logo
ما تطلعات أهل غزة

ما تطلعات أهل غزة

Independent عربية٢٢-٠٢-٢٠٢٥

في الأسابيع التي تلت وقف إطلاق النار الهش الذي توصلت إليه إسرائيل و"حماس" في الـ19 من يناير (كانون الثاني) واتفاق تبادل الأسرى، برزت إلى الواجهة مسألة مستقبل غزة وسكانها البالغ عددهم 2.1 مليون نسمة، إذ أدت الحرب إلى تحويل جزء كبير من غزة إلى خراب، فدمرت مدارسها ومستشفياتها وبنيتها التحتية المدنية وبيئتها إلى حد كبير، وأصبح عدد هائل من سكانها بلا مأوى مناسب. كما أن التهديد المستمر بانهيار وقف إطلاق النار أجج الهلع اليومي من وقوع مزيد من الدمار. وعلى رغم أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب طرح أفكاراً خيالية حول "استيلاء" الولايات المتحدة في نهاية المطاف على غزة وترحيل سكانها بصورة دائمة، فإن القوى الخارجية لم تحرز تقدماً كبيراً في وضع استراتيجية للحكم والأمن في القطاع حالياً.
ومن الغريب أن أهل غزة أنفسهم غائبون عن هذا النقاش، مع أنه من المنطقي افتراض أن أكثر من 15 شهراً من الصراع المدمر غيرت تصورات المدنيين العاديين في القطاع حول مستقبلهم، ورؤيتهم لأرضهم، ومن ينبغي أن يحكمهم، وما يعتبرونه المسارات الأكثر معقولية وترجيحاً لتحقيق السلام. وبالنظر إلى الثمن الباهظ الذي دفعوه نتيجة أفعال "حماس" في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، قد يتوقع أن يرفض أهل غزة أن تقودهم الحركة، مفضلين قيادة بديلة. وعلى نحو مماثل، قد يتوقع المراقبون الخارجيون أنه بعد كل هذه المعاناة، سيكون سكان غزة أكثر استعداداً لتقديم تنازلات في شأن تطلعاتهم السياسية الكبرى في مقابل تلبية احتياجاتهم الإنسانية الأكثر إلحاحاً.
لكن في الواقع، أظهر استطلاع أجريناه في غزة في أوائل يناير (كانون الثاني)، قبل فترة وجيزة من سريان وقف إطلاق النار، صورة أكثر تعقيداً. وأعدت مؤسسة "آرتيس إنترناشيونال" البحثية Artis International ومركز "الطابع المتغير للحرب" بجامعة أكسفورد Oxford University's Changing Character of War Centre هذا الاستطلاع، ثم نفذه "المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية Palestinian Center for Policy and Survey Research (PSR). ومن خلال استخدام بيانات إحصائية وجمع معلومات من عينة من الأشخاص في الملاجئ بناء على مواقع منازلهم الأصلية من أجل ضمان التنوع الجغرافي، شمل الاستطلاع 500 مقابلة أجريت وجهاً لوجه مع أهل غزة، من بينهم 248 امرأة و252 رجلاً، تتراوح أعمارهم بين 18 و83 سنة، وكان هامش الخطأ أربع نقاط مئوية.
لقد وجد الاستطلاع أنه على رغم تراجع شعبية "حماس" بصورة حادة منذ الأشهر الأولى للحرب، فإن البدائل الحالية للحركة تحظى بدعم أقل، مما يفتح المجال أمام "حماس" لاستعادة نفوذها في غزة مجدداً. إضافة إلى ذلك، عززت الحرب التزام أهل غزة بالأهداف السياسية المتطرفة بدلاً من أن تضعفه، في حين أدت إلى تراجع التأييد لحل الدولتين. وربما كان الأمر الأكثر لفتاً للنظر هو أن الاستطلاع أظهر أن أهل غزة لا يزالون يحتفظون بقيم أساسية قوية مرتبطة بهويتهم الفلسطينية والدينية وتعلقهم بأرضهم، وهي قيم يعتزمون التمسك بها حتى لو تطلب ذلك تضحيات شخصية كبيرة. وبينما تواجه الولايات المتحدة وشركاؤها الإقليميون والدوليون واقع غزة ما بعد الحرب، فإن نتائج الاستطلاع قد تتحدى الافتراض القائل إن أي تحرك نحو السلام مع إسرائيل يمكن أن يتحقق من دون تلبية بعض هذه القيم الأساسية، أو في الأقل الاعتراف بها رمزياً.
ثغرات الحوكمة
في أحد الأسئلة الرئيسة في الاستطلاع، طلب من المشاركين اختيار الحل الذي يرونه مقبولاً وواقعياً من بين الحلول المحتملة للصراع الإسرائيلي - الفلسطيني. قبل اندلاع الحرب في غزة، أظهرت البحوث أن غالبية واضحة من الفلسطينيين في غزة كانت تؤيد حل الدولتين، بينما فضل 20 في المئة فحسب الحل العسكري الذي قد يؤدي إلى تدمير دولة إسرائيل. وفي استطلاع يناير، انخفضت نسبة المؤيدين لحل الدولتين إلى أقل من النصف، فبلغت 48 في المئة، بينما فضلت نسبة مماثلة تقريباً، تبلغ 47 في المئة، حلاً قائماً على زوال دولة إسرائيل. أما الخيار الثالث، وهو إقامة دولة ديمقراطية ثنائية القومية يتمتع فيها العرب واليهود بحقوق متساوية، فاعتبره خمسة في المئة فقط مقبولاً وواقعياً.
علاوة على ذلك، على رغم أن 48 في المئة رأوا أن التقسيم حل مقبول وواقعي، فإن 20 في المئة فقط أيدوا حل الدولتين وفقاً لقرارات الأمم المتحدة على أساس حدود عام 1967. أما بقية المؤيدين لحل التقسيم ففضلوا حلول الدولتين التي تشمل "حق العودة" لذرية اللاجئين الفلسطينيين إلى منازلهم داخل إسرائيل (17 في المئة)، أو العودة لخطة تقسيم فلسطين التي وضعتها الأمم المتحدة عام 1947 (11 في المئة). ومن بين الذين أيدوا إنهاء دولة إسرائيل، البالغة نسبتهم 47 في المئة، فضلت غالبية واضحة إقامة دولة موحدة تخضع للشريعة الإسلامية وتسمح بوجود اليهود، ولكن من دون منحهم حقوقاً كاملة (27 في المئة)، بينما دعت مجموعة أصغر إلى ترحيل المهاجرين اليهود وأحفادهم من إسرائيل والأراضي الفلسطينية (20 في المئة)، ولكن ليس اليهود الذين عاش أسلافهم في المنطقة قبل الصهيونية.
