
دراسة: النواة الداخلية للأرض "ليست صلبة كما يُعتقد"
كشفت دراسة أجراها علماء من جامعة ساوث كاليفورنيا الأميركية عن تغيّرات هيكلية تحدث بالقرب من مركز الأرض، مما يشير إلى أن سطح النواة الداخلية قد يكون في حالة تغيير مستمر.
وتلقي الدراسة المنشورة في دورية "نيتشر: جيوساينس" Nature Geoscience، الضوء على دور النشاط الطبوغرافي في تغيّر دوران النواة الداخلية؛ وتأثيره على طول اليوم الأرضي، وتقع النواة الداخلية للأرض على عمق نحو 4800 كيلومتر تحت السطح، وكانت تُعتبر سابقاً كرة صلبة مستقرة.
وجاءت هذه الدراسة لتتحدى هذا الاعتقاد، إذ أظهرت بيانات الموجات الزلزالية أن النواة الداخلية قد لا تكون صلبة بالكامل كما كان يُعتقد.
طبقات الأرض
تتكون الأرض من عدة طبقات رئيسية، كل منها تتميز بخصائص فيزيائية وكيميائية فريدة تؤثر على العمليات الجيولوجية والكوكبية بشكل عام.
تبدأ التركيبة الداخلية للأرض من القشرة، وهي الطبقة الخارجية الصلبة التي تتفاوت سماكتها بين 5 إلى 70 كيلومتراً، إذ تكون رقيقة تحت المحيطات وسميكة تحت القارات، وتتألف من صخور السيليكات مثل الجرانيت والبازلت.
أسفل القشرة يقع الوشاح، الذي يمتد حتى عمق 2900 كيلومتر، ويتكون بشكل رئيسي من صخور السيليكات الغنية بالماغنسيوم والحديد.
ويُقسم الوشاح إلى جزأين؛ الوشاح العلوي الذي يشمل الغلاف الصخري والطبقة اللدنة، وهي منطقة مرنة شبه منصهرة تتحرك فيها الصفائح التكتونية، والوشاح السفلي الأكثر كثافة وصلابة بسبب الضغط العالي.
أسفل الوشاح، نجد النواة التي تنقسم إلى النواة الخارجية السائلة، والتي تمتد من 2900 إلى 5100 كيلومتر وتُكوّن من الحديد والنيكل الذائبين، مما يولد تيارات تنتج المجال المغناطيسي للأرض، والنواة الداخلية الصلبة التي تمتد من 5100 إلى 6371 كيلومتراً، وتتكون أساساً من الحديد والنيكل في حالة صلبة؛ بسبب الضغط الهائل الذي يمنعها من الذوبان، رغم درجات الحرارة التي تصل إلى أكثر من 5000 درجة مئوية.
وتُعتبر هذه التركيبة الديناميكية للأرض العامل الأساسي وراء العديد من الظواهر الجيولوجية مثل الزلازل والبراكين وتشكّل الجبال، بالإضافة إلى تأثيرها في استقرار المجال المغناطيسي، الذي يلعب دوراً حيوياً في حماية الكوكب من الإشعاعات الكونية والرياح الشمسية.
ويقول المؤلف الرئيسي للدراسة جون فيدال، أستاذ علوم الأرض في جامعة ساوث كاليفورنيا، إن الفريق لم يكن يسعى إلى تحديد الطبيعة الفيزيائية للنواة الداخلية، بل كان يدرس تباطؤ دورانها، لكنه لاحظ أن بعض البيانات الزلزالية التي تم جمعها على مدار عقود أظهرت خصائص غير معتادة، وقال: "هذه البيانات كشفت عن وجود تغيرات في شكل النواة الداخلية، مما يشير إلى أنها قد تكون عرضة للتشوه بفعل تأثيرات ديناميكية".
اعتمد الباحثون على بيانات زلزالية تم جمعها من 121 زلزالاً متكرراً وقعت بين عامي 1991 و2024 بالقرب من جزر ساندويتش الجنوبية في القارة القطبية الجنوبية، وتمت دراسة هذه البيانات باستخدام محطات استقبال زلزالية منتشرة في الولايات المتحدة وكندا.
