logo
م. زيد خالد المعايطة : الخدمات الحكومية الإلكترونية .. الاستجابة السلوكية وراء تباطؤ الاستخدام

م. زيد خالد المعايطة : الخدمات الحكومية الإلكترونية .. الاستجابة السلوكية وراء تباطؤ الاستخدام

أخبارنا١٤-٠٥-٢٠٢٥

أخبارنا :
حقق الأردن تقدمًا ملموسًا في رقمنة الخدمات الحكومية، إذ أصبحت مع بداية عام 2025 أكثر من 1567 خدمة حكومية متاحة عبر الإنترنت، أي ما يقارب 65 بالمئة من إجمالي الخدمات الحكومية المقدمة للمواطنيين، وذلك ضمن خطة وضعتها وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة تهدف الى رفع هذه النسبة إلى 80 بالمئة بنهاية العام الحالي. كما وتوفّر منصة "سند" بوابة موحّدة لمجموعة متنامية من الخدمات، منها على سبيل المثال الهوية الرقمية وتجديد التراخيص واستخراج بعض الوثائق الشخصية والدفع الإلكتروني ومع ذلك فإن الاستخدام الفعلي للخدمات الإلكترونية بالمقارنة لمراجعه الدوائر الحكومية بالطرق التقليدية لا يزال متواضعًا ودون التوقعات بالرغم من ان شبكة الانترنت تغطي تقريبا كل المناطق المأهولة في المملكة، وتوفر ما يكفي من اجهزه الهواتف الذكية و الحواسيب بيد المواطنين، مما يشير بشكل مباشر الى أن المشكلة ليست في الوصول الى الخدمة، بل في مزيج من العوامل التقنية والسلوكية ما بين مقدم الخدمة ومستخدمها.
يرى العديد من المواطنين أن المنصات الرقمية الحكومية لم تُلغِ البيروقراطية، بل نقلتها من الميدان إلى الفضاء الالكتروني "البيروقراطية الإلكترونية".، فمن وجهة نظر البعض لا تزال الإجراءات الطويلة والخيارات الغير الواضحة موجودة، ولكن بشكل مختلف وأكثر إرباكا". فقد خلقت هذه التجربة في أذهان بعض الناس عبئًا إضافيًا جعلهم يتباطؤون في استخدامها، ليعود البعض منهم إلى ما اعتادوا عليه سابقا" بالذهاب شخصيًا إلى الجهة الحكومية المعنية بالإجراء ، هذا الميل يُعرف في علم السلوك بتحيّز الوضع القائم (Status Quo Bias)، وهو انعكاس طبيعي لتفضيل المألوف حين يبدو البديل محفوفًا بالغموض أو الجهد.
تزداد هذه الفجوة مع تعقيد تصميم بعض المنصات، خصوصًا تلك التي تتطلب من المستخدم اختيار خدمات من ضمن مجموعة خيارات متعددة وقوائم طويلة مليئة بمصطلحات غير مألوفة او مفهومة بما يكفي للتعامل معها، هذه التجربة تُثقل على المستخدم معرفيًا وتُولّد ما يُعرف بالإرهاق المعرفي، وهو ما يدفع الكثيرين إلى ترك المحاولة والعودة إلى المسار التقليدي، حيث يمكنهم على الأقل سؤال الموظف مباشرة.
من جهة أخرى، يرى بعض المواطنين ان الكثير من الخدمات الرقمية الحكومية تفتقر إلى قيمة مضافة واضحة أو مكافأة فورية تُقنع المواطن بتغيير سلوكه.، في المقابل نجد أن منصات أخرى مثل "كليك" أو "إي-فواتيركم" تقدّم فائدة ملموسة وفورية ، تحويل لحظي و شمول مالي لمختلف الشرائح و بدون تعقيدات، فالفرق بين تفاعل الأردنيين مع الخدمات المختلفة لا يكمن فقط في التكنولوجيا، بل في إدراك المستخدم للفائدة، لذلك يمكن القول وبشكل عام، بانه إذا ما شعر المستخدم بأن الخدمة الإلكترونية معقدة أو غير موثوقة أو لا تختصر عليه جهدا"، فسيرى أن لا جدوى من استخدامها.