علاوة على ذلك، أظهر الاستطلاع كيف تغيرت آراء أهل غزة تجاه "حماس"، فقبل السابع من أكتوبر 2023 أظهرت استطلاعات الرأي أن شعبية "حماس" كانت في تراجع مستمر منذ فترة. وكان هذا التراجع نتيجة عوامل عدة، من بينها تدهور الظروف المعيشية وعدم إحراز تقدم في وعود الحركة بالمقاومة المسلحة ضد إسرائيل والسعي إلى إقامة دولة فلسطينية. وكما زعم مدير "المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية" خليل الشقاقي، فإن الهجوم الذي شنته حركة "حماس" في أكتوبر ربما كان محاولة للخروج من الوضع السياسي القائم الذي بات لا يطاق بالنسبة إليها.
خلال الأشهر الأولى من الحرب، تحسنت مواقف أهل غزة تجاه "حماس". في مارس (آذار) 2024، أظهر استطلاع بين سكان غزة أجراه "المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية" أن دعم سيطرة "حماس" على القطاع ارتفع إلى أكثر من 50 في المئة، بزيادة قدرها 14 نقطة مئوية مقارنة بفترة ما قبل السابع من أكتوبر 2023. في ذلك الوقت، كان معظم سكان غزة يعتقدون أن "حماس" ستستمر في السيطرة على القطاع وأنها تحقق انتصاراً في الحرب ضد إسرائيل. لكن بحلول يناير 2025، وبعد تصفية القيادة العليا لـ"حماس" واستمرار الدمار في غزة، تراجع هذا الدعم مرة أخرى.
ثم أظهر استطلاعنا في يناير أن "حماس" لم تعد تحظى إلا بدعم خمس سكان غزة، وهو انخفاض حاد مقارنة باستطلاع مارس. ومع ذلك، كان الدعم للفصائل السياسية الأخرى، بما في ذلك منظمة التحرير الفلسطينية، أقل من ذلك حتى. في الواقع، عندما طلب من سكان غزة اختيار قيادة فلسطينية من بين الخيارات الحالية المتاحة، كان ردهم الأكثر شيوعاً هو أن أياً من هذه القيادات لا يمثل الشعب تمثيلاً حقيقياً. والواقع أن أهل غزة يعتقدون أن القيادة الإسرائيلية تمثل الإسرائيليين بصورة أفضل بكثير مما تمثل القيادة الفلسطينية شعبها.
باختصار، يكشف الاستطلاع عن فراغ في القيادة الفلسطينية تسعى "حماس" إلى ملئه بسرعة، على رغم ضعفها. وكما أشار بعض المحللين، فإن عملية إعادة ترسيخ "حماس" لنفوذها تعززت بسبب غياب خطة بديلة لحكم الفلسطينيين قابلة للتطبيق من إسرائيل أو الولايات المتحدة، إضافة إلى حديث إدارة ترمب عن اقتراح كثيراً ما دافعت عنه الأوساط اليمينية المتطرفة في إسرائيل، وهو "ترانسفير" أو "ترحيل السكان". وبحسب الشقاقي، فإن معظم سكان غزة يعتقدون أن "حماس" لم تنتصر في الحرب. ويضيف: "مع ذلك، يبدو أنهم لا يجدون بديلاً أفضل".
القوة الداخلية
قد يخفي غياب الدعم القوي لـ"حماس" حقيقة أعمق تتعلق بالدور الذي تلعبه الحركة في غزة. وفق نتائج استطلاعنا، فعلى رغم إدراك سكان غزة للأزمة في القيادة السياسية الفلسطينية، إلا أن غالبية السكان لا تزال ملتزمة بالمبادئ السياسية لـ"حماس"، مثل تطبيق الشريعة باعتبارها القانون السائد في البلاد، وحق اللاجئين الفلسطينيين وذريتهم في العودة لمنازلهم التي فقدوها عند قيام إسرائيل عام 1948، والسعي إلى تحقيق السيادة الوطنية للفلسطينيين.
في الواقع، نحن نقيس هذا الالتزام من خلال الطلب من المشاركين في الاستطلاع تحريك دائرة صغيرة (تحمل علامة "أنا") إلى موضع يؤكد بصورة أفضل علاقتهم بدائرة كبيرة تمثل قيم أو مجموعة، ويعتبرون "منصهرين" مع تلك القيم أو المجموعة عندما يضعون أنفسهم في مركز الدائرة الكبيرة تماماً. وتشير النتائج من الدراسات السابقة، سواء في ساحات القتال في ليبيا وأوكرانيا أو في الحروب الثقافية في الولايات المتحدة، إلى أن أولئك الذين يظهرون اندماجاً كاملاً يعتبرون تلك القيم أو المجموعة جزءاً لا يتجزأ من هويتهم.
يعد الاندماج مؤشراً موثوقاً على الاستعداد للتضحية من أجل مجموعة أو قضية أكبر، وهناك مؤشر آخر للتضحية بالنفس، وهو عندما تصبح القضية الجماعية "قيمة مقدسة". وسواء كانت القيم المقدسة دينية أم علمانية، مثل الله أو الوطن، فهي غير قابلة للمساومة، بصرف النظر عن الأخطار المادية أو المكاسب أو التكاليف أو العواقب. وعندما يجتمع الاندماج مع القيم المقدسة، ينتج من ذلك ما يعرف بـ"الفاعلين المتفانين" المستعدين للتضحية بكل شيء، بما في ذلك حياتهم وأحبائهم والتخلي عن مصالحهم الشخصية بالكامل.
على سبيل المثال، بين عامي 2015 و2017، أجرينا سلسلة من الدراسات في العراق حول مجموعات مثل تنظيم "داعش"، والمسلحين الأكراد الانفصاليين التابعين لحزب العمال الكردستاني، والبيشمركة الكردية، أو القوات العسكرية التابعة لكردستان العراق، التي واصلت القتال على رغم تكبدها خسائر كبيرة. ووجدنا أن الأعضاء المندمجين في هذه المجموعات يميلون إلى إظهار درجة عالية من الاستعداد للتضحية بأنفسهم من أجل القيم التي يعتبرونها مقدسة، وهي سمة منحت هذه الجماعات قوة روحية تفوقت بصورة كبيرة على مواردها المادية مثل الأسلحة أو القوى البشرية أو الدعم اللوجستي أو مدة التدريب العسكري.
الحرب عززت التزام أهل غزة بالأهداف السياسية المتطرفة
ينطبق هذا الأمر أيضاً على سكان غزة بعد 15 شهراً من الحرب، لقد كشفت نتائج استطلاع يناير عن أن سكان القطاع يظهرون درجة عالية من الانتماء الجماعي للهوية الفلسطينية [التماهي الجماعي مع الهوية الفلسطينية]، ويعرب كثيرون منهم عن استعدادهم لتقديم تضحيات شخصية مكلفة من أجل تحقيق أهداف محددة مثل تطبيق الشريعة الإسلامية باعتبارها القانون السائد، وحق اللاجئين وذريتهم في العودة لمنازلهم التي فقدوها عند قيام إسرائيل عام 1948، والسعي إلى تمتع الفلسطينيين بالسيادة الوطنية. وبالنسبة إلى كل من هذه القيم الأساسية، كلما زاد استعداد المشاركين لتقديم تضحيات مكلفة من أجلها، قل استعدادهم لصنع السلام مع إسرائيل.

