب عدم وجود ماء أو طعام معه. وقال خلال توثيق وصيته: "صدقني يا محمد لما قلت لك قلبي مكتوم من السفرية هذي، شوف الحال اللي أنا فيه". وتابع: "محمد أخوي لو جرى بي شيء لقدر الله، الله الله أولادي في ذمتك، الله الله أولادي في ذمتك". واختتم اليمني: "سامحني يا محمد، أنا ما طلبت منك السماح وأنا مسافر، سامحني". وبحسب وسائل إعلام يمنية، فقد تم إنقاذ اليمني، بعدما عثرت عليه فرق الإنقاذ في الصحراء. الجدير بالذكر أن صحراء الجوف باليمن يلجأ إليها الكثير من المسافرين بسبب قطع مليشيا الحوثي للطريق الرئيس الرابط بين صنعاء ومأرب


١٠-٠٥-٢٠٢٥
(محمد خوي الله الله أولادي).. بالفيديو وصية مؤثرة هزّت قلوب اليمنيين لمواطن تاه في الصحراء
أخبار وتقارير (الأول) متابعات: هزّت قلوب اليمنيين قصة مؤثرة تناقلها رواد مواقع التواصل الاجتماعي، حيث وثّق مغترب يمني، وجد نفسه تائهاً في صحراء الجوف الشاسعة شمال شرق البلاد، لحظات يأس سجل فيها وصيته الأخيرة عبر هاتفه المحمول موجهاً كلامه إلى شقيقه. وجاء في الفيديو المتداول، والذي يظهر فيه المغترب المجهول الهوية وهو يناشد شقيقه "محمد" أن يسامحه، ويوصيه برعاية أبنائه إذا ما وافته المنية في هذا المكان الموحش. وقد بدت على المسافر علامات الإرهاق والخوف الشديد، معبراً عن ندمه على قرار السفر الذي وصفه بـ"الرحلة المخيفة" والتي انتابه شعور بالقلق تجاهها منذ البداية. وفيما لم يصدر تأكيد رسمي للخبر، تداولت مصادر غير موثوقة أن فرق الإنقاذ تمكنت من الوصول إلى المغترب في اللحظات الأخيرة وانتشاله من الصحراء، دون تقديم تفاصيل إضافية حول حالته أو ملابسات إنقاذه. وقد أثارت هذه الواقعة المؤلمة موجة من الاستياء والغضب العارم على منصات التواصل الاجتماعي، حيث حمل ناشطون جماعة الحوثي مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع الأمنية في البلاد. فيديو لمغترب يمني قادماً من السعودية بعد أن تاه في "صحراء الموت" بمحافظة الجوف، والتي يلجأ إليها الكثير من المسافرين إثر قطع مليشيا الحوثي للطريق الرئيس الرابط بين صنعاء ومأرب. لكن من حسن حظ الشاب أنه عُثر عليه لاحقاً وهو على قيد الحياة وتم إنقاذه ومساعدته في الصحراء التي انتشرت… May 10, 2025


٢٩-٠٤-٢٠٢٥
سوريا .. إساءة للنبي تتسب في اشتباكات.. تفاصيل
أخبار عربية وعالمية أفادت وزارة الداخلية السورية، في بيان عبر "تليجرام" أن الاشتباكات المسلحة التي حدثت في جرمانا بريف دمشق كانت بسبب انتشار مقطع صوتي يتضمن الإساءة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم. وقالت الوزارة في البيان: "في ظل الأحداث الراهنة، وعلى خلفية انتشار مقطع صوتي يتضمن إساءةً لمقام النبي الكريم محمد عليه الصلاة والسلام، وما تلاه من تحريض وخطاب كراهية على مواقع التواصل الاجتماعي، شهدت منطقة جرمانا اشتباكات متقطعة بين مجموعات لمسلحين، بعضهم من خارج المنطقة وبعضهم الآخر من داخلها، وقد أسفرت هذه الاشتباكات عن وقوع قتلى وجرحى، من بينهم عناصر من قوى الأمن المنتشرة في المنطقة". وأضافت: "وعلى إثر ذلك، توجهت وحدات من قوى الأمن العام مدعومة بقوات من وزارة الدفاع لفض الاشتباك وحماية الأهالي والحفاظ على السلم المجتمعي. كما تم فرض طوق أمني حول المنطقة لمنع تكرار أي حوادث مشابهة". وأكدت الوزارة حرصها على ملاحقة المتورطين ومحاسبتهم وفق القانون، مع استمرار التحقيقات لكشف هوية صاحب المقطع الصوتي المسيء للنبي محمد عليه الصلاة والسلام. مشددةً على أنها لن نتساهل في تقديم كل من ساهم في إثارة الفوضى وتقويض الاستقرار إلى العدالة.