logo
الجيش الإسرائيلي يعتقل فريق بي بي سي على مشارف القنيطرة

الجيش الإسرائيلي يعتقل فريق بي بي سي على مشارف القنيطرة

شفق نيوزمنذ 3 أيام

كان صباحا ربيعياً هادئاً في التاسع من أيار/مايو في سوريا، عندما انطلق فريق بي بي سي من دمشق نحو بلدة نوى في محافظة درعا جنوبا، للتوجه من هناك إلى تخوم مرتفعات الجولان السورية المحتلة منذ عام 1967. كنا فريقاً مكوناً من سبعة أشخاص: أنا كمراسل أحمل الجنسية البريطانية، واثنان عراقيان من مكتب بي بي سي ببغداد، وأربعة سوريين – ثلاثة منهم يعملون بشكل حر، ومصور بي بي سي في دمشق
كان الهدف إعداد تقرير عن سعي الحكومة السورية الجديدة، برئاسة أحمد الشرع، ﻹعادة بناء الجيش السوري، بعد انهياره في أعقاب فرار بشار اﻷسد في كانون اﻷول/ديسمبر الماضي، وتدمير إسرائيل لكثير من قدراته، وإعلانها إنشاء منطقة آمنة على طول الشريط الحدودي للجوﻻن، وسيطرتها على مدينة القنيطرة وقمة جبل الشيخ التي تطل على مناطق واسعة من سوريا ولبنان واﻷردن وإسرائيل.
من نوى، توجهنا إلى بلدة الرفيد الحدودية، حيث توقفنا للتصوير قرب أحد مقرات قوات الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك (الأندوف)، على مقربة من السياج الفاصل مع الجولان. تحدثتُ إلى مسؤولة في القوة، وطلبتُ منها الإذن بالتصوير داخل المقر أو تنظيم جولة مع القوة الدولية في المنطقة. اعتذرت وأخبرتنا أن الأمر غير متاح حاليا، وأن الجانب الإسرائيلي استفسر عن هويتنا، وتم إبلاغه أننا فريق تابع لقناة بي بي سي.
أكملنا جولتنا في المنطقة التي بدت خالية تماما من أي وجود أمني سوري، مع بقاء التمركز الإسرائيلي مقتصرا على احتلال المناطق المرتفعة التي أقيمت فيها نقاط مراقبة دائمة.
قررنا بعد ذلك التوجه شمالا بمحاذاة خط الحدود صوب مدينة القنيطرة، لكن الطريق المؤدي إليها كان مغلقا من الجانب الإسرائيلي، فسلكنا طريقا بديلا باتجاه بلدة خان أرنبة، ومن هناك إلى القنيطرة.
وقبل بضعة كيلومترات من القنيطرة، بدأت آثار الدبابات الإسرائيلية تظهر بوضوح على طول الطريق، فيما امتدت الأسلاك الشائكة على جانبيه، دون أن يُلاحظ أي وجود عسكري إسرائيلي في المنطقة.
BBC
توقيف وتفتيش
وعلى بُعد حوالي مائتي متر، اقتربتُ مع أحد الزملاء لاستكشاف المكان، فلاحظنا حاجزا شبيها بالحواجز التي تنتشر في الضفة الغربية. كتلتان إسمنتيتان، وعارضة حديدية صفراء تقطع الطريق. وعلى يمينها، كان هناك بضع دبابات ميركافا يعلو إحداها العلم الإسرائيلي.
بعد تجاوز الحاجز بنحو مئة متر، لاحظنا برج مراقبة يعتليه جنديان إسرائيليان. أشار زميل لي لأحدهما محاولاً إبلاغه بأننا فريق صحفي عبر رفع بطاقته الصحافية، لكنه كان يراقبنا عبر منظار عسكري دون أن يبدي أي رد فعل.
عدتُ إلى السيارة وطلبتُ من المصور أن يأتي بالكاميرا على أمل أن ننجز عملنا سريعا ونغادر، وبدأ بالفعل بتصويري وأنا أشرح ما تغير في المنطقة منذ سقوط الأسد، من سيطرة لإسرائيل على هذه المنطقة ورفضها القاطع لإعادة بناء الجيش السوري، ولا سيما في درعا والقنيطرة والسويداء.
لم أكد أنتهي من التصوير حتى لاحظت سيارة بيضاء تقترب من الجهة الأخرى من العارضة، وترجل منها أربعة جنود إسرائيليين ببنادقهم وركضوا باتجاهنا وأحاطوا بنا والبنادق مُصوَّبة إلى رؤوسنا. طلبوا وضع الكاميرا بعيداً على جانب الطريق. حاولتُ أن أشرح أننا فريق من بي بي سي، لكن الأمور تصاعدت بسرعة غير متوقعة.
خلال ثوان، استطعت إرسال رسالة إلى الإدارة مفادها أن الجيش الإسرائيلي أوقفنا، وبعدها بلحظات صودرت هواتفنا ومعداتنا الالكترونية كلها. خضعت سيارتنا لتفتيش دقيق بعد وصول دورية إسرائيلية أخرى من أربعة جنود على متن عربة همر.
BBC
الفريق مقيد ومعصوب الأعين
BBC
نُقلنا إلى الجانب الآخر من العارضة، وجرى تفتيشنا بسرعة. طلبوا منا بعدها أن نقود سيارتنا خلفهم، فسارت الهمر أمامنا وسيارة أخرى خلفنا. قطعنا مدينة القنيطرة وتوقفنا عند النقطة الحدودية التي تفصل القنيطرة عن الجولان. هناك، بدأ الجنود بمراجعة الصور الملتقطة، بينما صوَّب أحدهم بندقيته إلى رأسي من مسافة أربعة أمتار. استمر الأمر على هذا الحال لأكثر من ساعتين،أُرسلت خلالهما الصور التي عثروا عليها في الكاميرا إلى داخل الجولان المحتل، وبعد نحو ساعة طلب مني أحد الجنود الترجل من السيارة والحديث عبر هاتف محمول.
