logo
'البيت' في عدد جديد

'البيت' في عدد جديد

جريدة الصباح٠٨-٠٤-٢٠٢٥

صدر حديثا العدد ال44 من مجلة 'البيت' التي يصدرها 'بيت الشعر' في المغرب. وتصدر العدد، بعد الكلمة الافتتاحية، حوار مع الأديبة الكورية الجنوبية، هان كانغ، الحاصلة على جائزة نوبل للآداب (2024) بعنوان 'معنى أن يتحول المرء إلى نبتة'، أجرته سابين بيشيل وترجمه فيصل أبو الطفيل. وفي باب

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

علي بوزردة من الرباط إلى واشنطن... الصحافيون بين مطرقة السلطة وسندان المصالح الاقتصادية الثلاثاء 20 ماي 2025
علي بوزردة من الرباط إلى واشنطن... الصحافيون بين مطرقة السلطة وسندان المصالح الاقتصادية الثلاثاء 20 ماي 2025

لكم

timeمنذ 5 أيام

  • لكم

علي بوزردة من الرباط إلى واشنطن... الصحافيون بين مطرقة السلطة وسندان المصالح الاقتصادية الثلاثاء 20 ماي 2025

كان بوب ديلان Bob Dylan، الحائز على جائزة نوبل للشعر، يغني في ستينيات القرن الماضي: « TheThe Times They Are A-Changing' » 'الأزمنة تتغير…' — وبعد ستين سنة، يبدو أن هذا المقطع الشيق أصبح نبوءة حزينة بالنسبة للصحافيين في العالم، الذين يواجهون ضغوطًا متعددة ومتزايدة يوماً بعد يوم. اليوم، لم تعد الصحافة تعمل فقط في مناخ من انعدام الثقة، بل تجد نفسها وسط عاصفة تتقاطع فيها الرقابة المقنعة، الضغوط القضائية، التبعية المالية، والتلاعبات الأيديولوجية. إنها مرحلة غامضة يقف فيها الصحافي «بين المطرقة والسندان»: من جهة، واجبه المقدس في نقل المعلومة بكل حرية وتجرد، ومن جهة أخرى، تهديد القوى السياسية والاقتصادية التي تسعى إلى إسكات صوته. المغرب ليس استثناءً. عدد المحاكمات المرتبطة بحرية التعبير منذ مطلع القرن لازال يثير القلق. صحافيون متابعون بتهم القذف، وسائل إعلام معاقبة لكشفها وقائع حساسة: مساحات التعبير تقلصت مع مرور الزمن، رغم التصريحات الرسمية المتكررة عن «الحداثة الديمقراطية» و«احترام حرية تعبير الصحافة». ويبدو أن الرقابة الذاتية، بل الصمت الكامل عما يزعج، أصبحت سيدة الموقف في المشهد الإعلامي المغربي، مقابل التركيز على الحوادث العابرة، والفضائح الجنسية، و«التفاهة» التي تضمن النقرات، ولكن قد تجلب الصفعات أيضًا. وإذا كنا نتوقع (بحق أو بغير حق) مثل هذه الانحرافات في ديمقراطيات ناشئة، فإن المفاجأة تكون أكبر عندما تقع في معاقل الحرية المعلنة، كحال الولايات المتحدة الأمريكية. نشرت صحيفة نيويورك تايمز New York Times في عددها الصادر بتاريخ 18 ماي 2025 سؤالًا يبعث على القشعريرة: 'كيف يمكن أن يحدث هذا هنا، في بلد يتفاخر بالتعديل الأول؟' The first amendment وينص هذا التعديل في الدستور الأمريكي على أنه: 'لا يجوز للكونغرس إصدار أي قانون يحد من حرية التعبير أو حرية الصحافة.' ويعني ذلك أن الدولة لا يمكنها قانونيًا فرض رقابة على الصحافيين أو منع المواطنين من التعبير بحرية — وهي ركيزة أساسية للديمقراطية الأمريكية. تطرقت هذه الصحيفة الواسعة الانتشار إلى شكلين من أشكال قمع الإعلام: الأول مباشر ووحشي، كما في الأنظمة السلطوية مثل الصين أو روسيا، حيث يُسجن الصحافيون أو يُقتلون. والثاني أكثر مكرًا وخطورة، يوجد في الديمقراطيات الحديثة، حيث لا رقابة رسمية، بل مضايقات قضائية، ضغوط تنظيمية، ملاحقات تعسفية، أو استهداف مصالح ملاك وأصحاب وسائل الإعلام الاقتصادية. الهدف: ردع الصحافيين عن التطرق للمواضيع