
أن تكون مختلفاً... ولكن على طريقتي!
أشد أنواع الغربة مرارةً هو العيش في مجتمع لا يعترف بهويتك، مهما كانت. حتى المجتمعات المتعددة ثقافياً، لديها أمراضها فيما يتعلق بالهويات التي تختلف عنها، هي غالباً تُرحّب بالاختلافات التي لا تهدد مصالحها أو قناعتها، لكنها تقاوم كل هوية تحمل رؤية أو سردية بديلة. بعض المجتمعات «المتحضرة» تدّعي احترام التعدد، لكنها تطلب منك أن تكون «مختلفاً على طريقتها» لا على طريقتك، تسمح لك بالوجود، بشرط ألا تُزعج التوازن القائم، أو تطرح أسئلة عميقة عن الانتماء والعدالة، ولذلك فقد تقضي عمرك وأنت تشعر بأنك مجرد «ضيف دائم وثقيل»، تحمل دوماً شعوراً بأنك وحدك المختلف، الآخر، الاستثناء، ويُطلب منك أن تشرح حالتك طوال الوقت.
ناضل الكاتب والأديب الأميركي من أصل أفريقي جيمس بالدوين، المولود 1924 في حي هارلم بنيويورك، منذ صباه للدفاع عن هويته المختلفة، وظنّ أن المجتمع الأميركي في منتصف القرن الماضي كان مستبداً تجاه السود؛ لأنه مجتمع حديث وليست له جذور تاريخية، لكنه حين انتقل إلى باريس بعمر الرابعة والعشرين، وجد أن جذر العنصرية راسخ في أوروبا التي هاجر منها الأميركيون، وأن معتقداتهم تعود في أساسها لتكوينهم الأوروبي... «لم يكونوا أميركيين بالمُطْلق، بل كانوا أوروبيين منبوذين، وجدوا أنفسهم في مواجهة قارة عظيمة لا تُهزم، يتجولون في أسواقها، مثلاً، ويرون الرجال السود للمرة الأولى»، هكذا كَتب.
في مقال له بعنوان: «غرباء في القرية»، نُشر لأول مرة في مجلة «Harper's Magazine» عام 1953، وأُعيد نشره لاحقاً عام 1955، ضمن مجموعة مقالات بالدوين «Notes of a Native Son» (مذكرات ابن البلد)، يروي بالدوين تجربته الشخصية بوصفه رجلاً أميركياً أسود يزور قرية سويسرية نائية بيضاء بالكامل، أوائل خمسينات القرن الماضي، وفي هذه التجربة، يستكشف بالدوين الفجوة العميقة بين تجربة السود في أميركا وإدراك الأوروبيين للعِرق.
ماذا يعني أن تعيش أسود في عالم يهيمن عليه البيض؟ يُبرز بالدوين التباين الصارخ بين عالمه في أميركا، الذي يتميز بالعنصرية والتوترات العِرقية، وهذا العالم الأبيض النقي الذي لم ير فيه شخصاً أسود من قبل، فقد كان سكان القرية ينظرون إليه بفضول وحَيرة كأنه مخلوق آخر، بل يصل الأمر إلى توجيه الإهانات بحقه في الأماكن العامة، وكان الأطفال يصرخون مندهشين وهم يشيرون إليه في الشوارع: زنجي! زنجي!
يرى بالدوين أن الأميركيين البيض يشاركون الأوروبيين في إيمانهم العميق بالتفوق العِرقي والعنصري، هذه الفكرة تنبع من تجاهُل الدور الأوروبي في الاستعمار والعبودية؛ ما تسبَّب في تشكيل العالم الحديث، وألقى بظلاله على العلاقة مع السود؛ ولذلك لم يكن العِرق مجرد مسألة تتعلق بلون البشرة، بل كان بناءً اجتماعياً وفكرياً وتاريخياً معقّداً، ومع المدة ترسخت هذه القناعات، وتفشت عبر الأجيال الذين حملوها إرثاً من آبائهم، حتى أصبح التاريخ يلاحق الضحايا جيلاً بعد جيل. هنا يصبح الزمن جامداً لا يتحرك ولا قيمة له... الشباب الذين يولَدون من رحِم المدينة هم أنفسهم أبناء القرى والأرياف الذين تشرَّبوا ثقافة التفوق والاستعلاء والخصوصية، ونبذ المختلف، لذلك تتشكل المجتمعات الحديثة ببطء شديد وبعثرات لا تنتهي، وسائل الإعلام والتواصل تصنع ثقافة سطحية، وتبني وشائج هلامية، وتشكّل قبائل ومعارف وهمية وافتراضية، الحقيقة على الأرض أن الناس سرعان ما يتنافرون ويتباعدون.
