
الحظُّ والكَبَدُ والإِيمان
من مباهج الحياة، أنْ يكتشف الفردُ ما يجيده من عمل، وينمِّي مواهبه، ويطوِّر قدراته؛ ليصل بها إلى أقصى حدٍّ لخدمة نفسه والآخرين، والحصول على السَّعادة.لكن يبدو ظاهرًا في الحياة، أنَّ الحظَّ بشقَّيه الحَسَن والسَّيءِ لا يمكن توقُّعه، وهو في واقعه شديد العشوائيَّة، وبسبب ذلك قد يعني لكثيرٍ من النَّاس أنَّ الحياة ليست عادلة، فكثيرًا ما ينجح أناسٌ سيئُون غير مؤهَّلِين، ويفشل أناسٌ صالحُون يتَّخذُون قرارات بتدبُّرٍ وعنايةٍ فائقةٍ!.عمومًا، يجب تذكُّر أنَّ استيقاظك ليوم جديد؛ يعني أنَّك تجاوزت ليلةً أُخْرى وعشت ليومٍ جديدٍ.. لذا، من الجميل ممارسة عبادة الامتنان لله على نعمِهِ وفضلِهِ، وتذكَّر إنجازاتِك وقدراتِك وصبرك.إنَّ الحياة تستمر بكلِّ جبروتها ومآسيها بتلقائيَّة ولا مبالاة، لكنَّها -أيضًا- قابلة للعيش الكريم، وصالحة لخطف لحظات السَّعادة من براثنها. يقول (يوجين يونسكو): «لقد اعتاد النَّاس الحياة من خلال همومهم، وعاداتهم الصَّغيرة، وهم لا يرُون العالم، وفقدُوا القدرة على الدَّهشة».ومع الوقت والتجارب والنُّضج، قد تشعر بالإنهاك والاستنزاف، وستضطر إلى تغيير رُؤيتك، وضبط تفكيرك، وتعديل سلوكك، والتغاضي عن التفسير والتبرير، واللجوء لمنطقة راحتك، ثمَّ التخلُّص من بعض الأعباء، وكثير من النَّاس، والاستغناء حتَّى عن بعض الشَّغف، إذ يصبح الشَّغف مجرَّد وَهْمٍ آخرَ في طريق الحياة.أنقلُ (بتصرُّف) قولًا للكاتب (أنيس منصور): «تريدُ منِّي نصيحةً جاءتْ متأخِّرةً جدًّا؛ لا تتعجَّلْ أيَّ شيءٍ، أنت مهمٌّ قليلًا للنَّاس، أو لا أهميَّة لك، ولكن أنتَ أهمُّ إنسانٍ في حياتك.فالذي يتعجَّل كلَّ شيءٍ يعيشُ عمرَه أو نصفَ عمرِه، أمَّا الذي يتمهَّل فيعيشُ العمرَ الواحدَ مرَّتين، وثلاثًا.. صدقنِي».من الحكمةِ أنْ نعيَ أنَّ النَّاس خُلِقُوا في كَبَدٍ، وأنَّ اللهَ ابتلاهُم بالحياةِ والموتِ، والخيرِ والشرِّ؛ لِيعلَمَ أيهُم أحسنُ عملًا، وجعلَ بعضَهم لبعضٍ فتنةً؛ بغرضِ الصبرِ، وأنَّ حكمته اقتضتِ التَّمحيص ليعلَمَ -سبحانَهُ- مَن يخافُهُ بالغيبِ، وأنَّ الكثرةَ مذمومةٌ، وأنَّ النجاةَ مع فئة مؤمنةٍ قليلة.يقول قديس الأدب الروسي: «إنَّني لم أعشْ فيما مضَى من عمرِي إلَّا عندمَا كنتُ أؤمن باللهِ.. كلَّما آمنتُ باللهِ أشعرُ بالحياةِ، وكلَّما أعرضتُ عن هذا الإيمانِ، أشعرُ بأنَّني ميِّتٌ بالحقيقةِ.. ما أنشده هو الله الذي لا تستقيمُ الحياةُ بدونه، عشْ للسَّعي إلى الله».