الحساسة، وإجبارهم على الرقابة الذاتية، أو صرف نظرهم عن ما تود السلطة إبقاءه في الظل بعيدا عن فضول الجمهور . لقد ولّى الزمن الذي كشفت فيه صحيفة واشنطن بوست فضيحة ووترغيت Watergate وتسببت في إسقاط الرئيس نيكسون. هذه الآلية ليست بجديدة. ففي سبعينيات القرن الماضي، تَسرّب الصحافي الألماني غونتر فالراف إلى صحيفة Bild الشعبوية، والتي تطبع ملايين من النسخ يومياً، تحت هوية مزيفة، لكشف ممارسات صحافة منحرفة في خدمة أصحاب المال والنفوذ. وفي كتابه: الصحافي غير المرغوب فيه (1977)، لم يتردد في وصف صحافة تكذب، وتشوه، وتضلل لإرضاء الممولين والمعلنين. واشتهرت عبارته اللاذعة: 'الصحافيون كالعاهرات، يفعلون ما يُطلب منهم مقابل المال.' رغم قسوتها، إلا أنها لا تزال تُحدث صدى، خاصة في زمن باتت فيه الاستقلالية التحريرية مشروطة بالمصالح المالية. وفي كتابه: كبش فداء (1985)، ذهب الكاتب الألماني هذا إلى أبعد من ذلك، منتقدًا التهميش المنهجي للعمال المهاجرين خاصة الأتراك، ودور الإعلام في هذا التواطؤ. وقد لجأ بعد ذلك إلى هولندا بعد الحملة الشعواء التي شنتها عليه وسائل الإعلام المقربة من أصحاب المال والجاه مطالبة بمحاكمته. وهكذا أصبحت العلاقة المشتبه فيها بين الإعلام والسلطة مكشوفة للرأي العام. فحسب تحليل نشره الموقع الإخباري الأمريكي Splinter، وحدهم الديمقراطيون الأمريكيون فوق سن الخمسين يحتفظون ببعض الثقة في الإعلام التقليدي، أما باقي الفئات — على اختلاف انتماءاتهم السياسية — فتعبر عن شكوك عميقة تجاه الصحافة الرصينة. هذا مثال صارخ: فرغم الشكوك حول تلقي الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب رشوة فاضحة من قطر، لم تجرؤ الصحافة الأمريكية الكبرى على استعمال مفردات مثل «رشوة» أو «فساد». هذه قضية استغلال السلطة يعترف به بعض المؤثرين من اليمين المتطرف المساندين لترامب، في حين تمتنع المؤسسات الإعلامية الكبرى عن تسميته علنًا. تقرأ، كل يوم، هذه العبارة تحت شعار صحيفة واشنطن بوست Washington Post : 'الديمقراطية تموت في الظلام' ( Democracy dies in darkness) ولا يُراد من هذا الكلام شيطنة «الإعلام» بجملته. هناك الكثير من الصحافيين الذين لا يزالون يقاومون، يحققون، يكشفون — وغالبًا على حساب مستقبلهم المهني، وأحيانًا حياتهم. لكن المؤشرات الحمراء تتكاثر: فلا ديمقراطية بدون صحافة مستقلة وشجاعة. فالمعركة من أجل إعلام حر لا تُخاض فقط في ساحات المحاكم، بل في كل غرف التحرير، وكل خط افتتاحي، وفي العلاقة بين الصحافي وقارئه. وفي هذا الزمن الملتبس، أصبحت المعركة ضرورة قصوى. ولا غرابة أن تذكّر واشنطن بوست قراءها، للأسف، بأن «الديمقراطية تموت في الظلام». وهي جملة تعيدنا إلى المقولة الشهيرة للفيلسوف والمناضل أنطونيو غرامشي Antonio Gramsci من زنزانته: 'العالم القديم يحتضر، والعالم الجديد لم يولد بعد، وفي هذه الحالة الملتبسة بين النور والظلام تظهر الوحوش.' منعطف تاريخي حافل بالغموض… حادث له علاقة بالموضوع في 2012، نشر موقع Gawker الجريء والرائد في الصحافة الرقمية مقطعًا حميميًا لنجم المصارعة الشهير هالك هوغان (تيري بوليا). فرفع هذا الأخير دعوى بتهمة التعدي على الخصوصية، وكسب تعويضًا بقيمة 140 مليون دولار سنة 2016. لكن خلف الكواليس، كان يقف الملياردير بيتر ثيل (أحد مؤسسي PayPal)، الذي موّل سرًا القضية بدافع الانتقام: إذ كشف الموقع عن مثليته سنة 2007 دون موافقته.

