
أزمة ورثة الفنان محمود عبد العزيز وبوسي شلبي تفتح ملف توثيق الطلاق في مصر
أعادت الأزمة العائلية التي اندلعت مؤخرًا بين ورثة الفنان الراحل محمود عبد العزيز والإعلامية بوسي شلبي الجدل حول قوانين الأحوال الشخصية في مصر، وخاصة ما يتعلق بتوثيق الطلاق والإثبات القانوني للعلاقات الزوجية. فقد فجّر الحكم القضائي برفض دعوى بوسي شلبي لإثبات استمرار زواجها من النجم الراحل حتى وفاته موجة من التساؤلات القانونية والاجتماعية، بعد أن أكدت أسرة عبد العزيز أن الطلاق وقع منذ عام 1998، وهو ما يفتح الباب أمام نقاش أوسع حول حقوق الطرفين في حالة عدم وجود أوراق رسمية تثبت استمرار الزواج أو انتهاءه.
علاقة عمل
أوضح الفنان محمد محمود عبد العزيز بعض النقاط المتعلقة بالجدل الدائر حول الوضع القانوني لزواج والده الراحل من الإعلامية بوسي شلبي، وذلك من خلال اتصال هاتفي أجراه مع الإعلامي عمرو أديب قبل عرض إحدى حلقات برنامج "الحكاية" على شاشة "إم بي سي" MBC.
وحسب ما نقله عمرو أديب خلال الحلقة، فإن الأوراق الرسمية التي تم التعامل بها بعد وفاة الفنان، ومن بينها إعلام الوراثة، لم تتضمن أي ذكر لاسم بوسي شلبي. كما أشار إلى أن شلبي كانت قد أقامت دعوى قضائية عام 2021 لإثبات أنها لا تزال على ذمة الفنان الراحل، لكن القضاء المصري رفض هذه الدعوى في جميع درجات التقاضي، مستندًا إلى أن الطلاق بين الطرفين وقع عام 1998.
وفيما يتعلق بما تردد حول وجود نزاع على قطعة أرض تُقدّر قيمتها بنحو 100 مليون جنيه، نفى الفنان محمد محمود عبد العزيز هذه الأنباء بشكل قاطع، مؤكدًا أنها غير صحيحة ولا تستند إلى أي معلومات موثوقة.
وأعرب عن استيائه من الزج باسم والده الراحل في مثل هذه الأحاديث، مشددًا على أن العائلة كانت تأمل في الحفاظ على صورته واحترام تاريخه الفني. وأوضح أن البيان الذي أصدرته الأسرة جاء بهدف توضيح الحقائق ووضع الأمور في إطارها الصحيح.
وفي البيان نفسه، الذي لم يتضمّن ذكرًا صريحًا للإعلامية بوسي شلبي، أكد نجلا الفنان الراحل أن الزواج لم يستمر سوى لفترة قصيرة، وأن الانفصال حدث بعد أسابيع قليلة فقط، نافيَين ما يُتداول بشأن استمرار العلاقة حتى وفاته عام 2016.
وأشار البيان إلى أن القضاء المصري قد نظر في هذه المسألة من خلال دعاوى متعددة تقدمت بها بوسي شلبي خلال السنوات الماضية، وانتهت جميعها بالرفض في مختلف درجات التقاضي. كما تم حفظ البلاغات ذات الطابع الجنائي المرتبطة بهذه القضية، وهو ما اعتبرته الأسرة دليلا قانونيا حاسما يؤكد صحة الطلاق الذي تم بعد فترة قصيرة من الزواج.
كما أورد البيان أن التواصل بين الطرفين بعد الطلاق اقتصر على النطاق المهني، حيث تولت بوسي شلبي تنسيق بعض الأنشطة الفنية للراحل وتنظيم حضوره في الفعاليات العامة، دون أن يكون لذلك أي طابع شخصي أو عائلي.