في الستينات برز مصطلح «القرية العالمية» بسبب انتشار تقنيات وسائل الإعلام في أنحاء العالم، سكان القرية كانوا يحلمون بالأسرة الإنسانية، في ظل «تعايش عالمي»، حتى جاء الصحافي الأميركي توماس فريدمان ليعرّف المفهوم الغربي لهذا المصطلح بأنه مجرد «عالم مترابط على شكل قرية وسوق معولمة واحدة»... هل صُمِّمت هذه السوق ليربح فيها الغني الأبيض، ويتغنى الباقون بالعولمة؟! حسناً حتى هذه «العولمة» أصبحت عبئاً على عاتق زعيم العالم الحديث (ترمب)، فراح يقوّض بنيانها!

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
٢٢-٠٤-٢٠٢٥
- الشرق الأوسط
أن تكون مختلفاً... ولكن على طريقتي!
أشد أنواع الغربة مرارةً هو العيش في مجتمع لا يعترف بهويتك، مهما كانت. حتى المجتمعات المتعددة ثقافياً، لديها أمراضها فيما يتعلق بالهويات التي تختلف عنها، هي غالباً تُرحّب بالاختلافات التي لا تهدد مصالحها أو قناعتها، لكنها تقاوم كل هوية تحمل رؤية أو سردية بديلة. بعض المجتمعات «المتحضرة» تدّعي احترام التعدد، لكنها تطلب منك أن تكون «مختلفاً على طريقتها» لا على طريقتك، تسمح لك بالوجود، بشرط ألا تُزعج التوازن القائم، أو تطرح أسئلة عميقة عن الانتماء والعدالة، ولذلك فقد تقضي عمرك وأنت تشعر بأنك مجرد «ضيف دائم وثقيل»، تحمل دوماً شعوراً بأنك وحدك المختلف، الآخر، الاستثناء، ويُطلب منك أن تشرح حالتك طوال الوقت. ناضل الكاتب والأديب الأميركي من أصل أفريقي جيمس بالدوين، المولود 1924 في حي هارلم بنيويورك، منذ صباه للدفاع عن هويته المختلفة، وظنّ أن المجتمع الأميركي في منتصف القرن الماضي كان مستبداً تجاه السود؛ لأنه مجتمع حديث وليست له جذور تاريخية، لكنه حين انتقل إلى باريس بعمر الرابعة والعشرين، وجد أن جذر العنصرية راسخ في أوروبا التي هاجر منها الأميركيون، وأن معتقداتهم تعود في أساسها لتكوينهم الأوروبي... «لم يكونوا أميركيين بالمُطْلق، بل كانوا أوروبيين منبوذين، وجدوا أنفسهم في مواجهة قارة عظيمة لا تُهزم، يتجولون في أسواقها، مثلاً، ويرون الرجال السود للمرة الأولى»، هكذا كَتب. في مقال له بعنوان: «غرباء في القرية»، نُشر لأول مرة في مجلة «Harper's Magazine» عام 1953، وأُعيد نشره لاحقاً عام 1955، ضمن مجموعة مقالات بالدوين «Notes of a Native Son» (مذكرات ابن البلد)، يروي بالدوين تجربته الشخصية بوصفه رجلاً أميركياً أسود يزور قرية سويسرية نائية بيضاء بالكامل، أوائل خمسينات القرن الماضي، وفي هذه التجربة، يستكشف بالدوين الفجوة العميقة بين تجربة السود في أميركا وإدراك الأوروبيين للعِرق. ماذا يعني أن تعيش أسود في عالم يهيمن عليه البيض؟ يُبرز بالدوين التباين الصارخ بين عالمه في أميركا، الذي يتميز بالعنصرية والتوترات العِرقية، وهذا العالم الأبيض النقي الذي لم ير فيه شخصاً أسود من قبل، فقد كان سكان القرية ينظرون إليه بفضول وحَيرة كأنه مخلوق آخر، بل يصل الأمر إلى توجيه الإهانات بحقه في الأماكن العامة، وكان الأطفال يصرخون مندهشين وهم يشيرون إليه في الشوارع: زنجي! زنجي! يرى بالدوين أن الأميركيين البيض يشاركون الأوروبيين في إيمانهم العميق بالتفوق العِرقي والعنصري، هذه الفكرة تنبع من تجاهُل الدور الأوروبي في الاستعمار