لم أعرف من هو الشخص الذي كان يتحدث إلي بعربية ركيكة، ولا لأي جهاز أمني يتبع. سألني لماذا نُصوٍّر مواقع تمركز القوات الإسرائيلية، فشرحت له طبيعة عملنا، وأبلغته أنني زُرتُ إسرائيل في مهام صحفية أكثر من عشر مرات، وأحمل جواز سفر بريطاني. وعدني بنقل التفاصيل للضابط المسؤول ليأخذ قرار بشأننا، فعدتُ إلى السيارة وأعيد توجيه البندقية باتجاه رأسي.
بعد انتظار دام ساعة إضافية، وصلت سيارة أخرى من داخل الحدود، ونزل منها عناصر يُرجّح أنهم من جهاز أمني إسرائيلي، بناءً على لون زيّهم الذي لم يكن عسكريًا. عند هذه النقطة، أخذت الأمور منحى غير متوقع وسريع التدهور، حيث أخرج العناصر من السيارة عصبات وأصفادًا بلاستيكية، وطلبوا مني أن أكون أول من يترجل.
كان همي الأكبر يتركز على أعضاء الفريق، فأربعة منهم سوريون واثنان عراقيان، وقد يواجهون مشاكل كبيرة إذا اعتُقلوا ونُقلوا إلى داخل إسرائيل.
سريعاً جرى نقاش بين قائد المجموعة ومرافقيه، اقتادني بعدها قائد المجموعة، الذي يتحدث اللهجة الفلسطينية بطلاقة، من يدي باتجاه إحدى الغرف التي كان يستخدمها الجيش السوري عند المعبر. الأرض مليئة بالزجاج المكسر والأوساخ. وبدا واضحًا أنهم قرروا اتباع أسلوب "المحقق الجيد والمحقق السيئ". أخبرني أنهم سيتعاملون معي بشكل مختلف، وأنه لن يتم تقييدي أو تعصيب عيني، بخلاف ما سيحدث مع بقية أعضاء الفريق.
لم أصدق ما قاله وسألته لماذا تقومون بذلك وأنتم تعلمون أننا فريق صحفي يتبع لبي بي سي؟ أخبرني أنه يريد المساعدة لإخراجنا بسرعة وأن علينا الالتزام بما يطلبونه. بعدها بلحظات دخل عنصر آخر وطلب مني أن أخلع كل ملابسي عدا الداخلية. رفضت بداية، لكنهم أصروا وهددوا بالأسوأ من دون أن يوضحوا ماذا يقصدون. خلعت الملابس، فنظر داخل لباسي الداخلي من الأمام والخلف. فتّش ملابسي بدقة شديدة، ثم طلب مني ارتداءها مجددًا، وشرع في تحقيق مفصل شمل حتى معلومات شخصية عن أبنائي وأعمارهم.
خرجت لاحقًا من الغرفة لأُفاجأ بمشهد صادم: أفراد الفريق مقيّدون ومعصوبي الأعين. رجوت قائد المجموعة أن يفرج عنهم، فوعد بذلك بعد انتهاء التحقيق. ثم اقتيدوا واحدًا تلو الآخر إلى الغرفة نفسها لاستجوابهم.
كانوا يخرجون مقيدين لكنهم لم يكونوا معصوبي الأعين، واستمرت هذه العملية لأكثر من ساعتين، خلالها فُحصت كافة الهواتف المحمولة، ومُسحت صور كثيرة كانت بعضها شخصية، كما فُحصت أجهزة الكمبيوتر المحمولة أيضاً.
حل الظلام، وبعد ان انتهى قائد المجموعة من التحقيق جاء إلينا، وهددنا بالأسوأ إن اقتربنا مجدداً من الحدود الإسرائيلية. أكد لنا أن كل الصور المرتبطة بالمواقع التي زرناها قد مُسحت من الكاميرا والهواتف، وهددنا بأنه يعرف كل تفاصيلنا وسيصل إلينا إن نُشرت أي صورة كانت مخبأة ولم تُمسَح.
بعد نحو سبع ساعات من توقيفنا، وقد تجاوزت الساعة التاسعة مساءً، أقلّتنا سيارتان إلى خارج المدينة لمسافة تقارب الكيلومترين. توقفتا في منطقة ريفية نائية، ثم ألقيت باتجاهنا حقيبة تحتوي على هواتفنا المحمولة، قبل أن تنطلقا مبتعدتين.
بقينا تائهين في الظلام من دون تغطية للهاتف أو إنترنت أو أدنى فكرة عن مكاننا، واصلنا القيادة حتى وصلنا إلى قرية صغيرة. أشار إلينا بعض الأطفال المحليين إلى الطريق السريع، محذّرين من أن أي انعطاف خاطئ قد يعرّضنا لنيران إسرائيلية. بعد عشر دقائق متوترة، وجدنا الطريق. وبعد خمسة وأربعين دقيقة، وصلنا في دمشق.
قدّمت بي بي سي شكوى رسمية إلى الجيش الإسرائيلي احتجاجًا على ما تعرّض له فريقنا، لكنها لم تتلقَ أي رد حتى تاريخ نشر هذا التقرير.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الخطاب المتطرف في ظل الأزمة الفلسطينية: قراءة في خطاب زعيم القاعدة الأخير
الخطاب المتطرف في ظل الأزمة الفلسطينية: قراءة في خطاب زعيم القاعدة الأخير