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


المدينة
٢٣-٠٤-٢٠٢٥
- المدينة
الصلوات الرأسية والأفقية والحركية والوسطى
في ضوء المفهوم الخاطئ والدَّارج -عند الكثير من النَّاس- بأنَّ الصَّلاة هي -فقط- الصَّلاة الحركيَّة المعروفة بـ»الفروض الخمسة، والسُّنن، والنَّوافل»، بينما الصَّلاة ذات مدلولٍ واسعٍ وعظيمٍ، فهي لُغويًّا بلفظها المجرَّد تُعرَّف بأنَّها الدُّعاء بمختلف صورِهِ وغاياته؛ كونها تحقِّق الاتصال مع الله تعَالَى، والتوسُّل إليه بتحقيق المطالب الدنيويَّة والأُخرويَّة، والرَّجاء منه بغفران الذُّنوب والخطايا والزَّلات، ويعفو عنها، لكنَّ الصَّلاة بلفظها الشَّامل، لها أربعة أوجهٍ، نذكرها فيما يلي:* الصَّلاةُ الرأسيَّة، وهي تتمثَّل في التواصل المباشر مع الله -سبحانه- في كلِّ زمانٍ ومكانٍ، من خلال الدُّعاء والتوسُّل والرَّجاء، وهذه تُعدُّ أسمَى درجات الصَّلاة؛ كونها بعيدةً عن الرِّياء والسُّمعة، وتصدر بصفاءٍ ونقاءِ سريرةٍ، وهذه يمكن تعريفها بدرجة الإحسان، الذِي هُو أنْ تَعبُدَ اللهَ كأنَّكَ ترَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَهُو يَرَاكَ.* الصلاة الأفقية: وهي تتمثل في تطبيق أوامر الله تعالى، واجتناب نواهيه في التعامل مع الناس، كعدم الكذب، والنصب، والاحتيال، والظلم، وإخلاف الوعد، واجتناب الغيبة، والنميمة، والبهتان، وعدم الغش، وتأدية الأعمال بما يرضى الله تعالى، وإعطاء كل ذي حق حقه، والوفاء بالوعود، وتطبيق القيم الفاضلة، واجتناب السلوكات السيئة في ميدان الحياة، وهذه -لا شك- تلي الصلاة الرأسية في مرتبتها الدينية.* الصَّلاةُ الحركيَّة: هي الصَّلوات الخمس، التي يقيمها المُسلمُ كلَّ يومٍ، وما رافقها من النَّوافل، وصلاةُ الميِّت، وصلاةُ الاستسقاء، وصلاةُ العيد، وهذه الصَّلوات حتمًا لا تخرجُ عن نطاق الدُّعاء والتوسُّل والرَّجاء، وقراءة ما تيسَّر من كتاب الله تعَالَى، وهذه الصَّلوات إنْ لم تنه عن الفحشاء والمُنكر، فهي لا تزيدُ الإنسانَ إلَّا بُعدًا عن الله، فقد يتخلَّلها الرِّياء بعد الانتهاء من الأداء منها، والسُّمعة، والمُجاملة، وعدم الخشوع والطمأنينة.* الصَّلاة الوسطَى: هذه الصَّلاة يخطئُ الكثيرُ من الفقهاء في تعريف تحديدها، فيقول البعضُ إنَّها صلاةُ العَصرِ، ويقول البعضُ إنَّها صلاةُ الظُّهرِ، وقال البعضُ إنَّها صلاةُ الفجرِ، وهذا بالطَّبع بعيدٌ عن الصحَّة -تمامًا-؛ لأنَّ اللهَ تعالى قالَ في كتابِهِ: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الوُسْطَى)، فذكر الصَّلاة الوسطَى منفردةً؛ كونه ذكر الصَّلوات، وفيها جمع لتلك الصَّلوات المذكورة في الصَّلاة الحركيَّة، لكنِّي أراها -من وجهةِ نظري- أنَّها الصَّلاةُ الرَّاسيَّة، والأُفقيَّة بين كلِّ صلاةٍ وصلاةٍ حركيَّة، أي ما بين الصَّلوات الخمس؛ كونَها تُعدُّ المعيارَ التطبيقيَّ لما تضمَّنته الصَّلاةُ الحركيَّة من حيث تطبيق القيم الفاضلة، والسلوكات الحسنة، بين كلِّ صلاةٍ وأُخْرَى.


