logo
رؤساء أميركا في هوليوود والدراما "مثالية زائفة"

رؤساء أميركا في هوليوود والدراما "مثالية زائفة"

Independent عربية٠٣-٠٣-٢٠٢٥

في المشهد الافتتاحي من مسلسل "يوم الصفر" Zero Day السياسي التشويقي الجديد الذي تعرضه "نتفليكس"، وبعد هجوم سيبراني هائل ومميت ضرب الولايات المتحدة، ينطلق الرئيس الأميركي السابق جورج مولن الذي يجسده روبرت دي نيرو في جولة مرتجلة عبر مدينة منكوبة. ويقف أمامه حشد يتأرجح بين الغضب والعداء، حتى يتقدم أحدهم باندفاع ويواجهه بتحد غاضب. ويتوقف مولن ليخاطبه مباشرة بنبرة تجمع بين الطمأنينة والمواجهة الخفيفة. ويطرح عليه تحدياً - وعلى مستوى أوسع، يطرحه على الأمة بأكملها - يدعو فيه الجميع إلى البحث عن أفضل ما في أنفسهم لمواجهة الأزمة.
وسرعان ما يستجيب الرجل، مقتنعاً على ما يبدو بأن أميركا على رغم كل شيء قد تكون بالفعل في أيد أمينة. والمفارقة أنه في ظل الأحداث الأخيرة، فإن الرئيسة الحالية في العالم الخيالي لـ"يوم الصفر" هي امرأة سوداء تدعى إيفلين ميتشل وتؤديها أنجيلا باسيت. وهذا بلا شك أمر رائع لكن لنكن واقعيين، هل يتوقع منا حقاً أن نصدق هذا السيناريو المثالي، إذ يمكن للأميركيين حتى في خضم الفوضى، أن يتوحدوا تحت نداء حزبي جامع للصالح العام؟ في الواقع، لا يثير ذلك سوى ابتسامة ساخرة ممزوجة بالمرارة.
وفي الحقيقة، كثيراً ما حملت صورة الرؤساء الأميركيين في الأعمال الدرامية بعداً كوميدياً طفيفاً، وكلما زادت جديتهم في تقديم أنفسهم، زادت هذه الكوميديا وضوحاً. وعلينا الاعتراف بأن جورج مولن يأخذ نفسه على محمل الجد بصورة استثنائية. ولكن، سواء كان الأمر يتعلق بالتقوى الليبرالية الصارمة التي جسدها مارتن شين في شخصية جيد بارتليت، المثال الفاضل في مسلسل "الجناح الغربي" The West Wing، أو بروح الطيار المقاتل المندفع التي أضفاها بيل بولمان على شخصية توماس جيه ويتمور في فيلم "يوم الاستقلال" Independence Day، فقد كانت هذه الشخصيات دائماً تمثل تجسيدات جادة، وإن بدت أحياناً مبالغاً فيها، لصورة أميركا عن ذاتها.

