logo
تدمير التراث الثقافي للعراق وسورية كوسيلة لحرمان الشعوب من هويتها الوطنية (2)

تدمير التراث الثقافي للعراق وسورية كوسيلة لحرمان الشعوب من هويتها الوطنية (2)

موقع كتاباتمنذ يوم واحد

خاص: كتب- مشعل يسار:
قدم مؤخرًا كل من الباحثان الروسيان؛ 'أولغا بافلوفنا بيبيكوفا'، دكتورة في التاريخ، باحثة أولى، معهد الدراسات الشرقية، الأكاديمية الروسية للعلوم، و'إيرينا يورييفنا جيلينا'؛ دكتورة في التاريخ، باحثة أولى، معهد المعلومات العلمية حول العلوم الاجتماعية، ‏الأكاديمية الروسية للعلوم‎ .‎دراسة هامة جدًا حول تدمير التراث الثقافي والأثري للعراق وسورية؛ سواء على أيدي الاستعمار الأميركي المباشر أو عن طريق جماعات إرهابية وكيلة مثل تنظيم (داعش)، نشرتها مجلة (ملامح التحولات العالمية: السياسة، الاقتصاد، القانون).. وتعيد (كتابات) تقديمها في بضعة أجزاء للقاريء العربي تباعًا، نظرًا لما جاءت به من معلومات موثقة وراصدة بغاية الأهمية والإفادة…
أنشطة 'داعش' في العراق وسورية
مع ظهور تنظيم (القاعدة)، ثم (داعش)، اللذين حاولا محو آثار 'العراق وسورية' من الوجود، تفاقمت حالة تدمير الآثار التي ‏لا تنتمي إلى الثقافة الإسلامية.
وقد حوّل إعلان تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام؛ (داعش)، في حزيران/يونيو 2014؛ '‏سورية والعراق' إلى ما يُشبّه سوقًا للآثار. ووفقًا للتقديرات الأولية، تبلغ القيمة الإجمالية للقطع الأثرية التاريخية المنهوبة من 'العراق' ‏‏10 مليارات دولار. ففي عام 2016، سيّطر تنظيم (داعش) على 4500 موقع أثري في الشرق الأوسط، نصفها تقريبًا (ألفان) في '‏العراق'. وبين حزيران/يونيو 2014 وشباط/فبراير 2015، دمّر التنظيم حوالي 30 مبنى دينيًا ذا قيمة تاريخية في 'العراق' وحده. ولم تقتصر ‏عمليات النهب على الآثار التي تعود إلى ما قبل الإسلام، بل استرشد التنظيم في أفعاله بإيديولوجية الوهابية، التي تجهد في ‏سعيها إلى إقامة التوحيد الإسلامي الكامل إلى تدمير جميع الأديان الأخرى، باعتبار الشرك بالله أكبر الكبائر.
ويسّعى السلفيون ‏‏- أتباع مباديء الإسلام المبكر – إلى تدمير جميع آثار الديانات السابقة للإسلام، بالإضافة إلى المسيحية، ويدعون إلى تثبيت ‏المذهب الوهابي في كل مكان. فبالإضافة إلى تدمير الكنائس وآثار الحضارات القديمة التي كانت قائمةً في بلاد ما بين النهرين، ‏أرغم الجهاديون الكفار من المسيحيين واليزيديين والشيعة، على اعتناق الإسلام وإلا الإبادة الجماعية.
في العراق، سيطر (داعش) ‏على ما يُسّمى بالمثُلث السَّني – وهو منطقة في العراق تقع شمال وغرب بغداد، يغلب فيها تقليديًا السكان السَّنة من العرب. في ‏هذه المنطقة، دمّر الجهاديون ونهبوا العديد من المستّوطنات والأماكن القديمة التي لا تزال تُجرى فيها الحفريات.
كانت مدينة ‏الموصل (من كلمة موصل التي تعني مفترق طرق)، ثاني أكبر مدينة في العراق، تحت سيّطرة (داعش) من حزيران/يونيو 2014 إلى تشرين أول/‏أكتوبر 2016. وبعد الاستيلاء على المدينة، بدأوا في الاقتصاص من المسيحيين، بدءًا من النساء والأطفال المتعلمين. حتى عام ‏‏2014، كانت المدينة مركزًا تاريخيًا للمسيحية النسّطورية ومقبرة العديد من أنبياء العهد القديم. وهكذا، في تموز/يوليو 2014 دمر ‏إرهابيو (داعش) قبر 'النبي يونس'، الذي كان قد بُني بالقرب منه مسجد وكنيسة، يُقدسهما المسلمون والمسيحيون على حدٍ سواء. ‏ويُعتقد أن عُمر الموصل يزيد عن 2700 عام، لكن علماء الآثار عثروا على أنقاض مستّوطنات يعود تاريخها إلى الألفية ‏السادسة قبل الميلاد.
ونهب المسلحون متحف المدينة، الذي كان يُعتبر ثاني أكبر متحف في العراق من حيث مجموعاته. وكان ‏يضم مجموعة شهيرة من الآثار الآشورية والبارثية. وسُرق جزء كبير من المعروضات بغرض البيع. ويعود تاريخ بعض القطع ‏الأثرية إلى الحضارة السومرية في الألفية الثالثة قبل الميلاد.
وأثناء تدميرهم لمعروضات المتحف، زعم المسلحون أن هذه القطع ‏تُخالف الشريعة الإسلامية، 'لأنها تُشجع على عبادة الأصنام'. وبين حزيران/يونيو 2014 وشباط/فبراير 2015، دمّر مسلحو (‏داعش) 28 مبنى دينيًا في المدينة، تابعًا لديانات مختلفة. وفي شباط/فبراير 2015، نُهبت ودُمّرت مكتبة الموصل (التي بُنيت ‏عام 1921)، والتي كانت الأكبر بين مثيلاتها في البلاد. كانت تحتوي على 112.709 كتب ومخطوطات، بينها العديد من ‏المخطوطات الإسلامية من العصور الوسطى. كما عثروا على مجموعات من الصحف العراقية التي تعود إلى أوائل القرن ‏العشرين، وخرائط وكتب، ومجموعات من الدولة العثمانية، بعضها مُدرج في قائمة (اليونسكو) للآثار النادرة.
كما دُمّرت نِينوى ‏‏(نَينوى الحديثة) وهي إحدى العواصم الآشورية، التي لا يزال اسمها رمزًا لعظمة وسقوط حضارة عريقة، على يد مسلحين سعوا ‏إلى 'التنقيب غير المشروع عن الآثار' بحثًا عن كنوز 'الملك أسرحدون' الأسطورية (القرن السابع قبل الميلاد).
وأولى الجهاديون ‏اهتمامًا خاصًا للمجمعات الأثرية التي عمل فيها علماء الآثار لعقود قبلهم، في محاولة لإعادة إحياء تاريخ نشأة الحضارة في بلاد ‏ما بين النهرين. نُفّذ التدمير بوضوح وفقًا لخطة: من أوائل المدن التي دُمرت (5 آذار/مارس 2015) مدينة 'نمرود' (30 كيلومترًا من ‏الموصل)، التي أسسها 'شلمنصّر الأول' في القرن الثالث عشر قبل الميلاد. وفي القرن السابع عشر قبل الميلاد، أصبحت 'نمرود' ‏عاصمة 'آشور'.
خلال أعمال التنقيب التي أُجريت عام 1955 في معبد 'نابو'، عُثر على ألواح طينية عليها كتابات مسّمارية، ‏تحتوي على قَسَمٍ للأتباع والوجهاء الآشوريين، يعود تاريخها إلى عام 672 قبل الميلاد. وقد شّكلت هذه السجلات عونًا هامًا ‏لدراسة القانون والدين الآشوريين. ووفقًا للخبراء، فُقدت هذه السجلات إلى الأبد. ووصفت 'إيرينا بوكوفا'، المديرة العامة لليونسكو ‏‏(2009-2017)، تدمير 'نمرود' بأنه جريمة حرب. ‏
في 7 آذار/مارس 2015، تعرضت مدينة 'الحضر' (180 كم شمال غرب بغداد)، وهي مدينة بارثية حافظت على العمارة ‏الهلنستية والرومانية القديمة حتى يومنا هذا، لتدمير وحشي. كانت القبائل العربية البدوية موجودة هنا منذ النصف الثاني من ‏الألفية الأولى قبل الميلاد. ويُترجم اسم مدينة 'الحضر' من الآرامية إلى 'حظيرة'.
في 8 آذار/مارس 2015، دمر مسلحو (داعش) أطلال ‏العاصمة القديمة لـ'آشور'، مدينة 'دور شَرّوكين' (15 كم من الموصل)، التي بُنيت بين 713 و707 قبل الميلاد. وكان قد عاد ‏الملك الآشوري 'سرجون الثاني' سريعًا إلى 'دور شروكين'، التي كانت تُبنى وفقًا لتصميمه، بعد تتويجه في 'بابل'.