وختمت الأسرة بيانها بالتشديد على تمسكها بحماية اسم الفنان الراحل ومكانته، مؤكدة استعدادها لاتخاذ كافة الإجراءات القانونية اللازمة لمنع تداول أي معلومات مغلوطة أو مسيئة تمس تاريخه وسمعته.
ردت الإعلامية بوسي شلبي على التصريحات التي أدلى بها محمد وكريم عبد العزيز، واعتبرت أن ما ورد في بيانهما غير دقيق. وأكدت خلال بيان رسمي نشرته أن القضية ما زالت جارية في المحاكم ولم يتم البت فيها بعد، مشيرة إلى أن البيان الموجه ضدها يعد تشويها لصورة الفنان الراحل ويقوّض تاريخه العريق.
وأوضحت الإعلامية المصرية أن زواجها من محمود عبد العزيز كان قانونيا وسليما من الناحية الشرعية، وهو موثق في بطاقة الهوية الأخيرة التي كانت بحوزته. وأضافت أن أولادهما يعرفون هذا الأمر تماما، مؤكدة على أن الراحل لم يخرج عن إطار الشريعة والقانون حتى وفاته.
كما عبرت عن استنكارها أي إشارات تشير إلى أن علاقتهما الزوجية كانت مزورة، معتبرةً ذلك بمثابة هجوم عليها وعلى الذكريات الطيبة التي جمعتهما.
وأشارت إلى أن الزواج كان علنيا وقانونيا ويعلم به جميع من حولهما من أقارب وأصدقاء، حيث كانت بطاقة الهوية الأخيرة لمحمود عبد العزيز تحتوي على تفاصيل الزواج. كما نشرت بوسي شلبي وثيقة عمرة يعود تاريخها إلى 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2004، والتي تضم اسم زوجها "محمود عبد العزيز" كمحرم لها.
تفاعل واسع
أثارت الأزمة بين الإعلامية بوسي شلبي وأسرة الفنان الراحل محمود عبد العزيز تفاعلا واسعا بين عدد من الفنانين والمشاهير، الذين عبروا عن تضامنهم ومواقفهم من القضية عبر منصات التواصل الاجتماعي.
نشرت الفنانة يسرا عبر حسابها الرسمي على "فيسبوك" رسالة أكدت فيها أن بوسي شلبي كانت زوجة محمود عبد العزيز حتى آخر يوم في حياته، في إشارة إلى استمرار العلاقة بينهما حتى وفاته.
كما علّقت الفنانة هالة صدقي على الأزمة، معتبرة أن ما حدث قد يعود إلى خطأ من المستشارين القانونيين، وأكدت أن أبناء الفنان لا يمكن أن يتبنوا هذا الموقف، مشيرة إلى أن بوسي شلبي عاشت مع محمود عبد العزيز كزوجة لأكثر من 20 عاما.
View this post on Instagram
A post shared by Hala Sedki (@halasedkiofficial)
ودعت الإعلامية شافكي المنيري دعت الإعلامية إلى التوقف عن الخلافات الدائرة حول زواج الفنان الراحل محمود عبد العزيز، مؤكدة أن بوسي شلبي كانت زوجة مخلصة وأصيلة، وظلت بجانبه حتى رحيله. وأشارت إلى أن الراحل كان يعرف الأصول، ولو أراد الطلاق أو الإعلان عنه لفعل ذلك. وشددت على أن ما يحدث لا يليق بتاريخه، وطالبت بمراجعة الموقف احترامًا لذكراه ولحرمة من رحل، مؤكدة أن الاحترام يجب أن يشمل جميع الأطراف.
بينما دعا الإعلامي محمود سعد، عبر منشور موجه إلى محمد وكريم محمود عبد العزيز، إلى التهدئة وإنهاء الخلاف العلني الدائر حول زواج والدهم الراحل من الإعلامية بوسي شلبي. وأكد أن تصاعد الأزمة ووصولها إلى ساحات القضاء ومواقع التواصل يمس سمعة الفنان الراحل محمود عبد العزيز، داعيًا الأطراف المعنية إلى الجلوس سويًا وحل الأمر بهدوء وبعيدًا عن الشائعات والتراشق الإعلامي، حرصًا على محبة الراحل ومكانته.