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن ماذا يحدث لمفهوم الرئيس الخيالي عندما يكون الرئيس الحقيقي في البيت الأبيض مداناً جنائياً؟ لا تعمل حركة "اجعلوا أميركا عظيمة مجدداً" (ماغا) فقط على تفكيك البنية الإدارية والنظم الديمقراطية لأميركا، بل إنها تعمل بسرعة على تفكيك هوية أميركا ذاتها. في عدة مشاهد من "يوم الصفر"، يغرق مولن في صراع داخلي حول السلطات التنفيذية غير المسبوقة التي منحت له. ويعلن قائلاً "لن نحاول التلاعب بأي شيء. ويجب أن يعرف الشعب الأميركي الحقيقة". لكن في عصر دونالد ترمب، تبدو هذه الجملة أشبه بمفهوم قديم وبريء للغاية - لماذا لا يستغل الرئيس كل شيء أمامه، ويكذب في شأنه ثم يطالب بمزيد؟
يمكن القول إن روبرت دي نيرو على رغم عظمته كممثل، هو أسوأ خيار ممكن لمعالجة هذا الموضوع. فهو لم يخف يوماً ازدراءه التام لدونالد ترمب، وفي تصريحاته العلنية يبدو أنه ينقل وجهة نظر تكاد تكون سائدة في أوساط هوليوود. يمثل انتصار ترمب نهاية حقبة، بينما يجسد دي نيرو في دوره تصوره الخاص عن رئيس أميركي سابق مثالي، إذ يمنح شخصية جورج مولن نوعاً من النبل الجريح والخشونة العتيقة. لكن في ظل الواقع الجديد الذي اختاره الناخب الأميركي، لمن يوجه هذا المسلسل بالضبط؟
من الواضح أن ما يعرف بالحرب الثقافية التي تخوضها النخب لم تترك أثراً يذكر في سياق الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة. كانت كامالا هاريس تحظى بدعم ثقافي هائل، يضم أسماء مثل تايلور سويفت وبيونسيه وبروس سبرينغستين ومادونا، إلى جانب عشرات من الرموز المهمة في الثقافة والفن. وفي المقابل، كان ترمب مدعوماً من كيد روك وهالك هوغان. ومع ذلك، وعلى رغم صعوبة تقبل هذه الحقيقة، حصد ترمب التصويت الشعبي. وفي النهاية، لم يكن لافتقاره إلى النفوذ الثقافي أي تأثير يذكر. بل إن فوزه، الذي يحمل في طياته نزعة شبه عدمية، يشير إلى أن افتقاره لجاذبية المشاهير ربما كان ميزة وليس عيباً.
إذن، أين تضع هذه الظروف الأعمال الدرامية ذات الحساسية السياسية التي يتمتع بها "يوم الصفر"؟ من حيث موقعها عند تقاطع السياسة والثقافة، فإنها تبدو أقرب إلى مشاهدة دراما تاريخية مألوفة وهادئة، كما أثبتت مسلسلات مثل "العودة إلى برايدزهيد" Brideshead Revisited و"داونتون آبي" Downton Abbey، فإن الناس يجدون عزاء في وضوح الماضي عندما يصبح الحاضر مثيراً للقلق. وعلى رغم أن "يوم الصفر" يحمل بصمات عصرية ظاهرياً - بدءاً من المذيعين الصاخبين المثيرين للجدل، إلى الإرهابيين الانعزاليين، ووصولاً إلى هشاشة العالم المترابط - فإنه يبدو خارج السياق الزمني، وكأنه تمرين في استدعاء الحنين إلى الماضي.
بالطبع، ليس هذا خطأ "يوم الصفر" في حد ذاته. فعند النظر إليه بتجرد، هو عمل جيد- حبكته متشابكة، ومشحون بالأخطار والإثارة. كما أن إنتاجه بدأ منذ أعوام، قبل أن يصبح صعود ترمب السياسي مرة أخرى أمراً وارداً في الحسبان. فكيف كان بإمكان صناعة التنبؤ بأن محاولة انقلاب على المؤسسات الأميركية لن تؤثر في فرص ترمب في العودة إلى السلطة مجدداً؟ والسؤال الآن، ماذا بعد؟ قد يكون هذا الوضع فرصة جديدة بحد ذاته، فإذا كانت صورة الرئيس الليبرالي المثالي والعقلاني التي تقدمها هوليوود فقدت بريقها كفكرة، فهذا يمنح الدراما مساحة غير مسبوقة من الحرية.
إذا كان لا بد من وجود رؤساء أميركيين خياليين، فإن هذا العصر هو بالتأكيد الوقت المناسب لتقديم شخصيات شريرة فاسدة، أو حتى مجنونة. فبالنظر إلى الجدية التي أصبحنا ملزمين بها عند التعامل مع دونالد ترمب، من غير المنطقي أن نتوقع منح الشخصيات الرئاسية الخيالية المستوى نفسه من الاحترام الأخلاقي. بل على العكس، ينبغي على الكتاب أن يتجهوا نحو الكوميديا اللاذعة والعبثية.
ربما عليهم تقديم شخصيات على غرار الرئيسة سيلينا ماير (التي جسدها جوليا لويس دريفوس) في مسلسل "فيب" Veep، التي تترك موظفيها يواجهون مصيرهم في إيران بينما تنشغل بإدارة التغطية الإعلامية لكارثة تسببت فيها بنفسها؟ أو ربما الرئيس ميركين مافلي (أداه بيتر سيلر) في فيلم "دكتور سترينجلوف" Dr. Strangelove، الذي يقوم بتدمير العالم في نهاية المطاف؟
تتطلب الأوقات المتطرفة حلولاً خيالية متطرفة. ومن يدري؟ ربما بعد بضعة أعوام من تصوير الرؤساء كمسوخ وأشرار، قد يصبح الجمهور الأميركي أخيراً مستعداً لاستقبال رئيس يشبه جورج مولن في الواقع - أو حتى رئيسة مثل إيفلين ميتشل؟