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لقياس نظرة أهل غزة إلى قوتهم الجسدية والروحية مقارنة بمجموعات وطنية أخرى، استخدم الاستطلاع نهجاً سبق أن طبق في دراسات استقصائية على العراقيين والأوكرانيين والقوات المسلحة الأميركية، ومجموعات أخرى. عرض على المشاركين في الاستطلاع جسدين متجاورين شبه عاريين وضع على رأس كل منهما علم وطني، ويمكن تكبير أو تصغير حجم الجسدين وعضلاتهما باستخدام شريط تمرير [أداة ضبط وتحكم يسمح تحريكها بتغيير حجم الأجساد والعضلات]. ثم طلب منهم تحريك شريط التمرير لتقييم "القوة الجسدية" و"القوة الروحية" النسبية لكل مجموعة وطنية. وفي استطلاعنا، طلب من أهل غزة مقارنة أنفسهم بالإسرائيليين والأميركيين والإيرانيين. واعتبر المشاركون أن الفلسطينيين أقوى بكثير روحياً مما هم عليه جسدياً، وكان ذلك يتناقض مع الطريقة التي ينظرون بها إلى إسرائيل والولايات المتحدة، وحتى حليفهم المفترض إيران، إذ اعتبروا أن قوتهم الجسدية تفوق قوتهم الروحية.
واستطراداً، يظهر سكان غزة ميلاً واضحاً إلى النظر إلى الصراع مع إسرائيل من منظور ديني أكثر منه سياسي، باعتباره صراعاً لتحرير المسلمين من الاضطهاد اليهودي. لكن معتقد الفلسطينيين الديني لا يعني بالضرورة عدم التسامح مع المجموعات الأخرى. على سبيل المثال، في استطلاع أجري عام 2016 بين الشباب المسلمين الفلسطينيين، وجدنا نحن وزملاؤنا أن كثيرين منهم كانوا يميلون إلى إعطاء قيمة أكبر لحياة الفلسطينيين مقارنة بحياة اليهود الإسرائيليين. ومع ذلك، عندما طلب منهم مقاربة الموضوع من منظور العدل الإلهي، قيموا حياة الفئتين بصورة أكثر تساوياً. بدا أن إيمانهم بالله يعزز رؤية أوسع وأكثر شمولية للحياة البشرية، مع الاعتراف بالقيمة الأخلاقية للمسلمين وغير المسلمين على حد سواء حتى وسط صراع طويل الأمد.
ومع ذلك، عندما يصبح الدين مرتبطاً بأجندة اجتماعية وسياسية حازمة يفترض أنها مقدسة عند الله أو "حزبه" يصبح المعارضون لهذه الأجندة والحزب أعداء لله، مما يجعل من الأسهل شيطنتهم وقتلهم. ففي استطلاع يناير، اعتبر أقل من واحد في المئة من سكان غزة أنفسهم "غير متدينين"، بينما صنف 67 في المئة أنفسهم على أنهم "متدينون إلى حد ما"، و31 في المئة على أنهم "متدينون حقاً". وكان ما يقرب من ثلث المشاركين الذين صنفوا أنفسهم على أنهم "متدينون حقاً" هم الأكثر التزاماً بسيادة فلسطين وحق العودة، والأكثر استعداداً لتقديم تضحيات كبرى، بما في ذلك القتال والموت، من أجل تحقيق هذه الأهداف. وكانت هذه الفئة أيضاً الأكثر دعماً ربما لتطبيق الشريعة وقيادة "حماس" لغزة والفلسطينيين بصورة عامة.
واعتبر "المتدينون حقاً" و"المتدينون إلى حد ما" على حد سواء أن الإسرائيليين أقل إنسانية بصورة ملاحظة من الفلسطينيين، واختبر الاستطلاع ذلك من خلال مطالبة المشاركين بتحديد مكان الفلسطينيين والإسرائيليين على سلم قياس بصري يتراوح من شكل يشبه القرد، إلى جسم منحن لا يسير بصورة منتصبة، وصولاً إلى شكل إنسان يقف في وضعية مستقيمة تماماً. وتشير دراسات من الصين وأوروبا والهند وأميركا الشمالية وغيرها إلى أنه كلما كان الشكل المختار أقل إنسانية، ربط المشاركون الخصم بالانحطاط الأخلاقي والتهديدات والأفعال العنيفة، وزادت بالتالي رغبتهم في استخدام العنف ضده.
ثمن السلام
من المهم الإشارة إلى أن الالتزامات الدينية والسياسية ليست العامل الحاسم بالنسبة إلى معظم سكان غزة، فعلى رغم أن الغزيين بغالبيتهم يعتبرون أن القيم الأساسية المرتبطة بكونهم فلسطينيين تشكل جوهر هويتهم، إلا أن أقلية صغيرة تعتبر هذه القيم غير قابلة للتفاوض. على سبيل المثال، يرى 30 في المئة فقط من سكان غزة أن حق العودة يشكل جزءاً من هويتهم غير قابل للتفاوض، بينما ينظر 20 في المئة فقط إلى الشريعة الإسلامية بهذه الطريقة، و15 في المئة فقط يعتقدون الشيء نفسه عن السيادة الوطنية. ومع ذلك، رأى المشاركون في الاستطلاع أن حتى قضية السيادة الوطنية كانت أكثر أهمية بكثير من الحفاظ على سلامة الأسرة وأمنها، وهي نتيجة تتماشى مع نتائج استطلاعات سابقة أجريت على المقاتلين الأكثر التزاماً من مؤيدي "داعش" ومعارضيها خلال فترة سيطرتها القصوى في العراق بين عامي 2015 و2016.