من الرباط إلى واشنطن.. الصحافيون بين مطرقة السلطة وسندان المصالح الاقتصادية
من الرباط إلى واشنطن.. الصحافيون بين مطرقة السلطة وسندان المصالح الاقتصادية

اليوم 24

timeمنذ 6 أيام

  • اليوم 24

من الرباط إلى واشنطن.. الصحافيون بين مطرقة السلطة وسندان المصالح الاقتصادية

كان بوب ديلان Bob Dylan، الحائز على جائزة نوبل للموسيقى، يغني في ستينيات القرن الماضي: « TheThe Times They Are A-Changing' » 'الأزمنة تتغير…' — وبعد ستين سنة، يبدو أن هذا المقطع الشيق أصبح نبوءة حزينة بالنسبة للصحافيين في العالم، الذين يواجهون ضغوطًا متعددة ومتزايدة يوماً بعد يوم. اليوم، لم تعد الصحافة تعمل فقط في مناخ من انعدام الثقة، بل تجد نفسها وسط عاصفة تتقاطع فيها الرقابة المقنعة، الضغوط القضائية، التبعية المالية، والتلاعبات الأيديولوجية. إنها مرحلة غامضة يقف فيها الصحافي «بين المطرقة والسندان»: من جهة، واجبه المقدس في نقل المعلومة بكل حرية وتجرد، ومن جهة أخرى، تهديد القوى السياسية والاقتصادية التي تسعى إلى إسكات صوته. المغرب واختبار الحق في الإعلام دون «قيود» المغرب ليس استثناءً. عدد المحاكمات المرتبطة بحرية التعبير منذ مطلع القرن لازال يثير القلق. صحافيون متابعون بتهم القذف، وسائل إعلام معاقبة لكشفها وقائع حساسة: مساحات التعبير تقلصت مع مرور الزمن، رغم التصريحات الرسمية المتكررة عن «الحداثة الديمقراطية» و«احترام حرية التعبير الصحافة». ويبدو أن الرقابة الذاتية، بل الصمت الكامل عما يزعج، أصبحت سيدة الموقف في المشهد الإعلامي المغربي، مقابل التركيز على الحوادث العابرة، والفضائح الجنسية، و«التفاهة» التي تضمن النقرات، ولكن قد تجلب الصفعات أيضًا. وإذا كنا نتوقع (بحق أو بغير حق) مثل هذه الانحرافات في ديمقراطيات ناشئة، فإن المفاجأة تكون أكبر عندما تقع في معاقل الحرية المعلنة، كحال الولايات المتحدة الأمريكية. نشرت صحيفة نيويورك تايمز New York Times في عددها الصادر بتاريخ 18 ماي 2025 سؤالًا يبعث على القشعريرة: 'كيف يمكن أن يحدث هذا هنا، في بلد يتفاخر بالتعديل الأول؟' The first amendment وينص التعديل هذا في الدستور الأمريكي على أنه: 'لا يجوز للكونغرس إصدار أي قانون يحد من حرية التعبير أو حرية الصحافة.' ويعني ذلك أن الدولة لا يمكنها قانونيًا فرض رقابة على الصحافيين أو منع المواطنين من التعبير بحرية — وهي ركيزة أساسية للديمقراطية الأمريكية. تطرقت هذه الصحيفة الواسعة الإنتشار إلى شكلين من أشكال قمع الإعلام: الأول مباشر ووحشي، كما في الأنظمة السلطوية مثل الصين أو روسيا، حيث يُسجن الصحافيون أو يُقتلون. والثاني أكثر مكرًا وخطورة، يوجد في الديمقراطيات الحديثة، حيث لا رقابة رسمية، بل مضايقات قضائية، ضغوط تنظيمية، ملاحقات تعسفية، أو استهداف مصالح ملاك وأصحاب وسائل الإعلام الاقتصادية. الهدف: ردع الصحافيين عن التطرق للمواضيع الحساسة، وإجبارهم على الرقابة الذاتية، أو صرف نظرهم عن ما تود السلطة إبقاءه في الظل بعيدا عن فضول الجمهور . لقد ولّى الزمن الذي كشفت فيه صحيفة واشنطن بوست فضيحة ووترغيت Watergate وتسببت في إسقاط الرئيس نيكسون. قناع الصحافة الخانعة هذه