
نجيب محفوظ فى وزارة الثقافة
لقد أحسنت وزارة الثقافة المصرية صنعا بالاحتفاء المتوازي بنجيب محفوظ في هذا العام، حيث شاركت قطاعات وهيئات متعددة داخل الوزارة الاحتفاء بالروائي الفذ في مسيرة السرد، والكاتب العربي الوحيد الحاصل على أرفع جائزة أدبية في العالم، وأعني نوبل في العام 1988.
إن فكرة المسارات المتوازية التي تبنتها الوزارة، ووزيرها الفنان الدكتور أحمد هنو تصب في خانة واحدة قد باتت مهمة في سبيل تعزيز القيمة الأدبية والفكرية، والانتصار للمعنى، من هنا تعددت الاحتفالات والفعاليات الثقافية في الآونة الأخيرة بشأن المنجز الإبداعي السامق لنجيب محفوظ، من هنا رأينا المؤتمر المهم الذي عقدته دار الأوبرا المصرية، ورأسه الناقد والأكاديمي الدكتور سامي سليمان، وحمل عنوانا لافنا ( نجيب محفوظ حدوتة مصرية)، وتمحورت فكرته المركزية في رصد تجليات وخصائص الهوية المصرية في إبداع نجيب محفوظ، وفي سياق آخر رأينا احتفالية المجلس الأعلى للثقافة بشأن نجيب محفوظ، وكذلك الفعاليات الممتدة للهيئة العامة لقصور الثقافة، فضلا عن احتفالية دار الكتب والوثائق القومية، ويصب هذا جميعه في الاعتداد بإحدى أيقونات الثقافة الوطنية، وأحد أبرز صناعها.
ويعد (نجيب محفوظ) أحد أهم المؤسسين الحقيقيين لفن الرواية، وأبرز من طور الرواية العربية في حقبها المختلفة، ودفع بها إلى آفاق رحبة، وفسيحة. وأن أول ما يلفت الانتباه في حال تأمل المنجز الروائي لنجيب محفوظ، يتمثل في هاجس التجديد المستمر، الذي يجعله لا يبقى في منطقة إبداعية واحدة، وإنما يمارس الارتحال الجمالي البارع بين تيمات، وتصورات جمالية، ورؤى متنوعة للعالم، وفقا للمسار الروائي الذي يخطه في نصه، وبما يؤكد أن المراحل الإبداعية التي اصطلح بعض النقاد والباحثين على تسميتها، من قبيل: المرحلة التاريخية الرومانسية، أو الواقعية بتنويعاتها الاجتماعية، والسياسية، والنفسية، أو الرمزية، أو الفانتازيا، أو سردية الأحلام، وغيرها، تبدو لديه استجابة جمالية لعالم يتغير بالأساس، ولواقع يتعقد ويتشابك، ولفن له اشتراطاته الجمالية اللانهائية، والقابلة للاستعارة من أجناس أدبية أخرى بعض آلياتها وتقنياتها، ومن ثم رأينا محفوظ يمر بذكاء على مناح مختلفة للرواية، يستلهم فيها التاريخ المصري القديم تارة، مثلما رأينا في بداياته : (عبث الأقدار / رادوبيس / كفاح طيبة)، أو يرصد الواقع الاجتماعي ويحلله تارة أخرى، مثل: (القاهرةالجديدة/ خان الخليلي / زقاق المدق/ / بداية ونهاية)، أويشتبك مع الواقع السياسي ويعري تناقضاته تارة ثالثة مثل : (اللص والكلاب / ثرثرة فوق النيل / ميرامار)، أو يؤسطر العالم متكئا على البناء الأليجوري، كما في (أولاد حارتنا)، خارجا بالنص إلى فضاءات دلالية أكثر رحابة.
إن الانشغال بأسئلة النص الأدبي/أسئلة الكتابة بدا شاغلا أساسيا لنجيب محفوظ، فيه يكمن فعل بقائه وفرادته في الآن نفسه، وقد تجلى هذا الانشغال بأسئلة النص على مستويات متعددة، بدءا من ماهية النظرة ذات الطبيعة الديناميكية للأدب، والتي لا تراه نقلا مرآويا للواقع، أو انعكاسا آليا لما يدور في المجتمع؛ ولذا نراه يوظف آليات السرد التحليلي في نصوصه دائما، فضلا عن انطلاق نجيب محفوظ (ابن الروح المصرية) من رؤية للعالم ذات طبيعة منفتحة، وبما أسهم في تعدد وجهات النظر تجاه العالم والأشياء (على المستوى الموضوعي)، وتغليب المنطق الديمقراطي للسرد (على المستوى الفني).