وقد يكون هناك استنتاج أوسع يمكن استخلاصه من هذه النتائج حول التزام الغزيين العميق روحانياً بالقيم الأساسية الفلسطينية، ففي دراسات مماثلة أجريت في أماكن أخرى، تميل الجماعات التي ترى نفسها ضعيفة جسدياً ولكن قوية روحياً إلى أن تكون أكثر عدوانية أو تطرفاً وأكثر استعداداً لمواصلة القتال، حتى في مواجهة عدو أقوى منها بكثير. وهي تعتبر استعدادها للتضحية بالنفس بمثابة ميزة تجعلها تتفوق على خصومها. وهذه السمة مشتركة بين الجماعات المتطرفة، مثل مقاتلي ومؤيدي "داعش" أو حزب العمال الكردستاني، لكنها موجودة أيضاً لدى آخرين قد يكونون على الدرجة نفسها من التفاني وعلى استعداد للتضحية بأنفسهم من أجل الديمقراطية أو السلام (كما هو الحال لدى نسبة أصغر بكثير من السكان في غزة).
بالنسبة إلى الغزيين بصورة عامة، فإن الاستعداد للتضحية بأنفسهم من أجل تحقيق أهداف مشتركة على رغم المدى الذي بلغته هذه الحرب القاسية، يشير بقوة إلى أنه من المستبعد أن يتخلوا عن نضالهم في مقابل مجرد الحصول على الأمن الشخصي والعائلي. وهذا يثير تساؤلات حول الخطط الدولية المختلفة "لليوم التالي" في قطاع غزة، التي تفترض على ما يبدو أن توفير السلامة الشخصية وسبل العيش، من خلال وقف الأعمال العدائية وتسليم المساعدات والخيام والاحتياجات الأساسية، من شأنه أن يحقق الاستقرار في القطاع حتى في غياب حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم.
ولتقييم نظرة سكان غزة إلى فرص تحقيق السلام في المستقبل، قيم الاستطلاع توقعاتهم في شأن السيناريوهات التي أيدها قادة فلسطينيون في الماضي، بمن في ذلك مسؤولو "حماس". قبل سنوات من هجوم السابع من أكتوبر 2023، أجرى أحدنا (أتران) مقابلات عدة مع قادة "حماس"، شملت عام 2006 لقاء مع رئيس الوزراء في غزة آنذاك إسماعيل هنية، الذي شغل في ما بعد منصب رئيس المكتب السياسي إلى أن اغتالته إسرائيل العام الماضي، وفي عام 2009 مع خالد مشعل رئيس المكتب السياسي آنذاك في دمشق، وفي عام 2013 مع موسى أبو مرزوق، نائب رئيس المكتب السياسي، في القاهرة. في كل من هذه اللقاءات، أبدى القادة استعداداً لقبول هدنة طويلة الأمد أو حتى سلام مع إسرائيل.
وذكر استطلاعنا في يناير المشاركين بهذه التصريحات، مشيراً إلى أن هؤلاء القادة ربطوا عموماً هدنة أو سلاماً أطول أمداً بعودة إسرائيل لحدود عام 1967، وإقامة "توازن قوى" مع إسرائيل يكون مدعوماً دولياً، والاعتراف بحق العودة. ثم طرح الاستطلاع سؤالاً حول أي من السيناريوهات الثلاثة، الهدنة أو السلام أو مزيد من الحروب، يبدو الأكثر ترجيحاً للجيل القادم من الفلسطينيين.
فقال نحو نصف المشاركين إنهم يتوقعون السلام، في حين توقع 44 في المئة منهم هدنة طويلة الأمد، ورأى سبعة في المئة منهم أن مزيداً من الحروب هو السيناريو الأكثر ترجيحاً. ومع ذلك، من بين نصف عدد المشاركين الذين توقعوا السلام، برزت مجموعتان متساويتان تقريباً في الحجم، الأولى تتوقع السلام كنتيجة للمفاوضات (24 في المئة)، والثانية تتوقع السلام كنتيجة لانهيار دولة إسرائيل (25 في المئة). أما المشاركون الذين توقعوا هدنة موقتة أو حرباً، فكانوا يعتقدون أن الإسرائيليين والفلسطينيين لن يتمكنوا من التوصل إلى سلام دائم، إما بسبب رفض الطرف الآخر للتنازلات المطلوبة أو لأن هذه التنازلات مؤلمة جداً بالنسبة إلى أحد الجانبين أو كليهما.
لماذا يقاتلون
من المفارقات أن صلابة تمسك سكان غزة بالقضية الفلسطينية قد تفتح المجال أمام تسويات لم تحظ بالاهتمام حتى الآن، فعلى سبيل المثال، ليس سراً أن "حماس" ملتزمة بإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة وحق العودة وتطبيق الشريعة الإسلامية، وهي جميعها أهداف يمكن تحقيقها من خلال إنهاء دولة إسرائيل. ومع ذلك، ألمح قادة "حماس" في الماضي إلى أنهم لا يعتبرون أن دولة فلسطين ذات سيادة "من النهر إلى البحر" وزوال دولة إسرائيل هما قيمتان مقدستان غير قابلتين للتفاوض. وتشير دراسات أجريناها من عام 2006 إلى عام 2013 إلى أن حتى حق العودة، على رغم اعتباره مقدساً، يمكن إعادة صياغته بحيث يظل غير قابل للتفاوض من حيث المبدأ وقابلاً للتفاوض من حيث التطبيق.