الآلية ليست بجديدة. ففي سبعينيات القرن الماضي، تَسرّب الصحافي الألماني غونتر فالراف إلى صحيفة Bild الشعبوية، والتي تطبع ملايين من النسخ يومياً، تحت هوية مزيفة، لكشف ممارسات صحافة منحرفة في خدمة أصحاب المال والنفوذ. وفي كتابه : الصحافي غير المرغوب فيه (1977)، لم يتردد في وصف صحافة تكذب، وتشوه، وتضلل لإرضاء الممولين والمعلنين. واشتهرت عبارته اللاذعة: 'الصحافيون كالعاهرات، يفعلون ما يُطلب منهم مقابل المال.' رغم قسوتها، إلا أنها لا تزال تُحدث صدى، خاصة في زمن باتت فيه الاستقلالية التحريرية مشروطة بالمصالح المالية. وفي كتابه : كبش فداء (1985)، ذهب الكاتب الألماني هذا إلى أبعد من ذلك، منتقدًا التهميش المنهجي للعمال المهاجرين خاصة الأتراك، ودور الإعلام في هذا التواطؤ. وقد لجأ بعد ذلك إلى هولندا بعد الحملة الشعواء التي شنتها عليه وسائل الإعلام المقربة من أصحاب المال والجاه مطالبة بمحاكمته. وهكذا أصبحت العلاقة المشتبه فيها بين الإعلام والسلطة مكشوفة للرأي العام. فحسب تحليل نشره الموقع الإخباري الأمريكي Splinter، وحدهم الديمقراطيون الأمريكيون فوق سن الخمسين يحتفظون ببعض الثقة في الإعلام التقليدي، أما باقي الفئات — على اختلاف انتماءاتهم السياسية — فتعبر عن شكوك عميقة تجاه الصحافة الرصينة. هذا مثال صارخ: فرغم الشكوك حول تلقي الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب رشوة فاضحة من قطر، لم تجرؤ الصحافة الأمريكية الكبرى على استعمال مفردات مثل «رشوة» أو «فساد». هذه قضية استغلال السلطة يعترف به بعض المؤثرين من اليمين المتطرف المساندين لترامب، في حين تمتنع المؤسسات الإعلامية الكبرى عن تسميته علنًا. تقرأ، كل يوم، هذه العبارة تحت شعار صحيفة واشنطن بوست Washington Post : 'الديمقراطية تموت في الظلام' ( Democracy dies in darkness) ولا يُراد من هذا الكلام شيطنة «الإعلام» بجملته. هناك الكثير من الصحافيين الذين لا يزالون يقاومون، يحققون، يكشفون — وغالبًا على حساب مستقبلهم المهني، وأحيانًا حياتهم. لكن المؤشرات الحمراء تتكاثر: فلا ديمقراطية بدون صحافة مستقلة وشجاعة. فالمعركة من أجل إعلام حر لا تُخاض فقط في ساحات المحاكم، بل في كل غرف التحرير، وكل خط افتتاحي، وفي العلاقة بين الصحافي وقارئه. وفي هذا الزمن الملتبس، أصبحت المعركة ضرورة قصوى. ولا غرابة أن تذكّر واشنطن بوست قراءها، للأسف، بأن «الديمقراطية تموت في الظلام». وهي جملة تعيدنا إلى المقولة الشهيرة للفيلسوف والمناضل أنطونيو غرامشي Antonio Gramsci من زنزانته: 'العالم القديم يحتضر، والعالم الجديد لم يولد بعد، وفي هذه الحالة الملتبسة بين النور والظلام تظهر الوحوش.' منعطف تاريخي حافل بالغموض… حادث له علاقة بالموضوع في 2012، نشر موقع Gawker الجريء والرائد في الصحافة الرقمية مقطعًا حميميًا لنجم المصارعة الشهير هالك هوغان (تيري بوليا). فرفع هذا الأخير دعوى بتهمة التعدي على الخصوصية، وكسب تعويضًا بقيمة 140 مليون دولار سنة 2016. لكن خلف الكواليس، كان يقف الملياردير بيتر ثيل (أحد مؤسسي PayPal)، الذي موّل سرًا القضية بدافع الانتقام: إذ كشف الموقع عن مثليته سنة 2007 دون موافقته.