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

فرض قيود على الصحفيين في «البنتاغون»
فرض قيود على الصحفيين في «البنتاغون»

سعورس

timeمنذ ساعة واحدة

  • سعورس

فرض قيود على الصحفيين في «البنتاغون»

كما طلب البنتاغون من مؤسسات إعلامية قديمة، مثل نيويورك تايمز وواشنطن بوست و(سي.إن.إن) و(إن.بي.سي نيوز)، إخلاء مكاتبها في البنتاغون في نظام تناوب جديد جلب مؤسسات أخرى، منها وسائل إعلام صديقة بوجه عام لإدارة ترمب مثل نيويورك بوست وبرايتبارت وديلي كولر وشبكة وان أمريكا نيوز. وتقول إدارة ترمب إن الهدف من تلك الخطوة هو إتاحة الفرصة لوسائل الإعلام الأخرى لإعداد تقاريرها بينما تحظى بصفة أعضاء مقيمين في السلك الصحفي. وأوردت رويترز الجمعة أيضا أن إدارة ترمب نشرت أجهزة كشف الكذب للتحقيق في تسريب المعلومات غير المصنفة على أنها سرية، وتم إبلاغ بعض مسؤولي وزارة الأمن الداخلي بأنهم معرضون للفصل من العمل لرفضهم الخضوع لاختبارات كشف الكذب. ويقول البيت الأبيض إن ترمب لن يتهاون مع تسريب المعلومات لوسائل الإعلام وإن الموظفين الاتحاديين الذين يفعلون ذلك يجب أن يخضعوا للمساءلة. وجاء في المذكرة التي أصدرها هيغسيث الجمعة أنه يتعين على السلك الصحفي في البنتاغون الإقرار بمسؤوليته عن حماية معلومات المخابرات الوطنية والمعلومات الحساسة ومنحهم تصاريح جديدة تبرز هويتهم الصحفية بشكل أوضح. وذكرت المذكرة "نتوقع أيضا إعلانا قريبا عن تدابير أمنية إضافية وتشديد الرقابة على إصدار التصاريح". من جانب آخر، ذكرت صحيفة فاينانشال تايمز الأحد أن مسؤولين من جمهورية الكونغو الديمقراطية متفائلون بإمكانية التوصل إلى اتفاق مع واشنطن الشهر المقبل لتأمين استثمارات أميركية في المعادن الحيوية، فضلا عن دعم الولايات المتحدة لجهود إنهاء التمرد المدعوم من رواندا في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية. وذكرت رويترز الأسبوع الماضي أن معادن في الكونغو يمكن تصديرها بشكل مشروع إلى رواندا لمعالجتها بموجب شروط اتفاق سلام يجري التفاوض عليه مع الولايات المتحدة. وتتهم كينشاسا منذ فترة طويلة رواندا المجاورة باستغلال تلك المعادن بشكل غير قانوني. ونقلت الصحيفة عن مصدرين مقربين من المفاوضات قولهما إن إبرام اتفاق استثمار مع الولايات المتحدة واتفاق سلام منفصل مع رواندا ممكن "بحلول نهاية يونيو"، لكن العقبات المحتملة لا تزال كبيرة. ونقلت الصحيفة أيضا عن وزير المناجم في الكونغو كيزيتو باكابومبا القول إن إبرام اتفاق مع الولايات المتحدة سيساعد على "تنويع شراكاتنا"، مما يقلل من اعتماد البلاد على الصين فيما يتعلق باستغلال الثروات المعدنية الهائلة. وترى كينشاسا أن نهب ثرواتها المعدنية محرك رئيسي للصراع بين قواتها ومتمردي حركة 23 مارس المدعومة من رواندا في شرق الكونغو الذي اشتد منذ يناير الماضي، وتتهم كيجالي بتهريب معادن بعشرات الملايين من الدولارات عبر الحدود شهريا لبيعها من رواندا. ولم ترد وزارة الخارجية الأميركية بعد على طلب من رويترز للتعليق.