لاحظ العلماء أن إحدى مجموعات البيانات الواردة من محطة زلزالية تضمنت خصائص غير معتادة لم يسبق لهم رؤيتها. في البداية، كان الأمر محيراً، لكن بعد تحسين تقنية تحليل الموجات الزلزالية، اتضح أن هذه الموجات تعكس نشاطاً فيزيائياً جديداً داخل النواة الداخلية.
لزوجة الأرض
تشير الدراسة إلى أن سطح النواة الداخلية قد يكون عرضة لتغيرات لزجة تؤدي إلى تحوّلات في شكلها عند حدودها الضحلة. ويُعتقد أن السبب الأكثر وضوحاً لهذا التغير هو التفاعل الديناميكي بين النواة الداخلية الصلبة والنواة الخارجية السائلة.
هذه اللزوجة تعني أن المادة في سطح النواة الداخلية قادرة على التدفق ببطء شديد، مما يؤدي إلى تحولات شكلية عند حدودها الضحلة، حيث يمكن أن تتمدد أو تتقلص بفعل التأثيرات الديناميكية من النواة الخارجية السائلة المحيطة بها.
وقد تكون هذه التغيرات نتيجة مباشرة للاضطرابات الحرارية والحركية في النواة الخارجية، والتي يُعرف عنها أنها مضطربة ومتحركة باستمرار؛ بسبب تيارات الحمل الحراري، المسؤولة أيضاً عن توليد المجال المغناطيسي للأرض.
ومع أن النواة الداخلية تُعتبر صلبة بفعل الضغط الهائل، فإن هذه الدراسة توضح أن سطحها قد لا يكون ثابتاً تماماً، بل يتفاعل بشكل مستمر مع التقلبات في النواة الخارجية، مما قد يؤثر على حركتها الدورانية، ويُحدث تغييرات دقيقة في طول اليوم الأرضي.
من المعروف أن النواة الخارجية السائلة للأرض مضطربة للغاية، لكن لم يكن هناك دليل سابق على أن هذا الاضطراب يمكن أن يؤثر على النواة الداخلية خلال فترات زمنية قصيرة نسبياً.
يُعتبر هذا الاكتشاف خطوة مهمة نحو فهم أعمق للبنية الداخلية للأرض، وقد يساعد في تفسير التغيرات التي تحدث في المجال المغناطيسي والحراري لكوكبنا، كما أنه يقدم دليلاً جديداً على أن النواة الداخلية ليست كتلة صلبة ثابتة، بل هي بنية معقدة تتغير بمرور الوقت.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق السعودية
٠٣-٠٥-٢٠٢٥
- الشرق السعودية
علماء يستكشفون المنطقة المسؤولة عن الوعي في الدماغ
الوعي هو جوهر الوجود البشري، لأنه القدرة على الرؤية والسمع والحلم والتخيل والشعور بالألم أو المتعة أو الخوف أو الحب وغيرها، لكن أين يقع هذا الوعي تحديداً في الدماغ؟ سؤال لطالما حير العلماء والأطباء. وتقدم دراسة جديدة رؤى حديثة عن تلك المسألة. في مسعى لتحديد أجزاء الدماغ المسؤولة عن الوعي، أجرى علماء الأعصاب قياسات للنشاط الكهربائي والمغناطيسي، بالإضافة إلى تدفق الدم، في أدمغة 256 شخصاً في 12 مختبراً في أنحاء الولايات المتحدة وأوروبا والصين، أثناء مشاهدة المشاركين صوراً متنوعة. وتتبعت القياسات النشاط في أجزاء مختلفة من الدماغ. ووجد الباحثون أن الوعي قد لا ينشأ في الجزء "الذكي" من الدماغ، وهي المناطق الأمامية حيث تحدث عملية التفكير التي نمت تدريجياً في عملية التطور البشري، لكنه قد ينشأ في المناطق الحسية في الجزء الخلفي من الدماغ الذي يعالج الإبصار والسمع. وقال عالم الأعصاب كريستوف كوك من "معهد ألين" في سياتل، بالولايات المتحدة: "لماذا كل هذا مهم؟". وكوك أحد المعدين الرئيسيين للدراسة المنشورة هذا الأسبوع في دورية "نيتشر" العلمية. وأوضح: "إذا أردنا أن نفهم ركيزة الوعي ومن يملكها، البالغون والأطفال قبل اكتساب اللغة والجنين في الثلث الثاني من الحمل والكلب والفأر والحبار والغراب والذبابة، فنحن بحاجة إلى تحديد الآليات الأساسية في الدماغ..." وعُرضت صور وجوه أشخاص وأشياء مختلفة على المشاركين في الدراسة. وذكر كوك: "الوعي هو الشعور الذي نحس به عند رؤية صورة لمحمصة خبز أو وجه شخص. الوعي ليس السلوك المرتبط بهذا الشعور، على سبيل المثال الضغط على زر أو قول أرى فلاناً". نظريتان رائدتان حول الوعي واختبر الباحثون نظريتين علميتين رائدتين حول الوعي. وبموجب نظرية "مساحة العمل العصبية الشاملة"، ينشأ الوعي في مقدمة الدماغ، ثم تنتشر المعلومات المهمة على نطاق واسع في جميع أنحائه. أما بموجب نظرية "المعلومات المتكاملة"، فينبع الوعي من تفاعل أجزاء مختلفة من الدماغ وتعاونها، إذ تعمل هذه الأجزاء معاً لدمج المعلومات المستقبلة في حالة الوعي. ولم تتفق النتائج مع أي من النظريتين. وقال كوك متسائلاً: "أين توجد المؤشرات العصبية التي تدل على الوعي في الدماغ؟ ببساطة شديدة، هل هي في مقدمة القشرة المخية، أي الطبقة الخارجية من الدماغ، مثل القشرة الجبهية، مثلما تنبأت نظرية مساحة العمل العصبية الشاملة؟". والقشرة الجبهية الأمامية هي التي تجعل جنسنا البشري فريداً من نوعه، فهي التي تحفز العمليات المعرفية العليا مثل التخطيط واتخاذ القرار والتفكير والتعبير عن الشخصية وتعديل السلوك الاجتماعي. ومضى كوك في تساؤلاته: "أم أن علامات (الوعي) موجودة في المناطق الخلفية من القشرة؟". والقشرة الخلفية هي المنطقة التي تحدث فيها معالجة السمع والإبصار. وقال: "هنا، تصب الأدلة بشكل قاطع في مصلحة القشرة الخلفية. إما أن المعلومات المتعلقة بالوعي لم يُعثر عليها في الأمام، وإما أنها كانت أضعف بكثير من تلك الموجودة في الخلف. وهذا يدعم فكرة أن الفصوص الجبهية، وإن كانت ضرورية للذكاء والحكم والاستدلال إلخ، لا تشارك بشكل حاسم في الرؤية، أي في الإدراك البصري في حالة الوعي". ديناميات الوعي في الدماغ ومع ذلك، لم تتمكن الدراسة من تحديد ما يكفي من الاتصالات التي تستمر للمدة التي تستغرقها تجربة الوعي في الجزء الخلفي من الدماغ لدعم نظرية المعلومات المتكاملة. وتوجد تطبيقات عملية لتكوين فهم أعمق لديناميات الوعي في الدماغ. وقال كوك إن ذلك "سيكون مهماً لكيفية تعامل الأطباء مع المرضى في حالات الغيبوبة أو متلازمة اليقظة بلا استجابة، وهي حالة يكونون فيها مستيقظين، ولكن لا تظهر عليهم أي علامات على الوعي بسبب إصابة دماغية أو سكتة دماغية أو سكتة قلبية أو جرعة زائدة من المخدرات أو أسباب أخرى". ومن بين هؤلاء المرضى، يموت ما بين 70 إلى 90% بسبب اتخاذ قرار بسحب العلاج الذي يدعم الحياة. وذكر كوك: "مع ذلك، نعلم الآن أن حوالي ربع المرضى في حالة الغيبوبة أو متلازمة اليقظة بلا استجابة يكونون واعين، وعياً خفياً، ومع ذلك لا يستطيعون الإشارة إلى ذلك"، في إشارة إلى بحث منشور العام الماضي في دورية "نيو إنجلاند" الطبية. وأضاف: "ستمكننا معرفة آثار الوعي في الدماغ من أن نرصد بشكل أفضل هذا الشكل غير الظاهر من الوجود، دون القدرة على الإشارة".


