
«الوداع الأخير» لضحايا حادث الطريق الإقليمي.. دموع الوجع تملأ أرجاء «مستشفى وردان» (معايشة)
«الصبر من عندك يا رب»
كانت الجثث متراصة في ثلاجات الموتى، فيما كانت جثتين اثنين لا تزال مجهولة، صرخات متقطعة من أم فقدت ابنتها، وأب لا يصدق أن عروسه ذات الـ20 عامًا رحلت فجأة.. في سيارة نقل الموتى، كان «أشرف»، والد «أسماء»- الطالبة الجامعية، يضرب كفًا بكف، يتمتم: «كانت رايحة مع صاحبتها منة تجيب ورق للجامعة، كانت عروسة وراحت مني»، وفي زاوية أخرى، جلست والدتها لا تملك إلا الدموع، بينما همست أختها وهى تطالع صورة الضحية: «الصبر من عندك يا رب».
داخل المستشفى، امتدت دموع عشرات الأسر التي جاءت من مركز أشمون، ومحيطها، بعدما تناقل الناس الخبر على مواقع التواصل: «حادث كبير على الطريق.. ميكروباصين خبطوا ببعض»، لم يعرفوا الأسماء، لكن كل من له ابن أو ابنة خرجت صباحًا في اتجاه السادات، جاء يركض، ومعه خوفٌ لا يهدأ.
بين ثلاجات الموتى، كان اسم «أسماء» لا يزال مجهولًا، جثتها وُضعت في كيس بلاستيكي أبيض، وكتب عليه فقط: «أنثى في العشرينات».. وبعد نحو ساعة، دخل «أشرف»، والدها، يتلفّت، وقلبه يرتجف.
«دي بنتي.. دي أسماء»، صرخ الرجل، قبل أن يسقط على ركبتيه.. لم يرفع رأسه بعدها، جلس هناك، يضرب كفًا بكف، ويهمس بصوت لا يسمعه أحد: «كانت رايحة مع صاحبتها منة تجيب ورق للجامعة.. وراحوا هما الاتنين».
«أسماء» و«منة» كانتا أكثر من مجرد صديقتين، الطالبتان في كلية الدراسات الإسلامية بفرع جامعة الأزهر بالسادات، كانتا تذهبان وتعودان معًا.. تدرّبتا سويًا على الحفظ، وتقاسمتا المواصلات، والآمال الصغيرة، يوم الحادث، اتفقتا على إنهاء بعض الأوراق من الكلية، ثم العودة سريعًا.
«قالتلي مستعجلة.. عايزة تلحق ترجع قبل المغرب عشان تبقى في وش أبوها، هو بيحبها لما تضحك»، تقول أخت «أسماء»، بينما تحاول تهدئة والدتها، التي لم تصدق حتى اللحظة، أن ابنتها التي خرجت ضاحكة لم تعد.
«ياريت يكونوا بيكدبوا عليا.. ياريت»، كانت الأم تردد، بينما تلامس رأس ابنتها الباردة، وتشد على أصابعها كأنها تقول: «اصحي».
أما عائلة «منة»، فلم تكن بعيدة، والدها، الشيخ أحمد زكي، إمام مسجد عمر بن الخطاب بساقية أبوشعرة، كان يجلس على كرسي حديدي في فناء المستشفى.. لم يتكلم كثيرًا، فقط قال بصوت مكسور: «بنتي حافظة كتاب الله.. وجاية تساعد صاحبتها في مشوار الجامعة.. كان يوم طيب.. وخلص في لحظة».
«منة» كانت في السنة الثالثة، تحلم بأن تُعيّن معيدة، وأن تلبس عباءة والدها، في حقيبتها، التي تمزقت في الحادث، وجدت الشرطة دفترًا صغيرًا عليه كتابة بخط جميل: «يارب اجعلني سببًا في هداية الناس.. واغفر لي ضعفي».
«بلغوني بالتليفون.. ما صدقتش، لكن لما شفتها في ثلاجة مستشفى وردان عرفت إن خلاص»، يقول والدها الشيخ أحمد بصوت مكسور، ثم يضيف: «بنتي كانت بارة بيا، ومحبوبة في كل مكان.. راحت في لحظة بسبب رعونة سائق».