عمل علماء الآثار ‏الأوروبيون على حفريات هذه المدن لسنوات عديدة. وأُدرجت الآثار التي اكتشفوها في قائمة (اليونسكو) للتراث العالمي. في آيار/مايو ‏‏2015، وصل المجاهدون إلى 'تدمر' أو 'بالميرا' السورية (الاسم العربي – تدمر)، أغنى مدينة في أواخر العصور القديمة (القرنين ‏الثالث والسادس الميلاديين)، وهي التي شهدت هندستها المعمارية على امتزاج التقنيات اليونانية الرومانية مع التقاليد المحلية. وقد ‏اعترفت (اليونسكو) بالمدينة كموقع للتراث العالمي.
ووفقًا لـ'جاستن ماروزي'؛ (مؤلف كتاب 'الإمبراطوريات الإسلامية: 15 مدينة ‏حددت معالم الحضارة')، 'مواقع مثل تدمر… جزء من حضارتنا العالمية، وتمثل معالم بارزة في تاريخ البشرية. وأي ضرر يلحق ‏بها يُعد صدمة للبشرية جمعاء'.
فجّر مسلحو (داعش) معبد 'بعل شمين' (كلمة آرامية تعني 'سيد السماوات')، ومعبد 'بل'، والأبراج ‏الجنائزية الثلاثة الأفضل حفظًا، ثم فجّروا 'قوس النصر' الذي يعود إلى العصر الروماني. وأعدم المسلحون أمين 'تدمر'، عالم ‏الآثار السوري البارز؛ 'خالد الأسعد'، البالغ من العمر 82 عامًا.
وبعد استيلائهم على 'تدمر' للمرة الثانية (كانون أول/ديسمبر ‏‏2016)، دمّر المسلحون آخر مبنى أثري متبقٍ – المدرج الروماني القديم. وفي ماري، وهي دولة مدينة كانت قائمة على ضفاف ‏نهر الفرات في سورية خلال الألفية الثالثة والثانية قبل الميلاد، حدث اكتشاف هام، إذ عُثر على حوالي 25 ألف لوح طيني عليها ‏نقوش باللغة الأكادية، مما ألقى الضوء على الهيكل الإداري والاقتصادي والقضائي للإمبراطورية الأكادية (أعوام 2316-2137 ‏قبل الميلاد).
وينص أحد النصوص القديمة على أن 'ماري' هي المدينة العاشرة التي تأسست بعد الطوفان. منذ عام 1933، ‏شهدت المنطقة هنا تنقيبًا مستمرًا، معظمه من قِبل علماء آثار فرنسيين، فاكتشفوا أن تصميم المدينة الدائري الشكل والممركز وفر ‏حماية مزدوجة – من هجمات العدو ومن الفيضانات.
في أنقاض 'ماري'، اكتشف علماء الآثار نماذج لتقنيات سومرية قديمة، ‏بينها العجلة (الدولاب) والقنوات المائية ونظام الصرف. كما عثر علماء الآثار على ألواح خزفية عليها نصوص في مبانٍ سكنية، ‏تُشير إلى مستوى تعليم سكان المدينة. ووفقًا للمؤرخة الإيطالية 'كيارا ديزي بارديسكي': 'بعد 40 حملة، تم التنقيب عن حوالي ‏‏15% من الموقع (8 هكتارات من أصل 110 هكتارات)'.
وتتجلى الآن آثار نهب (داعش) الجهادي في صور الأقمار الصناعية ‏التي تُظهر ما يُسمى بمشهد الفوهات – وهي آبار عديدة حُفرت حول منطقة التنقيب.
وقد لاقت 'دورا أوروبوس' (القلعة، بالآرامية) ‏المصير نفسه، وهي واحدة من أكثر المدن القديمة إثارة للاهتمام في سورية. اكتشف علماء الآثار هنا أقدم المعابد اليهودية (خارج ‏دولة إسرائيل)، بالإضافة إلى كنائس مزينة باللوحات الجدارية. في شباط/فبراير 2014، أرسل (داعش) 300 مسلح إلى هنا، وفقًا ‏للخبراء، قاموا بنقب ونهب آثار أكثر من 70% من المدينة.
وقد ركزت (داعش) جهودها على مدينة 'أفاميا' في شمال سورية على ‏نهر العاصي. أسسها 'أنطيوخس سوتر'، ملك الإمبراطورية السلوقية (281-261 قبل الميلاد)، وسُمّيت تيمنًا بوالدته 'أفاميا'. في ‏القرنين السادس والسابع، كانت من أكبر مدن الشرق. واليوم، تُغطى المنطقة المحيطة بالآثار القديمة بعشرات الحفر التي عمل ‏فيها حفارون استأجرهم المسلحون.
صودرت فسيفساء رومانية من المتحف. ولم يرحم المسلحون العاصمة الثانية لسورية، مدينة '‏حلب'، التي نالت عام 2001 لقب 'عاصمة الثقافة الإسلامية' في قمة منظمة المؤتمر الإسلامي، على الرغم من أن 'بغداد' ‏و'القاهرة' كانتا منافستيها. بالإضافة إلى ذلك، أُدرجت 'حلب' في قائمة (اليونسكو) للتراث العالمي. وقد فشل مسلحو (داعش) في ‏الاستيلاء على المدينة بالكامل. بقي الجزء الغربي منها، حيث بقي 1.5 مليون نسمة، تحت سيطرة الميليشيا المحلية، التي ‏انضمت إليها العديد من الجماعات المسلحة الموالية للحكومة؛ (معظمها ميليشيات شيعية من لبنان والعراق وأفغانستان، بالإضافة ‏إلى الأرمن من مختلف البلدان).
وتُعرف 'حلب' بأنها واحدة من أقدم المدن المأهولة بالسكان بشكلٍ مستمر في العالم. تحتوي على ‏عدد كبير من المعالم التاريخية: القلاع التي تعود إلى العصور الوسطى والبازارات والمساجد والمدارس الدينية.
خلال القتال، ‏تضرر أكبر وأقدم مسجد في المدينة، 'جامع حلب الكبير'. وتعرض جزء كبير من سوق المدينة المسقوف الشهير (يبلغ طوله 13 ‏كم) لأضرار بالغة. وقد بُني في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، وكان أحد المراكز التجارية الرئيسة على 'طريق الحرير'.
‏وفي جنوب سورية، وتحديدًا في محافظة 'درعا'، وتحديدًا في مدينة 'بصرى' القديمة، دُمّرَ أكبر مدرّج أثري في الشرق الأوسط، وكان ‏يُستخدم في زمن السلم لمهرجانات الموسيقى الشعبية، كما دُمّرت الكنائس المسيحية القديمة.
وتُعدّ مدينة 'الرقة' السورية من أقدم ‏مدن الشرق الأوسط، إذ تأسست عام 244 قبل الميلاد، وتضم العديد من المعالم التاريخية: قصر البنات (القرن الثاني عشر)، ‏والجامع الكبير (القرن الثامن). في عام 796، اتخذها الخليفة 'هارون الرشيد' مقرًا له.
وفي عام 2013، أُعلنت 'الرقة' عاصمةً ‏لتنظيم (داعش). وقد ساهمت 'الولايات المتحدة' في تدمير 'الرقة'، حيث قصفت وحدة (تالون أنفيل-Talon Anvil) ‎‏ المدينة من 6 حزيران/‏يونيو إلى 17 تشرين أول/أكتوبر 2017.
وهي اليوم تُسمى 'دريسدن' السورية، حيث تضررت أو دُمرت 70% من مبانيها. وعندما تحررت ‏المدينة من الجهاديين (تشرين أول/أكتوبر 2019)، اتضح أن أكثر من 4500 قطعة أثرية قد سُرقت من متحفها الغني، بما ‏في ذلك مجموعة كبيرة من الألواح الطينية ذات الكتابة المسَّمارية التي تعود إلى أواخر القرنين الثالث عشر والثاني عشر قبل ‏الميلاد، والتي جُمعت خلال أعمال التنقيب في 'تل سبع أبيض' التي قام بها علماء آثار من 'لايدن' (هولندا).
تُجدر الإشارة إلى أن ‏حتى المتاحف السورية الصغيرة كانت تحتوي على مجموعات من القطع الأثرية القيّمة. وقد أشار 'كورّادو كاتيسي-Corrado ‎Catesi'، رئيس وحدة (الإنتربول) لمكافحة الاتجار بالفنون، إلى أن: 'المتحف الوحيد في إدلب كان يحتوي على 9494 قطعة ثقافية ‏لا تُقدر بثمن سُرقت في آذار/مارس 2015‏'‎.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

