
الـ"بريك دانس" يهز مدارس المغرب قبولا ورفضا
هل سيتعلم تلاميذ المغرب رقص الـ"هيب هوب" والـ"بريك دانس"؟ يبدو أن وزارة التعليم المغربية عازمة على ذلك بالفعل، بعد إعلانها إدماج هذه الفنون ضمن مقررات التربية البدنية في المدارس العمومية، وهو ما أثار جدلاً عارماً لا يزال متقداً بين منتقدين ومؤيدين لهذه الخطوة التي وصفها كثر بالمفاجئة.
يرى المؤيدون أن هذه المبادرة تتيح تجديد العرض التربوي والتعليمي بالمغرب، كذلك فإن الـ"هيب هوب" والـ"بريك دانس" رياضات مدرجة في الألعاب الأولمبية، بينما وجد الرافضون في هذا التوجه نوعاً من التصادم مع البنية الثقافية والهوياتية للمجتمع المغربي، وإقحاماً لرقص مستورد في النظام التعليمي من دون دراسة كافية.
"هيب هوب" وخبير دولي
دعت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة بالمغرب مديري الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين إلى إنجاز دورات تكوينية لفائدة أساتذة التربية البدنية والرياضية في فنون الـ"هيب هوب" والـ"بريكينغ" تحت إشراف المتخصص الدولي توماس راميريس. وهو، وفق المعطيات المتداولة، أستاذ مجاز في التربية البدنية والرياضية بالعاصمة الفرنسية، ويعد من أبرز الشخصيات التي أسهمت في إدماج ثقافة الـ"هيب هوب" داخل المؤسسات التعليمية.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
اشتهر راميريس باعتماد منهج تربوي يدمج بين الفن والرياضة، حيث يعمل على إدخال الرقص الحضري في المناهج الدراسية، وكثيراً ما يشدد على أن الـ"هيب هوب" ليس فقط تعبيراً فنياً، بل أيضاً وسيلة لتعزيز الإبداع والانضباط والتواصل بين الشباب.
وترى وزارة التعليم المغربية أن هذا التوجه نحو إدراج الـ"هيب هوب" والـ"بريك دانس" يأتي في سياق الاعتراف العالمي بهذه الرياضة من طرف اللجنة الأولمبية الدولية عام 2018، وإدراجها أيضاً ضمن الألعاب الأولمبية التي نظمت في باريس عام 2024 كرياضة استعراضية أولمبية.
وبررت الوزارة هذه الخطوة بأهمية "دعم التلاميذ لاكتشاف قدراتهم وتطوير مواهبهم وتعزيز انفتاحهم على محيطهم"، علاوة على أن ممارسة الـ"هيب هوب" صارت ثقافة اجتماعية تمارس في شوارع المدن وفي فضاءات منعزلة من دون قواعد رسمية.
وتبعاً للمصدر عينه، تعد الـ"بريكينغ" رياضة محبوبة ومحفزة لشباب الجيل الحالي، بفضل طابعها الحركي الفني والتقني والإبداعي، ودورها في تعزيز اللياقة البدنية، والتماسك الاجتماعي، وتنمية الإبداع والثقة بالنفس.
خيار تربوي إيجابي
كثير من تلاميذ المؤسسات التعليمية استبشروا بهذا التوجه الجديد لوزارة التربية الوطنية، معتبرين أنها "مبادرة إيجابية أن تحتضن هذه الرياضات الفنية وتؤطرها عوض ممارستها بعشوائية في الشوارع".
عمر زروهني، تلميذ في السنة الأولى باكالوريا، يقول إنه من هواة ممارسة الـ"هيب هوب" رفقة أصدقائه في الحي وبعض زملائه في الفصل الدراسي، وإن إدراج هذا الفن والرياضة في مقررات التربية البدنية أمر يسر آلاف الشباب المغاربة.
يرى التلميذ أن إدراج الـ"هيب هوب" والـ"بريك دانس" في برامج التربية البدنية بالمؤسسات التعليمية، سيوفر لهم فضاء آمناً وسليماً ومؤطراً لممارسة هوايتهم الشبابية، بدل المكوث في الشوارع وممارسة الـ"هيب هوب"، مع ما يجره عليهم ذلك أحياناً من شكايات الجيران وشتائمهم.
