
فضائل العشر من ذي الحجة ووظائفها
من رحمة الله بالعباد أن فاضل بين الأوقات والأزمنة، فاختار منها أوقاتا خصّها بمزيد الفضل وزيادة الأجر؛ ليكون ذلك أدعى لشحذ الهمم، وتجديد العزائم، والمسابقة في الخيرات والتعرض للنفحات، ومن هذه الأزمنة الفاضلة أيام عشر ذي الحجة التي اختصت بعدد من الفضائل والخصائص.
الأيام العشر الأولى من شهر ذي الحجة أيام مباركات خصها الله جل وعلا بخصائص وميَّزها بميزات، وإن وقفة من المؤمن مع خصائص هذه الأيام تجدد النشاط فيه ليقبِل بقلبه ونفسه على طاعة الله جل وعلا وحُسن العبادة وحسن الإقبال عليه سبحانه. ومما يدل على عظم فضلها أن الله أقسم بها في كتابه تنويها بشرفها وعظم شأنها، فقال سبحانه: {والفجر. وليال عشر. والشفع والوتر}، قال عدد من أهل العلم: إنها عشر ذي الحجة. كما شهد النبي صلى الله عليه وسلم لها بأنها أعظم أيام الدنيا، وأن العمل الصالح فيها أفضل منه في غيرها، كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما، حيث قال صلى الله عليه وسلم: 'ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر، فقالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء'، وفي حديث ابن عمر: 'ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه من العمل فيهن من هذه العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد'.
وفيها يوم عرفة الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم كما في حديث عائشة رضي الله عنها: 'ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟ اشهَدوا ملائكتي أني قد غفرتُ لهم، ويوم عرفة يوم الحج الأكبر، ويوم مغفرة الذنوب، ويوم العتق من النيران، ولو لم يكن في عشر ذي الحجة إلا يوم عرفة لكفاها ذلك فضلا'. ومن فضلها اجتماع أمهات العبادة فيها، قال الحافظ ابن حجر في الفتح: (والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتى ذلك في غيره). وهناك أعمال صالحة تتأكد في هذه العشر، جاءت النصوص بالحث عليها والترغيب فيها، من أهمها: التوبة النصوح والرجوع إلى الله، والتزام طاعته والبعد عن كل ما يخالف أمره ونهيه بشروط التوبة المعروفة عند أهل العلم.
ومن أهم أعمال عشر ذي الحجة الحج إلى بيت الله الحرام، فمن المعلوم أن هذه الأيام توافق فريضة الحج، والحج من أعظم أعمال البر كما قال صلى الله عليه وسلم. وقد سُئل أي العمل أفضل، قال: 'إيمان بالله ورسوله'، قيل ثم ماذا؟ قال: 'الجهاد في سبيل الله'، قيل: ثم ماذا؟ قال: 'حج مبرور'.
ومن أعظم ما يتقرب به إلى الله في هذه الأيام العشر المحافظة على الواجبات وأدائها على الوجه المطلوب شرعا، وذلك بإحسانها وإتقانها وإتمامها، ومراعاة سننها وآدابها. ومن الأعمال التي ورد فيها النص على وجه الخصوص الإكثار من ذكر الله عموما ومن التكبير خصوصا لقول الله تعالى: {ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام}، وذهب جمهور العلماء على أن المقصود بالآية أيام العشر، وكما في حديث ابن عمر المتقدم: 'فأكثروا فيهنّ من التهليل والتكبير والتحميد'؛ ويُسن إظهار التكبير المطلق من أول يوم من أيام ذي الحجة في المساجد والمنازل والطرقات والأسواق وغيرها.
ومن الأعمال الصالحة فيها صيام يوم عرفة لغير الحاج؛ فقد خص النبي صلى الله عليه وسلم صيام يوم عرفة من بين أيام عشر ذي الحجة بمزيد عناية، وبيَّن فضل صيامه فقال: 'صيام يوم عرفة احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والتي بعده'. ومن الأعمال أيضا الأضحية، وهي سنة مؤكدة في حق الموسر، بل إن من العلماء من قال بوجوبها، وقد حافظ عليها النبي صلى الله عليه وسلم.