انتظروا الاسوأ ،إلا إذا!وليد عبد الحي
انتظروا الاسوأ ،إلا إذا!وليد عبد الحي

ساحة التحرير

timeمنذ 10 ساعات

  • ساحة التحرير

انتظروا الاسوأ ،إلا إذا!وليد عبد الحي

انتظروا الاسوأ ،إلا إذا! وليد عبد الحي من بين 88 مرة استخدمت فيها الولايات المتحدة حق الفيتو منذ 1946(اول استخدام ) الى ما قبل 3 ايام ، كان منها 51 مرة دفاعا عن اسرائيل (أي ما نسبته 56.8%)، وتم الاستخدام من قبل الادارات الديمقراطية والجمهورية على حد سواء، ومع ذلك كافأ العرب ترامب وإدارته بحوالي 4 تريليون دولار (وهو المعلن، فالعرب يدارون حوائجهم بالكتمان). بالمقابل ،فان التصويت الأخير في مجلس الامن الدولي ب14 دولة (بينها الاربع المتمتعة بالفيتو) لصالح وقف اطلاق النار يشير الى المأزق الذي تعمل الادارة الامريكية والاسرائيلية على تجنبه ، وهو وماذا بعد غزة(أيا كانت نتائج الصراع فيها)، ؟ دعوني اعود لكتاب بنيامين نيتنياهو (A place among Nations) الصادر عام 1993، ففي هذا الكتاب الذي يقع متنه في 401 صفحة أود الاشارة الى توجهات نيتنياهو بخصوص معركة غزة على النحو التالي: 1- السعي لاثبات ان عدم الاستقرار في الشرق الاوسط ليس سببه 'مركزية القضية الفلسطينية ' (الصفحات من 91-129)، ويرى ان الاضطراب في الشرق الاوسط سببه الاستبداد العربي ، والصراعات بين الدول العربية على الحدود او بسبب التنوعات العرقية والقبلية او بسبب الصراعات العربية مع دول الجوار (ايران وتركيا وافريقيا..الخ) ، ( يقدم جدولا في صفحة 105 عن الخلافات العربية في شهر واحد ابريل 1985). لكن طوفان الاقصى عزز الفكرة بمركزية 'القضية الفلسطينية' ، بل ان المجتمع الدولي وبخاصة قواه المركزية بدأ يطرح الموضوع بقوة مرة أخرى ، وليس صدفة التحول الهادئ والمتراكم في التوجهات الاوروبية (رغم ان بعض التحول في الموقف الاوروبي ليس سببه فقط موضوع غزة)، ومن هنا أدرك نيتنياهو وإئتلافه الحاكم بان موضوع مركزية القضية الفلسطينية يشي باحتمال مأزق اسرائيلي مع العالم ، لذا ستقوم استراتيجية نيتنياهو القادمة على : أ‌- تأجيج الصراعات العربية الداخلية والبينية( بتحريك الصراعات الاثنية والدينية والوطنيات الضيقة..الخ) والعمل على خلق مشكلات بين دول المغرب العربي، وبين مصر وجوارها، وبين دول خليجية فيما بينها، كما ان تركيزه على ايران هو محاولة لصرف النظر عن الموضوع الفلسطيني ، وهو ما يسانده تيار عربي تتصدره بعض قوى الخليج العربي وبعض القوى الدينية وسوريا. ب‌- السعي لخلق اوسع قدر ممكن من التشقق الداخلي بين قوى المقاومة ، ثم التنازع بين العشائر الفلسطينية ، وافتعال مشكلات بين مصر والفلسطينيين…وتشجيع فكرة توطين الفلسطينيين حيث يعيشون، وكل ذلك لجعل فكرة مركزية الموضوع الفلسطيني اقل اهمية. ت‌- لا استبعد ان تتزايد عمليات 'حركات دينية أو ذئاب منفردة' ضد اهداف غربية او اسرائيلية لتاجيج موضوع ' معاداة السامية' للتدليل على ان الموضوع ليس فلسطين بل عداء السامية لتحقيق هدفين هما: تشجيع يهود الخارج للهجرة لاسرائيل لحل عقدة تفوق العرب الفلسطينيين سكانيا على عدد اليهود من ناحية، وامتصاص التراجع في مكانة اسرائيل دوليا وتوجيهه نحو 'معاداة السامية' وليس بسبب فلسطين من ناحية ثانية. ( صفحة 366-367) 2- ان نيتنياهو يعيش قلقا عميقا جدا من زاوية احتمال اعادة طرح 'حل الدولتين'، فهناك الآن اكثر من 145 دولة تؤيد هذا الحل، بل ان اوروبا –بما فيها بريطانيا التي كان لها اليد الطولى في تاسيس اسرائيل- بدأت تميل نحو هذا الحل ناهيك عن فرنسا والمانيا وايطاليا ، بل اصبحت بعض الدول الاوروبية كأسبانيا وايرلندا اكثر حراكا من دول عربية في هذا الاتجاه، لأن أوروبا هي الأكثر تضررا سياسيا واقتصاديا وديموغرافيا من صراعات الشرق الأوسط .ومن الواضح ان الموافقة الاخيرة قبل ايام على انشاء 22 مستوطنة اسرائيلية في الضفة الغربية هو تكريس لتوجه نيتنياهو بخلق بيئة ديموغرافية وبنيوية تجعل من اقامة دولة فلسطينية اشكالية كبرى، وسيكون هدف نيتنياهو اللاحق تفريغ الضفة الغربية من سكانها الفلسطينيين على غرار ما يفعله في غزة، وللتأكد من هذا التوجه عليك ان تعود الى كتاب نيتنياهو وتحديدا صفحة 343-345. ان اغلب السياسيين الاسرائيليين خارج نطاق الائتلاف الحاكم ،ويشاطرهم في ذلك نخبة واسعة من المفكرين الاسرائيليين يرون ان حل الدولتين في حالة اقراره سيكون اقصر الطرق لاحتمال حرب اهلية بين اليهود( بين المستوطنين في الضفة الغربية وعددهم يقارب عدد سكان اسرائيل عند اعلان تاسيسها) وبين الدولة اليهودية ذاتها…وهو ما يجعل نيتنياهو حريصا الى ابعد الحدود على اطالة الحرب للوصول لوضع يلغى اي احتمال مهما كان ضعيفا لهذا الحل،بخاصة ان دولا اوروبية وازنة اصبحت تروج لذلك وعلى راسها ماكرون الفرنسي، بل ويبدو ان مؤتمرا دوليا سيعقد قريبا لطرح المشروع. 3- اما غزة ، فبعد ان كان يرى نيتنياهو في مراحل سابقة ان قطاع غزة قابل لان يحكم نفسه ذاتيا، وان غزة ليست ذات قيمة استراتيجية كالضفة الغربية، فقد رأى ان قرب غزة من المدن الاسرائيلية يجعلها في حالة سيطرة التنظيمات الفلسطينية المسلحة عليها مكانا خطرا، لذا يرى نيتنياهو انه لا يمكن فصل الادارة المدنية في غزة عن الامن الاسرائيلي، وهو ما يعني اما تفريغ غزة من سكانها او بقاء اسرائيل مسيطرة امنيا وعسكريا على غزة ، ويبدو ان التهجير هو الحل الامثل ومن خلال غواية مصر بشكل اساسي ودول عربية اخرى قادرة على امتصاص العمالة الغزية.(الصفحات 131و284-285 و 303-304 و 349-351) لكن الركيزة المركزية في تفكير نيتنياهو هو ' بناء القوة' (من صفحة 358-401)، ومع تعداده لمؤشرات القوة، فانه يرى ان 'اسرائيل تستطيع جذب التحالفات معها والحفاظ عليها من خلال النجاح في ممارسة القوة بمعناها الواسع وفي مقدمتها القوة الخشنة' (ص 395، ويدلل على ذلك بنماذج من النزاعات الدولية خلال فترات زمنية سابقة)، ولعل ذلك احد جوانب التباين بينه وبين ترامب، فهما متفقان تماما على مركزية القوة في إدارةالعلاقات الدولية ،وينظرا للعلاقات الدولية من منظور صفري، لكن ترامب يعلي من شأن الادوات الاقتصادية (بالغواية والحجب) بينما يعطي نيتنياهو الاولوية للقوة العضلية ، لكن ما يجمعهما هو القدرة على الكذب، وإن يكن نيتنياهو اذكى من ترامب في هذا الجانب. ارى ان الولايات المتحدة في اتخاذها قرار الفيتو الاخير لمنع وقف القتال في غزة ، تتماهى مع موقف نيتنياهو ، ولا استبعد ان يطرح ترامب على الدول العربية بخاصة الخليجية مواقف تعرقل تنامي مشروع الحزام والطريق الصيني لصالح الممر الاقتصادي الهندي ، وهو امر قد تسانده اسرائيل ،ويتم بعد ذلك دمج غزة في اطار المشروع الهندي الاسرائيلي الامريكي الخليجي..وهو امر فيه من التفاصيل الكثير . لكني اعتقد ان ثمة نقاط حرجة في المشهد الدولي ابرزها نتائج الصراع في أوكرانيا، وتنامي النزعة الاوروبية لسياسة اقل تبعية للولايات المتحدة ثم موضوع تايوان القادم لا محالة ، ثم 'قد' يترافق مع كل ذلك أزمات قادمة في تركيا وايران ومصر وسوريا، وهناك احتقان تحت الجلد في المغرب العربي، كل ذلك سيكون من مصلحة نيتنياهو ان يفكر من الآن 'كيف يستثمرها' لصالح مشروعاته، لكن هدفه الاستراتيجي المباشر ان 'يؤم صلاة الجنازة على قبر حل الدولتين ' وخلفه الأنظمة العربية ،وهذا هو التحدي الكبير للمنطقة بغض النظر عن جودة او سوء هذا الحل ..ربما. ‎2025-‎06-‎07