ويسير في هذا السياق رئيس الفيدرالية الوطنية لجمعيات أمهات وآباء وأولياء التلاميذ، نور الدين عكوري، إذ قال ضمن تصريحات صحافية له، إنه يتعين التعامل مع هذه المبادرة الجديدة على أساس أنها خيار تربوي ورياضي إيجابي، وليس خطراً داهماً يهدد قيم المجتمع المغربي.
ووفق عكوري، فإن "هذه المبادرة ليست دخيلة على المجتمع ولا مفسدة لسلوك التلاميذ، كذلك فإن المدارس المغربية تعتبر على مر الأعوام مشتلاً خصباً لاكتشاف وصقل المواهب الشابة والواعدة في المجالات العلمية أو الثقافية أو الرياضية".
وعلى الضفة المقابلة، يتحفظ تلاميذ كثر على المبادرة، بالنظر إلى أن "التلاميذ يحتاجون إلى الدعم التربوي والتعليمي أكثر، كما يحتاجون إلى تجهيزات تكنولوجية تعينهم على شق طريق العلم في زمن الذكاء الاصطناعي"، وفق بعضهم.
تصادم مع الهوية
يعلق الباحث التربوي المحجوب أدريوش على الموضوع بقوله، إن للقرار الجديد سلبيات وإيجابيات، فمن سلبياته أنه قد يتصادم مع البنية الثقافية والهوياتية للمجتمع المغربي، فحرية الإبداع والاختيار مضمونة، ولكن يجب ألا تتحول المدرسة إلى فضاء مفتوح لأي ممارسة غير علمية وغير أكاديمية، ومن دون معايير تربوية.
وأردف أن من سلبيات إقحام الـ"هيب هوب" والـ"بريك دانس" في برامج التعليم، أن الوزارة لم تحدد أعوام التعلم التي تمارس فيها هذه الأنشطة، لأن أعوام التعليم الإلزامي، في جميع دول العالم، فيها نوع من التحصين الثقافي والتربوي الوطني، ولا يتم تعليمها إلا في مراحل متقدمة.
أما عن إيجابيات هذا القرار، يتابع أدريوش، فهي الانفتاح على ثقافات أخرى، بالنظر إلى أن المجتمع المغربي ليس معزولاً عما يقع في العالم الواسع، والمؤسسة التعليمية ليست معزولة عن محيطها، شريطة احترام الخصوصية المغربية والهوية الروحية والفكرية والثقافية.
ونبه الباحث عينه إلى أنه "يتعين عدم استغلال مثل هذه الاقتراحات لتمرير أفكار وتصورات تهدم أكثر مما تبني"، مردفاً أن "التفكير في تنزيل قرارات كهذه وإدماج مكونات أخرى ضمن المناهج الدراسية يجب أن يتم ضمن منظور نسقي وشامل، في إطار تدبير وطني مؤسساتي تشارك فيه جميع الأطراف، بخاصة ذوو الاختصاص".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


Independent عربية
منذ 2 ساعات
- Independent عربية
الهوية والذاكرة في الفن الكوري المعاصر
"الوسائط المتعددة: كلنا دوائر مفتوحة" عنوان معرض لأعمال مختارة من مقتنيات متحف سيول للفنون SeMA. يوثق المعرض ستة عقود من تطور فن الوسائط المتعددة في كوريا الجنوبية، من ستينيات القرن الماضي إلى اليوم. يقدم المعرض المقام في أبوظبي بالتعاون مع المتحف الكوري العريق رؤية بانورامية لمشهد فني غني يعكس تحولات المجتمع الكوري وتفاعله مع التكنولوجيا، والهوية، والتحديث السريع. وهي مكامن القوة في الفن الكوري المعاصر، التي تذكرنا بنبوءة الفيلسوف الألماني والتر بنجامين (1892-1940) عن تأثير التكنولوجيا على الفن ودور وسائط الاتصال في تغيير الطابع التفردي للفن. ويهدف المعرض إلى تعزيز الحوار والتبادل الثقافي، من خلال مبادرات فنية تستكشف التاريخ وتسلط الضوء على رؤى متعددة حول الوسائط، والتكنولوجيا، والتحولات الحضرية. ومن المرتقب أن يقام المعرض الثاني في فبراير (شباط) 2026 داخل العاصمة الكورية، تحت عنوان "التماهي والتقارب"، ليجمع ثلاثة أجيال