والعبودية؛ ما تسبَّب في تشكيل العالم الحديث، وألقى بظلاله على العلاقة مع السود؛ ولذلك لم يكن العِرق مجرد مسألة تتعلق بلون البشرة، بل كان بناءً اجتماعياً وفكرياً وتاريخياً معقّداً، ومع المدة ترسخت هذه القناعات، وتفشت عبر الأجيال الذين حملوها إرثاً من آبائهم، حتى أصبح التاريخ يلاحق الضحايا جيلاً بعد جيل. هنا يصبح الزمن جامداً لا يتحرك ولا قيمة له... الشباب الذين يولَدون من رحِم المدينة هم أنفسهم أبناء القرى والأرياف الذين تشرَّبوا ثقافة التفوق والاستعلاء والخصوصية، ونبذ المختلف، لذلك تتشكل المجتمعات الحديثة ببطء شديد وبعثرات لا تنتهي، وسائل الإعلام والتواصل تصنع ثقافة سطحية، وتبني وشائج هلامية، وتشكّل قبائل ومعارف وهمية وافتراضية، الحقيقة على الأرض أن الناس سرعان ما يتنافرون ويتباعدون. في الستينات برز مصطلح «القرية العالمية» بسبب انتشار تقنيات وسائل الإعلام في أنحاء العالم، سكان القرية كانوا يحلمون بالأسرة الإنسانية، في ظل «تعايش عالمي»، حتى جاء الصحافي الأميركي توماس فريدمان ليعرّف المفهوم الغربي لهذا المصطلح بأنه مجرد «عالم مترابط على شكل قرية وسوق معولمة واحدة»... هل صُمِّمت هذه السوق ليربح فيها الغني الأبيض، ويتغنى الباقون بالعولمة؟! حسناً حتى هذه «العولمة» أصبحت عبئاً على عاتق زعيم العالم الحديث (ترمب)، فراح يقوّض بنيانها!


مجلة سيدتي
٠٥-٠٣-٢٠٢٥
- مجلة سيدتي
هيلاريا بالدوين تكشف عن رغبة أليك بالدوين في الانتحار
بعد الحادث المأساوي الذي راحت ضحيته مصورة فيلم Rust هالينا هاتشينز، مرَّ بطل الفيلم أليك بالدوين بحالة نفسية سيئة نظراً لأن هاتشينز ماتت بسبب الطلقات الحية التي خرجت من المسدس الذي كان يحمله، والذي كان من المفترض أن يحتوي على ذخيرة وهمية وليست حية، فوُجِّهت له تهمة القتل غير العمد. هيلاريا بالدوين تصف الحالة النفسية لزوجها أليك بالدوين بعد الحادث View this post on Instagram A post shared by People Magazine (@people) في الحلقة الثانية من برنامج الواقع للزوجين أليك وهلاريا بالدوين The Baldwins، ذكرت هلاريا أن زوجها أليك كان يعاني من عقدة الذنب لدرجة أنه فكر في الانتحار؛ حيث قالت إنها تلقت رسائل مقلقة من زوجها في اليوم التالي لحادث أكتوبر 2021. وتذكرت هيلاريا هذه الفترة قائلة: "وجدت هذه الرسائل النصية في اليوم الآخر بيننا، كما تعلمون، في اليوم التالي. وقال أليك إنه يريد قتل نفسه"، وأضافت: "كان أليك يعاني من ذنب الناجي بعد الحادث المميت. أنت متورط في شيء لا يمكن لأحد أن يتخيله. لذا يعود إلى ذلك اليوم، ويتمنى لو كان هو. كان ليغير الأماكن مع هاتشينز في ثانية واحدة." وتقول هيلاريا: "لن يكون هو نفسه أبداً. لقد أثَّر هذا على صحته وصحته العقلية بشكلٍ كبير في السنوات القليلة الماضية. فجأة، بدأ يعاني من مشاكل في القلب. لقد تم نقله إلى المستشفى عدة مرات". قضية القتل غير العمد لأليك بالدوين View this post on Instagram A post shared by CNN (@cnn) واجه أليك بالدوين ، 66 عاماً، تهمة القتل عندما كان يتدرب على فيلم Rust في نيو مكسيكو، عندما أطلق مسدس كان يحمله عن طريق الخطأ رصاصة حية، مما أسفر عن مقتل هاتشينز وإصابة المخرج جويل سوزا. أكد بالدوين أنه