وحده ترمب قادر على لجم إسرائيل
وحده ترمب قادر على لجم إسرائيل

Independent عربية

timeمنذ 7 ساعات

  • Independent عربية

وحده ترمب قادر على لجم إسرائيل

انهالت الإدانات الغاضبة سريعاً بسبب سلوك إسرائيل في الحرب على غزة. شهد النصف الثاني من عام 2024 موجة انتقادات، غلبت عليها اللهجة اللاذعة من الاتحاد الأوروبي وإدارة بايدن على خلفية الدمار غير الضروري الذي ألحقته إسرائيل بالقطاع، واستخدامها المفرط للذخائر ضد غير المقاتلين، وتجويعها للسكان، ومنعها المساعدات الإنسانية، ورفضها المشاركة في وضع إطار سياسي لحقبة ما بعد الحرب في غزة، وتلكؤها في إنهاء الحرب حتى، واتهامها بارتكاب أفعال ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية. لكن هذا الأسبوع، ارتفع سقف الانتقادات وتصاعدت حدة التنديد. أين نبدأ؟ من البيان البريطاني – الكندي - الفرنسي المشترك في شأن إسرائيل، وتعليق بريطانيا المحادثات التجارية، واتخاذ الاتحاد الأوروبي قراراً بمراجعة الاتفاقات المشتركة. وصولاً إلى التوبيخ النادر إنما الشديد من وزير الخارجية البريطاني في مجلس العموم، وعودة الحديث عن اعتزام بعض الدول الأوروبية بالاعتراف الأحادي الجانب بدولة فلسطينية. والأقسى من كل هذا ربما في عيون إسرائيل، تلك التسريبات من البيت الأبيض التي تعكس إنهاك الرئيس دونالد ترمب، واستيائه من تصرفات بنيامين نتنياهو. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) والامتعاض السائد داخل الحكومة الإسرائيلية هو أن الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وكندا دانت إسرائيل ليس فقط لأنها - طبعاً - منافقة وجبانة، بل أيضاً لأن دونالد ترمب همش إسرائيل خلال جولته في الشرق الأوسط، مفضلاً زيارة السعودية والإمارات وقطر. وبالتالي، وجد هؤلاء الأوروبيون المعادون لإسرائيل أمامهم فرصة سانحة. لكن ذلك أبعد ما يكون عن الحقيقة، صحيح أن ترمب همش إسرائيل وأثار الشكوك حول قيمتها كحليف. وفعل ذلك حين دخل في محادثات مباشرة مع إيران حول صفقة نووية، وعلق العمليات العسكرية ضد الحوثيين في اليمن من دون أن يأتي على ذكر إسرائيل، وسافر إلى السعودية والإمارات وقطر في جولة حصاد اقتصادي تفادى خلالها زيارة إسرائيل بكل وضوح، لكنه لم يقلل من شأن إسرائيل، بل نتنياهو من فعل ذلك بعد سنوات من التحدي والغرور والسياسات المتهورة. ترافق البيان البريطاني – الكندي - الفرنسي المشترك الصادر يوم الإثنين الماضي ضد سلوك إسرائيل مع تهديد مبطن، "لن نقف كالمتفرجين فيما تستمر حكومة نتنياهو بهذه التصرفات السافرة. وإن لم توقف إسرائيل هجومها العسكري المتجدد وترفع القيود عن المساعدات الإنسانية، سنرد على ذلك باتخاذ خطوات ملموسة أخرى". إن بريطانيا وكندا والاتحاد الأوروبي ليست ضد إسرائيل لكن ضد نتنياهو وحكومته، ولم يأخذوا إشارة للتحرك من واشنطن. اعترضت وزارة الخارجية الإسرائيلية بصورة درامية قائلة "انتهى الانتداب البريطاني منذ 77 عاماً"، لكن ذلك محض