وتظهر المفارقة بوضوح عند النظر إلى مدى انتشار "كليك" بين الأردنيين. فقد تبنّاها أكثر من 1.6 مليون مستخدم، وتم عبرها تنفيذ معاملات تجاوزت 12 مليار دينار خلال عام واحد فقط. والأهم من ذلك، أن "كليك" تُستخدم من قبل جميع شرائح المجتمع؛ من الشباب والموظفين، إلى أصحاب المحلات والبقالات والمطاعم الصغيرة، فصاحب المطعم الذي يقبل الدفع عبر "كليك" بكل أريحية، هو نفسه الذي يرفض استخدام منصة حكومية إلكترونية، ليس فقط لأنه يجد صعوبة بكيفية الاستخدام، بل لأنه لا يثق بفعالية وسلامة النظام الالكتروني أو لا يرى فيه فائدة مضمونة، هذه الحالة تُظهر بوضوح أن المشكلة ليست فقط باستخدام المنصات الرقمية الحكومية، بل في التصور السلوكي للفائدة والسهولة والثقة.
تجربة "كليك" تقدّم درسًا واضحًا، حين تكون الخدمة الرقمية سهلة الاستخدام، واضحة القيمة، مأمونة من مخاطر الوقوع بالأخطاء، ومبنية على تجارب متكررة ناجحة، مما يساعد بان يتم تبني التجربة بشكل طبيعي، ودون حاجة إلى حملات إقناع مطولة، فنجاح "كليك" لم يكن وليد الصدفة، بل نتيجة تصميم يُراعي السلوك البشري كما هو، لا كما يفترضه الطرف الأخرى وكيف يريده أن يكون.
تجاوز هذه التحديات لا يتطلب فقط تطوير البنية التقنية أو توسيع نطاق التغطية الإعلامية، بل يتطلب اعتماد حلول مستندة إلى مبادئ العلوم السلوكية، وهي مجموعة من الأدوات والمفاهيم التي تُستخدم عالميًا لفهم وتحفيز السلوك الإنساني ، فعلى سبيل المثال، من الضروري تبسيط تصميم الخدمات الرقمية بشكل يجعل استخدامها بديهيًا، وتقليل عدد الخطوات والخيارات التي قد تربك المستخدم، خاصة تلك التي تتطلب الاختيار من قوائم طويلة أو مصطلحات فنية، كما ينبغي إعادة صياغة الرسائل التوعوية بحيث لا تركز فقط على "كفاءة" الخدمة أو "حداثتها"، بل تُظهر الخسائر التي قد يتكبدها المواطن عند تجاهل استخدامها ، مثل الوقت الضائع، أو الوقوف في الطوابير، أو خطر التأخير في إنجاز المعاملة، وهذا ما يُعرف في علم السلوك بتأثير "تجنّب الخسارة" "Loss Aversion". كذلك، يمكن الاستفادة من الزيارات الوجاهية الحالية عبر تحويلها إلى فرص تدريبية مصغّرة، يُرشد فيها موظف مختص المواطن إلى كيفية تنفيذ نفس المعاملة او أي معامله الكترونيه اخرى في المستقبل. أما من حيث بناء الثقة، فمن الضروري عرض قصص حقيقية لمواطنين نجحوا في استخدام الخدمات الإلكترونية، خاصة من فئات اجتماعية متنوعة، مما يُعزز ما يُعرف بـ"الدليل الاجتماعي Social Proof " ويُشجع الآخرين على التجربة.، وأخيرًا، يجب توفير الدعم الفني الفوري داخل المنصات الإلكترونية، مثل المحادثة المباشرة أو المساعدة التفاعلية من قبل مقدم الخدمة لتجنب أن يشعر المستخدم بأنه عاجز ووحيد في حال واجه أي صعوبه تحول دون نجاحه بالحصول على الخدمة.
هناك الكثير من قصص نحاج دول أخرى في تجاوز تحديات مشابهة، ففي المغرب، استعانت الجهات الرسمية بالبلديات ودور العبادة لنشر الوعي بالخدمات الرقمية بلغة قريبة من الناس، وفي مصر، تحولت الرسائل من الحديث عن "التحول الرقمي" إلى إبراز إيجابيات التوفير في الجهد والوقت، أما في تركيا، فقد استخدمت المؤسسات الحكومية اللقاءات الوجاهية لتدريب المواطنين على استخدام الخدمات الإلكترونية، مما مهّد الطريق لبناء ثقة تدريجية.
الأردن لا يحتاج إلى بناء كل شيء من جديد، بل إلى إعادة تقديم ما هو موجود بشكل يتماشى مع طريقة تفكير الناس. المواطنون سيتبنّون الخدمات الرقمية عندما يشعرون بأنها فعليًا أسهل وأوضح وأكثر ضمانًا من الطرق التقليدية، فمقاصد هذا المقال توضح أن التكنولوجيا وحدها لا تكفي، يجب أن تُصمَّم بما يتناسب مع طبيعة السلوك البشري. وإذا أردنا تغيير السلوك، فعلينا أن نجعل السلوك الجديد هو الخيار الأسهل
* باحث في العلوم والبصائر السلوكية – London School of Economics (LSE)