والد «أسماء» أثناء مغادرته بسيارة نقل الموتى لدفن جثمان الضحية- تصوير: محمد القماش
«كنت مستنيه عشان نروح نسجل بنته اللي اتولدت من 3 أيام»
في مشهد آخر، لم يكن أقل ألمًا، كان عبداللطيف قطب، سائق أحد الميكروباصين، قد لفظ أنفاسه الأخيرة في موقع التصادم، ابنه الأكبر، الذي يعمل على سيارة والده أحيانًا، كان قد حاول الاتصال به قبل الحادث بدقائق.
لكن الشهادة الأكثر إيلامًا جاءت من والد السائق نفسه، الرجل الستيني وقف أمام غرفة الطوارئ، يحيط به الناس، وكان يبكي بحرقة: «اتصلت عليه.. كنت مستنيه عشان نروح نسجل بنته اللي اتولدت من 3 أيام.. أول فرحة ليه، وقال لي: جاي لك، مستني حد يكمل معايا المشوار.. وبعد ساعة، شفت صورته على الفيسبوك، مكتوب عليها: عبداللطيف مات، ومصدقتش.. لحد ما شوفته جثة قدامي».
ثم صمت، وجلس على الأرض، يردّد بصوت محطّم: «سيبوني في حالي.. هو إنتوا هترجعوا اللي حصل؟».
الحادث وقع على الطريق الرابط بين أشمون والسادات، تحديدًا في منطقة الأعمال بمحور منشأة القناطر، التصادم العنيف بين ميكروباصين أسفر عن مصرع 10 أشخاص، وإصابة 10 آخرين بإصابات بالغة، وفقًا لبيان وزارة الصحة والسكان.
الطريق الذي شهد الحادث كان قد شهد تصادمًا مشابهًا قبل أسبوعين فقط، أسفر حينها عن مصرع 18 فتاة يعملن في مزارع العنب، ورغم المطالبات المتكررة من الأهالي بإغلاقه لحين الانتهاء من الإصلاحات، إلا أن الوضع ظل كما هو حتى صدر قرار بإغلاقه.
«الطريق ده مفروض يتقفل من زمان.. مليان منحنيات، وفيه حجر كبير طالع من الحاجز، والسواقين بيسابقوا بعض، ومفيش إنارة»، قال أحد الأهالي الذين وصلوا متأخرين إلى المستشفى، بعدما فقدوا ابنة عمهم.
«ابني نزل يشتغل يساعدني.. ما رجعش»
وفقًا لشهادات الناجين، فإن السرعة الزائدة، وعدم الالتزام بالحارة، تسببا في الكارثة: «الميكروباص كان بيغرز.. بيعدي من العربيات بالعافية، وناس قالت له: اهدى.. ما سمعش»، قال أحد الناجين، ثم أضاف: «في لحظة، لف علينا حجر كبير، خبطنا، واتقلبنا، والتاني دخل فينا».
في مستشفى الباجور، نقلت الجثامين الأخرى، وعدد من المصابين، الطفل صلاح زقزوق، 15 عامًا، كان من بينهم، إذ كان يعمل في مزرعة دواجن، أول يوم عمل له، غادر البيت فجرًا، وقال لوالده: «أنا رايح أجيب فلوس نعمل باب جديد».
لكن «صلاح» لم يعد، أصيب بنزيف داخلي، وتورّم وجهه حتى عجز والده عن التعرف عليه.
في غرفة العناية المركزة، كان الطفل صلاح هلال زقزوق، ابن الـ 15 عامًا، يصارع من أجل الحياة، إذ خرج فجر ذلك اليوم من منزله بأشمون، متوجهًا إلى أول يوم عمل له في مزرعة دواجن بوادي النطرون، بحثًا عن 200 جنيه يومية، تساعد والده، الذي يعمل في جمع البلاستيك.
الأهالي أمام مستشفى وردان في انتظار خروج جثامين ضحايا حادث الطريق الإقليمي- تصوير: محمد القماش
«ابني نزل يشتغل يساعدني.. ما رجعش»، يقول والده بصوت تخنقه العبرة، ويضيف: «جالي تليفون بيقول إنه في المستشفى، عنده نزيف في المخ، ولما دخلت عليه ما عرفتش أتعرف عليه من كتر التورم».