الشرق السعودية
٠٢-٠٥-٢٠٢٥
- الشرق السعودية
المنطقة المسؤولة عن الوعي في الدماغ.. علماء يعرضون دراسة جديدة
الوعي هو جوهر الوجود البشري، لأنه القدرة على الرؤية والسمع والحلم والتخيل والشعور بالألم أو المتعة أو الخوف أو الحب وغيرها، لكن أين يقع هذا الوعي تحديداً في الدماغ؟ سؤال لطالما حير العلماء والأطباء. وتقدم دراسة جديدة رؤى حديثة عن تلك المسألة. في مسعى لتحديد أجزاء الدماغ المسؤولة عن الوعي، أجرى علماء الأعصاب قياسات للنشاط الكهربائي والمغناطيسي، بالإضافة إلى تدفق الدم، في أدمغة 256 شخصاً في 12 مختبراً في أنحاء الولايات المتحدة وأوروبا والصين، أثناء مشاهدة المشاركين صوراً متنوعة. وتتبعت القياسات النشاط في أجزاء مختلفة من الدماغ. ووجد الباحثون أن الوعي قد لا ينشأ في الجزء "الذكي" من الدماغ، وهي المناطق الأمامية حيث تحدث عملية التفكير التي نمت تدريجياً في عملية التطور البشري، لكنه قد ينشأ في المناطق الحسية في الجزء الخلفي من الدماغ الذي يعالج الإبصار والسمع. وقال عالم الأعصاب كريستوف كوك من "معهد ألين" في سياتل، بالولايات المتحدة: "لماذا كل هذا مهم؟". وكوك أحد المعدين الرئيسيين للدراسة المنشورة هذا الأسبوع في دورية "نيتشر" العلمية. وأوضح: "إذا أردنا أن نفهم ركيزة الوعي ومن يملكها، البالغون والأطفال قبل اكتساب اللغة والجنين في الثلث الثاني من الحمل والكلب والفأر والحبار والغراب والذبابة، فنحن بحاجة إلى تحديد الآليات الأساسية في الدماغ..." وعُرضت صور وجوه أشخاص وأشياء مختلفة على المشاركين في الدراسة. وذكر كوك: "الوعي هو الشعور الذي نحس به عند رؤية صورة لمحمصة خبز أو وجه شخص. الوعي ليس السلوك المرتبط بهذا الشعور، على سبيل المثال الضغط على زر أو قول أرى فلاناً". نظريتان رائدتان حول الوعي واختبر الباحثون نظريتين علميتين رائدتين حول الوعي. وبموجب نظرية "مساحة العمل العصبية الشاملة"، ينشأ الوعي في مقدمة الدماغ، ثم تنتشر المعلومات المهمة على نطاق واسع في جميع أنحائه. أما بموجب نظرية "المعلومات المتكاملة"، فينبع الوعي من تفاعل أجزاء مختلفة من الدماغ وتعاونها، إذ تعمل هذه الأجزاء معاً لدمج المعلومات المستقبلة في حالة الوعي. ولم تتفق النتائج مع أي من النظريتين. وقال كوك متسائلاً: "أين توجد المؤشرات العصبية التي تدل على الوعي في الدماغ؟ ببساطة شديدة، هل هي في مقدمة القشرة المخية، أي الطبقة الخارجية من الدماغ، مثل القشرة الجبهية، مثلما تنبأت نظرية مساحة العمل العصبية الشاملة؟". والقشرة الجبهية الأمامية هي التي تجعل جنسنا البشري فريداً من نوعه، فهي التي تحفز العمليات المعرفية العليا مثل التخطيط واتخاذ القرار والتفكير والتعبير عن الشخصية وتعديل السلوك الاجتماعي. ومضى كوك في تساؤلاته: "أم أن علامات (الوعي) موجودة في المناطق الخلفية من القشرة؟". والقشرة الخلفية هي المنطقة التي تحدث فيها معالجة السمع والإبصار. وقال: "هنا، تصب الأدلة بشكل قاطع في مصلحة القشرة الخلفية. إما أن المعلومات المتعلقة بالوعي لم يُعثر عليها في الأمام، وإما أنها كانت أضعف بكثير من تلك الموجودة في الخلف. وهذا يدعم فكرة أن الفصوص الجبهية، وإن كانت ضرورية للذكاء والحكم والاستدلال إلخ، لا تشارك بشكل حاسم في الرؤية، أي في الإدراك البصري في حالة الوعي". ديناميات الوعي في الدماغ ومع ذلك، لم تتمكن الدراسة من تحديد ما يكفي من الاتصالات التي تستمر للمدة التي تستغرقها تجربة الوعي في الجزء الخلفي من الدماغ لدعم نظرية المعلومات المتكاملة. وتوجد تطبيقات عملية لتكوين فهم أعمق لديناميات الوعي في الدماغ. وقال كوك إن ذلك "سيكون مهماً لكيفية تعامل الأطباء مع المرضى في حالات الغيبوبة أو متلازمة اليقظة بلا استجابة، وهي حالة يكونون فيها مستيقظين، ولكن لا تظهر عليهم أي علامات على الوعي بسبب إصابة دماغية أو سكتة دماغية أو سكتة قلبية أو جرعة زائدة من المخدرات أو أسباب أخرى". ومن بين هؤلاء المرضى، يموت ما بين 70 إلى 90% بسبب اتخاذ قرار بسحب العلاج الذي يدعم الحياة. وذكر كوك: "مع ذلك، نعلم الآن أن حوالي ربع المرضى في حالة الغيبوبة أو متلازمة اليقظة بلا استجابة يكونون واعين، وعياً خفياً، ومع ذلك لا يستطيعون الإشارة إلى ذلك"، في إشارة إلى بحث منشور العام الماضي في دورية "نيو إنجلاند" الطبية. وأضاف: "ستمكننا معرفة آثار الوعي في الدماغ من أن نرصد بشكل أفضل هذا الشكل غير الظاهر من الوجود، دون القدرة على الإشارة".


العربية
٠١-٠٥-٢٠٢٥
- العربية
علماء يستكشفون المنطقة المسؤولة عن الوعي في الدماغ
الوعي هو جوهر الوجود البشري، لأنه القدرة على الرؤية والسمع والحلم والتخيل والشعور بالألم أو المتعة أو الخوف أو الحب وغيرها، لكن أين يقع هذا الوعي تحديدا في الدماغ؟ سؤال لطالما حير العلماء والأطباء، وتقدم دراسة جديدة رؤى حديثة عن تلك المسألة. في مسعى لتحديد أجزاء الدماغ المسؤولة عن الوعي، أجرى علماء الأعصاب قياسات للنشاط الكهربائي والمغناطيسي، بالإضافة إلى تدفق الدم، في أدمغة 256 شخصا في 12 مختبرا في أنحاء الولايات المتحدة وأوروبا والصين أثناء مشاهدة المشاركين صورا متنوعة. وتتبعت القياسات النشاط في أجزاء مختلفة من الدماغ. ووجد الباحثون أن الوعي قد لا ينشأ في الجزء "الذكي" من الدماغ، وهي المناطق الأمامية حيث تحدث عملية التفكير التي نمت تدريجيا في عملية التطور البشري، لكنه قد ينشأ في المناطق الحسية في الجزء الخلفي من الدماغ الذي يعالج الإبصار والسمع. وقال عالم الأعصاب كريستوف كوك من معهد ألين في سياتل "لماذا كل هذا مهم؟". وكوك أحد المعدين الرئيسيين للدراسة المنشورة هذا الأسبوع في دورية (نيتشر) العلمية. وأوضح "إذا أردنا أن نفهم ركيزة الوعي ومن يملكها، البالغون والأطفال قبل اكتساب اللغة والجنين في الثلث الثاني من الحمل والكلب والفأر والحبار والغراب والذبابة، فنحن بحاجة إلى