من فناني الإمارات، من ثمانينيات القرن الماضي إلى اليوم في معرض يتناول التحديات الجمالية والمفاهيمية في تمثيل التعقيد والتحول في زمن العولمة. مسألة الهوية يستمر معرض "الوسائط المتعددة: كلنا دوائر مفتوحة" حتى الـ30 من مايو (أيار) الجاري، ويترافق مع سلسلة من الفعاليات الثقافية والنقاشات والمنصات الفنية التفاعلية، التي تتيح للجمهور فرصة استكشاف عمق التجربة الفنية الكورية ضمن سياق عالمي معاصر، وذلك بإشراف القيمة كيونغ هوان يو (عن متحف سيول للفنون) والقيمة الفنية مايا الخليل، ويضم 48 عملاً فنياً لـ29 فناناً وفنانة من كوريا. ويستمد المعرض عنوانه من العبارة الملهمة للفنان الطليعي نام جون بايك عام 1965، "نحن في دوائر مفتوحة" ورؤيته الرائدة حول ظهور عالم الوسيط الفني، ليس بوصفه مادة فحسب بل باعتباره نظام تواصل يتخطى حدود الزمن والتكنولوجيا والجغرافيا والهوية. اللافت أن القيمة كيونغ هوان يو أثارت في خطابها عن المعرض قضية صراع الفن الكوري مع مسائل الهوية من خلال منظور ما بعد الاستعمار. وتعد الهوية أيضاً قضية محورية في التاريخ الحديث للفن التشكيلي العربي بوصفه ناتجاً من سياق ما بعد الاستعمار، وما زالت تشغل حيزاً كبيراً في الفن العربي المعاصر، لا سيما في ظل الحروب الدموية التي تجتاح منطقة الشرق الأوسط. تكشف الأعمال المعروضة عن التجارب المبكرة في فن الفيديو والتصوير الفوتوغرافي والفن المفاهيمي خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، عندما بدأ الفنانون الكوريون بتجربة التقنيات الجديدة في خضم تغيرات اجتماعية جذرية، انتقالاً إلى الأعمال الفنية الغامرة والمحاكاة الرقمية المعاصرة في الواقع الافتراضي والربوتوتات، في استكشاف الوسائط لآليات الإدراك والذاكرة والتواصل. ويتتبع المعرض عدة مسارات من خلال ثلاثة أقسام مواضيعية، يستكشف كل منها أبعاداً مختلفة لثيمة "الوسيط"، سواء كمواد مادية أو كوسائل تواصل وطبقات غير ملموسة من الرنين التاريخي والثقافي. ويتناول القسم الأول "الجسد" كنقطة اتصال مباشرة بالعالم، بينما يتمحور القسم الثاني حول "المجتمع" كشبكة من القصص والذكريات والمعارف الموروثة، ويتناول القسم الأخير الفضاء/ المكان -الحضري والطبيعي والرقمي- مستكشفاً كيف تشكلت البيئات بفعل العولمة والتاريخ متعدد الطبقات. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) دوائر مفتوحة يقدم القسم الافتتاحي رواداً أسهمت مناهجهم المبتكرة في مجالات الإنارة الكهربائية والضوء والصور المتحركة والأداء والأنماط التكنولوجية والأجهزة كالتلفزيون، إلى توجه فني مفاهيمي يقوم على فتح الدوائر السائدة في الممارسات الثقافية التقليدية على أنماط جديدة في الصورة الرقمية. وأسست هذه الأشكال الهجينة مفردات مادية وجمالية مبتكرة أدت إلى زعزعة التقاليد والتيارات الحداثية السائدة. والمعروف أن تطور فن الفيديو خضع لتأثير قوي من جانب "الفلوكسوس" وهي حركة من حركات الفنانين العدميين، تكونت أواخر الخمسينيات بفعل تأثيرات "الدادا"، واستمرت حتى منتصف السبعينيات. والكوري نام جون بايك الذي كان في الأصل فنان فلوكسوس هو الأب الحقيقي لفن الفيديو، فهو رحال لم يستقر في مكان واحد، ومفكر ربط الشرق بالغرب، وفنان أسهم بعمق في الدمج السلس لمختلف الوسائط والتقنيات -بما في ذلك الموسيقى والأداء والتلفزيون الإلكتروني والأقمار الاصطناعية والليزر- وهو صاحب رؤية حقيقية أسهمت في فتح "الدوائر المغلقة" التي سيطرت على الحياة العامة منذ منتصف السبعينيات، نحو آفاق استشرافية في مجال الإلكترونيات، لم تتحقق سوى في عصرنا الحالي مع تقنيات الإنترنت الضوئية والحوسبة وتطبيقات الهواتف الذكية، وهي الاختراعات التي سطرها بايك قبل نصف قرن. فالرؤية الثاقبة للفنان الطليعي نام جون بايك، دفعت إلى تضمين أعماله في القسم الافتتاحي للمعرض، إذ نشاهد "عجلة الدراما الذاتية" (1998) التي أبدعها بعدما ألزمته السكتة الدماغية كرسياً متحركاً، وهو عمل تركيبي يتكون من شاشات تلفزيون على عربة صغيرة، تمتلىء شاشاتها بصور تشبه الوجوه إلى جانب رسومه وكتاباته، يعكس تأملاته في أواخر حياته المهنية حول الوجود والهوية بصورة مؤثرة. أما في العمل الثاني "القمر أقدم تلفاز" (1965-1976) الذي أنتج خلال حقبة سباق الفضاء لاستكشاف القمر، فهو يربط بين مراقبة القمر قديماً وأقدم ممارسات البشرية في استخلاص المعنى، من خلال النظر إلى الشاشة، مما يوحي بآفاق تكنولوجية جديدة. المجتمع والجسد والنسوية يفتتح هذا القسم بعمل لبارك هيونكي "دون عنوان" وهو تركيب فني يتكون من شاشة فيديو وأحجار صغيرة محصورة بين عوارض سكك حديدية بالية تجمع بين المواد الصناعية والعناصر الطبيعية. وهذا التصادم بين العصر الصناعي للنقل وعصر العرض التلفزيوني، يتحدث عن الانتقال من عصر التبادل المادي إلى عصر يحدده من خلال تداول الصور والمعلومات. وتسلط يونغ أن هونغ من خلال فن التطريز والتركيب، الضوء على تاريخ مهمش، ارتبط بالعاملين الكوريين بالسخرة الذين تقطعت بهم السبل بعد الحرب العالمية الثانية من منظور نسوي، يستوحي بأسلوب البوب آرت شعار فيلم "تحت سماء السعادة". وتستكشف هايون كوون في عملها "كوبو يتجول في المدينة" القضايا الجيوسياسية المعاصرة، والتاريخ والذاكرة من خلال الواقع الافتراضي والرسوم المتحركة ثلاثية الأبعاد، جاذبة المشاهدين إلى سرديات غامرة متعددة الطبقات، عن مدينة سيول في الحقبة الاستعمارية خلال عشرينيات القرن الماضي. ويعد عمل "برج الأمم المتحدة" للفنان باهك ييسو من الأعمال المتميزة في المعرض، بخاماته الفقيرة وايهاماته البصرية في آن واحد. ويتألف من ألواح من الخشب الرقائقي ذات فراغات مقطوعة، ويعيد بناء قاعدة مدرجة للنصب التذكاري، وهي صورة مألوفة للجمهور الكوري من خلال ظهورها في كل مكان على علب الثقاب المنزلية. ويفيد ذلك إلى أنه نصب غائب مرتين: الأولى في سياقه الأصلي إذ موجوداً فقط في الخيال الجماعي، والثانية مع فشل صداه الثقافي في الوصول إلى جماهير جديدة. يتمثل الجسد كمكان للتفاوض التاريخي والثقافي، وكوسيط في عدد من أعمال الفنانين الرواد والمعاصرين، إذ ندخل في استكشاف الجسد من خلال غيابه في عمل لي كون يونغ، أما بالنسبة إلى موكا لي فهي ترسم صوراً لأشخاص تكتشفهم على مواقع التواصل الاجتماعي، على النحو الذي يظهر في سلسلتها "توتر السطح"، إذ تعبر عن الهوية والانفصال بين المشاعر الحقيقية والمدركة في الحياة الرقمية. لذا تشكك أعمال لي، في تشارك العواطف على الإنترنت والطبيعة الأدائية لتمثيل الذات المعاصرة. أما لي بول، فهي تستخدم في عملها وسائط متنوعة لإبداع أعمال تتحدى التقسيمات الهرمية بين الثقافة والجندر والفن. ويستلهم عملها "شكل كريستالي" الذي