خُوسّيه سَارَامَاغُو.. من عاملٍ فى مصنعٍ للأقفال إلى جائزة نوبل
خُوسّيه سَارَامَاغُو.. من عاملٍ فى مصنعٍ للأقفال إلى جائزة نوبل

لكم

time٠٢-٠٥-٢٠٢٥

  • لكم

خُوسّيه سَارَامَاغُو.. من عاملٍ فى مصنعٍ للأقفال إلى جائزة نوبل

يعتبرالكاتب والروائي البرتغالي خوسّيه ساراماغو ظاهرة فريدة قد لا تتكرر في عالم الأدب العالمي، ذلك أنه كان عليه تخطيّ العديد من العقبات ومواجهة الصّعاب منذ ولادته في أسرة مُعوزة كانت تعاني من قلّة ذات اليد، وسوء الأحوال المالية، ما دفعه للعمل منذ صغر سنّه في عدّة مِهن متواضعة، حيث كان عاملاً في مصنعٍ للأقفال، وفي ورشٍ للميكانيكا، إلا أنه مع ذلك لم يهجر حبّه الجامح للقراءة، وشغفه الكبير بالكتب والعلم والإطلاع وبعده الإبداع. وُلد خوسيه ساراماغو في 16 نوفمبر 1922 في بلدة ازيناغا البرتغالية الصغيرة من أبٍ وجدٍّ مزارعيْن، وانتقلت الأسرة بعد ذلك للإقامة في العاصمة لشبونة، ولم يكن عمر ساراماغو يتجاوز العامين، ورحل ساراماغو عن عالمنا في 18 يونيو 2010 في جزيرة «لانثاروطي» الكنارية عن عمر يناهز 87 عاماً. رؤية الواضحة و بصِيرة ثاقبة وريّاح التغيير في إحدى روايات هذا الكاتب العصاميّ التي نُشرت عام 2004 تحت عنوان «البصيرة» أو «بحث في الصفاء» استقرأ الكاتب حسب تصريح أرملته الكاتبة، والمُترجِمة الإسبانية بِيلاَرْ دِيلْ رِييو إرهاصات وتنبّؤات رياح التغييرات التي كانت قد هبت، والثورات التي اندلعت في بعض البلدان العربية فى السنوات الأخيرة . ويندرج حَدْس الروائي البرتغالي في مجال رصد تنبؤات واستقراءات مُستقبلية لبعض الكتاب، والمفكرين، والمبدعين من العرب ومن الغربيين على حد سواء (من بينهم المفكر المغربي الراحل المهدي المنجرة رحمه الله ) بخصوص ما عُرف أو أُطلق عليه بـ«الربيع االعربي» الذي سرعان ما أضحىَ في عُرْف ونظر الكثيرين خريفاً شاحباً، حزيناً، كئيباً، وفي بعض الحالات مُخيباً للآمال، ويجدر بنا والحـــالة هـــذه أن نَسْتحْضِر، أو نُذكر في هذا السياق بما كانت قد صرّحتْ به أرملة ساراماجو الحاصل على جائـــزة نوبل في الآداب عام 1998، حيث قالت: «إنّ زوجها كان قد تنبّأ بالفعــــل بهذه الأحداث التي شهدتها المنطـــقة العـــربية في روايته المشار إليها أعلاه، التي تندرج ضمن ثلاثية تغـــوص بمهارة إبداعية فائقة في أعماق الهوية البشـــرية، منها «مقال حول العمىَ» في 1995 وهو الكتاب الأول، التي استكملها بـ«كل الأسماء» فـــي 1998 وهو الكتـــاب الثاني، وأخيراً الثالث وهو «مقال حول الصفاء» أو «البصيرة» في 2004. تشير بيلار ديل رييو إلى أن الرواية تروي لنا حكاية شعب قرر بالاجماع مقاطعة الانتخابات في البلاد، ما أشاع نوعاً من الهلع والرعب، والتخوّفات لدى المسؤولين، حيث اعْتُبِر هذا التصرّف بمثابة شكلٍ من أشكال التحدي، والمواجهة والعِصيان، أو إعلان، أو أمارات، أو إرهاصات تُنذر بقرب قيام الشعب بتمرّد عام على السلطة الحاكمة. كما أن هناك فقرة تشير إلى ما مفاده ومعناه، أن المواطنين يظلون معتصمين لعدة أيام في الساحة الرئيسية، أو الميدان الكبير