قد تتطلب مثل هذه التسوية، على سبيل المثال، مبادرات رمزية ذات مغزى من الجانب الآخر، مثل اعتذار إسرائيلي صادق عن طرد الفلسطينيين من منازلهم وأراضيهم، وقبول إسرائيل بعودة عدد محدود من اللاجئين وذريتهم، وتقديم صورة من صور "الدية" أو التعويض المالي للضحايا أو ورثتهم، كنوع من التعويض التاريخي عن النكبة، وهي التهجير الجماعي للفلسطينيين أثناء تأسيس إسرائيل في عام 1948، لكن بحوثنا تظهر أيضاً أن الحوافز الاقتصادية أو العقوبات التي تهدف إلى إجبار الفلسطينيين (أو الإسرائيليين) على التخلي عن قيمهم الأساسية تأتي بنتائج عكسية على المجتمع ككل، مما يزيد من مقاومة اتفاقات السلام ودعم العنف.
قد تكون إسرائيل أبعد من أي وقت مضى عن إحلال الهدوء في غزة
بالطبع، من الممكن أن يكون قادة "حماس" الذين أدلوا بمثل هذه التصريحات انخرطوا في مناورة غير صادقة تهدف إلى تخفيف الضغط العسكري الإسرائيلي، مثلما زعم القادة الإسرائيليون. ومع ذلك، في استطلاعنا الأخير، أشار سكان غزة إلى أنهم مستعدون للنظر في تسوية لا تحقق بالكامل ما يعتبرونه الخيار الأكثر قبولاً وواقعية. فإنشاء توازن قوى يكفل عدم قدرة إسرائيل على نشر قوة عسكرية كافية للهيمنة على الأراضي الفلسطينية المعترف بها دولياً، هو هدف مادي قابل للتفاوض من شأنه أن يضمن الأمن المادي للفلسطينيين. وبالنسبة إلى سكان غزة الذين يعتبرون حق العودة قيمة مقدسة غير قابلة للتفاوض، لكنهم مع ذلك منفتحون على إعادة تأويله [إعادة صياغة المفهوم]، فإن الاعتراف الإسرائيلي بهذا الحق، حتى ولو كان رمزياً إلى حد كبير، قد يوفر إحساساً بالأمان للشعب الفلسطيني، من خلال الحفاظ على ما يعتبره الفلسطينيون غالباً القضية الجوهرية في الصراع، أي "الأرض والكرامة". ومثل هذه البادرة، على رغم أنها لن تكون كافية بمفردها، إلا أنها قد تكون نقطة انطلاق نحو التفكير في السلام.
وعلى النقيض من ذلك، يعتقد سكان غزة أن التخلي عن أرضهم، كما اقترح ترمب، يعني التوقف عن كونهم فلسطينيين. ومن دون استعداد إسرائيلي لتقديم بعض التنازلات في شأن القيم الفلسطينية الأساسية، واستعداد أميركي لفرض شروط اتفاق من هذا النوع، يشير الاستطلاع إلى أن سكان غزة سيواصلون القتال، في الأقل ما دام أن الأقلية الملتزمة من المتحمسين لا تزال قادرة على إلهام الناس لمواجهة صعاب هائلة تفوق التصور سعياً إلى إزالة دولة إسرائيل من الوجود، وسيرد الإسرائيليون حتماً بقوة تدميرية لا تضاهى.
بعد شنها 15 شهراً من "الحرب الشاملة" وتحقيق عدد من أهدافها المادية المعلنة، قد تكون إسرائيل اليوم أبعد من أي وقت مضى عن إحلال الهدوء في غزة. ولا يعود ذلك فحسب إلى فشل تل أبيب في تقديم أية استراتيجية سياسية أو خطة قابلة للتطبيق لمستقبل فلسطيني، ودفعها الفلسطينيين إلى مزيد من التطرف سعياً إلى الانتقام لمقتل أقاربهم ودمار منازلهم. (يظهر استطلاعنا وجود ارتباط مؤكد بين التعرض للتهجير العائلي، وتفضيل إنهاء النزاع عسكرياً لا دبلوماسياً). في الواقع يعود ذلك أيضاً لأن سكان غزة، في الأقل الأكثر التزاماً بينهم، يعتقدون أن هويتهم ومكانتهم في العالم أصبحتا مهددتين أكثر من أي وقت مضى: وهو شعور لا يختلف كثيراً عن ذاك الذي ألهم تأسيس الدولة اليهودية، وعزز الإرادة القتالية الشديدة لدى شعبها.
سكوت أتران هو الشريك المؤسس لـ"آرتيس إنترناشيونال" وزميل باحث مميز في مركز "الطابع المتغير للحرب" بجامعة أكسفورد.
أنخيل غوميز هو زميل بارز في "آرتيس إنترناشيونال" وأستاذ علم النفس في الجامعة الوطنية للتعليم عن بعد في مدريد.
مترجم عن "فورين أفيرز"، الـ14 من فبراير (شباط) 2025