جرائم المُشاركة في إبادة الشعب الفلسطيني – فرنسا نموذجًا!الطاهر المعز
جرائم المُشاركة في إبادة الشعب الفلسطيني – فرنسا نموذجًا!الطاهر المعز

ساحة التحرير

timeمنذ 10 ساعات

  • ساحة التحرير

جرائم المُشاركة في إبادة الشعب الفلسطيني – فرنسا نموذجًا!الطاهر المعز

جرائم المُشاركة في إبادة الشعب الفلسطيني – فرنسا نموذجًا! الطاهر المعز في فرنسا، وقّعت نحو 145 منظمة وجمعية في فرنسا لائحة تُطالب بعدم مشاركة الكيان الصهيوني في الدورة الخامسة والخمسين ( من 16 إلى 22 حزيران/يونيو 2025 ) من 'المعرض الدّولي للطيران والفضاء '، لكن مجمل هذه المنظمات لا تشارك في التصدّي الفعلي للمنظمات الصهيونية في فرنسا ولا تتمكّن (مجتمعة) من جَمْع خمسة آلاف متظاهر في شوارع باريس) ويستضيف مطار 'لوبورجيه' في الضواحي القريبة من باريس ما يُعرف بمعرض باريس الجَوِّي الذي تنظمه جمعية صناعات الطيران والفضاء الفرنسية (GIFAS)، وهو أحد أهم المعارض الدّولية في مجال صناعة الطيران والفضاء، ويُعدّ المعرض سوقًا هامة للطيران العسكري والطائرات المسيّرة والأقمار الصناعية والطائرات المقاتلة والصواريخ، ولذلك تولي الشركات العسكرية الصهيونية أهَمّيَّة خاصة لهذا الحدث، غير إنها اضطرت إلى التغيّب عن الدورة الرابعة والسبعين ( سنة 2024) بفضل الضغط الشعبي، احتجاجًا على 'العدوان على غزة، وارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية…' غير إن تراجع التعبئة والإحتجاجات أتاح عودة مشاركة شركات صناعة الأسلحة الصّهيونية، رغم تقارير الأمم المتحدة وقرارات المحاكم الدّولية واشتداد عمليات الإبادة الجماعية فيما يمكن اعتبار هذه المشاركة تواطُؤًا وإضفاء للشرعية على المجازر الصهيونية في غزة والضفة الغربية واليمن وسوريا ولبنان وأماكن أخرى ومكافأة هذه الفظائع. لقد زوّدت فرنسا الكيان الصهيوني بالسلاح النّوَوِي، وشاركت مع الكيان الصهيوني وبريطانيا في 'العدوان الثلاثي' على مصر سنة 1956، لكنها ليست الدّولة الوحيدة، فقد زَوّدت 12 دولة كيان العدو بالأسلحة والذّخائر بين تشرين الأول/اكتوبر 2023 ( تاريخ العدوان المُستمر على الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية) ونهاية نيسان/ابريل 2025، وتأتي الولايات المتحدة وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا في مقدمة المُزَوِّدِين بالطّائرات والقنابل الموجهة والصواريخ، فضلا عن الدّعم السنوي الأمريكي بقيمة أربع مليارات دولارا خلال سنة 2024، وفق تصريح رئيس وزراء العدو، وقدّر معهد ستوكهولم الدّولي لأبحاث السّلام ( SIPRI ) مُساهمة الولايات المتحدة بنحو 69% من واردات العدو من الأسلحة التقليدية الرئيسية بين سنتَيْ 2019 و2023، وبعد سنة 2023، تجاوزت قيمة المساعدات العسكرية الأمريكية 3,8 مليارات دولار سنوياً بموجب اتفاق مدته عشر سنوات يهدف استمرار 'التفوق العسكري النوعي' فضلا عن أكثر من مائة عملية بيع عسكرية أخرى لا تحتاج موافقة الكونغرس، وأصبح الكيان الصهيوني أول مشغل دولي لطائرة إف-35 المقاتلة الأمريكية، التي تعتبر أكثر طائرة مقاتلة تقدماً من الناحية التكنولوجية على الإطلاق، وتسلم الجيش الصهيوني 36 طائرة إف-35 من أصل 75 طائرة طلب شرائها سنة 2023، ومن أبرز الشركات الأمريكية لوكهيد مارتن، أر تي إك نورثروب غرومان، بوينغ، جنرال دينامكس، هانيويل الدولية وجنرال إليكتريك. تأتي ألمانيا في المرتبة الثانية لكبار مُصدٍِّي الأسلحة إلى العدو الصهيوني بنحو 30% من الواردات بين سنَتَيْ 2019 و2023، ( غواصات، وسفن حربية، ومحركات للمركبات البرية والمركبات البحرية والطائرات وطوربيدات للغواصات…) وفق معهد ستوكهولم لأبحاث السلام، فضلا عن صفقة بقيمة 3,3 مليارات دولارا ( سنة 2022) لشراء ثلاث غواصات ديزل متطورة من طراز داكار، لتحل محل غواصات دولفين الألمانية الصنع التي تشغلها البحرية الصهيونية حالياً، وارتفعت قيمة مبيعات الأسلحة الألمانية إلى العدو الصهيوني عشرة أضعاف سنة 2023، وقدّمت نيكاراغوا، سنة 2024، طلبًا لمحكمة العدل الدّولية لتأمر بوقف تقديم المساعدات العسكرية للكيان الصهيوني، غير إن المحكمة رفضت هذا الطّلب… حلت إيطاليا في المرتبة الثالثة لأكبر مُصدّري الأسلحة إلى العدو (طائرات مروحية ومدفعية بحرية وأسلحة أخرى وذخائر ) وهي شريكة في برنامج مقاتلات إف-35، وتساعد في تصنيع أجزاء منها. أما بريطانيا فتُصدّر معدات عسكرية تشمل مكونات للطائرات العسكرية والمركبات العسكرية والسفن الحربية، وفق وزارة الأعمال والتجارة، ورغم ادّعاء بعض الحكومات الأوروبية وقف تصدير الأسلحة، كشفت تقارير مُوثّقة بناء على بيانات وزارة التجارة ( أيار/مايو 2025) تصدير الشركات البريطانية ( كما فعلت شركات إيطالية وفرنسية وإسبانية…) آلاف المعدات العسكرية والذخائر ومكونات من طائرة F-35 ومحركات الدّبابات المُستخدَمَة في غزة وفي الضّفّة الغربية… اتّسم قطاع الأسلحة في فرنسا بالتّعتيم التام وبانعدام الشفافية وتُظْهِر بعض البيانات تصدير شركة تاليس المملوكة جزئياً للدولة ( ولها علاقات متينة بشركة 'ألبيت سيستمز' الصهيونية) أجهزة الإرسال والاستقبال للطائرة بدون طيار من طراز 'هيرميس 900' في مصنعها في لافال، سنة 2024، وتعاونت 'تاليس' مع 'ألبيت سيستمز' وشركة بريطانية في برنامج الطائرة بدون طيار ( Watchkeeper ) وأشار تحقيق نشره الموقعان الفرنسيان ( Disclose ) وموقع ( Marsactu ) خلال شهر آذار/مارس 2024، بيع شركة يورولينكس الفرنسية، ومقرها مرسيليا أسلحة وذخيرة مدافع رشّاشة ومعدّات ثبت استخدامها من قبل الجيش الصهيوني في غزة، فضلا عن صلات إم 27، وهي عبارة عن قطع معدنية تُستخدم لربط خراطيش البنادق في أحزمة ذخيرة المدافع الرشاشة، وكتب موقع ديسكلوز إن ما خفِيَ أعظم ! تُصدّر العديد من الدّول الأوروبية الأخرى أسلحة بكميات أصغر، من بينها بلجيكا وإسبانيا وصربيا والدنمارك والسويد وبولندا وغيرها، رغم إعلان بعضها تعليق صادرات الأسلحة إلى الكيان الصهيوني. أما خارج أوروبا والولايات المتحدة فقد طورت الهند علاقاتها التجارية والعسكرية مع الكيان الصهيوني، خصوصًا منذ سنة 2014 ( عدوان الصيف على فلسطينيِّي غزة) واستحوذت الهند على 37% من صادرات الأسلحة الصهيونية خلال الفترة من 2019 و 2023 وتنتج الصناعة العسكرية الهندية مكونات أساسية لشركات إلبيت سيستمز ورافائيل والصناعات الجوية الصّهيونية، بما في ذلك المتفجرات، وتعاونت شركات صهيونية وهندية ( سنة 2024 ) لإنتاج نظام أسلحة 'أربيل' الذي يعتمد على الذكاء الاصطناعي في غزة. رغم إعلان حكومة كندا تعليق تصاريح التصدير ووَقْفَ جميع شحنات الأسلحة إلى الكيان الصهيوني، أظهرت البيانات التي نشرتها بعض المنظمات غير الحكومية وبعض وسائل الإعلام، ( شباط/فبراير 2024 و أيار/مايو 2025) إن حكومة كندا أذنت بصادرات عسكرية جديدة تشمل 'المعدات الإلكترونية والطائرات والمركبات الجوية بدون طيار، ومعدات ومكونات أخرى متعلقة بالطائرات'… بينما طالبت إسبانيا بفرض حظر دولي على تصدير الأسلحة إلى العدو الصهيوني، كشف موقع ديسكلوز، خلال شهر نيسان/ابريل 2025 عن تورّط فرنسا في بيع أسلحة فتّاكة يستخدمها الجيش الصهيوني في عدوانه المستمر على الشعب الفلسطيني في غزة ولبنان واليمن وسوريا، وكانت السلطات الفرنسية تُعلن دعم الكيان الصهيوني، رغم خطاب النّفاق أحيانًا، إعلاميا وسياسيا وعسكريا بذريعة 'حق إسرائيل في الدّفاع عن النّفس'، رغم ارتفاع الأصوات الرافضة للإبادة في الرأي العام الغربي عمومًا – وبدرجةٍ أقلّ في فرنسا – ومحاولات بعض المجموعات الضغط على صناع القرار لوقف تصدير السلاح إلى العدو الصهيوني، وفي فرنسا، وجَّه 115 برلمانيا ( نيسان/ابريل 2024 ) رسالة إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مُطالبين إياه 'بإيقاف مبيعات الأسلحة ووضع حدّ لضلوع فرنسا في الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني'، وذلك بعد أيام من إصدار قرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بحظر تصدير الأسلحة إلى دولة الاحتلال، وصوَّتت 