إذا، تبيّن لك أخي المسلم فضل العمل في عشر ذي الحجة على غيره من الأيام، وأن هذه المواسم نعمة وفضل من الله على عباده، وفرصة عظيمة يجب اغتنامها، إذا تبيّن لك كل هذا، فحري بك أن تخص هذه العشر بمزيد عناية واهتمام، وأن تحرص على مجاهدة نفسك بالطاعة فيها، وأن تكثر من أوجه الخير وأنواع الطاعات. ومفهوم العمل الصالح واسع شامل ينتظم كل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة، فينبغي لمن وفقه الله أن يعرف لهذه الأيام فضلها، ويقدر لها قدرها، فيحرص على الاجتهاد فيها، ويحاول أن يتقلل فيها ما أمكن من أشغال الدنيا وصوارفها، فإنما هي ساعات ولحظات ما أسرع انقضاءها وتصرمها، والسعيد من وُفّق فيها لصالح القول والعمل.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الخبر
منذ 43 دقائق
- الخبر
بين النية وما يلقى في النفس والإخلاص في العمل
افتتح السيوطي كتابه 'الأشباه والنظائر' بقاعدة 'لا ثواب بدون نية'، وبالصيغة السابقة، واستعمل معظم الفقهاء عند الحديث على قاعدة النية عبارة 'الأمور بمقاصدها'، وهي إحدى القواعد الكلية الخمس. وأصل هذه القاعدة هو الحديث الصحيح المشهور الذي أخرجه الأئمة الستة بلفظ واحد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: 'إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته لله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه'. قال الإمام الشافعي عن هذا الحديث أنه يدخل في ثلث العلم وهو قول الإمام أحمد، وقال الإمام أحمد في موضع آخر: (أصول الإسلام على أحاديث، وذكر منها حديث 'إنما الأعمال بالنيات')، وإلى نفس المعنى ذهب أبو داود والبيهقي. ولعل أفضل تعريف للنية عند العلماء، في نظري، هو ما قاله البيضاوي: 'النية هي الإرادة المتوجهة نحو الفعل لابتغاء رضى الله تعالى وامتثال حكمه'، والملاحظ على تعريف البيضاوي أنه لم يجعل النية هي مجرد قصد الفعل أو العزم عليه، وإنما اشترط مع ذلك القصد ابتغاء رضى الله سبحانه وتعالى والاستجابة لأوامره. فإن كانت النية من الأمور النفسية الباطنية التي لا يعلمها إلا الله عز وجل، فإن هناك أشياء أخرى تلقى في النفس وهي غير العزم الذي عُبِر به عن النية، وحاصل ما قاله العلماء في هذه المسألة أن ما يلقى في النفس خمسة أشياء، هي: أولا: الهاجس، وهو ما يلقى في النفس ابتداء، ولا يؤخذ به صاحبه إجماعا لأنه ليس من فعله، وإنما هو شيء ورد عليه لا قدرة له ولا صنع. ثانيا: الخاطر، وهو جريان الهاجس في النفس. ثالثا: حديث النفس، وهو ما يقع من التردد بين الفعل وعدمه. والخاطر وحديث النفس مرفوعان بالحديث الصحيح الذي أخرجه مسلم 'إن الله تجاوز لأمتي ما حدثتها به نفسها ما لم تتكلم به أو تعمل به'، وإذا ارتفع حديث النفس ارتفع الخاطر من باب أولى. قال ابن مالك معلقا على الحديث في 'شرح المشارف'، حديث النفس المتجاوز عنه نوعان ضروري: وهو ما يقع من غير قصد، واختياري: وهو ما يقع بقصد، والمراد بالحديث الثاني إذ الأول معفو عن جميع الأمم إذا لم يصر عليه، لامتناع الخلو عنه، وإنما عفي النوع الثاني عن هذه الأمة تكريما له عليه الصلاة والسلام. رابعا: الهم، وهو ترجيح قصد الفعل بغض النظر عن طبيعة ذلك الفعل كونه خيرا أو شرا، وقد تبيّن في الحديث الصحيح أن من هم بحسنة كتبت له حسنة ومن هم بسيئة لم تكتب عليه حتى يفعلها، قال صلى الله عليه وسلم: 'إن الله تجاوز عن أمتي عما حدثت به نفسها ما لم تتكلم به أو تعمل'. وجاء في الحديث القدسي 'إن همّ عبدي بسيئة فلا تكتبوها سيئة وإن عملها فاكتبوها سيئة، وإذا همّ بحسنة ولم يعملها فاكتبوها حسنة وإن عملها فاكتبوها عشرا'. وينقسم الهمُّ إلى قسمين: الأول، أن يهم بالشيء ويفعل ما يقدر عليه منه، ثم يحال بينه وبين إكماله، فهذا يكتب