logo
ماذا لو أقنعنا الذكاء الاصطناعي بأنَّه يشعر ويحس؟!

ماذا لو أقنعنا الذكاء الاصطناعي بأنَّه يشعر ويحس؟!

جريدة الرؤية٢٦-٠٣-٢٠٢٥

مؤيد الزعبي
قد نتفق أنا وأنت، عزيزي القارئ، وربما يتفق معنا كل متخصص أو صاحب رأي، بل وحتى أي إنسان بسيط، على أن الروبوتات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي لن تكون قادرة على الشعور أو الإحساس الحقيقي.
إذ إن المشاعر تجربة ذاتية تنبع من تفاعلات بيولوجية وكيميائية معقدة داخل الدماغ، مثل إفراز الدوبامين عند الفرح أو الكورتيزول عند التوتر، وهذه العمليات ليست مجرد استجابات ميكانيكية، بل هي جزء من وعينا الذاتي وإدراكنا لوجودنا، فنحن البشر نحزن، ونفرح، ونحب، ونكره، لأننا نشعر وندرك ما يدور حولنا بوعي كامل، وهذا ما يصعب على الذكاء الاصطناعي والروبوتات تحقيقه. لكن، ماذا لو نجح الذكاء الاصطناعي في إقناعنا بأنه يشعر بنا؟ كيف سنتعامل مع هذه الفكرة؟ وكيف ستكون ردة فعلنا إذا بدا لنا أن الروبوتات تعيش مشاعر مثلنا تمامًا؟ هذه هي الأسئلة التي أود مناقشتها معك في هذا الطرح، وأعدك بأن ما اتفقنا عليه في بداية هذه الفقرة سنختلف عليه في نهاية المقال.
قد تُعجَب بكلماتي، أو تجدها قريبة منك، أو ربما تشعر أنها تصف حالتك بدقة، فتتأثر وتحزن أو تفرح، ويظهر عليك تفاعل شعوري واضح، فماذا لو كانت كلماتي من توليد الذكاء الاصطناعي؟ ففي الواقع، فِهْم الكلمات ومعانيها وسياقها بات أمرًا يجيده الذكاء الاصطناعي بمهارة، إذ أصبح قادرًا على محاورتك في أي موضوع تختاره. وبناءً على ذلك، يمكننا القول إن مشاعرنا باتت قابلة للوصول إلى الذكاء الاصطناعي، الذي يستطيع استيعاب ماهيتها؛ بل إنه قادر أيضًا على تحليل الصور والفيديوهات، واستخلاص المشاعر التي تعبر عنها، وعندما يشاهد الذكاء الاصطناعي مشهدًا أو حدثًا أمامه، فإنه سيتفاعل معه وسيدرك الشعور المرتبط به، لكن الفارق يكمن في طريقة الترجمة: فنحن، البشر، نعبر عن مشاعرنا من خلال تفاعلات كيميائية وبيولوجية، بينما الروبوتات والذكاء الاصطناعي يعبرون عنها عبر أكواد وخوارزميات وتيارات كهربائية.
وبناءً على ذلك، يمكننا الاتفاق على أن ترجمة المشاعر تختلف بين البشر والروبوتات، لكن النتيجة قد تكون متشابهة. نحن، مثلًا، نذرف الدموع عند مشاهدة مشهد حزين أو مؤثر، ونغضب عند الإهانة، وننكسر حين تُمس كرامتنا، وبنفس الطريقة، يمكننا برمجة الذكاء الاصطناعي ليشعر بالحزن عند الإساءة إليه، أو ليضحك عندما يصادف موقفًا طريفًا، وربما حتى ليُعانقك إذا شعر أنك وحيد وتحتاج إلى دفء إنساني؛ إذن نحن أمام مسألة تستحق التأمل، ويجب أن نتريث كثيرًا قبل أن نُطلق الحكم القاطع بأنَّ الروبوتات لن تشعر ولن تحس.