28 دولة لصالح هذا القرار، فيما اعترضت 6 دول على رأسها الولايات المتحدة وألمانيا، وامتنعت فرنسا ضمن 13 دولة عن التصويت. فرنسا، بين التصريحات والواقع نفت وزارة الحرب الفرنسية مرات عدة، وجود علاقات عسكرية تسليحية مع الكيان الصهيوني، منها تصريح وزير الحرب يوم 27 شباط/فبراير 2024 أمام نُوّاب البرلمان الفرنسي، حين قال 'لا توجد علاقات تسليحية مع إسرائيل'، وصرّحت السفيرة الفرنسية في تونس، آن جيجين، يوم الخامس من أيار/مايو 2025 خلال لقاء إذاعي على راديو( IFM)، 'إن فرنسا لم ترسل أي أسلحة عسكرية إلى إسرائيل لاستخدامها في الحرب على قطاع غزة، ولا توجد حتى أجزاء أو قطع فرنسية في الأسلحة التي تستخدم في قطاع غزة …' ونَفَت السفيرة أي تورّط فرنسي في الإنتهاكات الصهيونية بحق الفلسطينيين. تدّعي الحكومة الفرنسية 'إن علاقاتنا العسكرية مع إسرائيل من بين الأضعف عالميًا' وتعتبر الدولة الفرنسية أن اتهامها بالمشاركة في الانتهاكات التي ترتكبها القوات الصّهيونية في الأراضي المحتلة سنة 1967 هو 'افتراء'، وحاول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إبعاد تهمة المشاركة في إبادة الشعب الفلسطيني بالتّأكيد 'إن فرنسا لا تُرسل أي أسلحة إلى إسرائيل' ودعا، خلال شهر تشرين الأول/اكتوبر 2024، لوقف تصدير الأسلحة كجزء من جهد أوسع لوقف الحرب في غزة، ثم أعلن اعتزامه الإعتراف ب'دولة فلسطين' التي لا يعرف أحد حدودها ولا شكلها… لم تعلن فرنسا – بعد بداية العدوان – قطع أي تعامل عسكري مع دولة الاحتلال، لكنها سلكت مسلكًا منافقًا بالإدّعاء 'إن فرنسا لا تبيع إسرائيل سوى أسلحة دفاعية'، غير إن الوثائق المنشورة من قِبَل موقع 'ديسكلوز' ( آذار/مارس 2024 ) تُشير إلى تصدير فرنسا إلى الجيش الصهيوني قطع ضرورية لصنع القذائف المدفعية، والمعدات الخاصة بتدريع السيارات والمراقبة عبر الأقمار الصناعية وذخائر من صنع شركة 'أورولينكس' المتخصصة في صناعة المُعدات العسكرية، وطائرات آلية ومعدات إلكترونية، كما يُشير التّقرير إلى العقود السرية التي تعقدها السّلطات الفرنسية مع بعض الدول ومن بينها الكيان الصّهيوني، وتم الكشف من قِبَل إحدى عشر منظمة، من بينها منظمة العفو الدّولية، عن عقد تم توقيعه يوم الثاني من آذار/مارس 2023 ولا يزال ساري المفعول رغم تكذيب وزير الحرب الفرنسي، ورغم تحذير الأمم المتحدة من هذه الأسلحة التي تقتل النساء والأطفال الرضع… كما استوردت فرنسا أنظمة المراقبة الإلكترونية والمُسيَّرات، وحتى الجنود الآليين والتكنولوجيا التي طورها الكيان الصهيوني بالشراكة مع الولايات المتحدة… تُعتَبَرُ شركة 'تاليس' (Thales ) شركة حكومية لأن الدّولة الفرنسية تمتلك 26,6% من أسهمها 36,37% من نسبة حق التصويت، وتُعد الدّولة الفرنسية المستحوذ الأكبر وصاحب القرار التصويتي الأعلى في مجلس إدارة الشركة العابرة للقارات التي تحتل المرتبة السابعة عشر عالميا ضمن مُقاولات السّلاح وتُشغل قرابة ثمانين ألف موظف، وتمتلك ما لا يقل عن عشرين شركة وفرع في العالم، في فلسطين المحتلة وهولندا والولايات المتحدة وقرابة سبعين دولة في العالم، مما يُعسّر تتبّع حركة الأسلحة التي تُشارك في صنعها ويتم تصديرها للجيش الصهيوني، ويُدير بعض فروعها ضُبّاط احتياطيين في الجيش الصهيوني، خدم بعضهم خلال العدوان على فلسطينيي غزة، مثل 'يوسي سابتو' مدير الهندسة وأمن الشبكات في شركة الأمن السيبراني (Imperva ) التي استحوذت عليها 'تاليس' خلال شهر تموز/يوليو 2023، مقابل 3,6 مليار دولار، وتوجد أهم فروعها في الولايات المتحدة وفلسطين المحتلة، والتحق يوسي سابتو بالكتيبة 466 التي ساهمت في تدمير مدارس ومساجد ومستشفيات وملاجئ وعمارات سكنية، وقضى ما لا يقل عن 150 يوم في غزة عقود حربية سرّيّة كشف مناضلون نقابيون ومناهضون للحرب نبأ رُسُوّ سفينة شحن تابعة لشركة 'زيم' الصهيونية يوم الخميس الخامس من حزيران/يونيو 2025، على الساعة السادسة صباحًا، في ميناء فوس-سور-مير ( Fos – Sur – Mer ) ، بالقرب من مرسيليا، وكان من المقرّر تحميلها بحوالي 15 طنًّا من قطع غيار الرشاشات التي تصنعها الشركة الفرنسية 'يورولينكس' ومقرها مرسيليا، لنقلها إلى ميناء حيفا المُحتلة، رغم ادّعاء الحكومة الفرنسية وقف تصدير الأسلحة إلى الجيش الصهيوني ورغم دعوات الأمم المتحدة لوقف تسليم الأسلحة، فإن هذه الشحنة هي الدّفعة الثالثة من الرّشّاشات الفرنسية للجيش الصهيوني منذ بداية العام 2025، وفق موقعَيْ 'ديسكلوز' و'ذا ديتش' الأيرلنديّيْن… سبق أن صدّرت نفس الشركة الفرنسية من نفس الميناء يوم الثالث من نيسان/ابريل 2025 عشرين طنّا من الأسلحة بواسطة السفينة 'كونتشيب إيرا' وتمت الشحنة الثانية يوم 22 أيار/مايو 2025 وتتضمن مليون بندقية من طراز 'إم 9' و 'إم 27″، وهي البنادق التي ثبت استخدامها لقتل ما لا يقل عن مائة من الدنيين ضمن 'مجزرة الدقيق' يوم 29 شباط/فبراير 2024، بالقرب من قافلة مساعدات إنسانية، وفق موقع 'ديسكلوز'… تمكّن مُنْتَسِبُوا نقابة عمال الموانئ في فوس-سور-مير، التابعة للاتحاد العام للعمل (CGT) من حجز الحاوية المملوءة بالسلاح يوم الخامس من حزيران/يونيو 2025، وأكّد بيان صحفي: 'لن يُشارك عمال موانئ خليج فوس في الإبادة الجماعية المستمرة التي تُدبّرها الحكومة الإسرائيلية'، وأظهرت العديد من التحقيقات إرسال الدّولة الفرنسية والشركات المحلّية عشرات الأطنان من الأسلحة إلى الجيش الصهيوني بعد انطلاق العُدْوان… نشرت وسائل الإعلام المحلية بمدينة مرسيليا خبر وصول سفينة شحن إلى ميناء فوس سور مير يوم الخامس من حزيران/يونيو 2025، وكان يُفترض أن يكون الوصول والشحن سريا، وأن لا يعلم العمال بطبيعة البضائع المشحونة، وهي 14 طنًا من قطع غيار مدافع رشاشة من صنع شركة فرنسية متجهة إلى ميناء حيفا بفلسطين المحتلة، ليتم استخدامها من قبل الجيش الصهيوني في عملية الإبادة الجارية في غزة والضفة الغربية منذ تشرين الأول/اكتوبر 2023، ورفض عُمال الموانئ تحميل الشحنة، فألقت الشرطة الفرنسية القبض في ساعات الصباح الباكر على أحد ممثلي الإتحاد العام للعمال ( CGT ) في ميناء مرسيليا الذي أصدر الأمر بعدم تحميل السفينة، وتم استجوابه لعدّة ساعات من قِبَل 'الفرقة المالية' للشرطة، وقام عشرات من رفاقه بالإحتجاج وأغلقوا نفقًا لعبور السيارات وتجمّع حوالي مائة نقابي من الإتحاد العام للعُمّال أمام مركز شرطة الدائرة الثامنة بمرسيليا لدعم النقابي، إلى أن تم إطلاق سراحه بعد ظهر نفس اليوم، دون توجيه أي تهمة في هذه المرحلة من التحقيق، وفقًا لإذاعة مَحَلِّيّة… ازدهار صادرات أسلحة العدو أصبحت الحُرُوب فُرصة لتجربة الأسلحة واعتدّ الكيان الصهيوني بنجاعة أسلحته التي ألحقت دمارًا كبيرًا وقتلت أكبر عدد من الفلسطينيين العُزّل، فارتفعت بذلك المبيعات العسكرية الصّهيونية، وبلغت قيمة صادرات الأسلحة الصهيونية حوالي 15 مليار دولارا سنة 2024، بزيادة 13% عن سنة 2023، واستوردت الدّول الأوروبية نحو 54% من هذه الأسلحة وفق هيئة البث الصهيونية نقلاً عن وزارة الحرب التي أعلنت 'إن حصة الدّول العربية التي ترتبط بعلاقات مع إسرائيل ضمن اتفاقيات إبراهيم بلغت 12% من صادرات السلاح الإسرائيلي' واعتبر وزير الحرب الصهيوني ذلك 'إنجازًا هامًّا ونتيجة مباشرة لنجاحات الجيش الإسرائيلي والصناعات الدفاعية ضد حماس في غزة وحزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن والنظام الإيراني'… خاتمة: في ذكرى الخامس من حزيران 1967 – 2025، نذكر شهداءنا ونلعن الأنظمة العربية التي طبّعت علاقاتها أو تواطأت مع الأعداء، ولا نلوم ثالوث الأعداء ( الإمبريالية والصهيونية والأنظمة العربية) ولكن نعمل على تنظيم أنفسنا لنقاوم الهيمنة الإقتصادية والسياسية ونُحرّر أراضينا المحتلة من الأهواز إلى سبتة ومليلة والجزر الجعفرية، مرورًا بفلسطين ولواء اسكندرونة وغيرها، ولنبني مجتمعًا عادلا يشعر فيه المواطن بالنخوة والكرامة ولا يضطر إلى المغامرة بحياته في البحر الأبيض المتوسط أملاً في حياةٍ أفْضَلَ في بلاد الأعداء… ‎2025-‎06-‎07