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ترمب يفرض 50 في المئة رسوما تجارية على الاتحاد الأوروبي من أول يونيو
ترمب يفرض 50 في المئة رسوما تجارية على الاتحاد الأوروبي من أول يونيو

Independent عربية

timeمنذ ساعة واحدة

  • Independent عربية

ترمب يفرض 50 في المئة رسوما تجارية على الاتحاد الأوروبي من أول يونيو

قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب اليوم الجمعة إنه يوصي بفرض رسوم جمركية بنسبة 50 في المئة على السلع المقبلة من الاتحاد الأوروبي اعتباراً من الأول من يونيو (حزيران) المقبل، مشيراً إلى أن التعامل مع التكتل في شأن التجارة صعب. وذكر ترمب على منصة "تروث سوشيال" التي يمتلكها، أن "التعامل مع الاتحاد الأوروبي، الذي تشكل بالأساس لاستغلال الولايات المتحدة من الناحية التجارية، صعب جداً... مناقشاتنا معهم لا تفضي إلى أي نتيجة!". وذكرت صحيفة "فايننشيال تايمز" اليوم أن المفاوضين التجاريين للرئيس الأميركي يضغطون على الاتحاد الأوروبي لخفض الرسوم الجمركية من جانب واحد على السلع الأميركية. ووفقاً للصحيفة، فإن المفاوضين يقولون إنه من دون تنازلات لن يحرز الاتحاد تقدماً في المحادثات لتجنب رسوم مضادة إضافية بنسبة 20 في المئة. ونقلت الصحيفة عن مصادر لم تسمها القول إن الممثل التجاري الأميركي جيميسون جرير يستعد لإبلاغ المفوض التجاري الأوروبي ماروش شفتشوفيتش اليوم بأن "مذكرة توضيحية" قدمتها بروكسل في الآونة الأخيرة للمحادثات لا ترقى إلى مستوى التوقعات الأميركية. ولم تتمكن وكالة "رويترز" من التأكد من صحة التقرير على الفور، ولم يرد مكتب الممثل التجاري الأميركي بعد على طلب الوكالة للتعليق الذي أرسل خارج ساعات العمل الرسمية. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وقال المتحدث باسم المفوضية الأوروبية لشؤون التجارة أولوف جيل لـ"رويترز" عبر البريد الإلكتروني "أولوية الاتحاد الأوروبي هي السعي إلى اتفاق عادل ومتوازن مع الولايات المتحدة... اتفاق تستحقه علاقاتنا التجارية والاستثمارية الضخمة". وأضاف أن الاتحاد يواصل التفاعل بصورة نشطة مع الولايات المتحدة، وأنه من المقرر أن يتحدث شفتشوفيتش مع جرير اليوم. وذكرت الصحيفة أن الاتحاد الأوروبي يسعى إلى التوصل إلى نص إطاري متفق عليه بصورة مشتركة للمحادثات، لكن الجانبين لا يزالان متباعدين إلى حد كبير. وفرضت الولايات المتحدة رسوماً جمركية بنسبة 25 في المئة على السيارات والصلب والألمنيوم من الاتحاد الأوروبي في مارس (آذار) و20 في المئة على سلع أخرى من الاتحاد في أبريل (نيسان). وخفضت بعد ذلك الرسوم البالغة 20 في المئة إلى النصف حتى الثامن من يوليو (تموز)، مما أعطى مهلة 90 يوماً لإجراء محادثات للتوصل إلى اتفاق أكثر شمولاً في شأن الرسوم الجمركية. ورداً على ذلك، علق الاتحاد الذي يضم 27 دولة خططه لفرض رسوم جمركية مضادة على بعض السلع الأميركية، واقترح إلغاء جميع الرسوم الجمركية على السلع الصناعية من كلا الجانبين، غير أن إعلان ترمب اليوم يشكل مواجهة جديدة في العلاقات التجارية بين الطرفين.

هل تنهار العلاقة الأطول؟.. كندا تتحدى سياسات ترمب الحمائية
هل تنهار العلاقة الأطول؟.. كندا تتحدى سياسات ترمب الحمائية

الوئام

timeمنذ ساعة واحدة

  • الوئام

هل تنهار العلاقة الأطول؟.. كندا تتحدى سياسات ترمب الحمائية

خاص – الوئام في ظل التوترات المتصاعدة بين واشنطن وأوتاوا، وفي وقت تتداعى فيه أسس النظام التجاري الغربي بسبب سياسات إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الحمائية، اجتمع مسؤولون أمريكيون وكنديون في محاولة لإعادة الاستقرار إلى العلاقات الثنائية التي طالما شكلت حجر زاوية في الاقتصادين. اللقاءات الجانبية ضمن قمة مجموعة السبع في بانف بكندا تعكس أهمية اللحظة ومحاولة احتواء التصعيد قبل أن يتحول إلى أزمة استراتيجية طويلة الأمد. محاولة لخفض التوتر على هامش قمة مجموعة السبع في بانف، التقى وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت مع وزير المالية الكندي فرانسوا فيليب شامبان لمناقشة التوترات التجارية المستمرة. ورغم التكتم على تفاصيل المحادثات، وصف شامبان اللقاء بالإيجابي، مشيرًا إلى 'تقدم ملموس وإحساس بالوحدة' بين دول المجموعة. من جانبه، صرّح بيسنت بأن اليوم كان 'مثمرًا جدًا'. اتفاق اقتصادي وأمني جديد في الوقت ذاته، كان الوزير الكندي المكلّف بالعلاقات التجارية مع الولايات المتحدة، دومينيك لوبلان، يجتمع مع مسؤولين من إدارة ترمب في واشنطن لبحث اتفاق اقتصادي وأمني جديد. وشدد رئيس الوزراء الكندي مارك كارني في أوتاوا على أن حكومته 'لن تتعجل لكنها مصممة على تحقيق أفضل صفقة لكندا. قمة السبع تبحث الاستقرار العالمي تركز اجتماعات مجموعة السبع على تنسيق الجهود بين الاقتصادات الغربية الكبرى لتحقيق استقرار اقتصادي عالمي. غير أن السياسات التجارية الحمائية التي ينتهجها ترمب، بما في ذلك فرض رسوم جمركية مرتفعة على واردات من الحلفاء، أثارت مخاوف في الأسواق المالية، ودفعت الشركات لتقليص استثماراتها وخطط التوظيف. وتشهد العلاقات التجارية بين كندا والولايات المتحدة توترًا مستمرًا منذ أشهر. بينما تحتفظ واشنطن بتعريفات بنسبة 25% على سلع لا تدخل ضمن اتفاق التجارة الأمريكي المكسيكي الكندي، ردّت كندا بتعريفات انتقامية على واردات أمريكية بقيمة 43 مليار دولار. ومع ذلك، منحت أوتاوا إعفاءات مؤقتة لقطاعات السيارات والصناعات التحويلية لتسهيل التحول نحو مورّدين جدد. لا اتفاقات جديدة أفادت مصادر مطلعة أنه لا توجد خطط أمريكية حالية للإعلان عن اتفاقيات تجارية جديدة مع بقية دول مجموعة السبع عند اختتام القمة المالية. لكن اللقاء الثنائي بين بيسنت وشامبان يشير إلى سعي حثيث من قبل الطرفين لتجنب تصعيد إضافي. وسط هذه الأجواء، حذّر كارني من أن نمط العلاقات الاقتصادية التقليدية بين كندا والولايات المتحدة، وخصوصًا سلاسل التوريد المتكاملة، قد أصبح شيئًا من الماضي. واعتبر شامبان، في مداخلته الافتتاحية بالقمة، أن التجارة الحرة والعادلة أمر أساسي لتحقيق استقرار اقتصادي عالمي، رغم اعترافه بأن سياسات الرسوم الأمريكية تخلق توترات داخل المجموعة. التأثيرات الاقتصادية تشير البيانات الأولية إلى أن الاقتصاد الكندي بدأ يعاني من آثار السياسات التجارية الأمريكية، لاسيما الرسوم الجمركية على السيارات والفولاذ والألمنيوم. هذا التأثير بات ملموسًا في سوق العمل الكندية، في ظل اعتماد البلاد على السوق الأمريكية التي تشكل نحو خُمس الناتج المحلي الكندي.