صمم بخرز شفاف وزجاج رأس وجسم امرأة مأخوذين من الرسوم التشريحية القديمة، لكنه يتجاوز النهج السريري إلى عالم روحي. وتبتكر وو هانا متأثرة بفنون والدتها الزخرفية منحوتات من القماش الناعم الملمس، تتشابك فيها أعضاء الجسد بطرق غريبة، مستوحاة من اكتشاف الفنانة لتفاصيل جسدها والقصور الكلوي الذي عانته خلال الثلاثينيات من عمرها، لتعبر عن الهشاشة الجسدية والفقد والاستئصال. الفضاء/ المكان كوسيط فني نتجاوز لقاء الجسد الذاتي بالعالم لنصل إلى مناظر الطبيعة المادية للممرات المائية والمباني الشاهقة في الفضاءات العمرانية المادية والملموسة في كوريا. ويبرز في هذا المجال فيلم "نهاية العالم" 2012، الذي يستخدم شاشة مزدوجة منقسمة زمنياً للتأمل في معنى وقيمة القطع الأثرية التي أصبحت غريبة في سياق ما بعد نهاية العالم، مشككاً في هدف الفن داخل عالم يواجه تغيراً جذرياً. في المناظر الحضرية للمدن المعاصرة، كما يتضح في عمل مينوك ليم "إغاثة تباني تبني" 2009، فإن الأنظمة العالمية تطبع نفسها على المدن، إلا أن المكان يبقى محلياً، فبينما يبحر القارب في ممرات سيول المائية يستخدم المؤدون على ضفاف النهر مرايا لإلقاء الضوء على النهر كاشفين عن مشهد حضري في حال من التغير. ومن المشهد الحضري الكوري ندخل إلى المساحات الداخلية، التي ترينا مشاهد افتراضية لغرف الفنادق بطريقة الألواح الذكية الملونة (للفنان رام هان)، لننتقل إلى مشهد الأحلام السوريالي في فيلم "طين الصلصال" 2012، لسونغ هوان كيم، وهو إعادة تصور لمسرحية "الملك لير" لشكسبير في سياق كوري، مستوحى من التاريخ الشخصي والاجتماعي. أما في عمل "شاشة نعم أعرف" 2007، للفنان هيغ يانغ، تتحول المصاريع الكورية التقليدية إلى هيكل قابل للطي وإعادة التشكيل. تحدث الأبواب الـ10 بشرائحها المكشوفة أوهاماً بصرية بينما يتحرك المشاهدون حولها. ويتخذ عمل "غلوريا" 2023، للفنانة الشابة تشوي غوين نهجاً أكثر مباشرة، إذ تظهر البنية التحتية للسباكة المخفية داخل الجدارن كنحت، حين تنفصل الأنابيب المطلية بالبرونز عن غرضها النفعي وتمتد عبر الفضاء في شبكة لامعة تبرز ما هو غير مرئي. أما بيونغجون كوون فهو يستكشف في "غابة الحقيقة الدقيقة 2" (2018) التقاء الفن والتكنولوجيا من خلال الصوت والأداء والتركيب الفني، ويستخدم نظام تحديد المواقع المحلي (LPS) لتوصيل أصوات خاصة بالموقع عبر سماعات الرأس. العمل مستوحى من وصول اللاجئين اليمنيين إلى جزيرة جيجو في كوريا بين عامي 2016 و2018. ويجمع العمل بين الطبيعة والموسيقى وأصوات المهاجرين وأغانيهم باللغة العربية، كل منها يحمل ذكريات وقصصاً مميزة. ومع تحرك المشاهدين عبر المساحة تتغير الأصوات، مقدمة تجربة سمعية-ديناميكية وغامرة. وتتبدى قواعد جديدة للحركة في عمل ثان له بعنوان "سلالم راقصة" 2022، إذ السلالم الروبوتية -رموز الصعود الاجتماعي- تقلب إلى الداخل بدلاً من الخارج، مما يقوض حركتها ويقيدها بمسارات ثابتة، في نقد ساخر للأنظمة التنافسية، واستعارة للتنقل الاجتماعي المحدود. من ضفاف سيول المضاءة بالمرايا إلى طرق التوصيل الخوارزمية، ومن المناظر الصوتية للمهاجرين إلى تصميمات الرقص الروبوتية، تكشف هذه الأعمال عن الفضاء المعاصر على أنه فضاء مادي وافتراضي، شخصي ومنهجي، محلي وعالمي. وفي تنقلنا بين هذه التضاريس المتعددة الطبقات والدوائر المفتوحة على تعقيدات العصر الرقمي، والنمو المطرد لعلاقة الفن بالتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. هل ثمة خوف من فقدان الفن لمحتواه الإنساني؟ وهل كلما ازدادت الضخامة والاتساع والتدفق اختفى الفن وتضاءل العالم حسب تعبير هولدرين (1869) "في الحدود القصوى لا يبقى هناك شيء غير شروط الزمان والمكان"؟