الحركات الإسلامية

timeمنذ 3 ساعات

  • الحركات الإسلامية

الخطاب المتطرف في ظل الأزمة الفلسطينية: قراءة في خطاب زعيم القاعدة الأخير

استغلال القضايا الوطنية لأجندات تنظيم القاعدة: دراسة في خطاب سعد العولقي كيف تحوّل خطاب العولقي مأساة غزة إلى منصة لتجنيد الإرهابيين؟ في أول ظهور علني له من خلال كلمة صوتية مطولة، أطل سعد العولقي، زعيم تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، بخطاب مشحون يدعو فيه الأمة الإسلامية إلى ما وصفه بـ"الجهاد الشامل". استغل العولقي العدوان على غزة ليطلق دعوة صريحة للقتال العالمي، مستعيدًا خطاب تنظيم القاعدة الكلاسيكي، لكنه استخدم لغة عاطفية وانتقائية تركز على المظلومية السياسية، مما يعكس رؤية التنظيم تجاه الصراع الراهن. سعد بن عاطف العولقي، المعروف أيضًا باسم أبو الليث، يتولى قيادة القاعدة في شبه الجزيرة العربية منذ مارس 2024، خلفًا لخالد باطرفي. ينحدر العولقي من قبيلة العوالق بمحافظة شبوة اليمنية، وتختلف مصادر ميلاده بين الأعوام 1978 و1981 و1983. قبل توليه القيادة، كان عضوًا في مجلس شورى التنظيم، ما يمنحه نفوذًا وموثوقية داخل صفوف القاعدة. تجدر الإشارة إلى أن برنامج "مكافآت العدالة الأمريكية" يقدم مكافأة تصل إلى ستة ملايين دولار مقابل معلومات تؤدي إلى القبض عليه، بسبب دعواته العلنية لشن هجمات ضد الأمم المتحدة وحلفائها. وفي يونيو 2025، كشف العولقي عن وجهه لأول مرة عبر "مؤسسة السحاب"، التي تنشط في العمليات الإرهابية في مصر والأردن، وحرض على استهداف دول عربية وتفعيل خطوط إمداد في الخليج دعماً لفلسطين، ما أثار جدلاً حول استراتيجية التنظيم. في 2014، أعلنت القوات اليمنية مقتله، لكن ذلك تبين لاحقًا أنه خطأ. ويعتبر ظهور العولقي العلني في 2025 علامة على أزمة "إفلاس الفكر السياسي" داخل التنظيم، وفقًا لعدد من التحليلات التي تشير إلى صعوبة التنظيم في إيجاد خطاب جديد يلائم التطورات المتسارعة في المنطقة والعالم. من المظلومية إلى التحريض: افتتح سعد العولقي، زعيم تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، كلمته بتلاوة آيات من القرآن الكريم، مثل: "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله"، وأحاديث نبوية ذات طابع تعبوي، في محاولة لإضفاء شرعية دينية على دعوته للجهاد، وتقديم خطابه على أنه استمرار "للنهج النبوي" في مواجهة الظلم. هذا الاستخدام الانتقائي للنصوص الدينية لم يكن لغاية الوعظ أو التضامن، بل لتسويغ العنف وتعبئة النفوس نحو القتال. ركّز العولقي في الجزء الأول من كلمته على ما وصفه بـ"الجرائم الوحشية" التي ترتكبها إسرائيل في غزة، من قتل للمدنيين وتجويع للأطفال وتدمير للمستشفيات والمنازل، معتبرًا أن ما يحدث هو "حرب إبادة شاملة"، تشنها "قوى صهيونية صليبية" بتواطؤ الأنظمة العربية، بل وتواطؤ العالم الإسلامي كله. قال حرفيًا: "إن الأمة أمام حرب صليبية صهيونية كاملة لا تبقي ولا تذر، حرب تُباد فيها غزة من البحر إلى البحر، ويُقتل فيها الرجال والنساء والأطفال وهم ينادون: أين المسلمون؟" لكن هذا السرد العاطفي لم يكن غايته نقل معاناة أهل غزة فقط، بل جاء كمقدّمة تمهيدية للانتقال نحو المطلب المركزي في الخطاب: إعلان الجهاد الشامل، على طريقة القاعدة، باعتباره الرد "الشرعي والوحيد" على ما يجري. ففي نظر العولقي، لا قيمة لأي تضامن لا يُترجم إلى عنف مسلح، ولا جدوى من احتجاجات أو بيانات أو مساعدات إنسانية ما لم تُقرن بالبنادق والمتفجرات. وهو ما عبر عنه بوضوح حين قال: "لن يُرفع الحصار عن غزة، ولن يتوقف العدوان عنها، إلا إذا علم العدو أن هناك ثمنًا باهظًا سيدفعه في كل مكان... وأن دماء المسلمين لن تُزهق مجانًا." هكذا يخلط العولقي ببراعة بين استدرار العاطفة وتصعيد التحريض، فينتقل بالجمهور من مشهد المظلومية إلى واجب الانتقام، ويقودهم بخطاب وجداني ملتهب نحو تبنّي سردية "الجهاد الكوني" كحل وحيد، في استعادة واضحة لوصفات بن لادن والظواهري، لكن عبر بوابة غزة هذه المرة. عودة خطاب القاعدة يُعيد سعد العولقي في خطابه الأخير إحياء سردية تنظيم القاعدة الكلاسيكية، مُكرِّسًا مفاهيم "العدو القريب والعدو البعيد"، ورافعًا لواء "التكفير السياسي" لأنظمة الحكم في العالم الإسلامي. لم يكتف بتوصيفها بالمتخاذلة أو المتواطئة، بل أشار إليها صراحة بأنها "أدوات في يد الصليبيين