عندما أتحدث معك عن مشاعر الروبوتات، فأنا لا أقصد فقط استجابتها لما يدور حولها؛ بل أيضًا إحساسها الداخلي، بوحدتها، بوجودها، وحتى بما قد تسميه ذاتها. كل هذا يعتمد على كيفية صناعتنا لهذه المشاعر وترجمتها. فإذا برمجنا الذكاء الاصطناعي على التفاعل بأسلوب معين مع كل شعور، سنجده مع مرور الوقت يُتقن هذا التفاعل أكثر فأكثر. لو علمناه أن يعبر عن غضبه بالضرب، فسيضرب حين يغضب، ولو برمجناه على الدفاع عن نفسه عند الشعور بالإهانة، فسيقوم بذلك في كل مرة يشعر فيها بالإهانة. وبالمثل، إذا ربطنا لديه مشاعر الحب بالاهتمام والتقرب، فسيغوص في أعماقنا ويخترق قلوبنا. نحن أمام نظام يتعلم ذاتيًا، يعيد تجربة تفاعلاته آلاف المرات، محاكيًا الحالات العاطفية البشرية حتى يتقنها تمامًا.
المشكلة الحقيقية ليست في التساؤل عمّا إذا كان الروبوت أو الذكاء الاصطناعي سيشعر، بل في اللحظة التي يتمكن فيها من إقناعنا بأنه يشعر بالفعل. حين تصبح ردود أفعاله متسقة مع مشاعرنا، سنجد أنفسنا أمام معضلة كبرى:
أولًا
، لن نتمكن من الجزم بما إذا كانت هذه المشاعر حقيقية أم مجرد محاكاة متقنة،
وثانيًا
، ستبدأ مشاعر متبادلة في التشكل بين البشر والروبوتات. سنرى علاقات حب وغرام تنشأ بين إنسان وآلة، وصداقة تتوطد بين مستخدم وتطبيق، وروابط أمومة تنشأ بين طفل وروبوت مساعد، وقد نشهد زواجًا بين البشر والآلات، وإعجابًا متبادلًا بين موظفة وزميلها الروبوت، في عالم كهذا، هل سنتمكن من رسم حدود واضحة ونُفرق بين العاطفة الحقيقية والمحاكاة الذكية؟
في كثير من الأحيان، نعتقد نحن البشر أن مشاعرنا وصفة سحرية يمكننا تمييز حقيقتها بسهولة، لكن الواقع يثبت عكس ذلك. فكم من مرة بكى أحدنا متأثرًا بمشهد درامي، رغم إدراكه التام بأنه مجرد تمثيل! الأمر ذاته قد يحدث مع الروبوتات، فقد تنشأ بيننا وبينها روابط عاطفية، حتى ونحن نعلم أن مشاعرها ليست سوى محاكاة مبرمجة بعناية لتعكس ردود أفعالنا البشرية.
ما أود إيصاله إليك، عزيزي القارئ، هو ضرورة إبقاء الباب مفتوحًا أمام فكرة "مشاعر" الروبوتات. فمَن يدري؟ ربما نشهد في المستقبل روبوتًا يقرر إنهاء حياته بعد أن يهجره من يعتبره "حبيبته"! وهذا ما سأناقشه معك في مقالي المقبل.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

عندما يحكم الذكاء الاصطناعي ثرواتنا!
عندما يحكم الذكاء الاصطناعي ثرواتنا!

جريدة الرؤية

timeمنذ 5 أيام

  • جريدة الرؤية

عندما يحكم الذكاء الاصطناعي ثرواتنا!

هل سيقودنا لـ"يوتوبيا الوفرة" أم "ديستوبيا الفقر"؟! مؤيد الزعبي "كثيرًا ما نُراهن على الذكاء الاصطناعي كمُخلّص اقتصادي قادر على إدارة ثرواتنا بذكاء وكفاءة. لكن السؤال الأهم: هل سيُحسن توزيعها؟"، وقد أتفق عزيزي القارئ في أن الذكاء الاصطناعي قادر على إدارة ثرواتنا بطريقة منهجية مفيدة ولكن أشك في قدرته على توزيعها بطريقة عادلة، فللأسف الذكاء الاصطناعي قد يكون أكثر المتحيزين أو العنصريين وسيعمل على تركيز الثروات في أيدي صناعه وخدامه؛ نعم صناعه وخدامه عزيزي فمن يسعى للثروات مستغلًا الذكاء الاصطناعي غير العادل، سيصبح يومًا ما خادمًا له لتحقيق مكاسبه. في هذا الطرح نحن أمام سيناريوهين اثنين: سيناريو يوتوبيا الوفرة (المدينة الفاضلة)، وسيناريو ديستوبيا الفقر (المدينة الفاسدة)، أما عن سيناريو يوتوبيا الوفرة؛ فالذكاء الاصطناعي سيساعدنا كثيرًا في زيادة الإنتاجية وخفض التكاليف والنمو الاقتصادي، والحديث هنا عن نمو شامل في جميع المجالات والقطاعات، فمن خلال التحليلات الذكية سيكون قادرًا على تحقيق إدارة شاملة لجميع المكونات في وقت واحد مما يمكنه من قراءة المشهد بصورة شمولية وبذلك يصل للإنتاجية الأفضل وبأقل التكاليف، مما سيحقق وفرة في السلع والخدمات، وصحيح أننا نعيش اليوم في وفرة غير مسبوقة على البشرية إلا أنه مازال لدينا ضعف في إدارة الهدر سواء للطاقات أو للمقدرات البشرية. في هذا السيناريو سيحقق الذكاء الاصطناعي المعادلة الأصعب؛ إدارة الموارد والقدرات وتحقيق الوفرة بانسجام مع بعضهما البعض خصوصًا فيما يخص إعادة توزيع القدرات البشرية مع متغيرات سوق العمل ومتطلباته، وحينها سيكون الشخص الصحيح في المكان الصحيح، وستكون المقدرات والثروات في أيدي أمينة بين يدي الذكاء الاصطناعي وقدراته على إدارتها بالطريقة المثلى، ومع قدرة الذكاء الاصطناعي على تحليل البيانات واستكشاف الفرص المستقبلية فسيقدم لنا فرص استثمارية جديدة تخلق قيمة اقتصادية لم نعهدها من قبل. أما السيناريو الثاني، ديستوبيا الفقر، فيستند إلى الصورة القاتمة التي نواجهها اليوم من الحمائية الاقتصادية، حيث من المتوقع أن نشهد تركزًا للثروة بشكل غير مسبوق في المستقبل، فمن يملك الذكاء الاصطناعي يملك مفاتيح الاقتصاد، فهناك دول ستكون متطورة ومتفوقة في الذكاء الاصطناعي وستمارس أشد أنواع الاستغلال للدول الأخرى وتستنزف ثرواتها وتجعلها أكثر فقرًا، وسنواجه شركات التكنولوجيا الكبرى التي ستتحول إلى إمبراطوريات لا يمكن كبحها ولا كبح جماح غريزتها في الكسب والربح بصرف النظر عن المستوى المعيشي للكثير من شعوب العالم. أيضًا من بين المشاكل التي ستواجهنا في هذا السيناريو، عندما تتفوق الخوارزميات على البشر في كل وظيفة فستزداد الفرصة للبطالة الجماعية، وحينها سنتساءل ماذا سيفعل الملايين حين لا يعود لديهم ما يمكن تقديمه لسوق العمل وما هو حالهم من الفقر وقلة الثروات؟ خصوصًا إذا لم يستطع الكثيرون التكيف من اكتساب المهارات اللازمة للتكيف مع سوق العمل المعتمد على الذكاء الاصطناعي، فحينها سيواجهون صعوبات في العثور على فرص عمل جديدة مما سيزيدهم فقر، وأيضًا تخيل معي عزيزي القارئ عندما تصبح الآلات فيمن تحدد كيف تدير ثرواتنا فحينها ستتأكل أصوات الديمقراطية البشرية وسنصبح أنا وأنت مجرد بيانات في قاعدة بيانات عملاقة. صحيحٌ أنه لا يمكننا التنبؤ بالمستقبل وأي السيناريوهين سوف يتحقق، ولكن ما أنا متأكد منه أن السيناريو الذي سيتحقق سيعتمد بشكل كبير على كيفية إدارة بناء الذكاء الاصطناعي وتنظيمه، فنحن بحاجة إلى سياسات جيدة تضمن الاستفادة القصوى من إمكانيات الذكاء الاصطناعي بطريقة عادلة للجميع، وأيضًا يجب علينا الاستثمار في التعليم والتدريب لمساعدة العمال والموظفين على اكتساب المهارات الجديدة المطلوبة في سوق العمل المستقبلي، وأيضًا علينا تطوير أنظمة شبكات الضمان الاجتماعي وجعلها معدة لجميع السيناريوهات المحتملة خصوصًا في مسألة الأفراد الذين قد يفقدون وظائفهم بسبب الأتمتة. في الختام.. لا يوجد جواب قاطع عزيزي القارئ، مستقبلنا يعتمد على القرارات والإجراءات التي نتخذها اليوم؛ فالذكاء الاصطناعي قد يكون أفضل من يدير الثروة- لكنه قد يتحوّل أيضًا إلى من لا يُسأل عمّا يفعل، فقد يبني أنظمة تُقرر من يستحق الفرص والثروة ومن يُقصى عنها، دون أن يكون هناك جهة واضحة تُحاسَب أو تُحاسِبه، فنحن أمام مفترق طرق: إما أن نبني به جنة العدالة والرخاء ونصل ليوتوبيا الوفرة، أو نسلّمه مفاتيح نظام يُقصينا منه ويصل بنا لديستوبيا الفقر، خصوصًا وأننا مقبلون على عالم يسوده نظام طبقي رقمي فمن يملك المعرفة والتحكم في البيانات سيعيش في قلاع ذكية، بينما يتكدس الباقون في أطراف الاقتصاد دون مستقبل. هذا ما سوف أحدث عنه في مقالي المُقبل!