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الملك يؤكد ضرورة الاستمرار في تسريع إجراءات التقاضي
الملك يؤكد ضرورة الاستمرار في تسريع إجراءات التقاضي

هلا اخبار

timeمنذ ساعة واحدة

  • هلا اخبار

الملك يؤكد ضرورة الاستمرار في تسريع إجراءات التقاضي

هلا أخبار – تسلم جلالة الملك عبدﷲ الثاني، اليوم الأربعاء، التقارير السنوية لأعمال السلطة القضائية والمحاكم الشرعية وهيئة النزاهة ومكافحة الفساد لعام 2024، كلا على حدة. ولدى لقاء جلالته رئيس المجلس القضائي محمود العبابنة وتسلمه التقرير السنوي لأوضاع المحاكم النظامية والقضاء الإداري والنيابة العامة، أكد جلالة الملك ضرورة الاستمرار في تسريع إجراءات التقاضي وزيادة نسبة الفصل في القضايا. وأعرب جلالته عن تقديره لجهود العاملين في الجهاز القضائي في تطوير العمل ورفع مستوى الأداء. وجاء في تقرير أوضاع المحاكم النظامية أن السلطة القضائية خفّضت إجمالي الدعاوى المدورة بنسبة 18 بالمئة مقارنة بعام 2023. وفصلت المحاكم النظامية بأكثر من 417 ألف دعوى، بنسبة 87 بالمئة من إجمالي الدعاوى المنظورة أمام المحاكم، وبلغ معدل مدة التقاضي لدى جميع المحاكم 57 يوما. كما التقى جلالته، قاضي القضاة سماحة الدكتور عبدالحافظ الربطة ورئيس المحكمة العليا الشرعية فضيلة القاضي الدكتور كمال الصمادي، وتسلم التقرير السنوي لأوضاع المحاكم الشرعية وسير الأعمال فيها. وثمن جلالة الملك جهود المحاكم الشرعية في رفع مستوى القضاء الشرعي والخدمات المقدمة للمواطنين. وأكد جلالته أهمية دور المحاكم الشرعية في تعزيز التماسك الأسري والحماية المجتمعية، لافتا إلى ضرورة تطوير الخدمات الإلكترونية لهذه المحاكم. ووفقا لتقرير المحاكم الشرعية، بلغ عدد القضايا المفصولة والمسقطة حوالي 150 ألف قضية، بنسبة 86 بالمئة من إجمالي القضايا، كما نجحت مكاتب الإصلاح والوساطة والتوفيق الأسري بإعادة أكثر من 9 آلاف أسرة إلى حياتهم الطبيعية، وتحويل مسار 39 ألف حالة من الخصومة القضائية إلى الاتفاقات الرضائية. وأشار التقرير إلى إطلاق دائرة قاضي القضاة منصة تشمل 73 خدمة رقمية، لتسهيل الوصول إلى الخدمات القضائية. وخلال لقاء جلالة الملك مع رئيس مجلس هيئة النزاهة ومكافحة الفساد الدكتور مهند حجازي، وتسلمه تقرير الهيئة، أشاد جلالته بجهود العاملين في الهيئة. وأكد جلالته ضرورة الاستمرار بتعزيز قدرات كوادر الهيئة، وإدامة التنسيق بين المؤسسات الرسمية لتعزيز منظومة النزاهة والشفافية. وحسب التقرير، بلغت قيمة المبالغ التي استردتها الهيئة أو ساهمت في استردادها أو منعت هدرها من المال العام حوالي 61 مليون دينار، فضلا عن ضبط شبهات تهرب ضريبي بنحو 110 ملايين دينار. ونظرت الهيئة في ما يزيد عن ألفي ملف تحقيقي، وأحالت 197 ملفا منهم إلى الادعاء العام، وأطلقت مبادرة لتوعية طلبة الجامعات حول دورهم في نشر قيم النزاهة ومكافحة الفساد. وحضر اللقاءات رئيس الديوان الملكي الهاشمي يوسف حسن العيسوي، ومدير مكتب جلالة الملك، المهندس علاء البطاينة.

'الطاقة النيابية' تناقش تعزيز الاستثمارات في قطاع الطاقة
'الطاقة النيابية' تناقش تعزيز الاستثمارات في قطاع الطاقة

هلا اخبار

timeمنذ ساعة واحدة

  • هلا اخبار

'الطاقة النيابية' تناقش تعزيز الاستثمارات في قطاع الطاقة

هلا أخبار – عقدت لجنة الطاقة والثروة المعدنية النيابية اجتماعا، اليوم الأربعاء، برئاسة النائب هيثم زيادين، حضر جانبا منه رئيس مجلس النواب أحمد الصفدي، لمناقشة سبل تعزيز استثمار أموال صندوق الضمان الاجتماعي في قطاع الطاقة. وأكد زيادين، بحضور رئيس مجلس استثمار أموال الضمان عمر ملحس، ورئيس صندوق استثمار أموال الضمان عز الدين كناكرية، أهمية تهيئة البيئة التشريعية والتنظيمية الجاذبة للاستثمار في قطاع الطاقة، مشيرا إلى أن هذا القطاع يعد من الركائز الأساسية لدعم الاقتصاد، وتحقيق الاستقرار التنموي، وتعزيز أمن الطاقة. بدورهم، أكد النواب الحضور: قاسم القباعي، راكين أبو هنية، عبد الناصر الخصاونة، أيمن أبو هنية، إسلام العزازمة، نسيم العبادي، إيمان العباسي، هايل عياش، خضر بني خالد، ورائد القطامين، ضرورة الاستثمار في قطاع الطاقة. من جانبه، أكد ملحس، حرص المجلس على دعم وتعزيز الاستثمارات في قطاع الطاقة، مشيرا إلى أن المجلس يعمل على توفير بيئة استثمارية آمنة وشفافة، ضمن معدلات مخاطر مقبولة تحقق عوائد مستدامة. بدوره، قال كناكرية، إن الصندوق ملتزم بالاستثمار السليم والمسؤول في القطاعات الاستراتيجية، ومنها قطاع الطاقة، مع التركيز على تحقيق أفضل النتائج ضمن معايير المخاطر المقبولة، ودعم المشاريع التي تواكب التوجهات الوطنية في مجال الطاقة المتجددة. ولفت إلى أن حجم الاستثمار في قطاع الطاقة والتعدين وصل إلى 1.1 مليار دينار.