واليهود"، معتبرًا أن ما يحدث في غزة هو نتيجة "خيانة الأنظمة العربية والإسلامية التي باعت الأمة بثمن بخس". قال العولقي: "إن ما تتعرض له غزة اليوم هو محصلة عقود من التخاذل والعمالة، فلو كانت هناك خلافة إسلامية لما تجرأ الصهاينة على طفل في فلسطين." هذا الاتهام يندرج ضمن الرؤية القاعدية التي ترى في كل سلطة لا تحكم بالشريعة خصمًا يجب إسقاطه. في فقرة مطوّلة من كلمته، أشاد العولقي برموز الجهاد العالمي، وعلى رأسهم عبد الله عزام، الذي وصفه بأنه "المجاهد المربي"، وأسامة بن لادن، الذي قال عنه: "أقام الحجة على العالم، ووجه سهامه نحو قلب أمريكا، فأربكها وأدخلها جحرها." كذلك استحضر سيرة أيمن الظواهري، واصفًا إياه بـ"المنظّر الذي فهم طبيعة العدو الحقيقي". هذا التمجيد الواضح لا يُقصد به فقط الإشادة بالماضي، بل يُراد به تثبيت الشرعية الرمزية للتنظيم، وإعادة تقديم القاعدة كقائد للحراك الإسلامي العالمي. ويمضي العولقي في تصعيد الخطاب، داعيًا إلى نقل المعركة إلى داخل الأراضي الأمريكية، قائلًا: "على المجاهدين أن يعلموا أن رأس الأفعى في واشنطن، وأن أي نصر في فلسطين لا يكتمل إلا بضرب العدو في عقر داره." هذا النوع من الخطاب يعكس العودة إلى مفردات ما بعد 11 سبتمبر، حين كانت القاعدة تُؤسس لمعادلة "الرد بالمثل"، وتدعو لاستهداف المصالح الأمريكية في كل مكان، بحجة أن الولايات المتحدة هي "العدو الأول للأمة"، و"فرعون العصر" كما سمّاها العولقي نصًا. في المجمل، بدا الخطاب موجّهًا لجمهور محبط وعاجز، يشاهد الفظائع في غزة ولا يملك وسيلة للفعل. ومن هذا الباب، يعرض العولقي تنظيمه كـ"البديل الجذري"، القادر وحده على تغيير الواقع. قال بوضوح: "لن تحرر فلسطين المؤتمرات، ولا البيانات، ولا التفاوض، بل يُحررها الرجال الذين نذروا أنفسهم للجهاد في سبيل الله، وساروا على نهج القاعدة." بهذا المنطق، يعيد العولقي تصوير تنظيمه كالممثل الأصيل للأمة في مواجهة العدوان، مغذّيًا الشعور بالعجز بخطاب ثوري يَعِد بالخلاص عبر العنف، لا عبر السياسة أو القانون. لا يمكن قراءة خطاب سعد العولقي بمعزل عن التحولات الإقليمية والضغوط التي تتعرض لها التنظيمات الجهادية، وعلى رأسها القاعدة. ففي ظل تراجع حضور التنظيم في معاقله التقليدية، وتنامي نفوذ "تنظيم الدولة" (داعش) كخصم أيديولوجي وميداني، يبدو أن العولقي يحاول استثمار المشهد الفلسطيني – لا سيما مشاهد الدمار في غزة – لإعادة إحياء سردية "العدو البعيد"، واستدرار تعاطف قاعدة شعبية واسعة باتت تميل إلى الواقعية السياسية أو انكفأت بسبب الإحباط. هذا الخطاب لا ينفصل أيضًا عن صراع داخل التيارات الجهادية نفسها، حيث تحاول القاعدة – عبر أذرعها في اليمن والشام والساحل الإفريقي – أن تُعيد تقديم نفسها كحامل راية "الجهاد العالمي" في مواجهة "تقاعس الحكومات" من جهة، و"وحشية الغرب" من جهة أخرى. ومن خلال رمزية العولقي، وهو نجل الداعية المعروف أنور العولقي الذي قُتل بغارة أمريكية، يسعى التنظيم إلى إعادة إنتاج رموزه، واستدعاء سيرة "شهداء القاعدة" لربط الماضي بالحاضر. في جوهره، لا يقدّم الخطاب جديدًا، بل يكرّر أدبيات قديمة بلغة انفعالية تستند إلى وقائع معاصرة. لكنه مع ذلك يشير إلى محاولة واعية من التنظيم للعودة إلى الساحة، ليس عبر العمليات الكبرى، بل عبر التأثير الخطابي، وتجييش العواطف، واستغلال لحظة الغضب الشعبي لتمرير رسائل تعبئة وتحريض، قد تكون لها تبعات أمنية في مناطق متعددة من العالم. الإفلات من النقد الذاتي: في الوقت الذي يُمطر فيه سعد العولقي خطابه باتهامات قاسية موجهة إلى الأمم المتحدة، والمجتمع الدولي، والحكومات العربية، يلفت الانتباه غيابٌ شبه كامل لأي مراجعة ذاتية لمسيرة التنظيمات الجهادية. فالعولقي يتحدث عن 'خيانات الحكام' و'تآمر الدول الكبرى'، لكنه يتجنب عمداً فتح أي ملف يتعلق بإخفاقات الحركات المسلحة، أو كلفة ما خلّفته مشاريعها على المجتمعات الإسلامية، من دمار وفوضى وتمزيق للنسيج الاجتماعي. وكأن تجربة 'الجهاد العالمي' منذ عقود لا تستحق حتى لحظة مساءلة أو تفكير، بل تُقدّم كمسار نقي لا تشوبه دماء المدنيين ولا فشل سياسي. الأكثر لفتًا هو توظيف العولقي لقضية فلسطين – لا سيما مأساة غزة – كأداة تعبوية تخدم المشروع الجهادي، دون أن يضع في الحسبان أن هذا التوظيف قد ساهم تاريخيًا في اختطاف القضية وتسييسها لصالح أجندات