تعود جذور الأزمة بين الإعلامية بوسي شلبي وأسرة الفنان الراحل محمود عبد العزيز إلى فبراير/شباط الماضي، عندما فوجئت شلبي أثناء محاولتها تجديد بطاقتها الشخصية بتسجيل حالتها الاجتماعية كمطلقة من الفنان، وفقًا لبيانات السجل المدني المصري. هذا التطور دفعها إلى توجيه اتهامات بالتزوير ضد موظفين لم تُعلن عن أسمائهم، مشيرة إلى نيتها اتخاذ إجراءات قانونية ضد من ترى أنهم مسؤولون عن ذلك.
وعلى مدار عامين من التقاضي، رُفضت الدعوى التي تقدمت بها شلبي لإثبات استمرار العلاقة الزوجية، حيث أيّدت المحكمة الحكم الصادر عن محكمة أول درجة، والذي استند إلى توقيع موثّق من الفنان محمود عبد العزيز يؤكد وقوع الطلاق في عام 1998. كما قضت المحكمة بتغريمها مبلغ 200 جنيه، وأسقطت حقها في تقديم التماس لإعادة النظر، بعد تأكيد صحة المستندات والأدلة المقدمة في القضية.
تجدر الإشارة إلى أن الفنان الراحل محمود عبد العزيز تزوّج مرتين خلال حياته. كانت الزيجة الأولى من السيدة جيجي زويد، والتي أنجب منها ابنيه محمد وكريم، واستمرت علاقتهما الزوجية نحو 20 عامًا قبل أن تنتهي بالطلاق. وفي عام 1998، تزوج من الإعلامية بوسي شلبي، من دون أن يرزق منها بأبناء.
أما عن أبنائه، فقد اتجه محمد، الابن الأكبر، إلى العمل في مجالي التمثيل والإنتاج، بينما اختار كريم التمثيل، ونجح في إثبات نفسه على الساحة الفنية خلال السنوات الأخيرة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 14 ساعات
- الجزيرة
ما أصعب الكلام عن دمشق!
قبل نحو ألف عام حاول ذلك ابن عساكر فامتدت به الروايات وقصرت عنه الإمكانات لولا أن أدركه نور الدين زنكي بمال ورجال فتم جهده سبعين مجلدا. هل سمعتم يوما عن كاتب تسمو به همته ليكتب سبعين مجلدا في تاريخ مدينته؟ إنه ما يعرف اليوم بـ "تاريخ دمشق". حديثا جرب الكتابة عنها نزار قباني فترك صورا شعرية تتباهى بها جدران المدينة، لكنه ظل يشكو من أنه كلما استل قلمه عرش الياسمين على أصابعه، واكتظ فمه بعصير المشمش والرمان والتوت والسفرجل. وجربه علي الطنطاوي فوصف دمشق مطلع القرن العشرين قبل أن تذهب نفسه حسرات على مرابع الصبا ومجد خبا. وها أنت تحاول أن تكتب عن دمشق فتتشابك الخيوط كما تتشابك اليوم أسلاك توزيع الكهرباء مع أغصان ياسمينها! كأنها تتحدى وتقول إن في دمشق شيئا، لا يمكن وصفه، ولا يمكن تجاوزه.. إنها دمشق تعلمك أن تكتب عنها وأنت تدري أن اللغة ستخونك. فهل تبحث عن بداية من بيت معاوية بن أبي سفيان وعمر بن عبد العزيز الذي حكم نصف العالم وتحدى عقبات الجغرافيا؟ أم عن جاره صلاح الدين الإيوبي الذي غير وجه التاريخ؟ أم عن حارات محيي الدين بن عربي الذي شغل أقطاب الأرض عربا وعجما في فهم مضامينه وعباراته. ربما تلجأ كما تايتانيك إلى فلاشباك من حي التضامن أو جوبر أو مخيم اليرموك، فتتحدث عن مدينة قاومت زلازل الطبيعة أو تدمير الغزاة من أمثال تيمورلنك والمغول.. أنقل فؤادك حيث شئت من التاريخ فسوف ينقلب إليك بشقوق ضوء من سقف الحميدية، أو رذاذ متناثر من نوافير بيت دمشقي قديم. ولكن لا تتعب نفسك مع دمشق فهذه المدينة كما يقول مظفر النواب تأبى القسمة على اثنين، فإذا طرقت باب توما ستنفتح نافذة لك من باب الجابية، وإن أضعت طريق الجامع الأموي، ستدلك عليه "كنيسة السيدة". وبينهما سوف تتكفل البوظة الدمشقية أو ربما كوب من شاي بالنعناع بإعادة الضبط المصنعي لتستأنف الرحلة من جديد. ثم لا تخف بعد ذلك من ضياع، فالدمشقيون – كما وصفهم الطنطاوي ووجدتهم بالخبرة – من أكرم الناس، وأشدهم عطفا على الغريب، وحباً له، فهم يؤثرونه على الأهل والولد. في دمشق أصخ سمعك وافتح عيونك جيدا، فهذه المدينة متحف في الهواء الطلق، ومصممه حاذق مجرب تعمد أن يخفي نفائسه في كل زاوية، فما أن تقرر أنك شارفت حاجز الملل نهضت من جانب السوق، أو طرف الأبنية جوهرة تخبرك أنك في الحضرة الدمشقية. في سنوات سبقت الثورة تم تحديد مسارات سياحية داخل المدينة تطوف بأبرز معالمها، وقد عفت اليوم ملامحها لكن أطلالها تبدو في جداريات، تعرفك بأسماء المواقع دون أن تقدم عنها تفصيلا. مثل هذه المبادرات على قيمتها لا تتجاوز البعد التاريخي للأماكن، فالخريطة تحدثك عن أسواق مدينة تقليدية وأسواق للحرفيين، ومعالم تاريخية وثقافية مثل قلعة دمشق، ومعالم دينية كمقام صلاح الدين الأيوبي والجامع الأموي وكنيسة القديس حنانيا وخان أسعد باشا. تحدثني نفسي أن هذه المبادرة التي دعمها الاتحاد الأوروبي قد لا تليق بدمشق، ففي هذه المدينة كل شيءٍ يُروى مرتين: مرةً كما حدث، ومرةً كما تحب القلوب أن تتذكّر. وما يفوتك من تفاصيل الخرائط يفوق بكثير ما تقوله لك، وقد يتكفل بسرده حديث الحجر وهو الشاهد الوحيد الباقي من تاريخ تلك المدينة. ربما يخبرك عن شارعها المستقيم، وأنه ترتيلة من تراتيل الإنجيل فيه تصافح خالد بن الوليد وأبو عبيدة بن الجراح، واختلطت بهوائه كل توابل العالم التي حملت إلى سوق مدحت باشا عبر طريق الحرير. من هنا مر ملايين الحجاج كل عام فباعوا واشتروا وحملة الكسوة ورحلوا مشيعين بالموال الدمشقي والشال والصابون الحلبي وحلوى الجبن الحموية. هنا سكنوا البيوت والخانات الدمشقية التي تحولت يوما إلى نمط حياة في الغرب عبر إسبانيا، والتي سمت بيوتها حتى اليوم كرمة نسبة إلى دوالي العنب التي سقفت بيوتها، واختلطت بالياسمين والنارنج. في نظري أن النهج التقليدي مع المدينة قد لا يكون كافيا في التعامل مع كيان يزخر بالحياة والعبق، ولذلك فإنني أقترح عليك مسارات بديلة من قبيل: مسار بهجة العين مسار عبق الأماكن مسار القلوب والعقول مسار المعدة ففي بهجة العين تبدو حارات دمشق القديمة مثالا للتناسق بين الفن والإبداع والحاجات الإنسانية الأساسية، وإن إضيفت إليها نوستالجيا "باب الحارة" تزاحمت مشاهد الواقع بذكريات وسرديات تهب للمكان روحا وللجدران ألسنة. وأفصح