روسيا وأوكرانيا تبدآن تبادلا كبيرا للأسرى
روسيا وأوكرانيا تبدآن تبادلا كبيرا للأسرى

Independent عربية

timeمنذ 3 ساعات

  • Independent عربية

روسيا وأوكرانيا تبدآن تبادلا كبيرا للأسرى

قال مصدر عسكري أوكراني إن روسيا وأوكرانيا بدأتا اليوم الجمعة تبادلاً كبيراً لأسرى الحرب بينهما، في عملية اُتفق عليها خلال أول محادثات مباشرة بينهما منذ أكثر من ثلاثة أعوام. وقال الرئيس الأميركي دونالد ترمب إن العملية اكتملت بالفعل، لكن كييف وموسكو لم تؤكدا ذلك، في حين قال المصدر العسكري الأوكراني إنها لا تزال جارية. واتفقت روسيا وأوكرانيا خلال محادثات استمرت ساعتين في إسطنبول الأسبوع الماضي، على تبادل 1000 أسير، لكنهما لم تتفقا على وقف إطلاق النار الذي اقترحه ترمب، وتوسطت الإمارات في عمليات تبادل أسرى سابقة. وكان تبادل الأسرى هو الخطوة الملموسة الوحيدة نحو السلام، التي اتفق عليها الجانبان في محادثاتهما في إسطنبول. وكتب ترمب في منشور على موقع "تروث سوشيال"، "تهانينا للجانبين على هذه المفاوضات، هل يمكن أن تفضي إلى أمر كبير؟". ويعتقد أن مئات الآلاف من الجنود من كلا الجانبين أصيبوا أو قتلوا في أعنف حرب في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، لكن لم ينشر أي من الجانبين أرقاماً دقيقة لخسائره في الأرواح. ولقي أيضاً عشرات الألوف من المدنيين الأوكرانيين حتفهم نتيجة حصار القوات الروسية وقصفها المدن الأوكرانية. وتقول أوكرانيا إنها مستعدة على الفور لوقف إطلاق نار لمدة 30 يوماً، لكن روسيا، التي بدأت الحرب في 2022 وتحتل الآن نحو خُمس أوكرانيا، تقول إنها لن توقف هجماتها حتى تُلبى شروطها أولاً، ووصف أحد أعضاء الوفد الأوكراني هذه الشروط بأنها "غير قابلة للتنفيذ". وكان ترمب، الذي غير السياسة الأميركية من دعم أوكرانيا إلى قبول نوعاً ما بالرواية الروسية للحرب، قد قال إنه قد يشدد العقوبات على روسيا إذا عرقلت موسكو اتفاقاً للسلام، لكن بعد حديثه مع بوتين الإثنين، قرر عدم اتخاذ أي إجراء في الوقت الحالي. وتقول موسكو إنها مستعدة لمحادثات سلام بينما يستمر القتال، وتريد مناقشة ما تسميها "الأسباب الجذرية" للحرب، بما يشمل مطالبها بتنازل أوكرانيا عن مزيد من الأراضي ونزع سلاحها ومنعها من التحالفات العسكرية مع الغرب. وتقول كييف إن ذلك يعادل الاستسلام وسيتركها بلا دفاع في مواجهة أي هجمات روسية في المستقبل. مسيرات موسكو وأعلنت روسيا الجمعة أنها أسقطت 112 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل، استهدفت منطقة موسكو خصوصاً، في هجمات جوية على البلاد لليوم الثالث على التوالي، أدت إلى تعطيل عمل مطارات عدة. وقالت وزارة الدفاع الروسية في بيان، إنه منذ الساعة 17.00 بتوقيت غرينتش أمس الخميس، "دمرت منظومات الدفاع الجوي واعترضت 112 طائرة مسيرة أوكرانية"، 24 منها كانت تتجه إلى موسكو. وفي منطقة ليبيتسك، على مسافة نحو 450 كيلومتراً جنوب شرقي موسكو، تسبب تحطم طائرة مسيرة في منطقة صناعية في مدينة يليتس باندلاع حريق أدى إلى إصابة ثمانية أشخاص بجروح، بحسب ما قال حاكم المنطقة إيغور أرتامونوف على "تيليغرام". وتستخدم موسكو وكييف طائرات مسيرة متفجرة بصورة يومية تقريباً في الإطار المواجهة بينهما، منذ بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا قبل أكثر من ثلاث سنوات. ومنذ الأربعاء، يكثف الجانبان هذه الهجمات، واستهدفت مسيرات أوكرانية العاصمة الروسية التي نادراً ما كانت هدفا حتى الآن، مما أدى إلى توقف مطاراتها عن العمل مرات عدة. ورفض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حتى الآن دعوات إلى وقف إطلاق النار، صدرت عن كييف وواشنطن ودول أوروبية. ويحتل الجيش الروسي نحو 20 في المئة من الأراضي الأوكرانية، تشمل شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا عام 2014. وأسفرت الحرب المستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات عن عشرات آلاف القتلى من مدنيين وعسكريين، وأجبرت ملايين الأوكرانيين على الفرار من المدن والقرى في شرق البلاد وجنوبها. الأسباب الجذرية للصراع من جهة أخرى أبدى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف اليوم الجمعة، شكوكاً بأن يكون الفاتيكان مكاناً محتملاً لإجراء محادثات السلام مع أوكرانيا، بعدما أعربت الولايات المتحدة وإيطاليا والفاتيكان عن أملها في أن تستضيف