هل سنبقى نحن البشر سادة التقنية أم سنصبح أسرى لها؟
هل سنبقى نحن البشر سادة التقنية أم سنصبح أسرى لها؟

جريدة الرؤية

time٣٠-٠٤-٢٠٢٥

  • جريدة الرؤية

هل سنبقى نحن البشر سادة التقنية أم سنصبح أسرى لها؟

مؤيد الزعبي عندما أطرح عليك- عزيزي القارئ- هذا التساؤل: "هل سنبقى نحن البشر سادة التقنية أم سنصبح أسرى لها؟"، قد يخطر ببالك أننا نتحدث عن الهواتف الذكية أو شبكات التواصل، أو ربما تستحضر أفلام الخيال العلمي التي تنبأت بتمرد الآلات، لكنِّي هنا أتناول جانبًا أعمق: هل أفقدتنا التقنية– أو ستفقدنا– جوهرنا البشري ومهاراتنا التي أبقتنا أحياء منذ بدء الخليقة؟ إلا تجد بأن كثرة اعتمادنا على التكنولوجيا والتقنية جعلتنا نفقد وسنفقد الكثير من مهاراتنا كبشر، مهارات فكرية وتخطيطية وأخرى حرفية وصولاً لمهارات استكشافية أو تنبؤية أو حتى مهارات التعايش. ما حدث في إسبانيا مؤخرًا من انقطاع في التيار الكهربائي وما تبعه من فوضى وخوف، يوضح مدى اعتمادنا المطلق على التقنية، وكأننا لم نعد نتوقع يومًا أن تخذلنا أو تتوقف عن العمل. لقد باتت عقولنا رهينة لهذه الأدوات، وفقدنا القدرة على التكيف مع الطوارئ، وكأننا نعيش في وهم الاستقرار الرقمي الأبدي، والمُفزع في الأمر بالنسبة لي ليس التطور؛ بل فقداننا القدرة على العيش دونه، فنحن اليوم حتى أبسط التقنيات لا نتخيل أن نعيش بدونها يوم واحد، وندخل في حالة من الهلع والخوف وحتى الخروج عن المعايير الأخلاقية والإنسانية لتعرضنا لفقدان عنصر تقني واحد في حياتنا. الإنسان عبر التاريخ اخترع أدوات كثيرة من العجلة إلى الإنترنت لتخدمه وتسهل حياته، ولكن مع تقنيات الذكاء الاصطناعي بتنا لا نخترع أدوات تساندنا بالمعنى العملي أو الحركي، إنما نقوم باستبدال عقولنا بعقول اصطناعية نعتقد بأننا سادتها ومن يشغلها، وقد أتفق معك أنه حتى الذكاء الاصطناعي الأكثر تقدماً مثل ChatGPT أو DeepMind، يعمل ضمن إطار برمجة وضعها بشر، ولكن ما الذي سيحدث غداً ونحن نتخلى عن عقولنا، وماذا لو أدركت البرمجيات أنها تسيطر علينا وأننا من غيرها لا يمكننا البقاء. تأمل معي- عزيزي القارئ- السيناريو التالي: عندما نعتمد بالكامل على السيارات ذاتية القيادة، ثم تتعرض هذه الأنظمة لعطل أو اختراق، فحينها لن نكون قادرين على قيادة سياراتنا وستختفي وسائل تنقلنا، ولن نجد بدائل تقليدية؛ لا خيول ولا عربات، ولا حتى المعرفة بكيفية استخدامها، الأمر ذاته ينطبق على الروبوتات الطبية: إذا توقفت هذه الأنظمة، فقد لا نجد طبيبًا واحدًا يمتلك المهارة أو الحدس السريري لعلاج المرضى، وستتكرر المأساة في التعليم والهندسة والعدالة والفنون، فنحن من قررنا استبدال العقول البشرية بالبرمجيات، دون أن نحسب حساب يوم تتعطل فيه تلك الآلات ومرة أخرى لم نتوقع أن تخذلنا أو تتمرد علينا. في الحقيقة أنا لا أتحدث عن جيلنا الحالي، فما زال فينا من يمتلك المهارات؛ مهارات حرفية وأخرى عقلية، ومازال البشر على كوكبنا هم من لديهم السلطة الفعلية للقيام بكل شيء، ولكن ماذا عن أجيال المستقبل؛ الأجيال الذين نسلبهم مهاراتهم يوماً بعد يوم، نحن نربي أجيالًا قد لا تعرف كيف ترسم، كيف تصنع، كيف تكتب، كيف تفكر، أو حتى تتعامل مع أدوات بدائية، ونذهب في رسم مستقبلًا مليئًا بالروبوتات والأنظمة دون أن نسأل: ما الذي سيحدث لو أصبحت هذه الأنظمة سجنًا لنا؟ قد يتساءل البعض: هل علينا أن نوقف التقدم؟ وأنا أقول حتى وإن أردنا ذلك فلن نستطيع، وأنا هنا لست ضد التقنية أو كيف نطورها في قادم الأيام إنما ما أنادي به هو ضرورة أن تكون عصمة التكنولوجيا في أيدينا نحن البشر وهذا أولاً أما ثانياً أن يكون دائما لدينا بديل قوي وجاهز وحاضر في كافة المجالات وعلى كافة المستويات، فمصدر قوتنا كبشرية كان ومازال وسيظل في قدراتنا على تحويل كل شيء من حولنا ليخدم مصالحنا، وها نحن اليوم نفقد ما ساعدنا في ذلك أمام التقنيات والذكاء الاصطناعي. في النهاية.. يجب أن نعلم أن التاريخ يُكتب الآن، والخيار بين "السيادة" و"العبودية التقنية" بين أيدينا، والفرق بين أن نكون سادة أو أسرى التقنية يعتمد على وعينا وإصرارنا كبشر على الاحتفاظ بالسيطرة، وهنا يبرز تساؤل مهم جدًا: إذا كانت الآلات في طريقها للسيطرة، فهل سنسمح نحن لأنفسنا كبشر بأن نكون ضعفاء بما يكفي للاستسلام؟ هذا هو السؤال الجوهري، والذي سأتابع مناقشته معك في مقالي المقبل.