عابرة للحدود. ففي خطابه لا يتحدث العولقي عن فلسطين كقضية تحرر وطني أو شعب يناضل من أجل حريته، بل كـ"ساحة من ساحات الجهاد الأممي"، تسير على خطى أفغانستان والعراق وسوريا، وهو الطرح ذاته الذي ساهم في عسكرة القضية وتغريبها عن عمقها الشعبي. وبينما تتصاعد في الشارع العربي والإسلامي دعوات لتوسيع دائرة النضال الفلسطيني ليشمل الأدوات الدبلوماسية، والنضال المدني، وتوحيد الصف السياسي، يصرّ العولقي على تقديم الصراع ضمن ثنائية مغلقة: "إيمان وكفر"، "نصرة أو خيانة"، "سيف أو خنوع". ففي خطابه يقول: "ما يحدث في غزة يكشف من هم عباد الله ومن هم أولياء الطاغوت"، وهو تعبير يشي بتكفير ضمني لكل من يختار طريقًا آخر غير القتال، حتى لو كان يقف إلى جانب الفلسطينيين سياسيًا أو إنسانيًا. من خلال هذه الثنائية، يعيد الخطاب إنتاج منظومة "الولاء والبراء" التي طالما استخدمتها التنظيمات الجهادية كأداة للتجنيد والتأطير، حيث يُدفع الشاب المتعاطف مع غزة إلى استنتاج أن طريق الانضمام إلى الجماعة هو السبيل الوحيد لـ"نصرة المسلمين". وهنا يكمن الخطر الحقيقي: في اختزال القضية، ونفي أي مساحة للنقاش أو التعدد، وتحويل المأساة الإنسانية إلى مدخل لإعادة تدوير خطاب إقصائي دموي، يرفض التعدد في أدوات المواجهة، ويقصي كل من لا يحمل السلاح. مخاوف من موجة تعبئة جديدة يأتي خطاب سعد العولقي في لحظة فارقة، إذ يعيش العالم الإسلامي حالة شديدة من الغضب الشعبي والاحتقان العاطفي بسبب المجازر التي تُرتكب في غزة، وسط مشاهد مروعة للقتل الجماعي والحصار والتجويع. في هذا السياق، لا تبدو كلمات العولقي مجرد 'نصرة لغزة'، بل تُقرأ كجزء من محاولة واعية لاستثمار هذا الغضب الجمعي وتوجيهه نحو أجندات قديمة جديدة. فحين يصرّ على استخدام تعبيرات مثل 'حرب صليبية صهيونية'، أو حين يتهم الحكومات الإسلامية بـ"الخيانة والردة"، فهو لا يخاطب العقل بقدر ما يستثير مشاعر النقمة، في سياق تعبئة نفسية تمهّد لتجنيد الأفراد. يشير خبراء مكافحة الإرهاب إلى أن مثل هذه الخطابات تمثل حلقة من حلقات 'إحياء الجهاد الكوني'، وهو مشروع ظل يتراجع في السنوات الأخيرة بعد الضربات التي تلقاها تنظيما القاعدة وداعش. واللافت أن العولقي لا يخفي رغبته في هذا الإحياء؛ إذ يقول بوضوح إن "النصرة لغزة لن تكون بغير سيف"، ويتحدث عن "فتح ثغور الجهاد" من اليمن إلى أفغانستان، داعيًا الشباب إلى اللحاق بـ"ركب المجاهدين". هذا التصعيد في اللغة لا يُفهم إلا كمحاولة لإعادة التموضع السياسي للتنظيم، عبر تجديد الدماء وإحياء الرمزية القديمة للقتال. خطورة هذا الخطاب لا تكمن فقط في محتواه، بل في توقيته. فالجماعات الجهادية تدرك أن لحظات الانفعال الشعبي تشكل بيئة خصبة لإعادة التجنيد. ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، لم يعد من الضروري أن يتنقل الشخص فعليًا إلى "أرض المعركة"؛ بل يكفي أن يقتنع بالسردية، وينخرط في نشاط دعمي، أو يُنفّذ عملية فردية باسم "الذئب المنفرد". وهنا يتحوّل خطاب العولقي إلى محفّز للفعل لا مجرد رأي، خصوصًا حين يصف كل من لا يلتحق بالجهاد بأنه "متخلف عن الصفوف"، بل "من أهل النفاق"، على حد تعبيره. إن السياق الذي يتحرك فيه العولقي اليوم يفتح الباب أمام موجة تعبئة جديدة، قد لا تكون بنفس طابع الموجات الجهادية القديمة، لكنها قادرة على إعادة تنشيط خلايا نائمة، أو خلق تعاطف اجتماعي يُضعف حملات الوقاية من التطرف. ومن خلال استغلال المأساة الحقيقية في غزة، يُعاد إنتاج خطاب يستثمر في الدم والدمار ليصوغ 'بطولات جديدة'، ويُلبسها ثوب النُصرة، بينما غايته السياسية والأمنية الحقيقية تكمن في البقاء والاستمرار لا في تحرير الأرض أو إنقاذ الشعب. ردود الفعل الامنية: يثير خطاب سعد العولقي، الذي ظهر فيه مروّجًا لسردية "الجهاد الكوني"، قلقًا بالغًا لدى الأجهزة الأمنية في المنطقة، خصوصًا أن توقيته يتزامن مع حالة غضب شعبي غير مسبوقة بسبب المجازر في غزة. ورغم أن الخطاب لم يتضمّن دعوة مباشرة إلى تنفيذ عمليات فورية، فإن رمزيته التعبوية وطبيعته التحريضية ترفع احتمالات تحرّك خلايا نائمة أو إطلاق موجات تجنيد جديدة، خاصة في بيئات مضطربة مثل اليمن، والساحل الإفريقي، وحتى بعض الأوساط المسلمة في الغرب. بحسب تقارير استخباراتية غربية، فإن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب كان قد دخل مرحلة ركود نسبي