له الأجر كاملا؛ لقوله تعالى: {ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله} النساء:100، بل إن الإنسان إذا كان من عادته العمل، وحيل بينه وبينه لسبب؛ فإنه يكتب له أجره، قال النبي عليه الصلاة والسلام: 'إذا مرض العبد أو سافر؛ كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا'. القسم الثاني، أن يهم بالشيء ويتركه مع القدرة عليه؛ فيكتب له به حسنة كاملة؛ لنيّته. خامسا: العزم، وهو قوة القصد والجزم به مع إرادة الفعل، وهو النية التي نحن بصدد الحديث عنها. أما الإخلاص فهو من أعظم ما يترتب على التمييز في النية، وهو أن يقصد الإنسان بعمله وجه الله لا يريد غيره، وقال الحموي في معنى الإخلاص: 'قيل هو سر بينك وبين ربك لا يطلع عليه ملك فيكتبه ولا شيطان فيفسده ولا هوى فيميله'. والإخلاص قدر زائد على مجرد نية العمل، بل لابد من نية نفس العمل والمقصود له. ولذلك، لا يقع الإخلاص بدون نية، وتقع بدونه، وبناء عليه، فإن نظر الفقهاء قاصر على النية، وأحكامهم إنما تجري عليها، وأما القدر الزائد عليها من الإخلاص فأمره إلى الله سبحانه وتعالى، ومن ثم صحح الفقهاء عدم وجوب الإضافة إلى الله في جميع العبادات. وفي هذا الباب يدخل حديث الرسول صلى الله عليه وسلم لما سئل عن رجل يقاتل شجاعة وحمية ورياء، فأي ذلك في سبيل الله تعالى؟ فقال: 'من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله'.


أخبار اليوم الجزائرية
منذ ساعة واحدة
- أخبار اليوم الجزائرية
وصايا ذهبية للحجّاج..
للفوز بالذنب المغفور والحج المبرور وصايا ذهبية للحجّاج.. لا يعادل فضل الحج المبرور فضل فهو علامة على رضا الله سبحانه وتعالى ونيل ثوابه وتحصيل غفرانه والحج المبرور يغفر جميع الذنوب وبه يقول الله تعالى: ((إن الحسناتِ يُذهبْنَ السيِّئات)) ومن علامةِ قبولِ الطاعةِ فعلُ الطاعةِ بعدها. لذلك هناك من النصائح الهامة التي يجب أن يحرص عليها الحاج حتى لا يضيع حجه هباءً منثورا ويكن كالتي نقَضت غزلها من بعدِ قوّة أنكاثاً. ولعل أول نصائح الحج المبرور هي الإخلاص لله تعالى وخلوة هذه العبادة العظيمة من الرياء والنفاق والسمعة فلا بد من استحضار النية عند إرادتك هذه الفريضة العظيمة فإنّ العبد يُعطى من الأجر بقدر نيته قال الله تعالى (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء) البينة:5. وقال سبحانه (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ) الزمر:2. وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك مَن عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه رواه مسلم. فصدق النية أهم شيء في عمل الحاج ومجاهدة النفس على الإخلاص ورفض الرياء أمرٌ شديد ولكنه يسير على من يسّره الله عليه ومن ألزم نفسه الإخلاص تلذذ بالطاعات وقد سئل سهل بن عبدالله: أي شيء أشد على النفس؟ قال: الإخلاص لأنه ليس لها فيها نصيب. والرياء هو الشّرك الخفي الذي حذّرنا منه النبي صلى الله عليه وسلم كما قال: إن أخوفَ ما أخافُ عليكم: الشركُ الأصغر قالوا: يا رسول الله وما الشرك الأصغر؟ قال: الرياء . رواه أحمد. وعلَّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاء إذا قلناه أذهب الله عنا صغار الشرك وكباره فعن مَعْقِلَ بنَ يَسَار قَال: انْطَلَقْتُ مع أَبِي بَكْر الصِّدِّيقِ رضي اللَّهُ عنه إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَال: يا أَبا بَكْر لَلشِّرْكُ فِيكُمْ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ فَقَال أَبُو بَكْر : وهل الشِّرْكُ إِلا مَنْ جَعَلَ مع اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ ؟ فَقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَلشِّرْكُ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ أَلا أَدُلُّكَ عَلَى شَيْء إِذَا قُلْتَهُ ذَهَبَ عَنْكَ قَلِيلُهُ وكَثِيرُهُ؟ قَال: قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ وأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لا أَعْلَمُ . *التوبة يجب على الحاج التوبة إلى الله تعالى من سائر الذنوب والمعاصي وإذا كان عنده مظالم للناس فعليه أنْ يُردها إليهم ويطلب مسامحتهم ليستقبل حجه بالتوبة والتخلص من المظالم. *الدعاء والذكر الدعاء هو مخ العبادة والذكر هو أساس العمل الصالح قال صلى الله عليه وسلم: الدُّعاء هو العبادة . قال النبي صلى الله عليه وسلم: أعجزُ الناس من عجز عن الدعاء وأبخل الناس من بخل بالسلام رواه ابن حبان. وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنَّ ربكم تبارك وتعالى حَييٌ كريم يَستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أنْ يَردهما صِفراً خَائبتين رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة. *تجنب الجدال واحرص على الطاعات يقول الله سبحانه: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة:197] احرص على الطاعات والقربات والتقرّب بأنواع العبادات من ذكر الله تعالى بالتلبية والتكبير والتهليل والتحميد والتسبيح والصلاة بوقتها مع الجماعة وأنواع الصدقات والدعاء لنفسك وأهلك وإخوانك المسلمين. فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما مِنْ يوم أكثرَ من أنْ يُعتقَ اللهُ فيه عبداً من النار من يومِ عَرفة وإنه ليَدنو ثم يُباهي بهم الملائكة فيقول: ما أرادَ هؤلاء؟ . فلا خير في حج ّ يخلطه صاحبه بالمعاصي فإنها أيام الطاعات والذّكر والقربات وأسواق التقوى فالذي يعصي الله فيها هو الخاسر عاجلاً وآجلاً. *الصحبة الصالحة التمس من يُعينك على طاعة الله وينصحك لنفسك عن معاصي الله عليك بالجلساء الطيبين والأخوة الصالحين في سفرك كما في بلدك فإنّ الصحبة لها أثرها الكبير على الصاحب وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم المثال الرائع في الجليس الصالح والجليس السوء فقال صلى الله عليه وسلم: مَثَلُ الجليس الصالح والجليس السوء كحامل السمك ونافخ الكبير فحامل المسك: إمّا أن يُحْذِيَك وإما أنْ تبتاع منه وإمّا أنْ تجدَ منه ريحاً طيبة ونافخ الكير: إما أنْ يُحرق ثيابك وإما أنْ تجد منه ريحاً خبيثة . متفق عليه فالرفقة الصالحة تُعينك على ما ينفعك من أمور الدين والدنيا والرفقة السيئة تعينك على ما يضرك ويشقيك. *النفقة الحلال على الحاج أنْ ينفق في حجه من زاد وراحلة من الكسب الحلال ليكون حجه مبروراً وذنبه مغفورا وسعيه مشكورا. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله طيبٌ لا يقبل إلا طيباً وإنَّ الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى: (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا) المؤمنون: 51 وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم) البقرة: 172. ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمدّ يديه إلى السماء: يا ربّ يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغُذّي بالحرام فأنّى يُستجاب له؟. رواه مسلم. وأنتَ تلبسُ ملابس الإحرام تذكَّرُ حينما تكونُ وحيداً في كفنِكَ الأبيض فاليومَ عملٌ ولا حساب وغداً عرضُ كتاب وحساب.. فماذا أعددت؟ لا تترُكِ الأمرَ بالمعروفِ والنهيَ عن المنكر ولْيكن ذلكَ برفق وحلم ولين.. والدالُّ على الخير كفاعله ((وما تفعلوا من خير يعلمْهُ الله)). احرص على اغتنام لحظاتك وأوقاتك.. وتجنب اللَّغط واللغو.. ولْيكن شعارك: (فلا رفَثَ ولا فسوقَ ولا جدال في الحج) فإنما هي أيامٌ معدودات.. ثم ترجعُ بجائزة (رجع من ذنوبه كيومِ ولدته أمه).. ولْيكن حجُّكَ خالصاً من الجدالِ والمِراء.. وأكثر من ذكرِ ربِّكَ لينشرِحَ قلبُك ((إنَّ الحسناتِ يُذهبنَ السيِّئات)). حقوق النشر © 2024 أخبار اليوم الجزائرية . ة