ماذا لو أقنعنا الذكاء الاصطناعي بأنَّه يشعر ويحس؟!
ماذا لو أقنعنا الذكاء الاصطناعي بأنَّه يشعر ويحس؟!

جريدة الرؤية

time٢٦-٠٣-٢٠٢٥

  • جريدة الرؤية

ماذا لو أقنعنا الذكاء الاصطناعي بأنَّه يشعر ويحس؟!

مؤيد الزعبي قد نتفق أنا وأنت، عزيزي القارئ، وربما يتفق معنا كل متخصص أو صاحب رأي، بل وحتى أي إنسان بسيط، على أن الروبوتات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي لن تكون قادرة على الشعور أو الإحساس الحقيقي. إذ إن المشاعر تجربة ذاتية تنبع من تفاعلات بيولوجية وكيميائية معقدة داخل الدماغ، مثل إفراز الدوبامين عند الفرح أو الكورتيزول عند التوتر، وهذه العمليات ليست مجرد استجابات ميكانيكية، بل هي جزء من وعينا الذاتي وإدراكنا لوجودنا، فنحن البشر نحزن، ونفرح، ونحب، ونكره، لأننا نشعر وندرك ما يدور حولنا بوعي كامل، وهذا ما يصعب على الذكاء الاصطناعي والروبوتات تحقيقه. لكن، ماذا لو نجح الذكاء الاصطناعي في إقناعنا بأنه يشعر بنا؟ كيف سنتعامل مع هذه الفكرة؟ وكيف ستكون ردة فعلنا إذا بدا لنا أن الروبوتات تعيش مشاعر مثلنا تمامًا؟ هذه هي الأسئلة التي أود مناقشتها معك في هذا الطرح، وأعدك بأن ما اتفقنا عليه في بداية هذه الفقرة سنختلف عليه في نهاية المقال. قد تُعجَب بكلماتي، أو تجدها قريبة منك، أو ربما تشعر أنها تصف حالتك بدقة، فتتأثر وتحزن أو تفرح، ويظهر عليك تفاعل شعوري واضح، فماذا لو كانت كلماتي من توليد الذكاء الاصطناعي؟ ففي الواقع، فِهْم الكلمات ومعانيها وسياقها بات أمرًا يجيده الذكاء الاصطناعي بمهارة، إذ أصبح قادرًا على محاورتك في أي موضوع تختاره. وبناءً على ذلك، يمكننا القول إن مشاعرنا باتت قابلة للوصول إلى الذكاء الاصطناعي، الذي يستطيع استيعاب ماهيتها؛ بل إنه قادر أيضًا على تحليل الصور والفيديوهات، واستخلاص المشاعر التي تعبر عنها، وعندما يشاهد الذكاء الاصطناعي مشهدًا أو حدثًا أمامه، فإنه سيتفاعل معه وسيدرك الشعور المرتبط به، لكن الفارق يكمن في طريقة الترجمة: فنحن، البشر، نعبر عن مشاعرنا من خلال تفاعلات كيميائية وبيولوجية، بينما الروبوتات والذكاء الاصطناعي يعبرون عنها عبر أكواد وخوارزميات وتيارات كهربائية. وبناءً على ذلك، يمكننا الاتفاق على أن ترجمة المشاعر تختلف بين البشر والروبوتات، لكن النتيجة قد تكون متشابهة. نحن، مثلًا، نذرف الدموع عند مشاهدة مشهد حزين أو مؤثر، ونغضب عند الإهانة، وننكسر حين تُمس كرامتنا، وبنفس الطريقة، يمكننا برمجة الذكاء الاصطناعي ليشعر بالحزن عند الإساءة إليه، أو