خلال السنوات الأخيرة، لكن الخطاب الأخير يُفهم على أنه محاولة لكسر هذا الجمود. إذ تشير بعض المصادر إلى تحركات تنظيمية محدودة في محافظتي شبوة والبيضاء باليمن، تشمل تدريبات داخل معسكرات مغلقة، وإعادة تفعيل قنوات اتصال داخلية. كذلك، تتابع الاستخبارات الأميركية والبريطانية عن كثب بعض الحسابات والمراسلات المشفّرة التي تصاعد فيها استخدام شعارات مستلهمة من كلمة العولقي، ما يُعد مؤشرًا على بدء تعبئة إلكترونية تمهيدية. أمام هذا التصعيد الخطابي، رفعت عدة أجهزة استخبارات عربية وغربية من درجة التأهّب، خصوصًا في الدول التي شهدت في السابق عمليات إرهابية على يد خلايا مرتبطة بتنظيم القاعدة. وتشير تحليلات أمنية إلى أن الخطاب لم يكن موجهًا فقط للأنصار المحليين، بل سعى إلى تجاوز الإطار اليمني لاستنهاض قاعدة جهادية عالمية، وهو ما يتقاطع مع تحذيرات الأمم المتحدة من عودة نشاط التنظيمات الإرهابية مستغلّة النزاعات المفتوحة. كما تُبدي بعض العواصم الأوروبية قلقًا متزايدًا من استخدام القضية الفلسطينية كمدخل لإحياء خطاب العنف بين الجاليات المسلمة. الجمهور المستهدف في خطاب سعد العولقي: خطاب سعد العولقي لا يقتصر على مخاطبة أنصار تنظيم القاعدة التقليديين فقط، بل يسعى إلى جذب جمهور أوسع من المسلمين المتدينين والغاضبين، خاصة الشباب، الذين يشعرون بالغضب والاستياء من المجازر التي تحدث في غزة. يستغل العولقي هذا الغضب ليُحوّله إلى أداة تعبئة تحرّضية، مستهدفًا بذلك قطاعات تتراوح بين الجيل الجديد من المقاتلين المحتملين وبين شرائح مجتمعية متدينة تبحث عن تبرير وسبب للتحرك ضد ما تُسمى بـ"العدو الصليبي الصهيوني". يستخدم العولقي في خطابه لغة قريبة من الشباب، مع توظيف مفردات قوية ومشاعر الاستنكار والغضب التي تتماهى مع واقعهم، خصوصًا في المناطق التي تعاني من الفقر والتهميش مثل الريف اليمني وبعض الدول العربية الأخرى. هذا الخطاب يراعي التأثير العاطفي، ويركز على إظهار الصورة كصراع وجودي بين "الإيمان والكفر"، ما يجذب بالدرجة الأولى فئات عمرية بين 18 و35 سنة، الذين يمثلون النواة الأساسية لأي حركة جهادية ناشئة. بجانب استخدامه أدبيات جهادية تقليدية، يحاول العولقي إدخال رموز معاصرة، مثل وصف الصراع بـ"حرب إبادة" و"النكبة"، وهو أسلوب يصدح بمآسي معاصرة عميقة في الذاكرة الجماعية للمسلمين، مما يجعل الخطاب أكثر تأثيرًا وانتشارًا على منصات التواصل الاجتماعي. كما يستغل شعارات المقاومة والعدالة الاجتماعية، ما يوسع دائرة التأثير ليشمل حتى فئات لم تكن بالضرورة منخرطة في التنظيمات المسلحة، وإنما تشعر بالاغتراب السياسي والديني. ختامًا يمكن القول إن خطاب سعد العولقي يمثل محاولة واضحة لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية لإعادة إحياء مشروعه القديم عبر استثمار مأساة غزة كمحرّك عاطفي لتحفيز قاعدة شعبية واسعة على تبني خطاب العنف والجهاد الشامل. هذا الخطاب، رغم كونه متكررًا في مضامينه، يحمل رمزية قوية تعكس أزمة هوية التنظيم وإفلاسه الفكري في مواجهة المتغيرات الإقليمية والدولية. ومع ذلك، لا يقتصر الخطر على مضمون الخطاب وحده، بل يتعداه إلى توقيته الذي يزامن موجة غضب شعبي عارمة ومأساة إنسانية حقيقية. هذا يفتح المجال أمام احتمالات تصعيد عمليات إرهابية محلية ودولية، واستغلال التنظيم لموجة التعاطف مع القضية الفلسطينية في تجنيد عناصر جديدة، خاصة في ظل ضعف الرقابة الأمنية في بعض المناطق وعدم الاستقرار السياسي. كما يبرز من هذا الخطاب غياب أي نقد ذاتي أو مراجعة لسياسات التنظيمات الجهادية التي أضرت بالأمة وشعبها، بل يتم تقديم العنف كسبيل وحيد للحل، مع تصفية حسابات سياسية وأيديولوجية ضيقة، مما يزيد من تعقيد المشهد الأمني والسياسي في المنطقة. وفي هذا السياق، يبقى التحدي الأكبر أمام المجتمعات والحكومات هو مواجهة خطاب العنف والفكر المتطرف ببدائل عقلانية وسلمية تتيح تجاوز المأساة نحو بناء مستقبل أكثر استقرارًا. في النهاية، فإن خطاب العولقي يحذر من استمرارية حالة الانقسام والتطرف التي لا تخدم سوى مشاريع التدمير والتفتيت. ومن هنا تبرز أهمية تعزيز الجهود الدولية والإقليمية للوقوف بصلابة في وجه خطابات التحريض، مع دعم المسارات السياسية والإنسانية التي تعيد القضية الفلسطينية إلى سياقها الوطني والإنساني بعيدًا عن استغلال الجماعات المتطرفة لمآسي الشعوب.