Independent عربية
منذ 3 ساعات
- Independent عربية
جوائز الأزياء السعودية 2025 تحتفي بالإبداع الإقليمي والعالمي
اختتمت هيئة الأزياء السعودية بنجاح النسخة الثانية من جوائز الأزياء السعودية، وذلك مساء الـ22 من مايو (أيار) الجاري في الرياض، في أمسية احتفالية كرمت المواهب والإبداعات الاستثنائية ضمن 10 فئات في مجالي الأزياء والجمال. وأقيم الحفل تحت رعاية وزارة الثقافة، وجمع بين رموز الموضة من المنطقة وشخصيات عالمية بارزة، في ليلة مميزة مليئة بالابتكار والأناقة، والاحتفال بالفن والإبداع. أقيم الحدث في مركز الملك عبدالله المالي (KAFD) وبالتعاون مع مجموعة ((Fairchild Media Group) WWD، وشكل هذا الحفل محطة جديدة في مسيرة السعودية نحو أن تصبح وجهة عالمية في صناعة الأزياء. تميزت الليلة بعروض فنية حية وبرنامج مسرحي ديناميكي وسجادة حمراء مليئة بالنجوم، مما عكس روح السعودية الإبداعية ونفوذها المتصاعد في ساحة الموضة العالمية. وقد تميزت نسخة هذا العام بتركيز أكبر على قطاع الجمال، وبتوسيع لجنة التحكيم الدولية، التي ضمت كلاً من لو روتش وبوراك شكمك وكزافييه روماتي، وكذلك أماندا سميث ومي بدر ومحمد الدباغ. قال الرئيس التنفيذي لهيئة الأزياء بوراك شكمك "لقد تطورت صناعة الأزياء في السعودية بسرعة استثنائية، وانتقلت من مرحلة الوعد إلى الحضور الفعلي على السجاد الأحمر، وعروض الأزياء، وواجهات المتاجر العالمية". جوائز الأزياء السعودية تكرم جيلاً جديداً من الرواد الذين لا يعيدون تعريف الموضة في المنطقة فحسب، بل يعيدون تعريف ما تمثله". وأضافت رئيسة تحرير مجلة "هي" مي بدر، قائلة "تمكين المبدعين من التعبير عن قصصهم هو جزء من رؤية مجلة 'هي'، وعنصر أساس في رؤية السعودية 2030"، متابعة "عندما نمنح الثقة للمواهب السعودية لرواية قصة السعودية، فإننا نبني صوتاً ثقافياً شاملاً أصيلاً، ويصل صداه إلى العالم." وأشار عميد معهد الموضة الفرنسي (IFM) كزافييه روماتي إلى أن "التعرف إلى مواهب الغد هو تحدٍّ مشوق، بخاصة في بلد يملك كل المقومات لاحتضان جيل جديد من المصممين." اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وفاز بجوائز عام 2025 في الفئات المختلفة منسق الأزياء روان كتوعة، ومصور الأزياء ريان نواوي، وفي علامة المجوهرات فازت "شارمالينا"، وعلامة الأزياء النسائية "أباديا"، كما حصدت "كيه أم أل" علامة الأزياء الرجالية للعام، أما الجائزة الشرفية لعارضة العام فقد نالتها تليدة تامر. وفي شأن جوائز (WWD) الدولية، فاز أليساندرو سارتوري بمصمم العام العالمي، وباتريك تا بمبتكر الجمال العالمي، وحصلت "جلو ريسيبي" على علامة الجمال العالمية في 2025 و"تودز" العلامة التجارية العالمية للعام نفسه. وواصلت جوائز الأزياء السعودية 2025 دورها في الاحتفاء والتمكين، ودعم الموهبة الإبداعية في السعودية، مع ترسيخ حضور المملكة كلاعب رئيس في التأثير الثقافي والاقتصادي عبر بوابة الموضة.