هراء، والشيء الوحيد الصحيح فيه هو التاريخ: لم يكن لإسرائيل صديق أفضل في أوروبا من بريطانيا منذ كارثة السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، والحرب التي تلتها في غزة. ولم يلطف أي من كير ستارمر أو ديفيد لامي، وهما حليفان طويلا الأمد لإسرائيل، كلامهما تعقيباً على ذلك، فقال ستارمر: "وصلت المعاناة في غزة إلى مستوى لا يطاق". أما لامي فكان أكثر صرامة، إذ استشهد بدعمه الصادق ل إسرائيل منذ بداية الحرب عام 2023، قبل أن يقول "علينا أن نسمي الأشياء [التطهير العرقي] بأسمائها. هذا تطرف. وهو بغيض. ووحشي". ثم علقت بريطانيا المحادثات التجارية مع إسرائيل، وفرضت بعض العقوبات، يجب القول من باب الإنصاف إنها كانت خفيفة، على عدد من المستوطنين وبعض المنظمات الاستيطانية المتشددة في الضفة الغربية. ومن خلال مبادرة هولندية، أعلن الاتحاد الأوروبي نيته "مراجعة" اتفاق الشراكة الاقتصادية مع إسرائيل، وهو الاتفاق الساري منذ عام 1995. ولعل الساسة الفاسدين الذين يتصدرون الحكومة الإسرائيلية نسوا أن الاتحاد الأوروبي هو أكبر شريك تجاري لإسرائيل، إذ يمثل 34 في المئة من وارداتها، ونحو 30 في المئة من صادراتها. وبرر الاتحاد الأوروبي هذه الخطوة بالاشتباه في أن إسرائيل قد لا تلتزم بحسن نية بالمادة الثانية من الاتفاق، التي تنص على أن "العلاقات بين الطرفين، وكذلك جميع أحكام الاتفاق، يجب أن تقوم على احترام حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية، وهو ما يعد بنداً جوهرياً في الاتفاق". فهل يكون هذا هو التسونامي الدبلوماسي الذي حذر منه كثيرون طوال سنوات، الذي يعمق عزلة إسرائيل وتهميشها، وبدرجة أكبر منذ أن أطلق نتنياهو انقلابه الدستوري في مطلع عام 2023؟ تظل الولايات المتحدة الطرف الحاسم في هذه المعادلة، وكما شددت افتتاحية "اندبندنت"، فإن الضغط الأميركي هو السبب الوحيد الذي دفع إسرائيل إلى السماح، ولو بحد أدنى، بدخول المساعدات إلى غزة. ومع ذلك فإن التوسع البري الإسرائيلي الجديد يثير تساؤلات حول ما ناقشه نتنياهو مع ترمب، وما الذي تعهد ترمب بتنفيذه – أو الامتناع عنه - رداً على ذلك. يمكن لترمب، الذي رجته السعودية أن ينهي الحرب، أن يمارس ضغطاً حقيقياً على إسرائيل، ولن يواجه معارضة شديدة في واشنطن إن فعل ذلك. كما يمكنه، في المقابل، أن يظل بعيداً ويقول "اتصلوا بي حين تصبحون جديين، أسحب يدي من الموضوع". وأي من الخيارين قد يثير انتقادات أوروبية جديدة، وربما حتى اتخاذ خطوات ملموسة ضد إسرائيل. عندما تتجاهل أفكار حلفائك واقتراحاتهم في السياسة وتزدريها وتتحداها منذ عام 1967، وتغذي في المقابل حساً كاذباً بعقلية الضحية، وبأن "العالم ضدنا" في سبيل جني مكاسب سياسية، قد يأتيك بالفعل يوم حساب. ومن أجل تفادي ذلك، تحتاج إسرائيل إلى تخليص نفسها من هذه الحكومة. ألون بينكاس هو قنصل عام إسرائيلي سابق لدى الولايات المتحدة، وكان مستشاراً سياسياً لرئيسي وزراء سابقين هما شمعون بيريز وإيهود باراك.