ما فيها اليوم أن غاب عنها زبد صور زعماء وصفوا نفسهم يوما بالخالدين، واحتفظت بأشعار نزار قباني وترنيماته الدمشقية. وفي مسار عبق الأماكن تبرز أسواق العطور والعطارة والصابون وملحقاتها، وتدرك عندها كم يعشق السوريون الريح الطيبة، وكم تنتشر متاجر تصنيع العطور وتزيين قواريرها والاحتفاء بها. وتسألونني عن مسار المعدة في دمشق، فأقول كما يقول فقيهها ومحدثها هشام بن عمار هل يُستغرب الشيئ من معدنه؟ وأزيد هل يسأل المجد عن مهده؟ وهل اجتمعت طيبات الشعوب إلا فيها؟ وهل خرجت وصفات الطعام إلا من حاراتها؟ إعلان لكن مطاعمها اليوم تتناثر عبر أزقة لا تدل المقدمات فيها على النتائج، فمن مدخل ضيق معتم تصل إلى بيوت دمشقية عريقة تتغنى جدرانها بدمشق وجمالها، ويصدح فيها صباح فخري ليعلن أنك وصلت إلى مبتغاك. وإن كنت مثلي تفضل وجبات متناثرة على الطرقات فقد كمن لك خلف الجامع الأموي طبق فول يتعهد لك بما يشفي غليلك بطريقة تقليدية، تدخر ماء الفول بالليمون لري ظمأك، وحبات الفول المتبلة لجوعك فتخرج منه شبعان ريان نشوان، وأن تبقى في المعدة خلوة فسوف تتكفل بها متاجر القيمرية بمعجناتها وحلوياتها أو "لتشرب المرطبات مثلا". في مسار العقول والقلوب ستختزل لك آلاف الأعوام من التراتيل والتسابيح ساحات المسجد الأموي الذي ظل سجل المدينة المفتوح، يضيف عليه كل حاكم أو سلطان أو فاتح عبر العصور لمسة أو توقيعا يظل شاهدا على تاريخ المدينة. ثم ستحدثك أحجار ضريح صلاح الدين عن ركلة غورو، ولكنها تتذكر بالمقابل ضريح ملك ألمانيا غليوم الثاني الذي أهداه له واستحق فيه مديح شوقي: رعاك الله من ملك همام تعهد في الثرى ملكا هماما. غير بعيد عن تلك المقامات مساجد ومقابر ابن عربي في حي محيي الدين وإلى جواره في الجامع الجديد قبر عصمت خاتون زوجة نور الدين وصلاح الدين رضي عنهما، ثم قبر معاوية رضي الله عنه وابن عساكر في مقبرة الباب الصغير وابن تيمية وابن كثير وابن الصلاح خلف مستشفى الولادة في منطقة البرامكة. وجه فؤادك بعد ذلك نحو بيمارستان النوري التاريخي ثم الأسواق، وسوف أنتخب منها سوق العصرونية والمسكية والقوافين والجمرك والقيشاني والقلبقجية والقباقبية والبزورية والصقالين، وسوف أترك للدهشة مساحة الاكتشاف ومتعة الربط بين الاسم والمسمى. ثم لا يكتمل يوم تأملك الدمشقي إلا بإطلالة قاسيون حيث يلتقي أذان الطائعين بصلوات الخاشعين برائحة الياسمين، وأمنيات المحبين وإطلالات الفاتحين من أمثال خالد وأبي عبيدة ونور الدين وصلاح الدين، وإشراقات العباد والمتصوفين وإن حجبوها عنك بدعوى الصيانة فتحت دمشق لها طريق أوليائها الأربعين. ربما تدرك هناك كيف أحب التاريخ دمشق فأجأها إلى قاسيون الذي احتضنها ووقف سندا لها عندما مالت بها الأيام وأسال لها عين القطر من بردى ليمد ياسمينها بالحياة، وهز لها جذوع الغوطة تساقط عليها رطبا شهيا، فظلت خالدة على مر الدهور.. تمرض ولكنها لا تموت.