الخطاب المتطرف في ظل الأزمة الفلسطينية: قراءة في خطاب زعيم القاعدة الأخير
الخطاب المتطرف في ظل الأزمة الفلسطينية: قراءة في خطاب زعيم القاعدة الأخير

الحركات الإسلامية

timeمنذ 13 ساعات

  • الحركات الإسلامية

الخطاب المتطرف في ظل الأزمة الفلسطينية: قراءة في خطاب زعيم القاعدة الأخير

استغلال القضايا الوطنية لأجندات تنظيم القاعدة: دراسة في خطاب سعد العولقي كيف تحوّل خطاب العولقي مأساة غزة إلى منصة لتجنيد الإرهابيين؟ في أول ظهور علني له من خلال كلمة صوتية مطولة، أطل سعد العولقي، زعيم تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، بخطاب مشحون يدعو فيه الأمة الإسلامية إلى ما وصفه بـ"الجهاد الشامل". استغل العولقي العدوان على غزة ليطلق دعوة صريحة للقتال العالمي، مستعيدًا خطاب تنظيم القاعدة الكلاسيكي، لكنه استخدم لغة عاطفية وانتقائية تركز على المظلومية السياسية، مما يعكس رؤية التنظيم تجاه الصراع الراهن. سعد بن عاطف العولقي، المعروف أيضًا باسم أبو الليث، يتولى قيادة القاعدة في شبه الجزيرة العربية منذ مارس 2024، خلفًا لخالد باطرفي. ينحدر العولقي من قبيلة العوالق بمحافظة شبوة اليمنية، وتختلف مصادر ميلاده بين الأعوام 1978 و1981 و1983. قبل توليه القيادة، كان عضوًا في مجلس شورى التنظيم، ما يمنحه نفوذًا وموثوقية داخل صفوف القاعدة. تجدر الإشارة إلى أن برنامج "مكافآت العدالة الأمريكية" يقدم مكافأة تصل إلى ستة ملايين دولار مقابل معلومات تؤدي إلى القبض عليه، بسبب دعواته العلنية لشن هجمات ضد الأمم المتحدة وحلفائها. وفي يونيو 2025، كشف العولقي عن وجهه لأول مرة عبر "مؤسسة السحاب"، التي تنشط في العمليات الإرهابية في مصر والأردن، وحرض على استهداف دول عربية وتفعيل خطوط إمداد في الخليج دعماً لفلسطين، ما أثار جدلاً حول استراتيجية التنظيم. في 2014، أعلنت القوات اليمنية مقتله، لكن ذلك تبين لاحقًا أنه خطأ. ويعتبر ظهور العولقي العلني في 2025 علامة على أزمة "إفلاس الفكر السياسي" داخل التنظيم، وفقًا لعدد من التحليلات التي تشير إلى صعوبة التنظيم في إيجاد خطاب جديد يلائم التطورات المتسارعة في المنطقة والعالم. من المظلومية إلى التحريض: افتتح سعد العولقي، زعيم تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، كلمته بتلاوة آيات من القرآن الكريم، مثل: "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله"، وأحاديث نبوية ذات طابع تعبوي، في محاولة لإضفاء شرعية دينية على دعوته للجهاد، وتقديم خطابه على أنه استمرار "للنهج النبوي" في مواجهة الظلم. هذا الاستخدام الانتقائي للنصوص الدينية لم يكن لغاية الوعظ أو التضامن، بل لتسويغ العنف وتعبئة النفوس نحو القتال. ركّز العولقي في الجزء الأول من كلمته على ما وصفه بـ"الجرائم الوحشية" التي ترتكبها إسرائيل في غزة، من قتل للمدنيين وتجويع للأطفال وتدمير للمستشفيات والمنازل، معتبرًا أن ما يحدث هو "حرب إبادة شاملة"، تشنها "قوى صهيونية صليبية" بتواطؤ الأنظمة العربية، بل وتواطؤ العالم الإسلامي كله. قال حرفيًا: "إن الأمة أمام حرب صليبية صهيونية كاملة لا تبقي ولا تذر، حرب تُباد فيها غزة من البحر إلى البحر، ويُقتل فيها الرجال والنساء والأطفال وهم ينادون: أين المسلمون؟" لكن هذا السرد العاطفي لم يكن غايته نقل معاناة أهل غزة فقط، بل جاء كمقدّمة تمهيدية للانتقال نحو المطلب المركزي في الخطاب: إعلان الجهاد الشامل، على طريقة القاعدة، باعتباره الرد "الشرعي والوحيد" على ما يجري. ففي نظر العولقي، لا قيمة لأي تضامن لا يُترجم إلى عنف مسلح، ولا جدوى من احتجاجات أو بيانات أو مساعدات إنسانية ما لم تُقرن بالبنادق والمتفجرات. وهو ما عبر عنه بوضوح حين قال: "لن يُرفع الحصار عن غزة، ولن يتوقف العدوان عنها، إلا إذا علم العدو أن هناك ثمنًا باهظًا سيدفعه في كل مكان... وأن دماء المسلمين لن تُزهق مجانًا." هكذا يخلط العولقي ببراعة بين استدرار العاطفة وتصعيد التحريض، فينتقل بالجمهور من مشهد المظلومية إلى واجب الانتقام، ويقودهم بخطاب وجداني ملتهب نحو تبنّي سردية "الجهاد الكوني" كحل وحيد، في استعادة واضحة لوصفات بن لادن والظواهري، لكن عبر بوابة غزة هذه المرة. عودة خطاب القاعدة يُعيد سعد العولقي في خطابه الأخير إحياء سردية تنظيم القاعدة الكلاسيكية، مُكرِّسًا مفاهيم "العدو القريب والعدو البعيد"، ورافعًا لواء "التكفير السياسي" لأنظمة الحكم في العالم الإسلامي. لم يكتف بتوصيفها بالمتخاذلة أو المتواطئة، بل أشار إليها صراحة بأنها "أدوات في يد الصليبيين واليهود"، معتبرًا أن ما يحدث في غزة هو نتيجة "خيانة الأنظمة العربية والإسلامية التي باعت الأمة بثمن بخس". قال العولقي: "إن ما تتعرض له غزة اليوم هو محصلة عقود من التخاذل والعمالة، فلو كانت هناك خلافة إسلامية لما تجرأ الصهاينة على طفل في فلسطين." هذا الاتهام يندرج ضمن الرؤية القاعدية التي ترى في كل سلطة لا تحكم بالشريعة خصمًا يجب إسقاطه. في فقرة مطوّلة من كلمته، أشاد العولقي برموز الجهاد العالمي، وعلى رأسهم عبد الله عزام، الذي وصفه بأنه "المجاهد المربي"، وأسامة بن لادن، الذي قال عنه: "أقام الحجة على العالم، ووجه سهامه نحو قلب أمريكا، فأربكها وأدخلها جحرها." كذلك استحضر سيرة أيمن الظواهري، واصفًا إياه بـ"المنظّر الذي فهم طبيعة العدو الحقيقي". هذا التمجيد الواضح لا يُقصد به فقط الإشادة بالماضي، بل يُراد به تثبيت الشرعية الرمزية للتنظيم، وإعادة تقديم القاعدة كقائد للحراك الإسلامي العالمي. ويمضي العولقي في تصعيد الخطاب، داعيًا إلى نقل المعركة إلى داخل الأراضي الأمريكية، قائلًا: "على المجاهدين أن يعلموا أن رأس الأفعى في واشنطن، وأن أي نصر في فلسطين لا يكتمل إلا بضرب العدو في عقر داره." هذا النوع من الخطاب يعكس العودة إلى مفردات ما بعد 11 سبتمبر، حين كانت القاعدة تُؤسس لمعادلة "الرد بالمثل"، وتدعو لاستهداف المصالح الأمريكية