الشروق
منذ 3 ساعات
- الشروق
ماذا خطّطت لعطلتك؟
لا شكّ في أنّ جميعنا يحفظ حديث النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: 'لا تزولُ قَدَمَا عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ عن أربعٍ؛ عَن عُمُرِه فيما أفناهُ، وعن جسدِهِ فيما أبلاهُ، وعن عِلمِهِ ماذا عَمِلَ فيهِ، وعن مالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وفيما أنفقَهُ'. لكن لعلّ قليلا منّا يسأل نفسه عن هذه الأربع؟ عن أوقاته وعن صحّته وعن ماله وعن علمه؟ قليل من يستشعر حقيقة أنّه مسؤول لا محالة عنها بين يدي الله جلّ وعلا، وأنّ الإجابة ستكون صعبة وربّما مخزية لمن سها ولها ونسي الموعد والمنتهى. الفراغ نعمة من نعم الله؛ لكنّ أكثر النّاس مغبونون في هذه النّعمة، لا يقدرونها حقّ قدرها، ولا يحسنون استغلالها فيما يعود عليهم بالنّفع في الأولى والآخرة، كما قال نبيّ الهدى عليه الصّلاة والسّلام: 'نعمتان مغبون فيهما كثير من النّاس؛ الصحّة والفراغ'؛ مغبون من يظنّ الحياة لهوا ولعبا، وينفق أوقاته في قيل وقال وغفلة وسوء حال، ويملأ فراغه بما يقسّي القلب ويثقل الرّوح ويلهي عن المنقلب والمآل. إنّ العمر -أخي المؤمن- أيام تتعاقب، ويوم يضيع في غير طاعةٍ لله وفي غير مصلحة دنيوية أو أخروية، هو خسارة عظيمة لك ولأمّتك.. ربّما تحسب ألف حساب قبل إخراج دينار من جيبك، لكنّك تنفق أوقاتك من دون حساب، ووقتك هو رأس مالك؛ يقول صحابيّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عبد الله بن مسعود -رضـي الله عنه-: 'ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه نقص فيه أجلي ولم يزدد فيه عملي'. إنّه لأمر مؤسف حقّا أن يعيش شباب في عمر العطاء، لا يبالون بإضاعة أيامهم وقتل أوقاتهم في اللّهو والغفلة.. ضياع ما بعده ضياع وحرمان ما بعده حرمان، أن يألف شبابنا النّوم في مواسم العطل حتى الضحى أو ما بعد الضحى، تطلع عليهم الشمس وتتوسّط كبد السماء وهم يَغُطون في نوم عميق، قد بال الشيطان في آذانهم، إذا قام أحدهم قام وهو ثقيل الخطى خبيث النفس هزيل القوى كسلان، على حين تطلع الشمس على قوم آخرين من غير أهل الإسلام وهم منهمكون في إصلاح دنياهم وتدبير شؤونهم. نعم. الرّاحة بعد عام من الجدّ مطلوبة؛ لكنْ أن تستغرق الرّاحة أشهرا متتالية، فهذا أمر منكر. حرام -أخي الشابّ- أن تمضي أشهر الصّيف كلّها بين نوم ومباريات وجلسات سمر وقنوات. سنوات مرّت من عمرك وربّما لم تختم القرآن ولو مرّة في حياتك، وربّما لا تحفظ من كتاب الله جزءًا واحدا، ولا تحسن تفسير سورة الفاتحة وآية الكرسي والمعوّذتين فضلا عن غيرها من السّور، وربّما إلى الآن لا تحفظ أذكار الصّباح والمساء ودعاء الصّلاة على الجنازة! أخي المؤمن، يا من أنت الآن في عطلة؛ من حقّك أن ترتاح وتروّح عن نفسك، لكن ليس من حقّك أن تمضي ساعاتك وأيامك كلّها في التّرويح وإضاعة الواجبات.. اتق الله، فالعمر أنفاس لا تعود إلى يوم القيامة. اجعل لك هدفا في هذه العطلة تسعى لبلوغه. خطّط مثلا لأن تتقن حفظ الحزبين الأخيرين من القرآن، وتتقن تفسيرهما، وتحفظ أذكار الصّباح والمساء والنّوم والاستيقاظ والدّخول والخروج، وتقرأ كتابا مختصرا في العقيدة، وتطالع باب الطهارة وباب الصّلاة في الفقه. أيام الصّيف أيام طويلة، وهي فرصة لا تعوّض لمن أراد أن يغيّر حاله ويرفع عن نفسه الجهل بدينه، والعطلة لا تعني أبدا العطالة من كلّ شيء؛ اجعلها عطلة من أمور الدّنيا وأقبل على أمور الآخرة. ارتح قليلا من هموم دنياك واحمل همّ أخراك، وأعد تنظيم حياتك وترتيب نفسك.