الجزيرة
منذ 14 ساعات
- الجزيرة
حين رأيت الطفل الذي كنته.. ولم أعد أهرب منه
كان ذلك في المساء، المساء الذي لا يشبه غيره، حيث لا ضجيج خلف الأبواب، ولا أصوات تأمرني بأن أكون "على ما يرام". جلست على الأرض، لا على الكرسي ولا على الأريكة، بل على البلاط البارد كما كنت أفعل ذات طفولة بعيدة، وأغمضتُ عيني، ثم رأيته.. لم يأتِ من باب، ولا خرج من جدار، بل حضر كأنه لم يغب، كأنني أنا الغائب وهو المنتظر، كان يلبس قميصًا قديمًا، لونُه باهت من كثرة اللعب، وكان حافيًا، كان يشبهني.. أكثر منّي الآن. لم أنظر إليه كغريب، بل شعرت كما لو كنت أمام مرآة لا تُظهر التجاعيد ولا الحذر، ولا الطبقات التي راكمتها عبر السنوات كي أحمي نفسي من الانكسارات. قال لي بصوت لم أسمعه بل شعرت به: "أخيرًا جئت"! ولم أستطع أن أنكر. كل الأعذار بدت لي سخيفة، أمام حضوره شعرتُ بأنني أتعرّى داخليًّا، كما لو أنني أخلع كل ما علّقوه فوقي: الواجب، والقوة، والعقلانية، والنجاح، والهيبة.. كل تلك الأثقال التي لم تكن يومًا من اختياري. تذكرت عندها ما قاله جيمس هيلمان: "أعمق جزء فينا لم يكبر أبدًا". وهذا الجزء.. كان يجلس أمامي الآن، حيًّا، وهادئًا، ولا يُطالبني بشيء، سوى أن لا أخونه مرّة أخرى. سألني دون أن يُحرك فمه: "هل ما زلتَ تكتب؟" قلت: "أكتب كثيرًا". قال: "لكن ليس لي".. كان صادقًا. لم أكتب له منذ سنوات، نسيت رسائله التي خطّها في دفاتري بالرصاص، ونسيت حتى نبرة صوته حين كان يقول لي: "اكتُب لأنك تحب، لا لأنك تخاف أن تُنسى". ثم جلس قربي، لا ليعاتبني، بل ليرى إن كنت أستطيع البكاء مثله. وهنا خفت.. خفت أن يسألني لماذا لم أصرخ حين جُرحت أول مرة؟ لماذا تعلمت أن أُطفئ غضبي بالشاي والابتسامة المصطنعة؟ لماذا ابتلعت الخذلان كأنه قهوة الصباح؟ قلت له بصوت مكسور: "كنت أظن أنّ هذا هو النضج." لكنني كبِرت.. وضعت المسافة بيني وبين نفسي، وأخفيت عن العالم الطفل الذي كان يرى كل شيء بلغة القلب ضحك كما يضحك الأطفال حين يسمعون كذبة لا تُقنعهم.. تذكرت عندها عبارة جون برادشو: "نقضي النصف الأول من حياتنا نحاول أن نصبح كبارًا، ثم نقضي النصف الآخر نحاول أن نعود إلى ما فقدناه". وكنت -بكل صدق- أريد العودة إليه! ولأول مرة، لم أشعر بالخجل من ذلك. قال لي وهو يرسم دوائر صغيرة بأصبعه: "لم أكن أريد أن أكون طبيبًا أو مهندسًا كما قالوا لي، كنت فقط أريد أن أبني بيتًا من الرمل.. ولا يهدمه أحد." شهقت بصمت.. كم حلمًا هدمته بيدي، لأرضي الذين قالوا لي: "هذا لا يليق بك"، "هذا ليس جديًّا"، "هذا ليس واقعيًّا"؟. كنت قد هجرت حتى ذلك الصوت الصغير الذي كان يقول لي في الليالي: "لا تخف، أنت كافٍ كما أنت." تذكرت حينًا كنت أتكلم فيه مع الطيور دون أن أنتظر منها ردًّا، وأنني كنت أكتب رسائل إلى آخرين وأضعها تحت وسادتي، وأنني كنت أقول "أحبك" لأشخاص لا يعرفون كم كانت الكلمة صادقة. لكنني كبِرت.. وضعت المسافة بيني وبين نفسي، وأخفيت عن العالم الطفل الذي كان يرى كل شيء بلغة القلب. وقد قالت أليس ميلر: "الطفل في داخلك لا يطالبك بالعودة إلى الطفولة، بل بأن تكون صادقًا معه." الآن.. لا أهرب منه، بل أفسح له مكانًا في كل لحظة، أجعله يختار الموسيقا، والألوان، والعناوين.. أدعوه ليقرأ لي قبل أن أنام، وأصدّق دموعه قبل أن أصدّق التحليلات النفسية ولأول مرة منذ سنين، شعرت أنني أستطيع أن أكون صادقًا معه.. سألني إن كنت ما زلت أحب البسكويت بالكاكاو. قلت: "لم أذقه منذ عشر سنوات". قال: "إذن، لا تتعجب من مزاجك السيئ"، وضحك. إعلان حين ضحك، انفتحت في داخلي نافذة نسيتها، كأن قلبًا ما كان مغلقًا عليّ، كأنني كنت أعيش بنصف تنفّس. منذ تلك الليلة، تغيّر شيء عميق في داخلي.. صرت أقول له كل مساء: "تصبح على خير." أشتري دفاتر ملوّنة لأكتب فيها، لا لأحسّن خطي، بل لأرتب روحي، أرتدي الألوان التي تُضحكه، لا التي تُرضي أعينهم.. أصبحتُ أركض أحيانًا بلا سبب، وأبكي دون أن أشرح لماذا، وأسمح للطفل في داخلي أن يُمسك بيدي حين تُظلم الطرق. وكما قال هنري نوفن: "ليس علينا أن نقتل الطفل فينا لنكون كبارًا، بل أن نحميه.. ونمنحه صوتًا." والآن.. لا أهرب منه، بل أفسح له مكانًا في كل لحظة، أجعله يختار الموسيقا، والألوان، والعناوين.. أدعوه ليقرأ لي قبل أن أنام، وأصدّق دموعه قبل أن أصدّق التحليلات النفسية؛ لأنه ببساطة.. الجزء الوحيد فيّ الذي لم يكذب عليّ يومًا.