للمدينة، حيث يتمكنون بالفعل تحت ضغط المظاهرات، والاحتجاجات المتواصلة من الإطاحة بالحاكم المُستبد – كما تصفه الرواية – وعندما ينتهي كل شيء، ويعود المتظاهرون إلى أعمالهم الاعتيادية، ومزاولة نشاطاتهم اليومية، يقررون في ما بعد تنظيم أنفسهم ويبدأون – قبل كل شيء- بتنظيف المكان الذي كانوا مُعتصمين فيه خلال الاحتجاجات». وتشير أرملة ساراماغو إلى أن ذلك ما حدث بالضبط أو ما يشبهه إلى حد بعيد في مصرَ، وفي بعض البلدان العربية الأخرى من العالم العربي، التي كانت قد طالتها رياحُ الغضب، وهبت عليها أعاصيرالتغيير.كان ساراماغو يعرف أنه لم تكن هناك أزمة اقتصادية حادة إبانئذٍ اجتاحت العالم، بقدر ما كانت هناك أزمة أخلاق، وسلوك، ومبادئ. وتؤكد هذه الكاتبة الإسبانية، ومترجمة أعمال خوسّيه ساراماغو من البرتغالية إلى لغة سيرفانتيس: «أن زوجها لم يكن قارئَ طالع، أو يتنبأ بالمستقبل، بل إنه كان مثقفاً يعيش عصرَه، ويعيه جيداً ويتفاعل مع أحداثه والتطورات التي يشهدها بدون انقطاع، وبالتالي فهو كان دائمَ الانشغال برصد عيوب العالم، ونواقصه بالتأمل، وإعمال النظر بمجرياته» على حد تعبيرها. وتضيف : «أنه كان مثقفاً دائمَ التفكير في كل ما يحيط به ويعايشه، مُمْعْناً النظرَ في العالم، ومتتبعاً لكل ما يعتريه من تغيرات، أو قصور». والبشرية سوف تتأخر كثيراً للتخلّص من هذه المُعضلات العويصة، والأزمات الحادّة التي كانت تعصف بها في ذلك الوقت حسب منظوره . يرى الكاتب البرتغالي كَارْلُوسْ رِيياسْ عميد جامعة «أبيرتا» البرتغالية أن خوسّيه ساراماغو، أثار خلال حياته غيرَ قليلٍ من الزوابع والجَدل حول العديد من القضايا المعاصرة سياسيةً كانت، أم أدبية، أو فلسفية، أو تاريخية، أو اجتماعية، أو دينية، وإن كان قد أصاب في بعضها، إلا أن غيرَ قليلٍ منها لم تخلُ من بعض الأباطيل، والمبالغات، والمغالطات، على صفحات الجرائد، والمجلات، والكتب بدون طائل يُذكر. ولعل روايته الشهيرة «العَمىَ» التي نال بها أو عنها «جائزة نوبل في الآداب» قد جعلتِ الأمورَ تدلهم أمام ناظريه، في بعض القضايا الدينية، والمشاغل السياسية المعاصرة على الصعيديْن الأوربي والعالمي». وتجدر الإشارة في الوقت نفسه إلى أن ساراماغو كانت له من جهة أخرى مواقف مشرفة على الصعيد العربي كموقفه الداعم لقضية فلسطين، وانتقاده لإسرائيل بعد الممارسات المبالغ فيها التى قامت بها ضد الفلسطينيين العزّل والتنكيل بهم آنذاك في العديد من المناسبات، وكان ساراماغو قد قام عام 2002 بزيارة لرام الله متضامناً مع الفلسطينيين أثناء الحصار الذي فرضته إسرائيل عليهم بعد انتفاضة الأقصىَ آفى ذلك الإبّان ، والتقى فيها بالرئيس الفلسطيني الراحل ياسرعرفات، حيث هاجمته الصهيونية العالمية، ونكلت به، وطالته حِرَابُها، بعد تصريحاته المُنتقدة لإسرائيل، كما أنه لم يكن يتفهّم مطالبَ المغرب المشروعة والعادلة في استكمال وحدته الترابية واسترجاع أقاليمه الجنوبية في الصحراء، وكان عضواً فاعلاً في الحزب الشيوعي البرتغالي، كما أنه كان ناشطاً في مجال حقوق الإنسان، وندد بغزو العراق، وسواها