لم يسحب الزناد ولا يمكنه أن يعرف أن المسدس يحتوي على ذخيرة حية بدلاً من طلقات وهمية. وفي يوليو من العام الماضي، عادت محاكمة أليك بالدوين ، حيث تم التوجيه الاتهام لبالدوين، وقالت قاضية نيو مكسيكو ثماني كلمات التي كانت بمثابة نهاية المحاكمة. القاضية ماري مارلو سومر قالت لبالدوين وفريقه القانوني في المحكمة: "لقد تم قبول طلبكم بالرفض مع التحيز"، مما يعني أنه لا يمكن رفع القضية مرة أخرى. وأظهرت وثائق المحكمة أن فريق الدفاع عن بالدوين قدم طلباً لرفض القضية قائلاً إن المدعين أخفوا أدلة يُحتمل أن تشير إلى مصدر خارجي للذخيرة الحية لأن الأدلة ستكون في صالح بالدوين. وبهذا الحكم تكون قد انتهت القضية التي قاربت على الـ 3 سنوات التي واجه بالدوين فيها حكماً بالحبس ما يصل إلى 18 شهراً وغرامة قدرها 5000 دولار. وقد استقبل أليك بالدوين الحكم بالبكاء، حيث شوهد يرفع نظارته ويبكي ويمسح دموعه، قبل أن يعانق زوجته هيلاريا. وشكر بالدوين أنصاره عبر منشور على موقع إنستغرام في أول تعليقات عامة له منذ إسقاط التهمة الموجهة إليه. وكتب منشوراً تضمن صورة التُقطت له أثناء المحاكمة: "هناك الكثير من الأشخاص الذين دعموني لأشكرهم الآن. إليكم جميعاً، لن تعرفوا أبداً مدى تقديري لعطفكم تجاه عائلتي". لمشاهدة أجمل صور المشاهير زوروا « إنستغرام سيدتي ». وللاطلاع على فيديوجراف المشاهير زوروا « تيك توك سيدتي ». ويمكنكم متابعة آخر أخبار النجوم عبر «تويتر» « سيدتي فن ».

العربية
٢٠-١١-٢٠٢٤
- العربية
بعد مقتل مصورته على يد الممثل.. عرض أول متواضع لفيلم "راست"
1 دقيقة للقراءة عُرض فيلم "راست" للممثل أليك بالدوين لأول مرة يوم الأربعاء في مهرجان سينمائي بولندي متواضع بعد ثلاث سنوات من مقتل مصورة الفيلم هالينا هتشينز عندما صوب بالدوين مسدساً نحوهاً، في أول واقعة إطلاق نار تُفضي إلى وفاة في هوليوود منذ ما يقرب من 30 عاماً. وقال المخرج جويل سوزا، الذي أصيب أيضاً في واقعة إطلاق النار، لوكالة "رويترز" إنه شعر بالارتياح لإكمال الفيلم وعرضه للجمهور، ويأمل أن يكون بمثابة تكريم للمصورة الأوكرانية البالغ من العمر 42 عاماً. عُرض الفيلم أمام جمهور من عدة مئات في مدينة تورون البولندية بمهرجان كاميرميدج، وهي فعالية تركز على التصوير السينمائي، وكانت بعيدة تماماً عن البريق والضجة المصاحبة عادة لإطلاق أفلام هوليوود. وقال سوزا: "أنا متحمس لأن الناس سوف يرون عمل هالينا، آمل أن يقدروا عملها.. لم يكن قراراً سهلاً أبداً، لكن كان مهماً لي ومهما لزوجها أن يرى الناس عملها في صورته النهائية". وأطلقت البندقية التي كان يحملها بالدوين رصاصة حية تم تلقيمها عن طريق الخطأ من هانا جوتيريز مسؤولة الأسلحة بالفيلم في موقع التصوير بالقرب من سانتا في بولاية نيو مكسيكو في أكتوبر 2021. وأدينت جوتيريز بتهمة القتل غير العمد في مارس وتقضي عقوبة السجن لمدة 18 شهراً. ورُفض استئنافها على الحكم في سبتمبر. وواجه بالدوين المحاكمة أيضاً، ولكن في يوليو، رفض أحد قضاة ولاية نيو مكسيكو تهمة القتل غير العمد الموجهة إليه، واتفق مع محاميه على أن الادعاء والشرطة حجبوا الأدلة على مصدر الرصاص الحي الذي قتل هتشينز. تابعوا آخر أخبار العربية عبر Google News