تحديد الآليات الأساسية في الدماغ..." وعُرضت صور وجوه أشخاص وأشياء مختلفة على المشاركين في الدراسة. وذكر كوك "الوعي هو الشعور الذي نحس به عند رؤية رسم محمصة خبز أو وجه شخص. الوعي ليس السلوك المرتبط بهذا الشعور، على سبيل المثال الضغط على زر أو قول "أرى فلانا". واختبر الباحثون نظريتين علميتين رائدتين حول الوعي. بموجب نظرية "مساحة العمل العصبية الشاملة"، يتجسد الوعي في مقدمة الدماغ، ثم تنتشر المعلومات المهمة على نطاق واسع في جميع أنحائه. أما بموجب نظرية "المعلومات المتكاملة"، فينبع الوعي من تفاعل أجزاء مختلفة من الدماغ وتعاونها، إذ تعمل هذه الأجزاء معا لدمج المعلومات المستقبلة في حالة الوعي. ولم تتفق النتائج مع أي من النظريتين. * أين يقع الوعي؟ قال كوك متسائلا "أين توجد العلامات العصبية التي تدل على الوعي في الدماغ؟ ببساطة شديدة، هل هي في مقدمة القشرة المخية، أي الطبقة الخارجية من الدماغ، مثل القشرة الجبهية، مثلما تنبأت نظرية مساحة العمل العصبية الشاملة؟". والقشرة الجبهية الأمامية هي التي تجعل جنسنا البشري فريدا مننوعه، فهي التي تحفز العمليات المعرفية العليا مثل التخطيط واتخاذ القرار والتفكير والتعبير عن الشخصية وتعديل السلوك الاجتماعي. ومضى كوك في تساؤلاته "أم أن علامات (الوعي) موجودة في المناطقالخلفية من القشرة؟". والقشرة الخلفية هي المنطقة التي تحدث فيها معالجة السمع والإبصار. وقال "هنا، تصب الأدلة بشكل قاطع في مصلحة القشرة الخلفية. إما أن المعلومات المتعلقة بالوعي لم يُعثر عليها في الأمام، وإما أنها كانت أضعف بكثير من تلك الموجودة في الخلف. وهذا يدعم فكرة أن الفصوص الجبهية، وإن كانت ضرورية للذكاء والحكم والاستدلال إلخ، لا تشارك بشكل حاسم في الرؤية، أي في الإدراك البصري في حالة الوعي". ومع ذلك، لم تتمكن الدراسة من تحديد ما يكفي من الاتصالات التي تستمر للمدة التي تستغرقها تجربة الوعي في الجزء الخلفي من الدماغ لدعم نظرية المعلومات المتكاملة. وتوجد تطبيقات عملية لتكوين فهم أعمق لديناميات الوعي في الدماغ. وقال كوك إن ذلك سيكون مهما لكيفية تعامل الأطباء مع المرضى في حالات الغيبوبة أو متلازمة اليقظة بلا استجابة، وهي حالة يكونون فيها مستيقظين ولكن لا تظهر عليهم أي علامات على الوعي بسبب إصابة دماغية أو سكتة دماغية أو سكتة قلبية أو جرعة زائدة من المخدرات أو أسباب أخرى. ومن بين هؤلاء المرضى، يموت ما بين 70 إلى 90 بالمئة بسبب اتخاذ قرار بسحب العلاج الذي يدعم الحياة. وذكر كوك "مع ذلك، نعلم الآن أن حوالي ربع المرضى في حالة الغيبوبة أو ... متلازمة اليقظة بلا استجابة يكونون واعين، وعيا خفيا، ومع ذلك لا يستطيعون الإشارة إلى ذلك"، في إشارة إلى بحث منشور العام الماضي في دورية (نيو إنغلاند) الطبية. وأضاف "ستمكننا معرفة آثار الوعي في الدماغ من أن نرصد بشكل أفضل هذا الشكل غير الظاهر من 'الوجود' دون القدرة على الإشارة".