من المواقف الأخرى التي عبر فيها عن التزامه كمثقف يعيش عصرَه ويتفاعل معه. يؤكد الباحث كَارْلُوسْ رِيياسْ من جهة أخرى على أنه عندما صدرتْ رواية ساراماغو «الإنجيل حسب يسوع المسيح» عام 1991 أثارت ضجة كبيرة، انقلبت إلى نقمة عارمة عليه، إذ يوجّه فيها الكاتبُ انتقاداتٍ لاذعة للكنيسة الكاثوليكية، ما حدا به إلى التفكير في الاغتراب والهجرة بصفة نهائية من بلاده البرتغال ، خاصة بعد أن قامت الحكومة البرتغالية بحجز كتابه، واتهام رجال الدين في البرتغال وفي الفاتيكان له بالإساءة والمساس بالتراث الديني والرّوحي للبرتغاليين، ومنذ مغادرته البرتغال 1998 بدأ يُبدي نوعاً من الافتخار والتباهي بأصوله الأمازيغية – حسب رأيه – إذ كان يقول في مختلف المناسبات أن أجدادَه ينحدرون من شمال إفريقيا، وذلك – حسب رواية الباحث الآنف الذكر- وعند مغادرته لبلده انتقل ساراماغو للعيش في جزيرة «لانثاروطي» فيفى أرخبيل الخالدات، جزر الكناري، واستقر فيها بشكل دائم حتى آخر أيام حياته مولياً ظهرَه للغرب، ومُعانِقاً هذه الجزيرة الكنارية المحاذية للسواحل المغربية والضائعة في غياهب بحرالظلمات، والغارقة في متاهات المحيط الأطلسي الهادر. وخلال لقاء أجرته معه وكالة الأنباء الإسبانبة ' إيفي EFE' الواسعة الإنتشاردولياً قبيل رحيله، نشرت بعضَ أقوال ومأثورات ساراماغو منها: «لقد آن الأوان للعواء، لأننا إذا انسقنا خلف القوى التي تهيمن عليـــنا فمن الممكن القول إننا نستحق ما يحدث لنا». وقال عن الموت الذي كان يشعر بأنه بدأ يدنو منه بعد أن استفحل فيه المرض العضال، الذي كان ينهش جسمَه: 'الحبّ هو حصننا الوحيد أمام الموت وهو عملية طبيعية جداً، إنه نوع من التلقائية على وجه التقريب، أن أدخل إلى عالم اللاشيء وأن أتحلل هناك'. وكان ساراماغو أديباً صادقاً في مشاعره، ومفكراً صريحاً في مزاجه، جريئاً في تصريحاته، كان يقول في هذا القبيل: «أنا أقول كل ما يخطر على بالي في كل حين، فإذا كان وقعُه أمراً طيباً على الناس فهذا شيء حَسَن جداً، وإذا لم ينل رضاهم، فأيضاً تشرفنا». وبعد أن جاءه خبرُ فوزه بجائزة نوبل في الآداب العالمية قال: «أتذكر أنني أحسستُ عندئذٍ بعزلةٍ تامة، وقلتُ مع نفسي حسناً لقد فزتُ بنوبل، ولكنني سرعان ما تساءلتُ بعد ذلك وماذا بعد؟!، إنني أعرف جيداً أنها جائزة رفيعة إلاّ أنني أعلم كذلك أنني أعيش في كوكب صغير، داخل نظام شمسي صغير، وفي واحدة من أصغر المجرات في الكوْن الذي يحتوي على ما ينيف على 5 مليار مجرّة، ومع ذلك هذا لا يعني ذلك أنني لم أشعر بالسعادة عند حصولي على هذه الجائزة». كان يقول: «لديّ طابع مزاجي كئيب، أنا إنسان لا أضحك بسهولة ولا تسمع مني قهقهة وإذا حدث ذلك فلن أصدق نفسي أنها صادرة عني». «يقولون إنني إنسان واجم لا أبتسم إلا بالكاد، أنا أبتسم فقط عندما يكون هناك داعٍ حقيقي لذلك». 'أنا مجرد كاتب يقوم من خلال كتاباته برفع حجرة وجذب الانتباه إلى ما هو موجود أسفلها، وليس لي أيّ ذنب إذا خرجتْ من تحتها وحوش من حين لآخر' !.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store