الطيب: شهادة الميلاد من "دفاتر النفوس» إلى الرقمنة
الطيب: شهادة الميلاد من "دفاتر النفوس» إلى الرقمنة

جفرا نيوز

timeمنذ 4 ساعات

  • جفرا نيوز

الطيب: شهادة الميلاد من "دفاتر النفوس» إلى الرقمنة

جفرا نيوز - في حياة الإنسان، تبدأ علاقته القانونية مع الدولة منذ اللحظات الأولى للولادة، عبر وثيقة رسمية تسمى شهادة الميلاد، فهي ليست مجرد ورقة، بل أساس قانوني للهوية، وبوابة للحصول على الحقوق والخدمات، ومع دخول الأردن عصر الرقمنة، شهدت هذه الوثيقة تحولات عميقة، من الشكل الورقي التقليدي إلى الشكل الرقمي المعتمد والمربوط برمز (QR)، عبر تطبيق «سند» الحكومي. يؤكد مدير عام دائرة الأحوال المدنية والجوازات المهندس غيث الطيب، أن شهادة الميلاد تُعد أول وثيقة رسمية تمنح للمواطن منذ ولادته، وتُشكل حجر الزاوية في إثبات الوجود القانوني للفرد وهويته أمام الدولة والمجتمع. ويضيف أن الأساس القانوني لإصدارها يرتكز إلى أحكام القانون المدني، وتحديدًا المادة (30) التي تنص على أن شخصية الإنسان تبدأ بولادته حيًّا، والمادة (31) التي تثبت الولادة من خلال السجلات الرسمية. ويشير إلى أن شهادة الميلاد تُعد دليلًا على النسب، وهي الوثيقة المعتمدة لإثبات حقوق الطفل وأسرته أمام الجهات الرسمية، كما تُعد المرجع الأساسي في حالة غياب أو فقدان أي وثائق أخرى. تنظيم قانوني شامل ينظّم قانون الأحوال المدنية رقم 9 لسنة 2001 وتعديلاته، جميع الإجراءات المتعلقة بولادة الأردنيين داخل المملكة وخارجها، فالمادة الثالثة من القانون تنص على أن مكتب الأحوال المدنية هو الجهة المختصة بتسجيل بيانات الولادة للأردنيين، وكذلك للأجانب إذا حدثت الواقعة داخل المملكة، في حين أن المادة الخامسة ألزمت بفتح مكتب مختص لتسجيل الولادات التي تحدث للأردنيين في الخارج، أما المادة السادسة فافترضت صحة واقعة الولادة خارج المملكة إذا كانت وفق قوانين تلك الدولة، بشرط عدم تعارضها مع القانون الأردني. ويوضح الطيب، أن المادة (11) تُخول أمين المكتب بتلقي تبليغات الولادة، فيما تلزمه المادة (12) برفع مذكرة في حال رفض التسجيل إلى المدير العام الذي يبت في الأمر خلال مدة قانونية. في الذي تلزم فيه المادة (13) بالتبليغ عن الولادة خلال 30 يوماً داخل الأردن، و90 يوماً خارجها، مع إتاحة التسجيل خلال سنة داخل المملكة وسنتين خارجها بعد دفع الغرامات القانونية. في حين حددت المادة (15) بيانات شهادة الميلاد بدقة (اسم المولود، توقيت الميلاد بالدقيقة، رقم الوالدين الوطني، الجنس، المولّد، المبلّغ، وغيرهم)، كما نظّمت إجراءات ?لادات التوائم، أما المادة (34) فأجازت تسجيل المولود غير الشرعي بموجب كتاب من وزارة التنمية الاجتماعية. يشدد المهندس الطيب على أهمية الشهادة كوثيقة تُحدد الهوية القانونية، وتمكّن المواطن من الحصول على التعليم، الرعاية الصحية، جواز السفر، والبطاقة الشخصية. كما أنها تحمي الأطفال من الاستغلال، وتُعد أداة مركزية لجمع البيانات الإحصائية الضرورية للتخطيط السكاني وتوزيع الخدمات. من النفوس