كان «صلاح» قد عمل لفترة قصيرة في مخبز، لكن المقابل لم يكن كافيًا، فقرر البحث عن فرصة أفضل، وفي رحلته تلك، استقل ميكروباصًا لم يصل إلى وجهته، وترك خلفه أمًا تنتظر عودته وكتبًا مدرسية لا تزال على الطاولة.
وفي قرية الخور بأشمون، كانت جنازة شريف محمود إبراهيم تُشيّع بحضور عشرات الأهالي. الشاب الأربعيني، الذي يعمل باليومية، كان قد أنهى لتوّه مشوار عمله اليومي من قريته إلى السادات، قبل أن يُصبح رقمًا آخر في قائمة الضحايا.
«كنا بنزعق له.. محدش سمعنا»
«ابني سايب وراه 4 عيال.. ومشي»، قال الأب العجوز وهو ينظر إلى الأرض، كأن الكلمات لا تكفي لتوصيف الفقد، كانت الأسرة قد أنهت إجراءات الدفن في مستشفى الباجور التخصصي، وعادت بالجثمان إلى القرية، وسط حشود من الأهالي الذين يعرفون شريف جيدًا، ذلك الشاب الهادئ الذي كان يكدّ كل يوم ليطعم أولاده.
أما الناجون، فكانت شهاداتهم كافية لرسم مشهد الكارثة، سائق الميكروباص، وفقًا لما رواه أحدهم، كان يقود بسرعة جنونية، يتفادى السيارات ويقوم بمناورات حادة دون انتباه، وسط مناشدات الركاب له بالتوقف أو التمهّل.
«كنا بنزعق له.. محدش سمعنا»، قال أحد المصابين. وأضاف: «حاول يعمل غرزة، لقى عربية قدامه، خبطنا فيها، وانقلبنا فورًا».

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


تحيا مصر
منذ ساعة واحدة
- تحيا مصر
قانون المرور المشدد يعلن حربًا شاملة على القيادة تحت تأثير المخدرات
أعلنت رئاسة الجمهورية – بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي – عن تطبيق صارم لمواد قانون المرور، لا سيما المادة 76التي تنصّ على عقوبات رادعة ضد السائقين الذين يقودون تحت تأثير المخدرات. توجيهات سيادية صدرت فور وقوع الحادث المأساوي على الطريق الإقليمي بمحافظة المنوفية، والذي أودى بحياة 19 شخصًا، جميعهم من فئة الطالبات والعمالات اليومية . حادث الإقليمي.. الشرارة التي أضاءت الطريق وقع الحادث نهاية يونيو 2025، عندما اصطدمت 'تريلا' قادمة من الاتجاه المعاكس بسيارة ميكروباص تقل 21 فتاة، مما أسفر عن وفاة 19 منهن وسائق الميكروباص، وإصابة 3 أخريات . تحاليل النيابة وجهاز الأمن أثبتت إيجابية تعاطي السائق للحشيش والمنشطات والترامادول . اجراءات حكومية فورية.. حملات وتقييم السلامة وجّه رئيس الوزراء مصطفى مدبولي والجهات الأمنية بـ: إجراء تحاليل مخدرات مفاجئة ودورية لسائقي النقل على الطرق السريعة والمحاور الحيوية . تكثيف الأكمنة المرورية وفصل حركة النقل الثقيل عن الملاكي، وتفعيل الرادارات وكاميرات المراقبة . صيانة الطرق، ودفع تعويضات مالية وتعليمية لأسر الضحايا . المادة 76.. عقوبات مشددة لردع المخالفين القيادة تحت تأثير المخدرات تتحول الي جريمة مشددة... تنص المادة 76 على: سنة حبس وغرامة لمن يقود تحت تأثير المخدرات أو المسكر . 2–5 سنوات حبس + غرامة ≥10 آلاف جنيه إذا نتج عن ذلك إصابة شخص . 