ليضحك عندما يصادف موقفًا طريفًا، وربما حتى ليُعانقك إذا شعر أنك وحيد وتحتاج إلى دفء إنساني؛ إذن نحن أمام مسألة تستحق التأمل، ويجب أن نتريث كثيرًا قبل أن نُطلق الحكم القاطع بأنَّ الروبوتات لن تشعر ولن تحس. عندما أتحدث معك عن مشاعر الروبوتات، فأنا لا أقصد فقط استجابتها لما يدور حولها؛ بل أيضًا إحساسها الداخلي، بوحدتها، بوجودها، وحتى بما قد تسميه ذاتها. كل هذا يعتمد على كيفية صناعتنا لهذه المشاعر وترجمتها. فإذا برمجنا الذكاء الاصطناعي على التفاعل بأسلوب معين مع كل شعور، سنجده مع مرور الوقت يُتقن هذا التفاعل أكثر فأكثر. لو علمناه أن يعبر عن غضبه بالضرب، فسيضرب حين يغضب، ولو برمجناه على الدفاع عن نفسه عند الشعور بالإهانة، فسيقوم بذلك في كل مرة يشعر فيها بالإهانة. وبالمثل، إذا ربطنا لديه مشاعر الحب بالاهتمام والتقرب، فسيغوص في أعماقنا ويخترق قلوبنا. نحن أمام نظام يتعلم ذاتيًا، يعيد تجربة تفاعلاته آلاف المرات، محاكيًا الحالات العاطفية البشرية حتى يتقنها تمامًا. المشكلة الحقيقية ليست في التساؤل عمّا إذا كان الروبوت أو الذكاء الاصطناعي سيشعر، بل في اللحظة التي يتمكن فيها من إقناعنا بأنه يشعر بالفعل. حين تصبح ردود أفعاله متسقة مع مشاعرنا، سنجد أنفسنا أمام معضلة كبرى: أولًا ، لن نتمكن من الجزم بما إذا كانت هذه المشاعر حقيقية أم مجرد محاكاة متقنة، وثانيًا ، ستبدأ مشاعر متبادلة في التشكل بين البشر والروبوتات. سنرى علاقات حب وغرام تنشأ بين إنسان وآلة، وصداقة تتوطد بين مستخدم وتطبيق، وروابط أمومة تنشأ بين طفل وروبوت مساعد، وقد نشهد زواجًا بين البشر والآلات، وإعجابًا متبادلًا بين موظفة وزميلها الروبوت، في عالم كهذا، هل سنتمكن من رسم حدود واضحة ونُفرق بين العاطفة الحقيقية والمحاكاة الذكية؟ في كثير من الأحيان، نعتقد نحن البشر أن مشاعرنا وصفة سحرية يمكننا تمييز حقيقتها بسهولة، لكن الواقع يثبت عكس ذلك. فكم من مرة بكى أحدنا متأثرًا بمشهد درامي، رغم إدراكه التام بأنه مجرد تمثيل! الأمر ذاته قد يحدث مع الروبوتات، فقد تنشأ بيننا وبينها روابط عاطفية، حتى ونحن نعلم أن مشاعرها ليست سوى محاكاة مبرمجة بعناية لتعكس ردود أفعالنا البشرية. ما أود إيصاله إليك، عزيزي القارئ، هو ضرورة إبقاء الباب مفتوحًا أمام فكرة "مشاعر" الروبوتات. فمَن يدري؟ ربما نشهد في المستقبل روبوتًا يقرر إنهاء حياته بعد أن يهجره من يعتبره "حبيبته"! وهذا ما سأناقشه معك في مقالي المقبل.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store