Independent عربية
منذ 6 ساعات
- Independent عربية
الـ"بريك دانس" يهز مدارس المغرب قبولا ورفضا
هل سيتعلم تلاميذ المغرب رقص الـ"هيب هوب" والـ"بريك دانس"؟ يبدو أن وزارة التعليم المغربية عازمة على ذلك بالفعل، بعد إعلانها إدماج هذه الفنون ضمن مقررات التربية البدنية في المدارس العمومية، وهو ما أثار جدلاً عارماً لا يزال متقداً بين منتقدين ومؤيدين لهذه الخطوة التي وصفها كثر بالمفاجئة. يرى المؤيدون أن هذه المبادرة تتيح تجديد العرض التربوي والتعليمي بالمغرب، كذلك فإن الـ"هيب هوب" والـ"بريك دانس" رياضات مدرجة في الألعاب الأولمبية، بينما وجد الرافضون في هذا التوجه نوعاً من التصادم مع البنية الثقافية والهوياتية للمجتمع المغربي، وإقحاماً لرقص مستورد في النظام التعليمي من دون دراسة كافية. "هيب هوب" وخبير دولي دعت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة بالمغرب مديري الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين إلى إنجاز دورات تكوينية لفائدة أساتذة التربية البدنية والرياضية في فنون الـ"هيب هوب" والـ"بريكينغ" تحت إشراف المتخصص الدولي توماس راميريس. وهو، وفق المعطيات المتداولة، أستاذ مجاز في التربية البدنية والرياضية بالعاصمة الفرنسية، ويعد من أبرز الشخصيات التي أسهمت في إدماج ثقافة الـ"هيب هوب" داخل المؤسسات التعليمية. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) اشتهر راميريس باعتماد منهج تربوي يدمج بين الفن والرياضة، حيث يعمل على إدخال الرقص الحضري في المناهج الدراسية، وكثيراً ما يشدد على أن الـ"هيب هوب" ليس فقط تعبيراً فنياً، بل أيضاً وسيلة لتعزيز الإبداع والانضباط والتواصل بين الشباب. وترى وزارة التعليم المغربية أن هذا التوجه نحو إدراج الـ"هيب هوب" والـ"بريك دانس" يأتي في سياق الاعتراف العالمي بهذه الرياضة من طرف اللجنة الأولمبية الدولية عام 2018، وإدراجها أيضاً ضمن الألعاب الأولمبية التي نظمت في باريس عام 2024 كرياضة استعراضية أولمبية. وبررت الوزارة هذه الخطوة بأهمية "دعم التلاميذ لاكتشاف قدراتهم وتطوير مواهبهم وتعزيز انفتاحهم على محيطهم"، علاوة على أن ممارسة الـ"هيب هوب" صارت ثقافة اجتماعية تمارس في شوارع المدن وفي فضاءات منعزلة من دون قواعد رسمية. وتبعاً للمصدر عينه، تعد الـ"بريكينغ" رياضة محبوبة ومحفزة لشباب الجيل الحالي، بفضل طابعها الحركي الفني والتقني والإبداعي، ودورها في تعزيز اللياقة البدنية، والتماسك الاجتماعي، وتنمية الإبداع والثقة بالنفس. خيار تربوي إيجابي كثير من تلاميذ المؤسسات التعليمية استبشروا بهذا التوجه الجديد لوزارة التربية الوطنية، معتبرين أنها "مبادرة إيجابية أن تحتضن هذه الرياضات الفنية وتؤطرها عوض ممارستها بعشوائية في الشوارع". عمر زروهني، تلميذ في السنة الأولى باكالوريا، يقول إنه من هواة ممارسة الـ"هيب هوب" رفقة أصدقائه في الحي وبعض زملائه في الفصل الدراسي، وإن إدراج هذا الفن والرياضة في مقررات التربية البدنية أمر يسر آلاف الشباب المغاربة. يرى التلميذ أن إدراج الـ"هيب هوب" والـ"بريك دانس" في برامج التربية البدنية بالمؤسسات التعليمية، سيوفر لهم فضاء آمناً وسليماً ومؤطراً لممارسة هوايتهم الشبابية، بدل المكوث في الشوارع وممارسة الـ"هيب هوب"، مع ما يجره عليهم ذلك أحياناً من شكايات الجيران وشتائمهم. ويسير في هذا السياق رئيس الفيدرالية الوطنية لجمعيات أمهات وآباء وأولياء التلاميذ، نور الدين عكوري، إذ قال ضمن تصريحات صحافية له، إنه يتعين التعامل مع هذه المبادرة الجديدة على أساس أنها خيار تربوي ورياضي إيجابي، وليس خطراً داهماً يهدد قيم المجتمع المغربي. ووفق عكوري، فإن "هذه المبادرة ليست دخيلة على المجتمع ولا مفسدة لسلوك التلاميذ، كذلك فإن المدارس المغربية تعتبر على مر الأعوام مشتلاً خصباً لاكتشاف وصقل المواهب الشابة والواعدة في المجالات العلمية أو الثقافية أو الرياضية". وعلى الضفة المقابلة، يتحفظ تلاميذ كثر على المبادرة، بالنظر إلى أن "التلاميذ يحتاجون إلى الدعم التربوي والتعليمي أكثر، كما يحتاجون إلى تجهيزات تكنولوجية تعينهم على شق طريق العلم في زمن الذكاء الاصطناعي"، وفق بعضهم. تصادم مع الهوية يعلق الباحث التربوي المحجوب أدريوش على الموضوع بقوله، إن للقرار الجديد سلبيات وإيجابيات، فمن سلبياته أنه قد يتصادم مع البنية الثقافية والهوياتية للمجتمع المغربي، فحرية الإبداع والاختيار مضمونة، ولكن يجب ألا تتحول المدرسة إلى فضاء مفتوح لأي ممارسة غير علمية وغير أكاديمية، ومن دون معايير تربوية. وأردف أن من سلبيات إقحام الـ"هيب هوب" والـ"بريك دانس" في برامج التعليم، أن الوزارة لم تحدد أعوام التعلم التي تمارس فيها هذه الأنشطة، لأن أعوام التعليم الإلزامي، في جميع دول العالم، فيها نوع من التحصين الثقافي والتربوي الوطني، ولا يتم تعليمها إلا في مراحل متقدمة. أما عن إيجابيات هذا القرار، يتابع أدريوش، فهي الانفتاح على ثقافات أخرى، بالنظر إلى أن المجتمع المغربي ليس معزولاً عما يقع في العالم الواسع، والمؤسسة التعليمية ليست معزولة عن محيطها، شريطة احترام الخصوصية المغربية والهوية الروحية والفكرية والثقافية. ونبه الباحث عينه إلى أنه "يتعين عدم استغلال مثل هذه الاقتراحات لتمرير أفكار وتصورات تهدم أكثر مما تبني"، مردفاً أن "التفكير في تنزيل قرارات كهذه وإدماج مكونات أخرى ضمن المناهج الدراسية يجب أن يتم ضمن منظور نسقي وشامل، في إطار تدبير وطني مؤسساتي تشارك فيه جميع الأطراف، بخاصة ذوو الاختصاص".