الجزيرة
منذ 18 ساعات
- الجزيرة
هل سمعت "بالموزانايت"؟ توأم الألماس الرخيص الذي يصعب اكتشافه
مع الارتفاع الحاد في أسعار الذهب والألماس، لم تعد المجوهرات الراقية خيارا سهلا لكثير من المقبلين على الزواج أو الباحثين عن هدية فاخرة. في المقابل، بدأ يتزايد الإقبال على بدائل ذكية توفر الإبهار والبريق نفسه من دون الأعباء المالية الكبيرة. من بين هذه البدائل، يبرز حجر الموزانايت بين الأحجار التي تقدم شكل الألماس ولمعانه، لكن بسعر أقل بكثير، وبتأثير بيئي أقل، لما يتمتع به من خصائص بصرية لافتة وسعر منافس يجعله أقرب ما يكون إلى "توأم الألماس الرخيص". جمال يشبه الألماس يتميّز الموزانايت بتركيبة كيميائية مختلفة عن الألماس، إذ يتكون من كربيد السيليكون، لكنه في المقابل يتفوق عليه في بعض النواحي البصرية، لا سيما من حيث التشتت الضوئي، أي قدرة الحجر على تفكيك الضوء إلى ألوان الطيف. هذا ما يمنحه بريقا قوس قزحيا لافتا يعرف باسم "FIRE"، يفوق ما يقدمه الألماس الكلاسيكي. لذلك، في الإضاءة القوية، قد يبدو الموزانايت أكثر توهجا من الألماس نفسه. بديل صلب ومستدام من ناحية الصلابة، يسجّل الموزانايت 9.25 على مقياس موهس (لقياس صلابة المعادن والأحجار الكريمة من حيث مقاومتها للخدش)، وذلك ما يجعله أحد أكثر الأحجار الكريمة مقاومة للخدوش بعد الألماس (الذي يسجّل 10). هذه الخاصية تجعله مناسبا للاستخدام اليومي، خاصة في الخواتم والمجوهرات المعرضة للاحتكاك المستمر، كما أن إنتاجه داخل المختبرات يجعله خيارا صديقا للبيئة، خاليًا من المشاكل الأخلاقية والبيئية المرتبطة بتعدين الألماس التقليدي. فارق كبير في السعر عند الحديث عن السعر، يتبيّن الفارق الكبير بين الموزانايت والألماس. فبينما يبدأ سعر قيراط الألماس من 4 آلاف دولار وقد يتجاوز 10 آلاف دولار حسب الجودة والنقاء، لا يتجاوز سعر قيراط الموزانايت 600 دولار في المتوسط، بل يمكن أن ينخفض إلى أقل من ذلك بحسب نوع القطع واللون. وهذا ما يجعل الموزانايت خيارا مثاليا لمن يبحثون عن الفخامة من دون الدخول في ديون أو ميزانيات ضخمة. قيمة إعادة البيع رغم مميزاته الكثيرة، تظل إعادة بيع الموزانايت محدودة مقارنة بالألماس الطبيعي الذي يحتفظ بجزء من قيمته في السوق العالمية. فالموزانايت لا يعتبر حجرا استثماريا، وإنما يُشترى لأغراض الزينة الشخصية أو كهدايا رمزية. لذلك، من المهم توضيح أن الفارق الكبير في السعر لا يقتصر فقط على لحظة الشراء، بل يشمل أيضا مستقبل الحجر عند الرغبة في بيعه لاحقا. خيار عصري وواقعي تزايد الإقبال على الموزانايت في السنوات الأخيرة، خاصة بين الشباب المقبلين على الزواج، أو من يفضلون خيارات أكثر وعيا بالبيئة والميزانية. ومع تحسن تقنيات تصنيع هذا الحجر، أصبح من الصعب حتى على خبراء المجوهرات التفريق بينه وبين الألماس بالعين المجرّدة. ويمكن القول إن الموزانايت هو حجر واقعي للعصر الحديث؛ يمنح مظهر الألماس وبريقه، من دون التورط في تكاليف باهظة. هو ببساطة توأم الألماس الذكي، لمن يريد الجمال بسعر عادل. الفرق بين الموزانايت والألماس المصنع في المعمل رغم أن كليهما يُنتج في المختبر ويعد خيارا بديلا للألماس الطبيعي، فإن هناك فرقا جوهريا بين الموزانايت و الألماس المصنع في المعمل. فالموزانايت حجر مختلف كليا من حيث التركيب الكيميائي إذ يتكون من كربيد السيليكون، بينما الألماس المختبري هو ألماس حقيقي بالخصائص الفيزيائية والكيميائية ذاتها للألماس الطبيعي (يتكوّن من الكربون النقي). لذلك، من حيث المظهر، قد يتفوق الألماس المصنع في تقديم شكل مطابق تماما للألماس الطبيعي، في حين يتميز الموزانايت بوميض قوس قزحي أكثر وضوحا. والسعر أيضا يلعب دورا؛ فالألماس المصنع يبقى أغلى من الموزانايت، لكنه لا يزال أرخص من الألماس المستخرج من المناجم.