العثمانية إلى حكومة الشرق العربية بدأ التسجيل المدني في الأردن في عهد الدولة العثمانية بموجب قانون النفوس لعام 1910، حيث أُنشئت سجلات خاصة كانت تُعرف بـ"دفاتر النفوس». وكانت شهادات الميلاد حينها تُستخرج على شكل وثائق عثمانية تتضمن بيانات دقيقة كاسم المولود، مكان الولادة، الديانة، المهنة، ومعلومات الأسرة. ومع تأسيس حكومة الشرق العربية في 1921، تولت دائرة الصحة في إمارة شرق الأردن تسجيل المواليد في سجل سُمي بـ"سجل التولدات»، وكان يتضمن معلومات تفصيلية تشمل عنوان الوالدين، المذهب، الجنسية، وتفاصيل دقيقة حول الولادة، مع الإشارة إلى تطعيم الجدري. وكان يُستخرج من هذا السجل وثيقة تُسمى «تذكرة النفوس»، عبارة عن ورقة مروسة باسم حكومة الشرق العربية، تتضمن معلومات شخصية دقيقة ومكان التسجيل والصفات الشكلية، وتُوقع من مأمور النفوس وتُختم بأختام رسمية. بعد إعلان الاستقلال عام 1946، كانت وزارة الداخلية، من خلال دائرة الصحة، مسؤولة عن إصدار الشهادات. وفي عام 1950، تأسست وزارة الصحة رسميًا، وبدأت بإصدار نماذج ورقية توثق اسم المولود، تاريخ الولادة، الجنس، وأسماء الوالدين. وفي 1966، صدر قانون الأحوال المدنية رقم 32، الذي أسس دائرة الأحوال المدنية لتوحيد تنظيم السجلات والوثائق الرسمية، لكن نتيجة حرب 1967، لم تبدأ الدائرة عملها الفعلي إلا عام 1977، حين تولّت إصدار دفاتر العائلة وتسجيل الواقعات الحيوية رسميًا. وفي 1988، دُمجت دائرة الأحوال مع دائرة الجوازات لتصبح «دائرة الأحوال المدنية والجوازات»، مما عزز الربط بين بيانات الهوية والجوازات. وفي التسعينيات، بدأ التحول من النماذج الورقية إلى إدخال الحاسب الآلي. ومنذ عام 1997، تم إلغاء السجلات اليدوية تمامًا. في 2002، تم ربط مكاتب الدائرة بقاعدة بيانات مركزية، وأُضيفت على الشهادات علامات أمنية لمنع التزوير، وفي 2018، أُطلقت أولى الخدمات الإلكترونية لإصدار شهادة الميلاد للواقعات المسجلة مسبقًا، عبر موقع الدائرة الإلكتروني. في الأول من أيار 2025، أعلنت دائرة الأحوال المدنية والجوازات إطلاق خدمة إصدار شهادات الميلاد المسجلة مسبقًا بصيغة رقمية، عبر تطبيق «سند» الحكومي. ويقول الطيب، إن الخدمة تُمكن المواطن من الحصول على الشهادة بصيغتي (PDF) بالعربية والإنجليزية، دون الحاجة للحضور الشخصي، عبر الدخول لتطبيق «سند» واختيار خدمة «الشهادات الإلكترونية»، ثم تحديد نوع الشهادة واسم المستفيد، ودفع الرسوم إلكترونيًا. تحمل الشهادة رمز (QR) يُستخدم للتحقق من صحتها، وهي معتمدة رسميًا لدى كافة المؤسسات والوزارات، ما يجعلها متكاملة مع بنية الدولة الرقمية. تُجسد شهادة الميلاد تطور الدولة الأردنية من حيث التشريعات، الخدمات، والإدارة. فمن دفتر النفوس العثماني إلى الشهادة الرقمية عبر تطبيق ذكي، تحولت وثيقة الولادة إلى نموذج عصري له أبعاد قانونية، اجتماعية، وإدارية، تعكس مدى تطور الدولة الأردنية في خدمة مواطنيها ضمن رؤية التحديث الشامل.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store