3–7 سنوات حبس + غرامة ≥20 ألف جنيه + سحب الرخصة نهائيًا في حال وقوع وفاة أو عجز كلي . التهرّب من التحاليل يُعامل كقيادة تحت تأثير المخدرات ويشمل حد أدنى سنة حبس . كشف تقرير وزارة الداخلية أن 51,507 سائقًا خضعوا لتحاليل منذ يناير حتى يونيو 2025، وكانت نتيجتها إيجابية في 2,198 حالة بنسبة 4.3%. كما أشارت الدراسة إلى أن متعاطين الترامادول والحشيش معرضون لخطر أكبر للحوادث، بنسبة تصل إلى 5 أضعاف . أمطار وعي ووعيد قانوني قال الخبير الأمني اللواء أحمد كساب: "هذه الحملات الدورية العشوائية هي أبرز أدوات الردع، لأن متعاطي المواد المخدرة يعتقد خطأ أنها ترفع التركيز، بينما تزيد من سوء التقدير والبطء في الاستجابة" . ومن جهته، أوضح خبير المرور الدكتور... محمود السباعي أن تطبيق العقوبة وحده لا يكفي، وضرورة استكمالها بتوعية مجتمعية وإعادة تأهيل للمتعافين. ضرورة ربط عودة الرخص الطبية والبرامج التدريبية ضروري للتأكد من سلامة السائقين قبل منحهم تصريحًا بالقيادة من جديد. دمج القانون والوعي لطرق آمنة تعد إجراءات حكومة 2025 – من حزم قانونية مشددة إلى حملات فورية على الطرق والتوعية المجتمعية – مؤشرًا على تحول نوعي في التعامل مع حوادث الطرق وقيادة المخدرات. القانون تحول من نص مجرد إلى قوة تنفيذية فاعلة. إنه ليس إنذارًا بل إعلان حرب على التهور والسرعة والقيادة المفترسة، برؤية متكاملة بين الرادع القانوني، الرقابة الأمنية، والوعي المجتمعي.


مصراوي
منذ 2 ساعات
- مصراوي
ضبط سائق ميكروباص سار عكس الاتجاه أعلى كوبري بالعاشر من رمضان
كشفت الأجهزة الأمنية ملابسات مقطع فيديو تم تداوله عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أظهر قائد سيارة "ميكروباص" يسير عكس الاتجاه أعلى أحد الكبارى بمدينة العاشر من رمضان بمحافظة الشرقية، مما عرّض حياته وحياة الآخرين للخطر. بالفحص، أمكن تحديد السيارة وضبط قائدها، وتبين أنه سائق لا يحمل رخصة قيادة، ومقيم بدائرة مركز شرطة أولاد صقر. وبمواجهته، أقر بارتكاب الواقعة بقصد اختصار الطريق. تم التحفظ على السيارة، واتُّخذت الإجراءات القانونية اللازمة حيال السائق. اقرأ أيضا: مشاجرة بالشوم بين7 أشخاص بشبرا الخيمة.. والداخلية تكشف التفاصيل جثة مسنة و6 مصابين وسط جحيم شقة حديقة الحيوان بالجيزة بطريقة "هوج بول".. كيف استولت "VSA" على 3 مليارات من أموال المصريين؟


فيتو
منذ 2 ساعات
- فيتو
ضبط سائق ميكروباص قاد سيارته عكس الاتجاه على كوبري بالعاشر من رمضان
كشفت أجهزة وزارة الداخلية ملابسات تداول مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعى، ظهر خلاله قائد سيارة "ميكروباص" يسير عكس الاتجاه على أحد الكباري بمدينة العاشر من رمضان بمحافظة الشرقية، في مشهد أثار غضب المواطنين لما يشكله من خطورة بالغة على الأرواح. وفي إطار جهود وزارة الداخلية لكشف ملابسات الواقعة وضبط مرتكبي المخالفات المرورية الجسيمة، تمكنت الأجهزة المعنية من فحص الفيديو وتحديد السيارة وضبط قائدها، وتبين أنه سائق لا يحمل رخصة قيادة، ومقيم بدائرة مركز شرطة أولاد صقر. وبمواجهته، اعترف بارتكاب الواقعة بقصد اختصار الطريق، غير عابئ بما قد يسببه من حوادث أو أضرار للمواطنين. تم التحفظ على السيارة، واتخذت الجهات المعنية الإجراءات القانونية اللازمة بحق المتهم، تمهيدًا لعرضه على النيابة العامة. ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.