هل استسلم العالم لمحو غزة من الخريطة؟
هل استسلم العالم لمحو غزة من الخريطة؟

الوطن

timeمنذ 8 ساعات

  • الوطن

هل استسلم العالم لمحو غزة من الخريطة؟

العالم غاضبٌ، حانقٌ، مقهورٌ، مستَفَزٌّ وعاجزٌ، حيال فظاعة ما يجري في قطاع غزّة، لكنه يبدو مستسلمًا أمام «القدر» الذي صنعته عقول التطرّف الوحشي وآلة التقتيل والتدمير الإسرائيلية. مستسلمٌ لأن الولايات المتحدة والقوى الغربية التي سارعت إلى العراق وسوريا لسحق تنظيم «داعش» وإرهابه و«دولته»، ولمنعه من العبث بجغرافية البلدَين، لم تمانع أن تمارس إسرائيل إرهابًا «ما بعد داعشيٍّ» بأحدث الأسلحة والقنابل الاختراقية والذكاء الاصطناعي لاقتلاع فلسطينيي غزّة من بيوتهم، لتسوية أبنيتهم ومستشفياتهم ومدارسهم ومساجدهم بالأرض، لتجريف آثارهم ومقابرهم ولإلغاء أي وجود وتاريخ وملكية وانتماء لهم إلى هذه الأرض. بعد نحو عشرين شهرًا من الحرب، تتحدّث إسرائيل عن خططها العسكرية الراهنة بمصطلحات واضحة، وتنفذّها بطرائق أكثر وضوحًا بمعدل مجازر عدة يوميًا، مع تركيز شديد على الأطفال والنساء. يوم السبت (24.05.25) وصلت طبيبة الأطفال آلاء النجار إلى عملها في مجمع ناصر الطبي في خان يونس، وبعد لحظات وصلت جثامين تسعة من أطفالها قُتلوا بصاروخ إسرائيلي وأصيب زوجها وابنها العاشر. هذه مجرد عيّنة من إجرام قضى على عائلات بأكملها. يُجمَع الآن مليونا غزّي في زاوية في جنوب غربي القطاع ليصبحوا فعلًا في معسكر تصفية قبل القتل أو الترحيل. مسؤولون في الكيان الإسرائيلي لا يتورّعون عن ذكر مصطلح «الحل النهائي» الذي استخدمه النازيون لإبادة اليهود. لم يعد خافيًا أن الخطة ترمي إلى إبادة غزّة، إلى محوها من جغرافية فلسطين. لم تتلقف العواصم الكبرى أيًّا من الإشارات الكثيرة التي لاحت منذ بدء الحرب حتى اليوم، لإدراك خطورة نهج الإبادة الذي ظهرت معالمه وواصلت إنكاره. دعمت واشنطن وحلفاؤها «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، أعطوها أكثر الأسلحة فتكًا ورأوا بأم العين كيف استخدمتها ضد المدنيين بذريعة أن مقاتلي «حماس» والفصائل متغلغلون بينهم. دافعوا عنها في مجلس الأمن وأمام محكمة العدل الدولية، وحقدت واشنطن على جنوب إفريقيا التي قاضت إسرائيل بتهمة الإبادة الجماعية إلى حدّ أن دونالد ترمب نصب فخًّا لرئيسها سيريل رامافوزا واستخدم فيديو «أدلة مغلوطة» لاتهام بلاده بإبادة المزارعين البيض. وعندما كُشف أن ذلك الفيديو من الكونغو لم يُصدر البيت الأبيض أي اعتذار أو توضيح، فالمهم أن الرئيس استطاع إفحام ضيفه ولو بالكذب. تلاعب