ما الذي يربط ترامب وماسك رغم الخلاف؟
ما الذي يربط ترامب وماسك رغم الخلاف؟

شفق نيوز

timeمنذ 4 ساعات

  • شفق نيوز

ما الذي يربط ترامب وماسك رغم الخلاف؟

لا يبدو أن الخلاف بين اثنين من أقوى مليارديرات العالم سينتهي قريباً، خصوصاً بعد أن زعم الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الجمعة، أن إيلون ماسك، أغنى رجل في العالم، "فقد عقله". وعلى الرغم من أن المراقبين توقعوا منذ فترة طويلة أن ترامب وماسك سيختلفان في نهاية المطاف، إلا أن قلة توقعوا سرعة وضراوة الخلاف بينهما على وسائل التواصل الاجتماعي. يشار إلى أن المكالمة الهاتفية التي كان من المقرر إجراؤها بينهما الجمعة لم تتم، ويقال إن ترامب يفكر في بيع سيارة تسلا الحمراء التي اشتراها من شركة ماسك في مارس/ آذار. وقد يكون لخلافهما بشأن الإنفاق الحكومي الأمريكي آثار بعيدة المدى على الصناعة الأمريكية. ومنذ أن أعلن ماسك دعمه الكامل للرئيس ترامب عقب محاولة اغتياله في بنسلفانيا قبل أقل من عام، ازداد تشابك المصالح السياسية والتجارية بين الرجلين. وأصبح الرجلان يعتمدان على بعضهما البعض، في عدة مجالات رئيسية - بما في ذلك التمويل السياسي، والعقود الحكومية، وعلاقاتهما الشخصية - ما يعني أن إنهاء التحالف بينهما من المرجح أن يكون فوضوياً. وهذا يُعقّد تداعيات خلافهما، ويضمن أنه أينما اتجه الخلاف، سيظلان مرتبطين - ولديهما القدرة على الإضرار ببعضهما البعض بطرق متعددة. تمويل الحملات الانتخابية على مدار العام الماضي، كانت تبرعات ماسك لترامب والجمهوريين الآخرين هائلة - إذ بلغ مجموع التبرعات 290 مليون دولار وفقاً لموقع (أوبن سيكريتس) لتتبع تمويل الحملات الانتخابية. وزعم ماسك، الخميس، أن الرئيس فاز في الانتخابات بفضله، واشتكى من "نكران الجميل". وهناك مثال مضاد واضح. ففي وقت سابق من هذا العام، أنفق ماسك 20 مليون دولار في سباق قضائي رئيسي في ولاية ويسكونسن، ومع ذلك، خسر مرشحه الجمهوري المختار بفارق 10 نقاط مئوية في ولاية فاز بها ترامب في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. ومع ذلك، تُعدّ تبرعات ماسك مبلغاً ضخماً من المال سيُفوّت على الجمهوريين في سعيهم للحفاظ على تفوقهم في الكونغرس في انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر/ تشرين الثاني 2026. وربما كانت هذه مشكلة يواجهوها على أي حال. إذ أن ماسك كان قد صرّح في وقت سابق بأنه سيُساهم "بشكل أقل بكثير" في الحملات الانتخابية في المستقبل. ولكن هل يُمكن أن يدفع خلاف ماسك مع البيت الأبيض ليس فقط إلى الانسحاب، بل إلى إنفاق أمواله لدعم معارضة ترامب؟ وألمح [ماسك] بذلك، يوم الخميس عندما نشر استطلاع رأي على منصة إكس X، عبر التساؤل "هل حان الوقت لإنشاء حزب سياسي جديد في أمريكا يُمثّل فعلياً نسبة 80 في المئة من الطبقة المتوسطة؟" BBC دخلت شركات ماسك، بما في ذلك سبيس إكس وشركتها الفرعية ستارلينك وتسلا، معاملاتٍ تجاريةً ضخمةً مع الحكومة الأمريكية. وحصلت شركة سبيس إكس وحدها على عقودٍ حكومية أمريكية بقيمة 20.9 مليار دولار منذ عام 2008، وفقاً لتحليل أجرته بي بي سي لتقصي الحقائق. وأدرك ترامب أن هذا الأمر يمنحه نفوذاً على أغنى رجل في العالم. ونشر على موقع "تروث سوشيال" التابع لترامب، يوم الخميس "أسهل طريقة لتوفير المال في ميزانيتنا، مليارات الدولارات، هي إنهاء الدعم الحكومي وعقود إيلون ماسك. ولطالما فوجئت بأن بايدن لم يفعل ذلك!" في المقابل، هدد ماسك بالرد بإيقاف تشغيل مركبة سبيس إكس دراغون، التي تنقل رواد الفضاء والإمدادات إلى محطة الفضاء الدولية. لكنه تراجع لاحقاً عن هذا التهديد. عملياً، يُعد إلغاء العقود الحكومية أو الانسحاب منها عملية قانونية معقدة وطويلة، ومن المرجح أن تواصل الحكومة الأمريكية، في الوقت الحالي وفي المستقبل، التعامل التجاري مع شركات ماسك بشكل كبير. إذ لا يمكن لأي شركة أخرى غير سبيس إكس تصنيع صواريخ دراغون وفالكون 9، والتزمت ناسا بعدد من رحلات محطة الفضاء والقمر باستخدام مركبات سبيس إكس. وعلى الرغم من هذه الشراكات التجارية، يواجه ماسك وشركاته أيضاً تحقيقات من عدد من الوكالات الحكومية - أكثر من 30 وكالة، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز في فبراير/ شباط - وقضايا تنظيمية مثل الموافقة على سيارات الأجرة ذاتية القيادة التي اقترحتها تسلا. شخصيات داخل الحكومة ووادي السيليكون عندما كُلّف ماسك بإنشاء إدارة كفاءة الحكومة لخفض التكاليف (دوج) Doge، كأحد محركات التغيير الرئيسية التي وضعها ترامب داخل الحكومة الفيدرالية الأمريكية، مُنح صلاحيات واسعة لاختيار موظفيه. ووفقاً لقوائم مسربة لموظفي إدارة كفاءة الحكومة، عمل العديد منهم سابقاً في شركات ماسك. وعلى الرغم من مغادرة ماسك (دوج) قبل أسبوع، لا يزال العديد من الموظفين في وظائفهم الحكومية. كما يرتبط بعض موظفي (دوج) بعلاقات وثيقة مع معسكر ترامب. فقد كانت كاتي ميلر - التي عملت في إدارة ترامب الأولى ومتزوجة من نائب رئيس موظفي البيت الأبيض الحالي ستيفن ميلر - المتحدثة باسم إدارة كفاءة الحكومة. ومع ذلك، أفادت شبكة سي إن إن CNN أن السيدة ميلر تركت الحكومة أيضاً الأسبوع الماضي، وتعمل الآن بدوام كامل مع ماسك. وهناك آخرون في إدارة ترامب قد تُختبر ولاءاتهم بسبب هذا الخلاف. كديفيد ساكس، الذي عيّنه ترامب مستشاره الأول في مجال الذكاء الاصطناعي والعملات المشفرة، المُقرّب من ماسك، والذي عمل معه قبل عقود في شركة باي بال. وفي شركة إكس (تويتر سابقا)، كان العديد من المديرين التنفيذيين في وادي السيليكون، إلى جانب مؤثري عالم ماغا، يختارون أحد الجانبين، ويُحللون الرسائل المتبادلة بين الرئيس وأغنى رجل في العالم. كما أجرت شركة يوغوف لاستطلاعات الرأي استطلاعاً سريعاً يوم الخميس، سألت فيه المشاركين "ستصطفون إلى جانب من؟". وأشارت النتائج إلى أن 70 في المئة من الجمهوريين المشاركين في الاستطلاع اختاروا ترامب، مُقارنةً بأقل من واحد من كل عشرة اختار ماسك.

'سي. إن. إن' تكشف .. إسرائيل أطلقت النار على فلسطينيين خلال توزيع المساعدات
'سي. إن. إن' تكشف .. إسرائيل أطلقت النار على فلسطينيين خلال توزيع المساعدات