وقد تشكلت فرادة نص نجيب محفوظ أيضا من خلال التعامل المغاير مع المرتكزات التقليدية للنص الروائي، مثل (المكان/ الزمان)، فبالنسبة للمكان، نرى عناوين نصوصه الحاملة لأسماء أمكنة حقيقية، وبما يسهم في منح الحدث السردي مزيدا من الواقعية، من قبيل: (خان الخليلي/ زقاق المدق). فضلا عن توظيف العنوان/ المكان ليصبح بمثابة البنية الدالة القادرة على تأدية وظيفة داخل المسار السردي للرواية، ففي رواية( زقاق المدق) يبدو المكان قادرا - بمحدوديته وحشر الناس بداخله - على أن يخلق سياقا نفسيا له طبيعته الضاغطة على نفسية (حميدة) بطلة الرواية، و(ميرامار/ البنسيون) علامة دالة على مكان حاوٍ لبشر متنوعين، لا يسعهم سوى فندق قديم في مدينة كوزموبوليتانية مثل (الإسكندرية). إن المكان في روايات محفوظ إذن لم يكن فضاء ماديا فحسب، ولكنه- وبالأساس- سياق نفسي يحوي دواخل النفس البشرية، وتبدل أحوالها داخله.
ويعد سؤال الزمن سؤالا مركزيا في أعمال نجيب محفوظ، بوصفه خصيصة جمالية، وفكرية عنده، تعبر عن رؤيته للعالم، هذا الذي يراه موصولا بأزمنة عدة تتصل بالوجود، وبالنفس البشرية، وبالراهن المعيش، مثلما تنفتح - أيضا- على التاريخ، معيدة قراءته، منحازة- في هذا كله- إلى البسطاء، والمهمشين، وإلى كتابة تاريخ الجماعة الشعبية، حاملة- وكما في «أصداء السيرة الذاتية» نفسا صوفية رحبة، تسع العالم، وتحيل إليه في الآن نفسه.
كان المفكر والناقد والفيلسوف الفرنسي المعروف فرانسوا ليوتار يشير إلى ذلك الإبداع الطليعي الذي يمزج بين الأصيل والفريد، والأصيل هنا المبني على ذاته، وكلاهما صنعه نجيب محفوظ في بنية روائية متجانسة تعد نموذجا لتلك الأعمال الأدبية الخالدة في تاريخ الرواية في مصر والعالم.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الوفد
منذ 4 ساعات
- الوفد
مؤلفات الموجي وغنائيات العمالقة بأوبرا الإسكندرية
ضمن فعاليات وزارة الثقافة تقيم دار الأوبرا المصرية برئاسة الدكتور علاء عبد السلام، حفلا لفرقة أوبرا الإسكندرية للموسيقى والغناء العربى بقيادة المايسترو الدكتور مصطفى حلمي، في التاسعة مساء الخميس ٢٢ مايو على مسرح سيد درويش "أوبرا الإسكندرية". يضم فاصلا لمؤلفات الموسيقار محمد الموجى ومجموعة من غنائيات عمالقة الطرب بمشاركة الفنانة حنين الشاطر ونجوم الموسيقى العربية ياسر سعيد ،آلاء أيوب، وائل أبو الفتوح ومحمد الخولى. يذكر أن الموسيقار محمد الموجى أحد أبرز المجددين في الموسيقى والغناء العربي بعد ثورة يوليو 1952 ، ولد في مارس 1923 بمحافظة كفر الشيخ، حصل على دبلوم الزراعة عام 1944، وعمل فى عدة وظائف، ثم ظهرت ميوله إلى الغناء، بعدها اتجه إلى التلحين، وكانت أول أغنياته «صافيني مرة»، التي غناها عبد الحليم حافظ بعدها قدم ألحاناً لعمالقة الطرب العربي منهم أم كلثوم، ونجاة، ووردة الجزائرية، وصباح، وفايزة أحمد، ورحل عن عالمنا عام 1995 تاركاً تراثاً فنياً من الألحان الخالدة.