بنيامين نتنياهو وعصابته بالإدارة الأمريكية السابقة، شريكتهم، إلى حدّ إهانتها وإذلالها. أحبطوا كل خطة اقترحتها لـ«اليوم التالي» بعد الحرب، لأن إسرائيل لم تتصوّر أي نهاية لهذه الحرب بوجود أهل غزّة على أرضها. وبعد أيام من تسلّمه صلاحياته سارع ترمب إلى إعلان تبنّيه «خطة تهجير سكان غزّة» باعتبارها نتيجة بديهية لما أنجزته إسرائيل، ومع أنه اقتصد في الحديث عنها بعد الاعتراضات العربية إلا أنه لم يتخلَّ عنها. ولترسيخ اقتناع ترمب بالمشروع العقاري في غزّة، يُنفذ الجيش الإسرائيلي الآن أوامر بتدمير أي مبنى لا يزال قائمًا. في آخر تصريحات لنتانياهو حرص على القول إنه ماضٍ في خطط السيطرة على كامل قطاع غزّة «وصولًا إلى تهجير سكانها وفقًا لبرنامج ترمب» الذي هو في الأساس برنامج إسرائيلي. ردّ نتنياهو بصلفٍ على انتقادات أوروبية لممارسات لإسرائيل سواء في عملياتها العسكرية أو في منعها دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزاه الجوع وبدأ يميت أطفالًا ومسنّين. خلافًا لألمانيا التي لم تغادر هوسها المَرَضي بدعم إسرائيل في حربها، خرجت بريطانيا أخيرًا عن صمتها، ومعها فرنسا وكندا، وإلى حدٍّ ما بلجيكا، واتخذت لندن إجراءات (تعليق مفاوضات اتفاق جديد للتجارة الحرّة) وفرضت عقوبات على أشخاص وكيانات منخرطة في اعتداءات المستوطنين في الضفة الغربية، فيما طلبت باريس مراجعة لاتفاق الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، ولوّحت الدول الثلاث بإمكان «الاعتراف بدولة فلسطينية». لم تأتِ هذه المواقف متأخرة فحسب، بل ظلّت الإجراءات المعلنة بعيدة عن وقف الإمدادات العسكرية وبالتالي غير مؤثرة أو رادعة للوحش الإسرائيلي الهائج. وبعد مقتل موظفين إسرائيليين في واشنطن، برصاص شخص هتف «فلسطين حرّة»، أمكن آلة التضليل الإسرائيلية أن تتحدّى الأوروبيين وتتهمهم بأنهم يحرّضون على «معاداة السامية». وذهب نتنياهو إلى حدّ مقارنة «فلسطين حرّة» بالشعار النازي «هايل هتلر». وعلى الرغم من الحديث عن جفاء شخصي بينه وبين ترمب، وعن ضغوط أمريكية للتوصل إلى صفقة وقف إطلاق نار مع تبادل أسرى فإن وفد إسرائيل غادر مفاوضات الوسطاء في الدوحة من دون تحقيق أي تقدم، ولم يتسنَّ العثور على أثر لضغوط أمريكية. وبعد اتصال ترمب- نتنياهو نقل مكتب الأخير أن الرئيس الأمريكي عبّر عن «دعمه لضمان إطلاق جميع الرهائن وللقضاء على حماس»، أي أنه لا يؤيّد المآخذ الأوروبية ولا يمارس ضغوطًا. * ينشر بالتزامن مع موقع «النهار العربي»

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store