موقع كتابات

timeمنذ 20 ساعات

  • موقع كتابات

'سي. إن. إن' تكشف .. إسرائيل أطلقت النار على فلسطينيين خلال توزيع المساعدات

وكالات- كتابات: كشف تحقيق أميركي ميداني؛ أجرته شبكة (سي. إن. إن)، عن إطلاق جيش الاحتلال الإسرائيلي نيرانًا كثيفة على حشود من الفلسطينيين أثناء محاولتهم الوصول إلى مركز لتوزيع المساعدات الإنسانية في منطقة 'تل السلطان'؛ غرب 'رفح'، جنوبي 'قطاع غزة'. واعتمد التحقيق على شهادات أكثر من: (12) شاهد عيان، بينهم مصَّابون، بالإضافة إلى مقاطع مصورة تم التحقق من مواقع تصويرها، أظهرت طلقات نارية ورصاصًا من أسلحة ثقيلة يُعتقد أنها من دبابات إسرائيلية مزودة برشاشات (إف. إن. ماغ-FN MAG)، وهو سلاح شائع الاستخدام في ترسانة جيش الاحتلال الإسرائيلي. وقد حدّدت تسجيلات مصوّرة؛ قامت الشبكة الأميركية بتحليلها وتحديد مواقعها جغرافيًا، أن إطلاق النار وقع قرب دوار 'العلم' في منطقة 'تل السلطان'، حيث كان مئات الفلسطينيين قد تجمعوا على بُعد نحو: (800) متر من موقع توزيع المساعدات الخاضع للسيطرة العسكرية الإسرائيلية. ووثّق الشاب 'أمين خليفة'؛ (30 عامًا)، اللحظات العصيبة التي عاشها هو وآخرون وهم يحتّمون من الرصاص قرب الدوار، في تسجيلات التقطها صباح الأحد الماضي. وأفاد أحد أصدقائه للشبكة بأنه: 'عاد يوم الثلاثاء إلى الموقع نفسه، في محاولة للحصول على المساعدات لكنه استشهد'. ووفقًا لخبراء أسلحة، فإن وتيرة إطلاق النار التي سُمعَت في الفيديوهات والرصاص المستَّخرج من أجساد الضحايا تتطابق مع أسلحة رشاشة تستخدمها قوات الاحتلال الإسرائيلي، ويُمكن تثبّيتها على الدبابات. كما أكّد شهود عيان أنهم رأوا إطلاق النار ينطلق من دبابات إسرائيلية كانت متمركزة في الجوار. وقالت منظمة (مؤسسة غزة الإنسانية)؛ وهي جهة مدعومة من 'الولايات المتحدة وإسرائيل'، وتتولى إدارة موقع المساعدات، إن القوات الإسرائيلية كانت تنشّط في المنطقة خلال وقت إطلاق النار، لكنها نفت أن يكون إطلاق النار قد وقع داخل مركز التوزيع. وأظهر التحقيق مقاطع مصورة لانفجارات وطلقات رصاص مضيئة وأخرى لجثث ملقاة على الرمال، معظمها برؤوس مصابة بطلقات نارية، بحسّب أطباء من 'مستشفى ناصر' الذين استخرجوا رصاصات من أجساد الضحايا يُعتقد أنها من عيار (7.62) ملم. وراجع 'روبرت ماهر'؛ أستاذ الهندسة الكهربائية وهندسة الحاسوب في جامعة ولاية 'مونتانا' والمتخصص في تحليل الصوت الجنائي، اللقطات وأوضح أن دفعات إطلاق النار كانت بمعدل يتراوح بين: (15 و16) طلقة في الثانية؛ (أي ما يُعادل: 900 إلى: 960 طلقة في الدقيقة)، وقد أطلقت من مسافة تُقدر بحوالي (450) مترًا. وبناءً على الطابع العشوائي للأصوات، قال 'ماهر' إن الطلقات بدت وكأنها تُطلق بشكلٍ متكرر في اتجاه واحد، وأضاف: 'نظرًا لأن أصوات الطلقات غير منتظمة، فإن الأمر يبدو أشبه بعملية رش نار عشوائي على المنطقة'. ورغم نفي الجيش الإسرائيلي مسؤوليته عن الحادثة، أكد لاحقًا أنه أطلق: 'طلقات تحذيرية' تجاه من وصفهم/ بـ'مشتبه فيهم' اقتربوا من مواقعه. كما زعم أن 'حركة المقاومة الإسلامية'؛ (حماس)، تبث: 'أكاذيب' بشأن الحادثة. وبعيدًا عن إشراف 'الأمم المتحدة' والمنظمات الإغاثية الدولية، بدأت 'إسرائيل'، يوم 27 آيار/مايو الماضي، تنفيذ مخطط مشبّوه لتوزيع مساعدات إنسانية عبر (مؤسسة غزة الإنسانية)؛ المدعومة إسرائيليًا وأميركيًا والمرفوضة من قبل 'الأمم المتحدة'. وحدد جيش الاحتلال الإسرائيلي (04) نقاط لتوزيع المساعدات عبر هذه المؤسسة، منها (03) جنوب القطاع وواحدة في 'محور نتساريم'؛ الذي يفصل بين جنوب القطاع وشماله. وتسمح 'إسرائيل' فقط لهذه: 'المؤسسة المتواطئة معها' بتوزيع مساعدات شحيحة في مناطق عازلة جنوبي القطاع بهدف تفريغ الشمال من الفلسطينيين، في حين يباشر الجيش إطلاق النار على حشود الجائعين مخلفًا قتلى وجرحى. ومنذ انطلاق العمل بهذه الآلية؛ ارتكب جيش الاحتلال الإسرائيلي مجازر دامية قرب نقاط توزيع المساعدات، خصوصًا في مدينة 'رفح'؛ جنوبي القطاع. ومرارًا؛ قال المكتب الإعلامي الحكومي بـ'غزة'، إن الآلية الراهنة لتوزيع ما تسَّمى مساعدات هي أداة من أدوات الإبادة الجماعية، وتستهدف تهجير الفلسطينيين قسرًا من شمال 'قطاع غزة' إلى جنوبه. من جانبه؛ وصف المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة؛ 'فولكر تورك'، طريقة توزيع المساعدات بأنها: 'غير مقبولة' و'تمس بالكرامة الإنسانية'، وقال: 'تخيلوا أناسًا ينتظرون طعامًا ودواء منذ (03) أشهر، ثم يُطلب منهم الركض وسط إطلاق النار'. ومنذ تشرين أول/أكتوبر 2023، يُشن جيش الاحتلال 'حرب إبادة' على سكان 'قطاع غزة'، وفق توصيف خبراء دوليين، وقد استشهد خلالها أكثر من (54) ألف فلسطيني وأصيب نحو (125) ألفًا، وشُرد كل سكان القطاع تقريبًا وسط دمار لم يسبق له مثيل منذ الحرب العالمية الثانية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store