بوابة الفجر
منذ 4 ساعات
- بوابة الفجر
روائع الموجي تتألق في أوبرا الإسكندرية ضمن فعاليات الثقافة المصرية
في إطار الأنشطة الثقافية والفنية التي تنظمها وزارة الثقافة، تشهد مدينة الإسكندرية أمسية فنية متميزة على مسرح سيد درويش "أوبرا الإسكندرية"، مساء الخميس 22 مايو، في تمام الساعة التاسعة مساءً. تقيم دار الأوبرا المصرية برئاسة الدكتور علاء عبد السلام حفلًا غنائيًا ضخمًا لفرقة أوبرا الإسكندرية للموسيقى والغناء العربي بقيادة المايسترو الدكتور مصطفى حلمي، يتضمن فاصلًا كاملًا مخصصًا لأعمال الموسيقار الكبير محمد الموجي، بالإضافة إلى باقة من أغنيات عمالقة الطرب الأصيل. مشاركة متميزة لنجوم الغناء العربي يشارك في هذا الحفل نخبة من الأصوات المتميزة، على رأسهم الفنانة المتألقة حنين الشاطر، إلى جانب المطربين ياسر سعيد، آلاء أيوب، وائل أبو الفتوح، ومحمد الخولي. ويُنتظر أن يقدموا مجموعة من الروائع التي حفرت مكانتها في وجدان الجمهور العربي، في ليلة طربية تعيد إلى الأذهان سحر الألحان الكلاسيكية وتفاصيل الجمال الموسيقي الذي تميّزت به حقبة الزمن الجميل. الموجي.. مبدع التجديد في الموسيقى العربية تُعد هذه الأمسية تكريمًا لمسيرة أحد أعظم المجددين في الموسيقى والغناء العربي، الموسيقار محمد الموجي، الذي وُلد في مارس 1923 بمحافظة كفر الشيخ. حصل على دبلوم الزراعة عام 1944، وعمل في بداية حياته بعدة وظائف، قبل أن تكشف موهبته الغنائية طريقه نحو عالم التلحين. كانت البداية بأغنية "صافيني مرة" التي قدمها لعبد الحليم حافظ وحققت نجاحًا مذهلًا، لتفتح أمامه أبواب التعاون مع نخبة من نجوم الغناء في العالم العربي، من بينهم كوكب الشرق أم كلثوم، ونجاة الصغيرة، ووردة الجزائرية، وصباح، وفايزة أحمد. تراث خالد وذاكرة لا تُنسى على مدار عقود، ترك الموجي بصمته الخالدة في سجل الأغنية العربية، بألحانه التي امتزجت فيها الأصالة بالتجديد، والوجدان بالابتكار، لتظل أعماله حيّة في ذاكرة الأجيال، وقد رحل عن عالمنا في عام 1995، لكنه ما زال حيًا في قلوب محبيه من خلال إرثه الفني الذي لا يُنسى. ليلة موسيقية تمزج بين الوفاء والإبداع يُعد هذا الحفل رسالة وفاء من الأوبرا المصرية تجاه رموز الفن العربي، وفرصة للجمهور للاستمتاع بأجواء موسيقية راقية تجمع بين دفء الماضي وتألق الحاضر، وتُبرز دور الثقافة المصرية في الحفاظ على الهوية الفنية وتقديمها للأجيال الجديدة بروح معاصرة.


مستقبل وطن
منذ 5 ساعات
- مستقبل وطن
اليوم.. مؤلفات الموجي وغنائيات عمالقة الطرب بأوبرا الإسكندرية
تُقيم دار الأوبرا المصرية برئاسة الدكتور علاء عبد السلام حفلًا، لفرقة أوبرا الإسكندرية للموسيقى والغناء العربي بقيادة المايسترو الدكتور مصطفى حلمي في التاسعة مساء اليوم الخميس، على مسرح سيد درويش بأوبرا الإسكندرية. ويضم الحفل فاصلًا لمؤلفات الموسيقار محمد الموجي ومجموعة من غنائيات عمالقة الطرب بمشاركة الفنانة حنين الشاطر ونجوم الموسيقى العربية ياسر سعيد، آلاء أيوب، وائل أبو الفتوح ومحمد الخولي. جدير بالذكر أن الموسيقار محمد الموجي أحد أبرز المجددين في الموسيقى والغناء العربي بعد ثورة يوليو 1952، ولد في مارس 1923 بمحافظة كفر الشيخ، حصل على دبلوم الزراعة عام 1944، وعمل في عدة وظائف. وبعدها ظهرت ميوله إلى الغناء، بعدها اتجه إلى التلحين، وكانت أول أغنياته صافيني مرة، التي غناها عبد الحليم حافظ بعدها قدم ألحانًا لعمالقة الطرب العربي منهم أم كلثوم، ونجاة، ووردة الجزائرية، وصباح، وفايزة أحمد، ورحل عن عالمنا عام 1995 تاركًا تراثًا فنيًا من الألحان الخالدة.