المدينة هذه المفاوضات. وقال لافروف "سيكون من غير اللائق كثيراً بالنسبة إلى دول أرثوذكسية أن تناقش على أرضية كاثوليكية مسائل تتعلق بإزالة الأسباب الجذرية للصراع"، متهماً كييف "بتدمير" الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية. وأضاف "بالنسبة إلى الفاتيكان نفسه، لن يكون من المريح، في ظل هذه الظروف، استضافة وفود من دول أرثوذكسية". ونقل موقع إخباري أوكراني عن القائد العسكري السابق فاليري زالوجني القول أمس الخميس إن على أوكرانيا التخلى عن أية فكرة لاستعادة حدودها، التي تأسست مع انهيار الحكم السوفياتي عام 1991، أو حتى تلك التي تعود لبداية الغزو الروسي الشامل عام 2022. وكان زالوجني، الذي يشغل الآن منصب سفير أوكرانيا لدى لندن، قائداً للقوات المسلحة لبلاده حتى فبراير (شباط) 2024. وجرى إعفاؤه من منصبه العسكري، بعد أشهر من تقارير ظلت تشير لوجود خلافات بينه وبين الرئيس فولوديمير زيلينسكي. وكثيراً ما دعا زيلينسكي وشخصيات أخرى إلى طرد القوات الروسية والعودة لحدود أوكرانيا ما بعد الاتحاد السوفياتي عام 1991، بما في ذلك شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا بصورة غير قانونية في عام 2014. ونقل موقع "آر بي كيه أوكرانيا" الإخباري عن زالوجني قوله لمنتدى في كييف "آمل ألا يكون هناك أشخاص في هذه القاعة لا يزالون يأملون في حدوث معجزة تجلب السلام لأوكرانيا وحدود عام 1991 أو 2022"، وأضاف "رأيي الشخصي هو أن العدو لا تزال لديه الموارد والقوات والوسائل لشن ضربات على أراضينا ومحاولة القيام بعمليات هجومية محددة". وذكر زالوجني أن روسيا تخوض حرب استنزاف منذ عام، وأنه نظراً إلى قلة عدد القوات الأوكرانية وظروفها الاقتصادية الصعبة، فإن الأمل الوحيد هو الاعتماد على التكنولوجيا المتقدمة. هجمات أوكرانية بمسيرات تشل مطارات موسكو ميدانياً، قالت وزارة الدفاع الروسية اليوم الجمعة إن أنظمة الدفاع الجوي أسقطت 112 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل، بما في ذلك 24 طائرة فوق منطقة موسكو. وكثفت أوكرانيا هجماتها بالطائرات المسيرة على روسيا في الأيام القليلة الماضية، مما أدى إلى إغلاق مؤقت لمطارات روسية. علقت حركة الطيران أمس الخميس حول موسكو بسبب هجمات أوكرانية بمسيرات، وفق وزارة الدفاع الروسية التي أعلنت اعتراض ما مجموعه نحو 100 طائرة من دون طيار، بينها 35 لدى اقترابها من العاصمة. وجاء في بيان لوزارة الدفاع أن "الدفاعات الجوية اعترضت ودمرت 105 مسيرات أوكرانية"، في المجموع. من جهته كتب رئيس بلدية موسكو سيرغي سوبيانين على منصة "تيليغرام"، أن "أجهزة الإغاثة تعمل في المواقع التي سقط فيها أجزاء حطام". مساء، أشار رئيس البلدية إلى أن 11 مسيرة جديدة جرى اعتراضها لدى اقترابها من المدينة. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) من جهته أشار سلاح الجو الأوكراني إلى أن روسيا أطلقت ليلاً "128 مسيرة هجومية"، جرى اعتراض أكثر من 112 منها. ويطلق الجيش الأوكراني بانتظام مسيرات محملة متفجرات باتجاه الأراضي الروسية، رداً على الضربات الروسية التي تستهدف أراضيه يومياً منذ أكثر من ثلاث سنوات، إلا أن موسكو نادراً ما تقصف. وجرى تعليق الرحلات في مطارات عدة في العاصمة الروسية الخميس، وفق وكالة الطيران المدني الروسية، بما في ذلك مطار شيريميتييفو الدولي الرئيس، فضلاً عن مطارات فنوكوفو ودوموديدوفو وجوكوفسكي. إلى الآن، يرفض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دعوات كييف وواشنطن والأوروبيين إلى وقف إطلاق نار مستدام. تسيطر روسيا حالياً على نحو 20 في المئة من أراضي أوكرانيا، بما في ذلك شبه جزيرة القرم التي ضمتها في عام 2014. تقدر حصيلة القتلى بعشرات الآلاف، ودفعت المعارك ملايين الأوكرانيين إلى الفرار من مدن وقرى شرق البلاد وجنوبها. مجموعة السبع تتوعد بتكثيف الضغط على روسيا أيد وزراء المال في مجموعة السبع أمس الخميس تكثيف الضغط على روسيا، بما يشمل فرض عقوبات جديدة، إذا واصلت مقاومتها الجهود الهادفة إلى وقف لإطلاق النار في أوكرانيا. وأورد الوزراء في بيان ختامي أصدروه إثر اجتماعهم في كندا "إذا لم تتم الموافقة على وقف إطلاق النار، سنواصل النظر في كل الخيارات الممكنة، بما فيها خيارات لممارسة أكبر قدر من الضغط على غرار فرض عقوبات".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store