في كل مكان، بحجة أن الولايات المتحدة هي "العدو الأول للأمة"، و"فرعون العصر" كما سمّاها العولقي نصًا. في المجمل، بدا الخطاب موجّهًا لجمهور محبط وعاجز، يشاهد الفظائع في غزة ولا يملك وسيلة للفعل. ومن هذا الباب، يعرض العولقي تنظيمه كـ"البديل الجذري"، القادر وحده على تغيير الواقع. قال بوضوح: "لن تحرر فلسطين المؤتمرات، ولا البيانات، ولا التفاوض، بل يُحررها الرجال الذين نذروا أنفسهم للجهاد في سبيل الله، وساروا على نهج القاعدة." بهذا المنطق، يعيد العولقي تصوير تنظيمه كالممثل الأصيل للأمة في مواجهة العدوان، مغذّيًا الشعور بالعجز بخطاب ثوري يَعِد بالخلاص عبر العنف، لا عبر السياسة أو القانون. لا يمكن قراءة خطاب سعد العولقي بمعزل عن التحولات الإقليمية والضغوط التي تتعرض لها التنظيمات الجهادية، وعلى رأسها القاعدة. ففي ظل تراجع حضور التنظيم في معاقله التقليدية، وتنامي نفوذ "تنظيم الدولة" (داعش) كخصم أيديولوجي وميداني، يبدو أن العولقي يحاول استثمار المشهد الفلسطيني – لا سيما مشاهد الدمار في غزة – لإعادة إحياء سردية "العدو البعيد"، واستدرار تعاطف قاعدة شعبية واسعة باتت تميل إلى الواقعية السياسية أو انكفأت بسبب الإحباط. هذا الخطاب لا ينفصل أيضًا عن صراع داخل التيارات الجهادية نفسها، حيث تحاول القاعدة – عبر أذرعها في اليمن والشام والساحل الإفريقي – أن تُعيد تقديم نفسها كحامل راية "الجهاد العالمي" في مواجهة "تقاعس الحكومات" من جهة، و"وحشية الغرب" من جهة أخرى. ومن خلال رمزية العولقي، وهو نجل الداعية المعروف أنور العولقي الذي قُتل بغارة أمريكية، يسعى التنظيم إلى إعادة إنتاج رموزه، واستدعاء سيرة "شهداء القاعدة" لربط الماضي بالحاضر. في جوهره، لا يقدّم الخطاب جديدًا، بل يكرّر أدبيات قديمة بلغة انفعالية تستند إلى وقائع معاصرة. لكنه مع ذلك يشير إلى محاولة واعية من التنظيم للعودة إلى الساحة، ليس عبر العمليات الكبرى، بل عبر التأثير الخطابي، وتجييش العواطف، واستغلال لحظة الغضب الشعبي لتمرير رسائل تعبئة وتحريض، قد تكون لها تبعات أمنية في مناطق متعددة من العالم. الإفلات من النقد الذاتي: في الوقت الذي يُمطر فيه سعد العولقي خطابه باتهامات قاسية موجهة إلى الأمم المتحدة، والمجتمع الدولي، والحكومات العربية، يلفت الانتباه غيابٌ شبه كامل لأي مراجعة ذاتية لمسيرة التنظيمات الجهادية. فالعولقي يتحدث عن 'خيانات الحكام' و'تآمر الدول الكبرى'، لكنه يتجنب عمداً فتح أي ملف يتعلق بإخفاقات الحركات المسلحة، أو كلفة ما خلّفته مشاريعها على المجتمعات الإسلامية، من دمار وفوضى وتمزيق للنسيج الاجتماعي. وكأن تجربة 'الجهاد العالمي' منذ عقود لا تستحق حتى لحظة مساءلة أو تفكير، بل تُقدّم كمسار نقي لا تشوبه دماء المدنيين ولا فشل سياسي. الأكثر لفتًا هو توظيف العولقي لقضية فلسطين – لا سيما مأساة غزة – كأداة تعبوية تخدم المشروع الجهادي، دون أن يضع في الحسبان أن هذا التوظيف قد ساهم تاريخيًا في اختطاف القضية وتسييسها لصالح أجندات عابرة للحدود. ففي خطابه لا يتحدث العولقي عن فلسطين كقضية تحرر وطني أو شعب يناضل من أجل حريته، بل كـ"ساحة من ساحات الجهاد الأممي"، تسير على خطى أفغانستان والعراق وسوريا، وهو الطرح ذاته الذي ساهم في عسكرة القضية وتغريبها عن عمقها الشعبي. وبينما تتصاعد في الشارع العربي والإسلامي دعوات لتوسيع دائرة النضال الفلسطيني ليشمل الأدوات الدبلوماسية، والنضال المدني، وتوحيد الصف السياسي، يصرّ العولقي على تقديم الصراع ضمن ثنائية مغلقة: "إيمان وكفر"، "نصرة أو خيانة"، "سيف أو خنوع". ففي خطابه يقول: "ما يحدث في غزة يكشف من هم عباد الله ومن هم أولياء الطاغوت"، وهو تعبير يشي بتكفير ضمني لكل من يختار طريقًا آخر غير القتال، حتى لو كان يقف إلى جانب الفلسطينيين سياسيًا أو إنسانيًا. من خلال هذه الثنائية، يعيد الخطاب إنتاج منظومة "الولاء والبراء" التي طالما استخدمتها التنظيمات الجهادية كأداة للتجنيد والتأطير، حيث يُدفع الشاب المتعاطف مع غزة إلى استنتاج أن طريق الانضمام إلى الجماعة هو السبيل الوحيد لـ"نصرة المسلمين". وهنا يكمن الخطر الحقيقي: في اختزال القضية، ونفي أي مساحة للنقاش أو التعدد، وتحويل المأساة الإنسانية إلى مدخل لإعادة تدوير خطاب إقصائي دموي، يرفض التعدد في أدوات المواجهة، ويقصي كل من لا يحمل السلاح. مخاوف من موجة تعبئة جديدة يأتي خطاب سعد العولقي في لحظة فارقة، إذ يعيش العالم الإسلامي حالة شديدة من الغضب الشعبي والاحتقان العاطفي بسبب المجازر التي تُرتكب في غزة، وسط مشاهد مروعة للقتل الجماعي والحصار والتجويع. في هذا السياق، لا تبدو كلمات العولقي مجرد 'نصرة لغزة'، بل تُقرأ كجزء من محاولة واعية لاستثمار هذا الغضب الجمعي وتوجيهه نحو أجندات قديمة جديدة. فحين يصرّ على استخدام تعبيرات مثل 'حرب صليبية صهيونية'، أو حين يتهم الحكومات الإسلامية بـ"الخيانة والردة"، فهو لا يخاطب العقل بقدر ما يستثير مشاعر النقمة، في سياق تعبئة نفسية تمهّد لتجنيد الأفراد. يشير خبراء مكافحة الإرهاب إلى أن مثل هذه الخطابات تمثل حلقة من حلقات 'إحياء الجهاد الكوني'، وهو مشروع ظل يتراجع في السنوات الأخيرة بعد الضربات التي تلقاها تنظيما القاعدة وداعش. واللافت أن العولقي لا يخفي رغبته في هذا الإحياء؛ إذ يقول بوضوح إن "النصرة لغزة لن تكون بغير سيف"، ويتحدث عن "فتح ثغور الجهاد" من اليمن إلى أفغانستان، داعيًا الشباب إلى اللحاق بـ"ركب المجاهدين". هذا التصعيد في اللغة لا يُفهم إلا كمحاولة لإعادة التموضع السياسي للتنظيم، عبر تجديد الدماء وإحياء الرمزية القديمة للقتال. خطورة هذا الخطاب لا تكمن فقط في محتواه، بل في توقيته. فالجماعات الجهادية تدرك أن لحظات الانفعال الشعبي تشكل بيئة خصبة لإعادة التجنيد. ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، لم يعد من الضروري أن يتنقل الشخص فعليًا إلى "أرض المعركة"؛ بل يكفي أن يقتنع بالسردية، وينخرط في نشاط دعمي، أو يُنفّذ عملية فردية باسم "الذئب المنفرد". وهنا يتحوّل خطاب العولقي إلى محفّز للفعل لا مجرد رأي، خصوصًا حين يصف كل من لا يلتحق بالجهاد بأنه "متخلف عن الصفوف"، بل "من أهل النفاق"، على حد تعبيره. إن السياق الذي يتحرك فيه العولقي اليوم يفتح الباب أمام موجة تعبئة جديدة، قد لا تكون بنفس طابع الموجات الجهادية القديمة، لكنها قادرة على إعادة تنشيط خلايا نائمة، أو خلق تعاطف اجتماعي يُضعف حملات الوقاية من التطرف. ومن خلال استغلال المأساة الحقيقية في غزة، يُعاد إنتاج خطاب يستثمر في الدم والدمار ليصوغ 'بطولات جديدة'، ويُلبسها ثوب النُصرة، بينما غايته السياسية والأمنية الحقيقية تكمن في البقاء والاستمرار لا في تحرير الأرض أو إنقاذ الشعب. ردود الفعل الامنية: يثير خطاب سعد العولقي، الذي ظهر فيه مروّجًا لسردية "الجهاد الكوني"، قلقًا بالغًا لدى الأجهزة الأمنية في المنطقة، خصوصًا أن توقيته يتزامن مع حالة غضب شعبي غير مسبوقة بسبب المجازر في غزة. ورغم أن الخطاب لم يتضمّن دعوة مباشرة إلى تنفيذ عمليات فورية، فإن رمزيته التعبوية وطبيعته التحريضية ترفع احتمالات تحرّك خلايا نائمة أو إطلاق موجات تجنيد جديدة، خاصة في بيئات مضطربة مثل اليمن، والساحل الإفريقي، وحتى بعض الأوساط المسلمة في الغرب. بحسب تقارير استخباراتية غربية، فإن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب كان قد دخل مرحلة ركود نسبي خلال السنوات الأخيرة، لكن الخطاب الأخير يُفهم على أنه محاولة لكسر هذا الجمود. إذ تشير بعض المصادر إلى تحركات تنظيمية محدودة في محافظتي شبوة والبيضاء باليمن، تشمل تدريبات داخل معسكرات مغلقة، وإعادة تفعيل قنوات اتصال داخلية. كذلك، تتابع الاستخبارات الأميركية والبريطانية عن كثب بعض الحسابات والمراسلات المشفّرة التي تصاعد فيها استخدام شعارات مستلهمة من كلمة العولقي، ما يُعد مؤشرًا على بدء تعبئة إلكترونية تمهيدية. أمام هذا التصعيد الخطابي، رفعت عدة أجهزة استخبارات عربية وغربية من درجة التأهّب، خصوصًا في الدول التي شهدت في السابق عمليات إرهابية على يد خلايا مرتبطة بتنظيم القاعدة. وتشير تحليلات أمنية إلى أن الخطاب لم يكن موجهًا فقط للأنصار المحليين، بل سعى إلى تجاوز الإطار اليمني لاستنهاض قاعدة جهادية عالمية، وهو ما يتقاطع مع تحذيرات الأمم المتحدة من عودة نشاط التنظيمات الإرهابية مستغلّة النزاعات المفتوحة. كما تُبدي بعض العواصم الأوروبية قلقًا متزايدًا من استخدام القضية الفلسطينية كمدخل لإحياء خطاب العنف بين الجاليات المسلمة. الجمهور المستهدف في خطاب سعد العولقي: خطاب سعد العولقي لا يقتصر على مخاطبة أنصار تنظيم القاعدة التقليديين فقط، بل يسعى إلى جذب جمهور أوسع من المسلمين المتدينين والغاضبين، خاصة الشباب، الذين يشعرون بالغضب والاستياء من المجازر التي تحدث في غزة. يستغل العولقي هذا الغضب ليُحوّله إلى أداة تعبئة تحرّضية، مستهدفًا بذلك قطاعات تتراوح بين الجيل الجديد من المقاتلين المحتملين وبين شرائح مجتمعية متدينة تبحث عن تبرير وسبب للتحرك ضد ما تُسمى بـ"العدو الصليبي الصهيوني". يستخدم العولقي في خطابه لغة قريبة من الشباب، مع توظيف مفردات قوية ومشاعر الاستنكار والغضب التي تتماهى مع واقعهم، خصوصًا في المناطق التي تعاني من الفقر والتهميش مثل الريف اليمني وبعض الدول العربية الأخرى. هذا الخطاب يراعي التأثير العاطفي، ويركز على إظهار الصورة كصراع وجودي بين "الإيمان والكفر"، ما يجذب بالدرجة الأولى فئات عمرية بين 18 و35 سنة، الذين يمثلون النواة الأساسية لأي حركة جهادية ناشئة. بجانب استخدامه أدبيات جهادية تقليدية، يحاول العولقي إدخال رموز معاصرة، مثل وصف الصراع بـ"حرب إبادة" و"النكبة"، وهو أسلوب يصدح بمآسي معاصرة عميقة في الذاكرة الجماعية للمسلمين، مما يجعل الخطاب أكثر تأثيرًا وانتشارًا على منصات التواصل الاجتماعي. كما يستغل شعارات المقاومة والعدالة الاجتماعية، ما يوسع دائرة التأثير ليشمل حتى فئات لم تكن بالضرورة منخرطة في التنظيمات المسلحة، وإنما تشعر بالاغتراب السياسي والديني. ختامًا يمكن القول إن خطاب سعد العولقي يمثل محاولة واضحة لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية لإعادة إحياء مشروعه القديم عبر استثمار مأساة غزة كمحرّك عاطفي لتحفيز قاعدة شعبية واسعة على تبني خطاب العنف والجهاد الشامل. هذا الخطاب، رغم كونه متكررًا في مضامينه، يحمل رمزية قوية تعكس أزمة هوية التنظيم وإفلاسه الفكري في مواجهة المتغيرات الإقليمية والدولية. ومع ذلك، لا يقتصر الخطر على مضمون الخطاب وحده، بل يتعداه إلى توقيته الذي يزامن موجة غضب شعبي عارمة ومأساة إنسانية حقيقية. هذا يفتح المجال أمام احتمالات تصعيد عمليات إرهابية محلية ودولية، واستغلال التنظيم لموجة التعاطف مع القضية الفلسطينية في تجنيد عناصر جديدة، خاصة في ظل ضعف الرقابة الأمنية في بعض المناطق وعدم الاستقرار السياسي. كما يبرز من هذا الخطاب غياب أي نقد ذاتي أو مراجعة لسياسات التنظيمات الجهادية التي أضرت بالأمة وشعبها، بل يتم تقديم العنف كسبيل وحيد للحل، مع تصفية حسابات سياسية وأيديولوجية ضيقة، مما يزيد من تعقيد المشهد الأمني والسياسي في المنطقة. وفي هذا السياق، يبقى التحدي الأكبر أمام المجتمعات والحكومات هو مواجهة خطاب العنف والفكر المتطرف ببدائل عقلانية وسلمية تتيح تجاوز المأساة نحو بناء مستقبل أكثر استقرارًا. في النهاية، فإن خطاب العولقي يحذر من استمرارية حالة الانقسام والتطرف التي لا تخدم سوى مشاريع التدمير والتفتيت. ومن هنا تبرز أهمية تعزيز الجهود الدولية والإقليمية للوقوف بصلابة في وجه خطابات التحريض، مع دعم المسارات السياسية والإنسانية التي تعيد القضية الفلسطينية إلى سياقها الوطني والإنساني بعيدًا عن استغلال الجماعات المتطرفة لمآسي الشعوب.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store