المدينة
١٣-٠٤-٢٠٢٥
- المدينة
الحظُّ والكَبَدُ والإِيمان
من مباهج الحياة، أنْ يكتشف الفردُ ما يجيده من عمل، وينمِّي مواهبه، ويطوِّر قدراته؛ ليصل بها إلى أقصى حدٍّ لخدمة نفسه والآخرين، والحصول على السَّعادة.لكن يبدو ظاهرًا في الحياة، أنَّ الحظَّ بشقَّيه الحَسَن والسَّيءِ لا يمكن توقُّعه، وهو في واقعه شديد العشوائيَّة، وبسبب ذلك قد يعني لكثيرٍ من النَّاس أنَّ الحياة ليست عادلة، فكثيرًا ما ينجح أناسٌ سيئُون غير مؤهَّلِين، ويفشل أناسٌ صالحُون يتَّخذُون قرارات بتدبُّرٍ وعنايةٍ فائقةٍ!.عمومًا، يجب تذكُّر أنَّ استيقاظك ليوم جديد؛ يعني أنَّك تجاوزت ليلةً أُخْرى وعشت ليومٍ جديدٍ.. لذا، من الجميل ممارسة عبادة الامتنان لله على نعمِهِ وفضلِهِ، وتذكَّر إنجازاتِك وقدراتِك وصبرك.إنَّ الحياة تستمر بكلِّ جبروتها ومآسيها بتلقائيَّة ولا مبالاة، لكنَّها -أيضًا- قابلة للعيش الكريم، وصالحة لخطف لحظات السَّعادة من براثنها. يقول (يوجين يونسكو): «لقد اعتاد النَّاس الحياة من خلال همومهم، وعاداتهم الصَّغيرة، وهم لا يرُون العالم، وفقدُوا القدرة على الدَّهشة».ومع الوقت والتجارب والنُّضج، قد تشعر بالإنهاك والاستنزاف، وستضطر إلى تغيير رُؤيتك، وضبط تفكيرك، وتعديل سلوكك، والتغاضي عن التفسير والتبرير، واللجوء لمنطقة راحتك، ثمَّ التخلُّص من بعض الأعباء، وكثير من النَّاس، والاستغناء حتَّى عن بعض الشَّغف، إذ يصبح الشَّغف مجرَّد وَهْمٍ آخرَ في طريق الحياة.أنقلُ (بتصرُّف) قولًا للكاتب (أنيس منصور): «تريدُ منِّي نصيحةً جاءتْ متأخِّرةً جدًّا؛ لا تتعجَّلْ أيَّ شيءٍ، أنت مهمٌّ قليلًا للنَّاس، أو لا أهميَّة لك، ولكن أنتَ أهمُّ إنسانٍ في حياتك.فالذي يتعجَّل كلَّ شيءٍ يعيشُ عمرَه أو نصفَ عمرِه، أمَّا الذي يتمهَّل فيعيشُ العمرَ الواحدَ مرَّتين، وثلاثًا.. صدقنِي».من الحكمةِ أنْ نعيَ أنَّ النَّاس خُلِقُوا في كَبَدٍ، وأنَّ اللهَ ابتلاهُم بالحياةِ والموتِ، والخيرِ والشرِّ؛ لِيعلَمَ أيهُم أحسنُ عملًا، وجعلَ بعضَهم لبعضٍ فتنةً؛ بغرضِ الصبرِ، وأنَّ حكمته اقتضتِ التَّمحيص ليعلَمَ -سبحانَهُ- مَن يخافُهُ بالغيبِ، وأنَّ الكثرةَ مذمومةٌ، وأنَّ النجاةَ مع فئة مؤمنةٍ قليلة.يقول قديس الأدب الروسي: «إنَّني لم أعشْ فيما مضَى من عمرِي إلَّا عندمَا كنتُ أؤمن باللهِ.. كلَّما آمنتُ باللهِ أشعرُ بالحياةِ، وكلَّما أعرضتُ عن هذا الإيمانِ، أشعرُ بأنَّني ميِّتٌ بالحقيقةِ.. ما أنشده هو الله الذي لا تستقيمُ الحياةُ بدونه، عشْ للسَّعي إلى الله».


صحيفة المواطن
٠٤-٠٤-٢٠٢٥
- صحيفة المواطن
خطيب المسجد الحرام: مواسم الخير لا تنقضي ورمضان محطة تزود وبوابة انطلاق
أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور بندر بن عبدالعزيز بليلة المسلمين بتقوَى اللهِ، لابتغاء رحمته. وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم بالمسجد الحرام: 'إنَّ مواسمَ الخيرِ لَا تنقَضِي، وأزمِنَةَ القُرَبِ لا تنتهِي، وإِن كُنَّا قدْ ودَّعْنا قبلَ أيَّامٍ قلائِلَ ضَيفًا مِن أكرَمِ الضِّيفانِ، وشهْرًا هو أَجوَدُ أشهُرِ العامِ، غيرَ أنَّ الفُرَصَ تَتَتابَعُ، والسَّوانِحَ تَتَوالَى، وأعمالُ البرِّ لا تنقطِعُ'، مبينًا أن رمضانُ محطَّةٌ للتزوُّدِ، ومدرسَةٌ للتَّغْيِيرِ، وبوّابةٌ للانطلاق . وأوضح أن ميادِينُ الخيْرِ مُشْرَعَةٌ، وجميعُ العباداتِ الَّتِي كانَت مِضمارًا للسِّباقِ فِي رمضانَ، باقِيَةٌ لِلتَّنافُسِ فِي غيرِهِ مِنَ الأزمانِ، وأنَّ المداومَةَ علَى الطاعةِ، والاستمرارَ في العبادَةِ، مِمَّا حثَّ عليهِ الإسلامُ، وأشارَ إليهِ القرآنُ، والتزمَهُ خيرُ الأنامِ، وفِي الصَّحيحينِ مِن حَديثِ عائشةَ أنَّها سُئلت: (يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، كَيْفَ كَانَ عَمَلُ رَسُولِ اللهِ؟ هَلْ كَانَ يَخُصُّ شَيْئًا مِنَ الْأَيَّامِ؟ قَالَتْ: لَا، كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً، وَأَيُّكُمْ يَسْتَطِيعُ مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ يَسْتَطِيعُ). وأكّد فضيلته أن أفضَل ما يستأنِفُ بهِ الإنسانُ أعمالَ البِرِّ بعدَ رمضانَ، صيامُ السِّتِ مِن شوَّالٍ، مُتتالِيَةً أو مُفرَّقةً علَى الأيَّامِ، فِي صَحيحِ مُسلمٍ مِن حَديثِ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ). وقال: إذَا أرادَ اللهُ بعبدِهِ خيرًا، ثبَّتَهُ علَى طريقِ الطَّاعةِ، وألزمَهُ غرْسَ الاستقامَةِ، وفتَحَ لَهُ أبوابَ الخيْرِ، ويسَّرَ لَهُ سُبُلَ العبادَةِ، قال الإمامُ ابنُ القَيِّم -رحمه اللهُ-: (وَفِي هَذِهِ الفَتَرَاتِ الَّتِي تَعْرِضُ لِلسَّالِكِينَ: يَتَبَيَّنُ الصَّادِقُ مِنَ الكَاذِبِ؛ فَالكَاذِبُ: يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ، وَيَعُودُ إِلَى طَبِيعَتِهِ وَهَوَاهُ! وَالصَّادِقُ: يَنْتَظِرُ الفَرَجَ، وَلَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ، وَيُلْقِي نَفْسَهُ بِالبابِ طَرِيحًا ذَلِيلًا: كَالإِنَاءِ الفَارِغِ؛ فَإِذَا رَأَيتَ اللهَ أَقَامَكَ في هذا المَقَامِ، فَاعْلَمْ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَرْحَمَكَ وَيَمْلَأَ إِنَاءَكَ! ) . وبين إمام وخطيب المسجد الحرام أنَّ مِن أعظَمِ مَا يُعينُ العبدَ علَى ذلِكَ استعانَتَهُ بِدُعاءِ اللهِ جلَّ وعلَا، فقدْ وعدَ سبحانَهُ عبادَهُ بِالاستجابَةِ، وَممَّا كانَ يدعُو بِه النبيُّ الثباتُ علَى الدِّينِ، فِي مسندِ الإمامِ أحمدَ وجامِعِ التِرمذِيِّ وحسَّنَهُ عَن أَنَسٍ قالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: (يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكْ)، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: (نَعَمْ، إِنَّ القُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ).